إيران الخارجة من قبضة العقوبات تواجه نكسة في علاقتها الخارجية

بعدما كان قادتها يستعدون للاحتفال نهاية الشهر بتعاظم دورهم في منطقة الشرق الأوسط

إيران الخارجة من قبضة العقوبات تواجه نكسة في علاقتها الخارجية
TT

إيران الخارجة من قبضة العقوبات تواجه نكسة في علاقتها الخارجية

إيران الخارجة من قبضة العقوبات تواجه نكسة في علاقتها الخارجية

اعتبرت حفنة الثيوقراطية الشيعية الإيرانية، إعدام الإرهابي نمر النمر عملاً استفزازيًا متعمدًا من قبل السعودية، لتنفض الغبار عن قواعد اللعبة الخبيثة التي تمارسها طهران في المنطقة، مما أطلق العنان للأعمال المتطرفة في الشوارع الإيرانية.
ففي غضون ساعات من تنفيذ حكم القضاء السعودي، بدأت المواقع القومية الإيرانية في الدعوة إلى التجمهر أمام مبنى السفارة السعودية في طهران ومبنى القنصلية السعودية كذلك في مدينة مشهد الإيرانية الشرقية. وغضت قوات الشرطة المحلية الإيرانية، الطرف عن هذه الأعمال التخريبية حالما أضرم المتطرفون النار في مبنى السفارة باستخدام القنابل الحارقة، وتسلقهم أسوارها وتعمد تخريب أجزاء من المبنى.
والآن، وعلى نحو مفاجئ، وجد القادة الإيرانيون أنفسهم يعيدون النظر وحساب العواقب وما إذا كانوا قد جازفوا كثيرا باللعب مع الجانب السعودي، حيث وجدوا أنفسهم في خضم أزمة جديدة وعميقة في وقت كانت إيران تتطلع فيه للفرار من قبضة العقوبات الاقتصادية الدولية المنهكة، واعتبارها – عالميًا - لاعبًا دوليًا مقبولاً. ربما راهنت إيران، خطأ، على اشتعال غضب عالمي من أحكام الإعدام القضائية السعودية، ولكن بدلاً من ذلك، وجدت طهران نفسها، ومرة أخرى، موسومة من قبل خصومها بأنها المحرض الأول على الفتن في داخل المنطقة وخارجها.
يقول فاضل معبودي، وهو أحد رجال الدين الشيعة من مدينة قم الإيرانية المقدسة لدى الشيعة، وهي أحد مراكز المذهب الشيعي في العالم: «إنهم يعرفون أننا لا يمكننا غض الطرف عن ذلك. ولكن مضيهم قدمًا في تنفيذ الحكم بحق الرجل هو ما كان مفاجأة مروعة بالنسبة لنا جميعًا».
وأعلنت السعودية رسميًا، عقب الهجوم على مبنى السفارة، قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كما اتبعت كل من البحرين والسودان المسار ذاته يوم الاثنين الماضي. أما دولة الإمارات، وهي أحد أهم الشركاء التجاريين الإقليميين لدى إيران، فقد قررت تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع طهران.
عكست تلك التحركات الأخيرة حالة الاستقطاب الشديدة ما بين السنة والشيعة في المنطقة، تلك التي غذت حروب الوكالة والمناورات الفوضوية التي ترعاها إيران في مختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط. ويبدو أنها تضيف بعدًا جديدًا للضغوط على الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية إزاء الاختيار بين الحلفاء السعوديين أو الجانب الإيراني في الوقت الذي كانت فيه تلك الدول تعمل بشكل وثيق مع إيران على أمل تخفيف حدة الحرب المشتعلة في سوريا.
كان شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي شهد لقاءً مباشرًا بين وزيري خارجية كل من السعودية وإيران خلال اجتماع رفيع المستوى عقد في نيويورك لمناقشة الأزمة السورية. ومن المقرر انعقاد المحادثات بين الأطراف المتحاربة في سوريا، التي يشرف عليها مبعوث الأمم المتحدة للأزمة السورية، ستيفان دي ميستورا، في 25 يناير (كانون الثاني) الحالي في جنيف. كان هناك بعض الغموض حول من يقوم بتمثيل كل من النظام السوري أو المعارضة، والآن، وبعد الشقاق الدبلوماسي الأخير، من المتوقع أن يكون هناك مزيد من الارتباك حيال هذه المسألة.
وكان بعض المسؤولين الإيرانيين قد أعربوا عن أملهم في أن يتحول شهر يناير إلى احتفالية كبيرة بالأهمية الإيرانية المتزايدة في المنطقة، حيث من المتوقع، بعد سنوات من المفاوضات الشاقة، أن يتم رفع العقوبات الاقتصادية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني. وبمجرد تنفيذ الاتفاق النووي، «سوف ينعم الشعب الإيراني بالسلام وفتح جديد لاقتصاد البلاد على العالم بأكمله» كما تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطاب إلى للإيرانيين في ديسمبر الماضي. وقال مضيفا: «إن بعض القوى في المنطقة قد حاولت الحيلولة دون إبرام الاتفاق النووي، ولكن جهودها في ذلك قد أخفقت». أما الآن، فيتساءل بعض الإيرانيين عما إذا كانت السعودية قد أصبحت لها اليد العليا مجددًا في شؤون المنطقة إثر الأزمة الدبلوماسية الأخيرة.
كان الدعم المحلي في إيران أقل بكثير من الدعم العالمي للاتفاق النووي، الذي انتقده البعض بأنه يتخلى عن الكثير للمصالح الأجنبية. والآن، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في فبراير (شباط) المقبل، ومع اقتراب انتخابات مجلس الخبراء (مجلس لعلماء الدين)، الذي سيختار من الناحية النظرية المرشد الأعلى المقبل، فمن المؤكد أن المتشددين سيستغلون هذه القضية، والأزمة مع السعودية، لضرب حلفاء الرئيس الإيراني حسن روحاني والمؤيدين الآخرين للاتفاق النووي. وفي تناقض، يتساءل عزيز شاه محمدي، عضو سابق في مجلس الأمن القومي الإيراني: «هنا في إيران ما الجماعة التي تستفيد سياسيًا من اقتحام السفارة؟»، مشيرا إلى أن الإجابة تكمن لدى المتشددين (وهو تحالف فضفاض من رجال الدين والآيديولوجيين والقادة العسكريين). وتابع: «مثل هؤلاء الأشخاص يعارضون حتى تدريب مدربي كرة القدم الأجانب فريقنا»، ويخدم اقتحام السفارة أجندتهم المعارضة للرئيس روحاني، وقال شاه محمدي إنه شعر بالصدمة بشكل واضح من أعمال الاعتداء على السفارة السعودية. وأضاف: «بالنسبة لهم، هذا قد يؤدي إلى مكاسب انتخابية، وهو أفضل نموذج لأن تكون إيران معزولة، لكنهم يفتقدون إلى الصورة الكبيرة هنا: نحن نريد السلام والهدوء».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
TT

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

تقدم أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع بحق زعماء إسرائيل و«حماس»، بسبب الجرائم التي تتهمهم بارتكابها في غزة، رؤى مهمة حول مدى اختصاص المحكمة وحدود سلطتها.

وقدم تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت؛ ورئيس الجناح العسكري لـ«حماس» محمد الضيف، الذي قد يكون ما زال على قيد الحياة.

لماذا تدعي المحكمة الاختصاص في هذه القضية؟

لقد انضمت أكثر من 120 دولة إلى معاهدة دولية، وهي نظام روما الأساسي، وهي أعضاء في المحكمة. تأسست المحكمة، التي يقع مقرها في لاهاي في هولندا، منذ أكثر من عقدين من الزمان لمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجريمة العدوان.

واتهمت المحكمة نتنياهو وغالانت باستخدام التجويع كسلاح حرب، من بين تهم أخرى، في الصراع مع «حماس» في غزة.

واتهمت المحكمة محمد الضيف، أحد المخططين الرئيسيين لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والتعذيب والعنف الجنسي واحتجاز الرهائن.

لا تعترف الدول القوية، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والصين، بسلطة المحكمة. ولم تصادق على نظام روما الأساسي، ولا تحترم المذكرات الدولية الصادرة عن المحكمة ولن تسلم مواطنيها للمحاكمة.

لا إسرائيل ولا فلسطين عضوان في المحكمة. ولكن في حين لا تعترف العديد من الدول بدولة فلسطين، فقد فعلت المحكمة ذلك منذ عام 2015، عندما وقع قادة السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على جزء كبير من الضفة الغربية.

وعلى الرغم من سيطرة «حماس» على غزة منذ عام 2007 ولا تعترف الجماعة المسلحة بخضوعها لدولة فلسطينية، فقد قضت المحكمة بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

وقال ديفيد شيفر، السفير الأميركي السابق والمفاوض الرئيسي في النظام الأساسي الذي أنشأ المحكمة: «أود أن أزعم أن هذا يجعل تصرفات (حماس) أكثر عرضة للمحكمة الجنائية الدولية. إن السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لا تقتصر على (حماس) فقط، بل إن (حماس) أثبتت دورها كسلطة حاكمة لذلك الجزء من دولة فلسطين، وبالتالي فإن هذه السلطة تحمل المسؤولية، بما في ذلك ارتكاب جرائم فظيعة».

ومن الأهمية بمكان بالنسبة لسلطة المحكمة أن اختصاصها يمكن أن يمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء. ويمنح نظام روما الأساسي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، سلطة إحالة جرائم الفظائع المرتكبة في أي دولة -عضو في المحكمة الدولية أم لا- إلى الهيئة القانونية للتحقيق.

وقد أحال مجلس الأمن السودان إلى المحكمة في عام 2005 بشأن الوضع الإنساني في دارفور، وأحال ليبيا في عام 2011 رغم أن كلتا الدولتين ليست عضواً في المحكمة.

وقال الخبراء إنه نظراً للتوترات الحالية بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة)، فمن غير المرجح أن يحيل المجلس بالإجماع فرداً إلى المحكمة للمحاكمة في أي وقت قريب.

وأشار شفير إلى أنه «نظراً للطبيعة غير الوظيفية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، فمن غير المرجح أن تنجو أي إحالة مقترحة لأي حالة معينة في العالم من الفيتو».

هل سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء؟

بالفعل، سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء، فروسيا ليست عضواً في المحكمة، ولكن في عام 2023 أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن غزو موسكو الكامل لأوكرانيا، التي لم تصبح عضواً بعد ولكنها منحت المحكمة الاختصاص ودعتها للتحقيق.

كما أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عمر حسن البشير، الرئيس السابق للسودان، والعقيد معمر القذافي، الزعيم السابق لليبيا. ولا تتمتع أي من الدولتين بعضوية المحكمة.

في عام 2017، بدأ المدعي العام للمحكمة التحقيق في مزاعم جرائم الحرب في أفغانستان، بما في ذلك أي جرائم ربما ارتكبها الأميركيون. ورداً على ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة في ذلك الوقت، وألغت تأشيرة دخولها. وأسقطت المحكمة تحقيقاتها في وقت لاحق.

هل يمكن للمحكمة إنفاذ أوامر الاعتقال؟

في حين أن نطاق المحكمة قد يكون عالمياً تقريباً من الناحية النظرية، فإن قوتها في نهاية المطاف في أيدي أعضائها.

لا يمكن للمحكمة محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم غيابياً وليس لديها آلية لمحاكمة المتهمين. إنها تعتمد على الدول الأعضاء للعمل كجهات منفذة واحتجاز المشتبه بهم قبل أن يتمكنوا من المثول للمحاكمة في لاهاي. ومع ذلك، لا تلتزم جميع الدول الأعضاء بالاتفاق.

قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، إنه دعا نتنياهو لزيارة بلاده، وهي عضو في المحكمة، وأنه سيتجاهل التزامه الرسمي بالتصرف بناءً على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة.

في سبتمبر (أيلول)، زار بوتين منغوليا، وهي عضو آخر، من دون أن يتم القبض عليه.

وزار البشير جنوب أفريقيا، وهي أيضاً عضو، لحضور قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2015.