مقتل 6 من جنود الأطلسي في هجوم انتحاري بباغرام في أفغانستان

طالبان تحكم سيطرتها على منطقة أخرى في هلمند

مقتل 6 من جنود الأطلسي في هجوم انتحاري بباغرام في أفغانستان
TT

مقتل 6 من جنود الأطلسي في هجوم انتحاري بباغرام في أفغانستان

مقتل 6 من جنود الأطلسي في هجوم انتحاري بباغرام في أفغانستان

قتل ستة جنود من بعثة الحلف الأطلسي في أفغانستان، أمس، في عملية انتحارية نفذها عنصر من طالبان قرب قاعدة باغرام الجوية القريبة من العاصمة الأفغانية كابل. وقتل في الهجوم 6 على الأقل من الجنود الأميركيين وأصيب 6 آخرون بجروح، حسبما أفاد حاكم منطقة باغرام عبد الشكور قدوسي.
من جانب آخر، قال ذبيح الله مجاهد الناطق باسم حركة طالبان إن الهجوم أسفر عن مقتل 19 من الجنود الأميركيين. وأكد حلف شمال الأطلسي في وقت لاحق وقوع الهجوم.
وكان محمد عاصم حاكم ولاية بروان حيث قاعدة باغرام أشار في وقت سابق إلى مقتل ثلاثة جنود أجانب في الاعتداء الذي وقع ظهرا. ويتعرض جنود الحلف الأطلسي في أفغانستان وعددهم 13 ألفا، الذين بات دورهم يقتصر على مهمات التدريب والاستشارة، لهجمات طالبان منذ سقوط نظامها في 2001، العام الذي أطلقت فيه الحركة تمردها.
وأعلن المتمردون مسؤوليتهم عن هجوم أمس، وأكدوا أنهم قتلوا «19 جنديا أميركيا». وغالبا ما تضخم حركة طالبان حصيلة هجماتها ضد القوات الأجنبية وقوات الأمن الأفغانية التي تشكل هي أيضا هدفا للمتمردين.
وجاء في بيان مقتضب أصدره الحلف: «وقع هجوم بعبوة ناسفة محمولة قرب قاعدة باغرام الجوية، وفي الوقت الراهن ما زال الحادث يخضع للتحقيق». يذكر أن قاعدة باغرام التي تقع على مسافة 40 كيلومترا إلى الشمال من كابل تعد من أهم القواعد الأميركية في أفغانستان.
من جهة أخرى، تقاوم الشرطة الأفغانية مقاتلي حركة طالبان الذين حاصروا مجمعا تابعا لها في منطقة سانجين بإقليم هلمند الجنوبي أمس، فيما أطبق المتشددون على منطقة ثانية من عاصمة الإقليم. وقال حاكم إقليم هلمند ميرزا خان رحيمي لـ«رويترز»: «تدور اشتباكات عنيفة الآن بين قوات الأمن الأفغانية وطالبان في سانجين في مبنى حاكم المنطقة ومقر قائد الشرطة».
وأضاف أن مقاتلي طالبان منتشرون خارج أسوار المجمع وأن الموقف قد يخرج تماما عن نطاق السيطرة.
وفي العاصمة كابل تعهد عبد الله عبد الله، الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية مع الرئيس أشرف عبد الغني، «بالتحرك الفوري»، بعد اجتماع مع مسؤولي الأمن. وأضاف: «هذا التحرك سيصد هجمات العدو، لكن أي تحرك قد يأتي متأخرا لإنقاذ سانجين»، التي قال مسؤول في الشرطة طلب عدم ذكر اسمه إنه لم يعد هناك مجال للحفاظ على المنطقة وإن الأمر يتعلق الآن بإنقاذ حياة نحو 170 من أفراد الشرطة يتحصنون في الداخل.
وأضاف: «إذا لم نحصل على مساعدة عاجلة من الحكومة المحلية سنفقد كل قواتنا».
وتابع أن طالبان تسيطر بالكامل على الطرق المؤدية إلى سانجين وأنه لا يمكن تخفيف الضغط على الشرطة ما لم تتدخل وحدات تابعة للجيش.
ويعكس الوضع في هلمند الملابسات التي قادت طالبان إلى تحقيق كبرى انتصاراتها في الحرب المستمرة منذ 14 عاما وسيطرتها لفترة وجيزة على مدينة قندوز بشمال أفغانستان في سبتمبر (أيلول).
وشكت وحدات في الجيش والشرطة من افتقارها للإمدادات والتعزيزات الملائمة، فيما سيطرت طالبان على ثلاث مناطق في إقليم هلمند وهددت مراكز أخرى من بينها لشكركاه عاصمة الإقليم.
وقال بشير أحمد شاكر عضو مجلس إقليم هلمند إن المسلحين نجحوا يوم أمس في السيطرة على مركز بلدة سانجين بعد اشتباكات مع قوات الأمن الأفغانية. وتعد سانجين، وسط إقليم هلمند، أحد المراكز الرئيسية لتجارة المخدرات.
وأشار إلى أن المسلحين قد يتمكنون من السيطرة على معظم البلدة.
وقال لوكالة الأنباء الألمانية عبر الهاتف إنه تحدث في وقت سابق أمس مع قائد شرطة البلدة، وإنه أخبره بأن مسلحين يحاصرون 25 من قوات الشرطة وإنه قد يتم قتلهم إذا لم تصل إليهم تعزيزات.
وأوضح أن أنباء وردت عن اندلاع اشتباكات أمس في منطقة جريشك إلى الجنوب من سانجين. وأكد: «الوضع الأمني في جريشك يقلقني، ومن المهم جدا أن تدافع الحكومة عن هذه المنطقة الهامة».
وتقع جريشك على الطريق السريع الرئيسي الذي يصل جنوبي البلاد بغربها.
وكشف أن منطقتين فقط في إقليم هلمند هما الخاليتان من نشاط حركة طالبان، بينما الـ14 الأخرى ما بين واقعة تحت سيطرة المسلحين أو مهددة بالوقوع تحت سيطرتهم.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»