ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة

اتفاق الصخيرات.. دعم دولي وشكوك محلية

ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة
TT

ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة

ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة

يقول وهو يضع ساقًا فوق ساق، إن أبسط القواعد في أي دولة في العالم أن يكون لدى السُلطة قوة مسلحة تحميها وتنفذ قراراتها. ولا يبدو أن الحكومة الليبية الجديدة التي جرى الإعلان عنها في «اتفاق الصخيرات»، مساء يوم أول من أمس (الخميس)، تملك أي قوات تذكر تمكنها من الوصول إلى مبنى البرلمان في طبرق، في شرق البلاد، لكسب الثقة من المجلس التشريعي وحلف اليمين، أو إلى العاصمة طرابلس لمباشرة أعمالها.
ويقول عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمر أكثر تعقيدًا من صيحات الابتهاج التي أبداها بعضٌ ممن وقعوا على الاتفاق تحت رعاية الأمم المتحدة وفي حضور ممثلي عدة دول عربية وأجنبية.. «حكومة الصخيرات ولدت ميتة».
لكن الإعلان عن الحكومة الجديدة برئاسة فايز السراج، حظي بمباركة الكثير من الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، ومن دول الجوار مصر، بالإضافة إلى تركيا وقطر والإمارات. فهل يمكن للتوجه الأممي المؤيد لفريق السراج أن يؤدي إلى إقناع باقي الأطراف الليبية الفاعلة بالالتفاف حول الحكومة التي جاءت بعد مفاوضات ماراثونية استمرت طوال عام ونصف العام.
ويكشف أحد القيادات الليبية القريبة من اتفاق الصخيرات عن أن اسم السراج لم يكن مطروحًا من البرلمان، وإنما كان الاسم المقترح، في مرحلة سابقة، هو السياسي الليبي المعروف، عبد الرحمن شلقم، رغم عدم حماس الأخير لشغل هذا الموقع في ظل الظروف المعقد التي تمر بها البلاد. كما كانت هناك أسماء أخرى طفت على السطح دون علم البرلمان أو «المؤتمر الوطني».
ومن جانبه، يضيف إبراهيم عميش رئيس لجنة المصالحة الوطنية ورئيس لجنة خريطة الطريق في البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الألماني مارتن كوبلر، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، سار على نفس الطريق الذي كان يسير فيه سلفه، الإسباني برناردينيو ليون. ويقول إن ليون كانت له أخطاء، وأن كوبلر لم يتجنبها، وإنما أسس عليها مفاوضاته التي انتهت إلى الإعلان عن حكومة السراج.
ووفقًا لمشاركين في مفاوضات اللحظات الأخيرة، فإن كوبلر أضاف بعض اللمسات لتجميل المشهد، من بينها زيارته لعدة دول معنية بالشأن الليبي، وعقده لقاءً مع قائد الجيش الفريق أول خليفة حفتر، لـ«الإيحاء بأنه موافق، رغم أن هذا أمر غير حقيقي». لقد وقعت خلافات، من خلف الستار، أدت إلى إعلان كل من البرلمان و«المؤتمر الوطني» المنتهية ولايته إلى رفض الاتفاق في نهاية المطاف. ويقول عميش الذي حاول أثناء كوبلر، حين قابله في تونس، عن التسرع في توقيع الاتفاق: كان الرجل متعجلاً.
ويستند البرلمان المعترف به دوليًا على قوة عسكرية تتمثل في الجيش الوطني الذي يقوده حفتر، بينما يعتمد «المؤتمر الوطني» الذي يعمل من العاصمة طرابلس على قوات من الميليشيات والكتائب المسلحة. ويقول مسؤول عسكري في الجيش، إن غالبية «القوى المسلحة» في بنغازي وطرابلس ترفض استقبال حكومة السراج حتى الآن، في إشارة إلى القوات المسلحة المدعومة من البرلمان، والتي يتركز وجودها في شرق البلاد، وبعض المناطق في الغرب والجنوب، وكذلك قسم كبير من ميليشيات العاصمة.
جرى توقيع الاتفاق في قاعة مؤتمرات بلدة الصخيرات المغربية بين وفدي أطراف الحوار الليبي، بمشاركة كوبلر. ومن أبرز من وقعوا عليه نائب رئيس البرلمان، محمد شعيب، ونائب رئيس «المؤتمر الوطني» (المنتهية ولايته)، صالح المخزوم. لكنّ كلاً من البرلمان و«المؤتمر» قالا إنهما لم يفوضا شعيب ولا المخزوم بالتوقيع، وإن الرجلين كانا موفدين من البرلمان و«المؤتمر»، بالفعل، أثناء تولي ليون مهمة إجراء الحوار بين الليبيين في السابق، وإن مهمتهما انتهت. ولم يكلف أي منهما أي مفاوضين جدد. ويؤكد عميش: «البرلمان لم يكلف أحدًا بحضور اتفاق الصخيرات».
وعلى العكس من ذلك، كان مكتب رئيس البرلمان، المستشار عقيلة صالح، ومكتب رئيس «المؤتمر الوطني»، السيد نوري أبو سهمين، وهما خصمان سياسيان لدودان منذ الاقتتال الذي وقع حول العاصمة العام الماضي، قد كلفا رجلين آخرين بقيادة مقابلة هي الأولى من نوعها بين ممثلين للبرلمان و«المؤتمر»، وتمت بالفعل في تونس قبل اجتماع الصخيرات بعدة أيام.
ويقول عميش الذي كان ممثلاً عن البرلمان في هذه المهمة، إنه حين التقى كوبلر في تونس أخبره بأن الطرفين اللذين لم يتمكن ليون من جمعهما طوال شهور المفاوضات السابقة، قد التقيا بالفعل ها هنا في تونس، وإن عليه أن ينتظر حتى ينفذا بنود وثيقة التفاهم التي توصلا إليها، ومن بينها الاحتكام إلى دستور ليبيا الصادر عام 1951 وتعديلاته في عام 1963، بعد تنقيحه، وإنه توجد جهود لإجراء لقاء بين المستشار صالح والسيد أبو سهمين، لتسهيل مهمة الأمم المتحدة في عقد مصالحة بين الليبيين.
يبدو أن الوضع أمام كوبلر لم يكن يتحمل المزيد من الانتظار. فليبيا كما قال كوبلر نفسه في كلمته عقب توقيع اتفاق الصخيرات، تعاني من مشكلات كبيرة وتحتاج إلى حكومة توافق وطني لكي تنتهي من حسم الكثير من الملفات ومن بينها الأمن والاقتصاد. ويقول أحد المشاركين في اللقاء: «كوبلر لا يعمل منفردًا. توجد دول كانت تضغط بقوة من أجل إنجاز الاتفاق والإعلان عن حكومة توافق ليبية. كان هذا واضحًا من الاجتماع الذي عقد في روما قبل اجتماع الصخيرات بثلاثة أيام». ويقول عيسى عبد المجيد مستنكرًا الاتفاق: «من أين ستعمل الحكومة الجديدة؟ هل من المنفى؟ لا مكان لها بين الليبيين».
ومن جانبه، أكد كوبلر في كلمته، أن اتفاق الصخيرات بداية رحلة صعبة لبناء دولة ديمقراطية، وتعهد بأن يدعم المجتمع الدولي الحكومة الجديدة، وأقر بأن الاتفاق لا يرضي الجميع، لكنه قال إن «البديل أسوأ بكثير»، في إشارة إلى حالة الفوضى العارمة التي تضرب البلاد، بسبب انتشار التنظيمات المتطرفة ومن بينها تنظيم داعش.
لقد أصبحت ليبيا مصدر تهديد لدول الجوار والدول الواقعة على البحر المتوسط. وأضاف المبعوث الأممي أنه على رأس الأولويات معالجة الوضع الأمني وإنهاء الأزمة في بنغازي التي تشهد حربًا بين الجيش الوطني والتنظيمات المتطرفة. لكن عبد المجيد يقول إن المجتمع الدولي لو كان قد رفع الحظر عن تسليح الجيش لجرى حسم الحرب ضد المتطرفين بمن فيهم «داعش».
ورغم ما أعلنه البرلمان من أنه لم يشارك في اتفاق الصخيرات، فإن النائب شعيب، الذي كان معروفًا بتوجهاته اليسارية المتشددة أيام حكم معمر القذافي وسجن سنوات لهذا السبب، جرى التعامل معه في مراسم التوقيع باعتباره ممثلاً عن البرلمان. وقال على هامش اتفاق الصخيرات: «إنه اتفاق لكل الليبيين. والحكومة سيدعمها المجتمع الدولي. كما تعامل اجتماع الصخيرات مع المخزوم، وهو من أعضاء حزب البناء والتنمية التابع لجماعة الإخوان في ليبيا، كمندوب عن (المؤتمر الوطني)». وقال المخزوم إن «الظروف التي يمر بها الوطن دفعت الجميع للمجيء والموافقة».
ينص الاتفاق على تشكيل حكومة توافق تقود مرحلة انتقالية لمدة عام تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية. كما تضمن توسيع المجلس الرئاسي (من الحكومة نفسها) من ستة إلى تسعة أشخاص، رئيس وخمسة نواب وثلاثة بدرجة وزير دولة. وأفرز الاتفاق بشكل عام ثلاث مؤسسات لإدارة الدولة هي «مجلس النواب (البرلمان الحالي)»، و«مجلس الدولة (مجلس استشاري مستحدث ويضم غالبية أعضاء «المؤتمر الوطني» المنتهية ولايته)»، إلى جانب «المجلس الرئاسي (الحكومة)». ويقول عميش: «من سيعطي الشرعية لهذا الاتفاق؟ نحن نرفضه».
وتتعلق أهم مخاوف المجموعات المساندة لقائد الجيش، حفتر، ويوجد معظمها في شرق البلاد، من البنود الواردة في اتفاق الصخيرات والتي تقضي بنقل جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية، إلى المجلس الرئاسي. بينما تنصب مخاوف المجموعات التي تساندها كثير من الميليشيات في طرابلس، من إقصاء قادتها من المشهد في المرحلة المقبلة، خاصة بالنسبة للمتشددين الذين بادروا بوصم الحكومة الجديدة بأنها حكومة نصبها الأجانب على ليبيا. ومع ذلك تبدو الخلافات بشأن حكومة السراج أكبر مما يظهر في الواقع.
يقول محمد الورفلي، الرئيس السابق للجنة القانونية لمؤتمر القبائل الليبية، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الحكومة، رغم ما قيل عن أنها تمثل كل الليبيين، فإنها في الحقيقة «حكومة غير توافقية بالمرة». ويضيف: «حتى ما بين الأطراف المستهدفة بالتوافق، لا يظهر أنه يوجد ثمة توافق، وهي أطراف (17 فبراير)، أي البرلمان و(المؤتمر الوطني)»، في إشارة إلى المجموعتين اللتين شاركتا في قتال نظام القذافي بمساعدة حلف الناتو طوال ثمانية شهور من عام 2011.
ويتابع الورفلي قائلا إن كلاً من البرلمان و«المؤتمر» يدعي أن هذه الحكومة لا تمثله.. «مجلس النواب في طبرق من خلال رئيسه صالح، أعلن أن الذين وقعوا على هذه الاتفاقية لا يمثلون مجلس النواب، وليس لديهم تفويض من المجلس، وهو يقصد بذلك محمد شعيب الذي كان رئيسًا لفريق الحوار إبان فترة ليون. وبهذا يكون صالح قد سحب البساط من تحت أقدام الذين كانوا يوقعون باسم مجلس النواب، لعدم اعترافه بأي شرعية يمثلها هؤلاء، وأنهم يمثلون أنفسهم فقط».
ويوضح أن «المؤتمر» برئاسة أبو سهمين، أعلن في بيان رسمي أن الذين يوقعون في الصخيرات لا يمثلون «المؤتمر».. «بل إن (المؤتمر) سوف يحيلهم إلى محاكم تأديبية لتجاوزهم الاختصاصات وتوقيعهم باسم (المؤتمر الوطني) في اتفاق الصخيرات. هذا المشهد الأول يدل على أنه حتى المستهدفون بالتوافق من البرلمانيين غير متفقين على هذه الحكومة».
ويقول الورفلي، إن هذا الواقع الجديد «يعطي مؤشرًا آخر على أن هذه الحكومة هي عبارة عن حكومة إضافية.. أي أن ليبيا كانت تعاني من وجود حكومتين وفي الوقت الراهن أصبحت تعاني من وجود ثلاث حكومات»، مشيرًا إلى أن الأمر لا يقتصر على هذا، بل إن «قادة الميليشيات الإسلامية ومفتي البلاد (مقره طرابلس) المحسوب على التيار المتشدد، أعلنوا منذ اليوم الأول أن هذه الحكومة غير شرعية». وهذا الأمر ينطبق أيضًا على المنطقة الشرقية، كما يوضع الورفلي، قائلاً إن هناك ميليشيات ورؤساء بلديات، إضافة إلى الجيش الذي يقوده حفتر، ليسوا مع حكومة اتفاق الصخيرات.
ويقول مصدر في الجيش الليبي، إن موقف حفتر «حتى الآن يميل إلى موقف البرلمان الرافض للاعتراف بمخرجات حوار الصخيرات». وكان حفتر قد قدم في لقائه مع كوبلر في منطقة عسكرية قرب بنغازي، 12 شرطًا للموافقة على الحكومة الجديدة. ويقول المصدر نفسه، إن قائد الجيش الوطني لم يتلق من كوبلر ما يفيد تضمين مطالبه في اتفاق الصخيرات، لكنه أضاف أن المؤشرات تقول إنه لم يجرِ وضعها في الاعتبار، وإن الجانب الإيجابي الذي يمكن التعويل عليه لتطمين حفتر، هو تعيين ابن بنغازي المقرب له، علي القطراني، في حكومة التوافق كنائب لرئيس الوزراء. مع أن البعض يرى أن هذه الخطوة قد تكون محاولة لاستخدام اسم القطراني لشق الصف بين الموالين لحفتر نفسه، سواء داخل البرلمان أو خارجه. ويقول عميش: «كثير من الإجراءات ما زالت غامضة.. أعتقد أنه يوجد تعمد وراء هذا الوضع».
ويقول الورفلي، إن ما جرى في الصخيرات مربك، ويفتقر لإجابات كثيرة.. «هل جرى وضع النقاط الـ12 التي قدمها حفتر لكوبلر في الاتفاق أم لا.. وأين النظام السابق مما جرى (أي أنصار القذافي)، وهم الذين يشكلون نصف السكان أو أكثر من نصف السكان. كل هذه الأشياء، الآن، غير معلومة». وعن الشروط التي يرى أنه ينبغي أن تنفذها الحكومة الجديدة لكي تتجاوز كل هذه العقبات والمشكلات؟ يزيد الورفلي موضحًا أنه «لا بد أن يكون لديها برنامج عمل وخريطة طريق. الحكومة المزعومة حتى الآن ليس لديها أي برنامج».
ويضيف أن الغريب في الأمر أن السراج الذي تم تكليفه برئاسة الحكومة عندما تحدث في المؤتمر الصحافي لاتفاق الصخيرات اكتفى بالقول إنه ينادي الليبيين بالتوحد، ولم يقدم أي برنامج، بينما كوبلر تحدث عن صندوق لدعم بنغازي ومكافحة الإرهاب ومحاربة «داعش» وعن مشروعات التنمية وعن الأمن وعن المصالحة الوطنية.. «وكأن الذي يحمل برنامج الحكومة هو كوبلر. هذه وصمة عار وهذا مؤشر غير إيجابي من جانب الحكومة الجديدة».
ومن جانبه، يقول مستشار رئيس البرلمان الليبي، إن حكومة الصخيرات لا تمثل الشعب الليبي وهي بمثابة وصاية على الشعب.. الشعب لا يقبل الوصاية من أحد، حتى لو كانت الأمم المتحدة. وما حدث في الصخيرات لا يمثلنا. ويضيف عبد المجيد عن مستقبل حكومة السراج، وما إذا كان يتوقع لها أن تنجح أم أنها ستقابل بالرفض من جانب الليبيين، أجاب بشكل قاطع أن «هذه الحكومة ولدت ميتة». وتساءل: أين سيكون مقرها.. لا مكان لها في ليبيا، فهل ستكون حكومة منفى تعمل من إحدى الدول الأجنبية أو إحدى العواصم الأوروبية».
وعما إذا كان هناك شرط بأن هذه الحكومة لا بد أن تحوز الثقة من البرلمان قبل أن تبدأ أعمالها، رد عبد المجيد قائلاً إن هؤلاء الذين اتفقوا في الصخيرات «لا يمكن أن يكون لديهم جرأة حتى للوصول إلى طبرق. هذه حكومة منفى وحكومة ولدت ميتة». بينما أكد عميش على أن أي حكومة لا بد أن تأتي للبرلمان لكي تحوز الثقة قبل مباشرة عملها.. «لا بد من موافقة الثلثين زائد واحد. وهذا صعب المنال».
مع ذلك توجد محاولات من جانب الفريق الحكومي الجديد الذي جرت تسميته للعمل مع السراج بشكل أساسي، للتواصل مع الأطراف الفاعلة خاصة القوى التي تملك السلاح في المنطقتين الشرقية والغربية من البلاد. ويجري هذا بالاعتماد على علاقات قديمة للسراج نفسه مع بعض الأطراف والقيادات، ومن بينهم عسكريون ورجال أعمال ونواب. ويأتي هذا مع وجود توجهات دولية بدعم الحكومة الجديدة، والتفاهم حول الشق الأمني خاصة في العاصمة طرابلس.
ومن بين المقترحات التي تبحث الحكومة الجديدة القيام بها بمساعدة المجتمع الدولي، إعطاء قادة من الجيش الوطني في غرب البلاد الضوء الأخضر للتقدم حول العاصمة طرابلس، مع انسحاب تدريجي للميليشيات من العاصمة إلى مسافة لا تقل عن 35 كيلومترًا في بعض المناطق و50 كيلومترًا في مناطق أخرى. وكذا وضع برنامج يستمر لعدة شهور من أجل تسليم الميليشيات، الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، كمرحلة أولى، مع بحث ملف عناصر الميليشيات سواء بدمجها في الجيش أو الشرطة أو العودة إلى الحياة المدنية. ويستمر هذا طوال عمل الحكومة المقرر له سنة كاملة.
وتدعم عدة قيادات ليبية من داخل البلاد، وأخرى تقيم في الخارج، الحكومة الجديدة رغم التحديات والعراقيل التي تواجهها، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو العسكري. ويعزز من تفاؤل حكومة السراج ترحيب الولايات المتحدة بالاتفاق، ما يعني إمكانية توافق الدول الكبرى على إصدار قرار من مجلس الأمن برفع الحظر عن تسليح الجيش، بعد التوصل إلى توافق يرضي الأطراف في ما يتعلق باستمرار حفتر من عدمه.
كما يعطي الموقف المصري الداعم للاتفاق، وفقًا لمصادر شاركت في لقاء الصخيرات، دفعة للحكومة الجديدة.. و«قدرة على دخول مصر كوسيط لنزع الألغام من أمام عمل السراج.. مصر لديها علاقات جيدة مع قادة الشرق الليبي بما فيها الجيش والبرلمان وحكومة الثني (الحكومة التابعة لبرلمان طبرق).
وتقول مصر إن الاتفاق «خطوة رئيسية على مسار استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، وتحقيق تطلعات الشعب الليبي الشقيق في إعادة بناء دولته وحماية وحدتها، كما أنه يمثل خطوة هامه لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بشكل متكامل وفعال وبدعم من المجتمع الدولي، فضلاً عن توفير الاحتياجات الأساسية ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب الليبي الشقيق».
لكن هذا لا ينفي أن قيادات من المنطقة الشرقية وأخرى من غرب البلاد في ليبيا سارعت بإبلاغ مصر بأن كلاً من البرلمان و«المؤتمر الوطني» يرفض اتفاق الصخيرات. كما جرى إخطار الجامعة العربية، في رسالة لأمينها العام، نبيل العربي، بوجود مسار جديد بين الليبيين، والمقصود به اللقاء الذي جرى في تونس بين ممثلين عن البرلمان و«المؤتمر الوطني»، وإمكانية وصوله إلى حلول جوهرية تجنب ليبيا المزيد من المشكلات. واطلعت «الشرق الأوسط» على نص الرسالة التي طلبت من العربي «دعم هذا الخيار» بالتعاون مع الأمم المتحدة، لكن يبدو أن هذا التحرك جاء متأخرًا مقارنة بالخطوات السريعة التي اتخذها كوبلر في محاولة لفتح آفاق جديدة لإنقاذ الدولة الليبية من الفشل.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».