المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية

نجاح سيدات الشورى.. هل يحفزهن على إثبات جدارتهن؟

المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية
TT

المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية

المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية

وليس أخيرًا، دخلت المرأة السعودية في مسار جديد كان التوقع فيه أن تظفر بالوجود الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وإن كانت التوقعات أن يكون عدد المقاعد التي حملتها إليها أصوات الناخبين والناخبات أقل، لكنها نجحت في تحريك صورة ظلت محدودة الإطارات، يتنازعها كثير من الأمور بين العادات والتقاليد وأمور شتى.
عوامل عدة ساهمت في إزالة بعض التعتيم الذي ظل مناهضًا لظهور المرأة السعودية في مسارات مدنية وتشريعية، لكن وإن حضرت، تظل الصراعات حول المرأة نشيطة في المجتمع السعودي، مما يجعل الأمل أن تساهم مثل هذه النتائج وتحقيق الحضور النسائي في تحييد تلك الصراعات إلى مستوى العمل التنموي الوطني الكبير الذي ينتظر البلاد.

المرأة السعودية تعيش في حالة تصالح واقعيًا، ولديها الأمل البعيد، وتتوق إلى تحقيقه عبر الطرق والأنظمة السعودية، التي حملتها - مؤخرًا ومنذ سنوات - إلى مراحل مختلفة من العمل السياسي من خلال مجلس الشورى، وفتح مجالات التوظيف الواسعة خلافًا لما كانت عليه في عقود ماضية، واليوم يتجلى ذلك من بوابة المجالس البلدية.
جعلت المرأة السعودية من الانتخابات البلدية حدثًا عالميًا، تناقلته وسائل الإعلام بمختلف أطيافها وتوجهاتها، صورتها كانت البارزة في مجمل الحضور الانتخابي، وكذلك مشهد الختام بعد إعلان أسماء المرشحين والمرشحات الفائزين والفائزات، في دورة ثالثة كانت وسائل الإعلام منجذبة كثيرًا للأولى قبل عشرة أعوام، وأقل حضورًا للثانية، وأكثر تميزًا في الدورة الثالثة، إن صحت تسميتها بدورة دخول المرأة ناخبة ومرشحة.
أمران كانا نقطة اللفت في الانتخابات - وإن بدا فاترًا - مقارنة بنسبة الإقبال بين من قيد اسمه ناخبا، التي تجاوزت 47 في المائة.. أولى تلك النقاط اللافتة هي في الدخول التاريخي للمرأة، والعدد الكبير الذي لم يكن متوقعًا لدى طيف من المتفائلين، إضافة إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة للمجالس البلدية في الحلة الجديدة.
المجالس البلدية التي لا يمكن أن تصل إلى مرحلة مزايا مجلس الشورى حتمًا، لكنها أكثر المجالس التشريعية في ملامسة الواقع، وتلمس احتياجات المجتمعات المحلية، التي غالبًا ما تغلب على تفاصيلها الصغيرة فرصة تقويض المطالبات الكبرى، ويستطيع الفرد ذكرًا أو أنثى تلمسها من خلال ملامسته المعيشة.
وعلى خلاف الوجه الجديد للانتخابات البلدية في دورتها الثالثة، اتخذت النساء المرشحات طرقهن في الحملات الانتخابية مستفيدات من التطور التقني والوهج الدائم لمنصات التواصل الاجتماعي، خلافًا للطريقة الرجالية التي انحصر غالبها في تكوين مقرات لإبراز برامجهم الانتخابية، واستطعن جذب بعض الأصوات من خلال هذه الأساليب الإلكترونية.
على الصعيد النسائي، وجدت عشرون سعودية (من بين 979 مرشحة) فرصتهن في الدخول بقوة نحو المقاعد البلدية، في كل بلدية من بلديات المملكة، وهذا العدد مرشح للازدياد، إذ سيكون هناك ثلث متبقٍ سيكون تحت تصرف الحكومة السعودية، إذا بلغ مجموع الفائزين والفائزات عبر الاقتراع 2106 مرشحين ومرشحات.
تأمل النساء في طريقهن الجديد بالدخول في عالم التشريع إلى تحقيق الطموحات، بعد أن أثبتن سيدات في مجلس الشورى وجودهن، وحملن ملفات عدة إلى طاولة النقاش، منها ما تمت الموافقة عليه، وأخرى كانت المعارضة ضدها، لكنها كانت تعبر عن حراك كبير في مسيرة النساء في السعودية، بل وكانت هي العنوان الأبرز في وسائل الإعلام الأجنبية، نظرا للدخول الكبير في المجال، رغم أصوات تعارض الحضور النسائي لاعتبارات دينية وأخرى تمس العادات والتقاليد.
ما يميز النسوة في أسلوب التعبئة قبل أيام من الاقتراع الكبير الذي شارك فيه ما يزيد على 700 ألف ناخب وناخبة، عن نظيرها الرجل، هو دخولها الكبير بمساعدات نسائية خالصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كانت ترغب في أن يكون الصوت مسموعًا، وهي في حال عدم تحقق أي إنجاز ترى النسبة الكبرى منهن أن منحها حق الحضور ناخبة ومرشحة يعد إنجازًا يضاف في طريق المرأة الطويل نحو الطموح الغالب على السواد الأكبر.
الإشادات العالمية التي حظيت بها المرأة نظير مشاركتها، كانت وستكون حتمًا مساهمة في تغيير النظرة التي كانت تحيطها الهالة الإعلامية الغربية عن المرأة في المملكة، وبالنظر إلى الأرقام التي أفرزتها عملية الاقتراع، يتضح مشاركة 82 في المائة من النساء الناخبات في عملية الاقتراع، بمشاركة تجاوزت 106 آلاف امرأة من أصل أكثر من 130 ألف ناخبة مسجلة.
جديع القحطاني، رئيس ومتحدث اللجنة التنفيذية للانتخابات البلدية، أكد أن مشاركة السعوديات ناخبات بلغ 24 في المائة، من إجمالي الناخبين الجدد المسجلين في هذه، مصرحا من موقعه الرسمي بأنهم كانوا يتمنون أن تكون المشاركة أكبر، لكنها وفق الحضور الأول لهذا الاستحقاق تعطي الأمل في مستقبل مختلف.

* ثقافة نيل الاستحقاق
الناخبة أشواق الجعيد، قالت إنها على علم بعدم فاعلية المجالس البلدية في الدورتين السابقتين، لكن سبب تسجيلها في قيد الناخبين هو المساهمة في الاستحقاق الأهم في نظرها، بضرورة وصول امرأة على الأقل في مجلس مدينتها، معبرة عن سعادتها بوصول أكثر من سيدة من خلال الصناديق الانتخابية، مؤكدة، لـ«الشرق الأوسط»، أن الدعاية الانتخابية عبر شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) جعلت صوتها يصل إلى من تراها في نظرها تستحق الوصول نظير أهدافها الانتخابية.
وقالت الجعيد، إنها تلقت اتصالات قبل الاقتراع من قبل إحدى المرشحات بعد أن تأكدت من تسجيلها في دائرتها الانتخابية، معبرة عن سعادتها لتنامي هذه الثقافة الانتخابية التي تعبر عن انطلاقة فعلية نحو العمل المدني النسائي، مشددة على أنه لن يحقق للمرأة وجودها سوى المرأة نفسها، من خلال إثبات العمل دون الالتفات إلى الأصوات التي تنادي بتحييد السيدات عن العمل المشرع لها من قِبل الدولة.
بالأمس تجلت النساء في السعودية، لتعبر أصواتهن عباب البحار، ولتكون الرسالة الأكثر وضوحًا أن البلاد تتغير، وقودها في ذلك الدعم السياسي، ووعي شامل جاب أركان الشارع السعودي، في وقت كان التوقع أن يكون الإقبال على ترشيح النساء ضعيفًا أو معدومًا، فكانت النتائج المعلنة بالأمس تثبت أن المشاركة الأولى أثمرت نتائجها الجيدة خصوصًا بين النساء.
حضورها الصامت الراضي سابقًا، مع إنجازات متتالية فردية وجماعية، جعل الرؤية السياسية محققة واقعًا، وإن كانت النساء الحاضرات، ناخبات ومرشحات، استطعن إثبات الحضور حتى في المناطق والمدن ذات الزخم القبلي الذي غالبًا ما يستجيب لتقاليده، لكن المرأة هي واحدة في حضورها وتميزها، وإن كانت خارج الحدود.

* نساء «الشورى» دافع للمشاركة
ورأت الأكاديمية السعودية، الدكتورة ميساء الحكمي، أن دخول المرأة مجلس الشورى ساهم في تغيير الصورة المتشائمة في قدرة النساء على التغيير وإثبات القدرة على تحمل الأعباء في الشؤون العامة، وأضافت، في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن التغيير ومشاركة الرجال في دعم المرأة في هذه الانتخابات يعطي مؤشرًا آخر على قبول المشاركة النسائية.
وتمنت الحكمي من المرشحات الفائزات في عموم السعودية، أن يفعلن الدور المنوط بهن في الاتجاه الصحيح للعمل، لأن هذه خطوة من خطوات كثيرة في طريق المرأة نحو الحضور الريادي في المجتمع، وأن هذا المكسب الذي ساهم فيه الرجال لدخول المرأة إلى المجالس البلدية سيقوض كل ما يثار حول قدرة المرأة في تحقيق العمل المجتمعي.

* 3 يناير مرحلة العمل
السعوديات الفائزات سيبدأن العمل عبر المجالس البلدية ومعهن الرجال حتمًا، في الثالث من يناير (كانون الثاني) المقبل، وستكون أمامهن والمجالس البلدية صلاحيات أوسع للمجالس التي ظلت لدورتين ماضيتين أقل من الطموح الشعبي، من خلال إقرار الخطط والبرامج البلدية ذات الصلة بتنفيذ المشروعات البلدية المعتمدة في الميزانية، ومشروعات التشغيل والصيانة، والمشروعات التطويرية والاستثمارية، وكذلك الدراسة والرأي حول المخططات الهيكلية والسكنية، ومشروعات نزع الملكية للمنفعة العامة، وشروط وضوابط البناء، بجانب نظم استخدام الأراضي والخدمات البلدية والرسوم والغرامات البلدية، وكذلك متابعة الشروط والمعايير المتعلقة بالصحة العامة.
وتبرز مزايا أعضاء المجالس البلدية في حضور الجلسات المقررة لمرة واحدة في الأسبوع، تبلغ معها مخصصات الجلسة الواحدة قيمة كبرى لا تتجاوز (ألفي ريال)، وغيرها من البدائل المالية الأخرى، لكنها ذات ثقل تنموي لما سيتحمله المرشح أمام ناخبيه في ضوء الصلاحيات الجديدة والمتجددة لتحقيق التنمية على النطاق الصغير.
الدولة السعودية تتغير من يوم إلى آخر، يترافق معها الاهتمام بمجالات التعليم والعمل والتدريب، الذي تشارك فيه المرأة، فالنساء السعوديات بعد مجلس الشورى في رحلة مميزة بدأت قبل أكثر من عامين.. وجودها في الشورى يشكل 20 في المائة من أعضاء المجلس، فكان فاتحة التاريخ حين تم تعيين ثلاثين سيدة بعضوية كاملة داخل المجلس، فشكلت خلال عامين منذ دخولها لقاعة المجلس الذهبي في عام 2013 حضورًا بارزًا على صعيد كثير من الملفات، وحاولت تلك (الكوتة) النسائية في حيزها أداء كثير على شتى اللجان العاملة.
وسيحمل العام الجديد تغيرات كثيرة ستشهدها البلاد، خصوصًا بعد ورش عمل شاملة تضج بها العاصمة الرياض، من أجل تحقيق تنمية متطورة، لم تغفل بلا شك حضور المرأة في المشاركة والنقاش، وكذلك ظهورها في أوراق الخطط المستهدفة للقطاعات كافة.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».