3 أولويات لاجتماع باريس لدعم الجيش اللبناني

فرنسا قلقة من التصعيد وتقترح «آلية» إضافية للتحقق مما يقوم به الجيش اللبناني

موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» تعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)
موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» تعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)
TT

3 أولويات لاجتماع باريس لدعم الجيش اللبناني

موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» تعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)
موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» تعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

تستضيف باريس، الخميس، اجتماعاً رباعياً يضم ممثلين عن فرنسا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ولبنان، وسط مخاوف من تصعيد إسرائيلي يطيح باتفاق وقف إطلاق النار المعمول به منذ أكثر من عام.

وتستشعر باريس، كما تفيد مصادرها، الخطر الداهم المحدق بلبنان في ظل تهديدات إسرائيلية معلنة ومتواترة بالعودة إلى الحرب. كذلك، تتخوف فرنسا من الغموض المحيط بالموقف الأميركي إزاء ما تخطط له إسرائيل. فثمة شعور عام فرنسي بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب غير عازمة على لجم يد إسرائيل التي تتهم الجيش اللبناني بعدم القيام بما التزمت به الحكومة في خطة نزع سلاح «حزب الله» في مرحلتها الأولى الخاصة بمنطقة جنوب الليطاني.

وما بين الضغوط الإسرائيلية، من جهة، وتصلّب «حزب الله» الرافض تسليم سلاحه من جهة أخرى، كانت باريس تبحث عن مخرج وعن وسيلة واضحة ومرئية لحماية لبنان من خلال إبراز أن جيشه، بعكس ما يشاع عنه، يقوم بما هو مطلوب منه لجهة نوع سلاح «حزب الله».

آلية جديدة لمواكبة عملية نزع السلاح

استناداً لما سبق، ولّد المقترح الفرنسي الداعي إلى إيجاد «آلية» تمكّن من تبيان ما يقوم به الجيش اللبناني، حقيقة مستندة إلى أدلة ملموسة وموثّقة. كذلك اقترحت باريس أن تواكب عناصر من القوات الدولية (اليونيفيل) عمليات التفتيش والمصادرة التي تقوم بها وحدات الجيش اللبناني، وتوثيق ذلك وجعله علنياً، ما يوفّر البرهان الملموس على جدية عمل الجيش، وعلى النتائج المتأتية منه.

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل يشعل شعلة في نصب شهداء الجيش بوزارة الدفاع في ذكرى استقلال لبنان يوم 22 نوفمبر الماضي (مديرية التوجيه)

ولخّص وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، المقترح بقوله إن فرنسا «تعمل على آلية ثانية لمتابعة نزع سلاح (حزب الله)». من هنا، فإن الجولة الموسعة التي نظمتها قيادة الجيش في الجنوب، بمشاركة قائده العماد رودولف هيكل، يوم 15 الحالي، وضمت العديد من السفراء والملحقين العسكريين، وقبلها زيارة ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، والجولة التي دعيت إليها الصحافة اللبنانية والدولية، كل ذلك جاء في إطار المساعي الهادفة إلى إظهار جدية الحكومة والجيش اللبناني في تنفيذ مضمون القرار 1701، ودحض المزاعم التي تدّعي مماطلة الأولى وقصور الثاني.

في الأسابيع الأخيرة، عادت باريس لتنشط مجدداً في الملف اللبناني. ويعدّ اجتماع الخميس تتويجاً للحراك الدبلوماسي الفرنسي الذي شهد، خلال أقل من شهر، زيارتين للسفيرة آن كلير لوجاندر، مستشارة الرئيس إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي، وجان إيف لودريان، الوزير السابق ومبعوث ماكرون الشخصي للبنان.

وفي هذا الإطار، سبق للوجاندر أن قامت بزيارات إلى المنطقة، أهمها إلى السعودية. وقبل ذلك كله، دأب ماكرون على القيام بسلسلة اتصالات رئيسية تركزت على ملفين: الأول، المؤتمر الذي من المفترض أن يلتئم في الأسابيع المقبلة والمخصص لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، والثاني المخصص للدعم الاقتصادي وإعادة الإعمار. والحال أن لا تاريخ محدداً بعد لهذين المؤتمرين.

الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) مجتمعاً مع المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يوم 8 ديسمبر في قصر بعبدا الرئاسي وإلى جانبه السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه مارغو (الرئاسة اللبنانية)

أهمية مشاركة العماد هيكل

تقول مصادر واسعة الاطلاع في باريس إن اجتماع الخميس يندرج في إطار ثلاث أولويات رئيسية؛ أُولاها النظر في عمل آلية «الميكانيزم» المنوطة بها مهمة مراقبة وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان، والنظر في تطويرها من خلال «الآلية» التي تحدث عنها الوزير بارو. والتطور الآخر يتناول عمل «الميكانيزم» بعد أن ضُم إليها دبلوماسي لبناني بشخص السفير السابق سيمون كرم، وممثل إسرائيلي هو يوري رسنيك الذي يشغل منصب مدير السياسات الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

وتضغط تل أبيب وواشنطن باتجاه توسيع مواضيع النقاش لتطال المسائل الاقتصادية والسياسية، وسط تخوف لبناني ورفض من جانب «حزب الله».

وتجدر الإشارة إلى أن مورغان أورتاغوس، المبعوثة الأميركية للملف اللبناني، وجان إيف لودريان، اللذين يشاركان في اجتماع باريس سيتوجهان إلى لبنان للمشاركة في اجتماع آلية «الميكانيزم»، ما يعطي، موضوعياً، مزيداً من الأهمية لما تقوم به هذه اللجنة الخماسية التي عجزت، بعد أكثر من عام على إنشائها، عن وقف العمليات الإسرائيلية شبه اليومية. كذلك تجدر الإشارة إلى أن السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى سيكون حاضراً اجتماع الخميس، وهو الأول من نوعه منذ تسلمه أخيراً منصبه رسمياً في بيروت.

ويمثّل لجم التصعيد الإسرائيلي في لبنان الأولوية الثانية للاجتماع الذي يشارك فيه العماد هيكل، والذي ستكون له نشاطات مصاحبة في وزارتي الخارجية والدفاع والقصر الرئاسي. ومشاركة هيكل ترتدي أهمية استثنائية؛ إذ سيوفر له الاجتماع الفرصة ليقدم عرضاً متكاملاً للصعوبات التي تلاقيها الوحدات العسكرية في تنفيذ مهامها، وعلى رأسها رفض إسرائيل الانسحاب من المواقع الخمسة الإضافية التي تحتفظ بها على الأراضي اللبنانية. ويفترض أن يقدم قائد الجيش اللبناني أيضاً عرضاً للإنجازات التي حققها جنوده في الأشهر الأربعة الأخيرة جنوب نهر الليطاني، فضلاً عن خطته للمناطق اللبنانية الأخرى (خطة حصر السلاح في أيدي الدولة اللبنانية).

وسيكون من الأهمية بمكان العرض الذي ستقدمه أورتاغوس بخصوص الخطط الأميركية في لبنان، وما تسعى إليه من الدفع باتجاه تفاوض لبنان على المسائل السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، وقبل ذلك المهل التي تمنحها للبنان لإنجاز عملية حصر السلاح بأيدي القوى الشرعية.

جنود نيباليون تابعون لقوة «اليونيفيل» المرابطة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في صورة تعود إلى يوم 8 ديسمبر الحالي في مقرهم بقرية ميس الجبل بجنوب لبنان (إ.ب.أ)

المؤتمر الموعود لدعم الجيش

بيد أن العنوان الرئيسي لاجتماع باريس، الخميس، يتناول توفير الدعم للجيش اللبناني وللقوى الأمنية اللبنانية كخطوة أساسية تحضيرية لا يمكن القفز فوقها للمؤتمر الكبير الموعود لدعم الجيش. وحتى اليوم، ثمة مجهولان: الأول، مكان المؤتمر؛ إذ لم يُعرف بعد ما إذا كان سيلتئم في باريس أو في عاصمة أخرى. والمجهول الثاني تاريخ انعقاده. وسابقاً، كان من المتوقع أن يتم قبل نهاية العام الحالي، لكن احتمالاً كهذا يبدو اليوم مستبعداً. ولا تخفي باريس قلقها من أن الثقة بلبنان تضررت بشكل كبير في الماضي، ليس فقط عند المانحين المحتملين في منطقة الخليج، ولكن أيضاً لدى المانحين في بقية أنحاء العالم. لذا، فإن الأطراف الخارجية أخذت تتمسك بمبدأ تقييم النتائج وتربط مساعداتها للبنان، سواء العسكرية أو الاقتصادية، بالنتائج المحققة؛ أكانت على المستوى العسكري أم في القطاع الاقتصادي (الإصلاحات).

وثمة ملف آخر قد يجد طريقه إلى طاولة المباحثات في باريس، ويتناول وضع الحدود اللبنانية - السورية التي تشهد توترات متقطعة. وترى باريس أن هناك حاجة لترسيمها حتى لا تكون حجة إضافية يستخدمها «حزب الله» لتبرير احتفاظه بسلاحه.

وتفيد باريس بأنها جاهزة لتقديم مساعدتها للبنان وسوريا على السواء، بيد أن باريس تشدد على أهمية إعادة الثقة بين الجانبين اللبناني والسوري؛ فالأول، يهدف إلى التأكد من أن سوريا لن تعود طرفاً ينتهك السيادة اللبنانية بشكل مستمر. أما الطرف الثاني فإنه يتخوف، حقيقة، من أن يلعب «حزب الله» دوراً مزعزعاً للاستقرار في سوريا.


مقالات ذات صلة

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

المشرق العربي خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

عثر الجيش اللبناني على أحد الأنفاق التي بناها «حزب الله»، في بلدة تولين بجنوب لبنان، إثر كشف قام به بناء على طلب لجنة «الميكانيزم».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على «إكس»)

دمشق تعلن إحباط محاولة تهريب جديدة لشحنة أسلحة إلى لبنان

أغلبية المستودعات التي بناها الحزب في الأراضي السورية غير مرئية، ومن ثم يرجح أن هناك عدداً منها لم يتم ضبطه بعد...

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي لندن توجه تهماً لشخصين بالانتماء إلى «حزب الله» (الشرطة البريطانية)

بريطانيّان يحاكمان بالانتماء إلى «حزب الله» وحضور «تدريبات إرهابية»

مثل رجلان بريطانيان من أصول لبنانية أمام محكمة في لندن، الثلاثاء، بعد توجيه اتهامات لهما بالانتماء إلى جماعة «حزب الله»

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي جانب من اجتماع لمجلس الوزراء العراقي (واع) play-circle

الحكومة العراقية تُقيل مسؤولين عن إدراج «حزب الله» و«الحوثي» بقوائم الإرهاب

أعلنت الحكومة العراقية، الثلاثاء، توقيع عقوبات تضمنت إعفاءً لمسؤولين عن نشر قرار بتصنيف جماعة «الحوثي» اليمنية، و«حزب الله» اللبناني، منظمتين إرهابيتين.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي حطام سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة العديسة الحدودية مع إسرائيل بجنوب لبنان وأسفرت عن سقوط قتيل (أ.ف.ب)

غارة إسرائيلية تستهدف ساحل جبل لبنان الجنوبي

استهدفت غارة جوية إسرائيلية، مساء الثلاثاء، شاحنة صغيرة على ساحل جبل لبنان الجنوبي، في تصعيد لافت بمداه الجغرافي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
TT

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)

عثر الجيش اللبناني على أحد الأنفاق التي بناها «حزب الله» في بلدة تولين بجنوب لبنان، إثر كشف قام به بناء على طلب من لجنة «الميكانيزم» مستخدماً الحفارات، وفق وسائل إعلام لبنانية أشارت إلى أن الموقع كان قد تعرّض لقصف إسرائيلي قبل ذلك.

وهي ليست المرة الأولى التي يقوم بها الجيش اللبناني بالكشف عن مواقع بناء على طلب لجنة «الميكانيزم» أو إثر تهديد إسرائيلي، في إطار التنسيق بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية (ميكانيزم) وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). وحصل هذا الأمر الأسبوع الماضي مع إجراء الجيش اللبناني تفتيشاً دقيقاً لأحد المباني في بلدة يانوح الجنوبية، إثر تهديد إسرائيل بقصف المنزل، حيث لم يتم العثور على أسلحة. وأعلن الجيش الإسرائيلي إثر انتشار الجيش اللبناني أنه علق في شكل مؤقت الضربة التي كان قد هدد بها على ما اعتبره بنية تحتية عسكرية تابعة لـ«حزب الله» في البلدة.

ويأتي ذلك في وقت استمر فيه القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان حيث استهدفت غارة، الأربعاء، بلدة كفركلا. وأعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) أن الغارة استهدفت تلة ساري بين محلتي العزية والشخروب، من دون الإشارة إلى وقوع إصابات.

متري: الجيش اللبناني جاهز للانتقال إلى مراحل لاحقة

ووصف نائب رئيس الحكومة طارق متري، لجنة الـ«ميكانيزم» بـ«مساحة نقاش وإطار للإشراف والتحقق من احترام الاتفاقات»، مؤكداً التزام لبنان بها منذ اليوم الأول، في مقابل استمرار الخروقات الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بسلاح «حزب الله»، قال متري خلال مشاركته في افتتاح الجلسة الأولى من المؤتمر الثامن لمركز كارنيغي - الشرق الأوسط، في بيروت: «إن قائد الجيش العماد رودولف هيكل اقترح خطة من خمس مراحل، تنطلق من تعزيز قدرات الجيش»، مؤكداً أن «بسط سلطة الدولة في المنطقة المحيطة بالليطاني يشهد تقدماً تدريجياً، مع اقتراب الجيش من إنهاء مهمته جنوب (نهر) الليطاني تمهيداً للانتقال إلى مراحل لاحقة».

عناصر من الجيش اللبناني يقفون على آلية عسكرية في بلدة علما الشعب الحدودية يوم 28 نوفمبر الماضي (رويترز)

وعن إعادة الإعمار، أوضح متري أن المجتمع الدولي يشترط بسط سلطة الدولة مدخلاً أساسياً للدعم، معرباً عن أمله في أن تلعب الدول العربية دوراً داعماً عبر علاقاتها الدولية.

الجلسة الثانية بمشاركة مدنيين من لبنان وإسرائيل

ويأتي ذلك قبل يومين من جلسة جديدة للجنة «الميكانيزم»، المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار، مقررة في 19 ديسمبر (كانون الأول)، وهي الجلسة الثانية التي سيشارك فيها رئيس الوفد اللبناني، السفير سيمون كرم، بعد مشاركته مع مدني إسرائيلي في الجلسة السابقة مطلع ديسمبر الحالي، في أول محادثات مباشرة بين البلدين. وكان رئيس الجمهورية جوزيف عون قد التقى كرم، الأربعاء، وزوّده بتوجيهاته عشية الاجتماع المقبل للجنة.

وتضمّ لجنة مراقبة وقف إطلاق النار كلاً من لبنان وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة. ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على وقف الأعمال القتالية وانسحاب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، وصولاً إلى نزع سلاحه في كل لبنان، وعلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من المواقع التي تقدّم إليها خلال الحرب الأخيرة. إلا أن إسرائيل تُبقي على وجودها في خمسة مواقع استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، بينما يرفض «حزب الله» نزع سلاحه.


لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
TT

لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

على وقع الانقسام السياسي الحاد، يعقد مجلس النواب اللبناني، الخميس، جلسة تشريعية حسّاسة، ليس بسبب القوانين المدرجة على جدول أعمالها، بل بفعل تغييب مشروع قانون قدّمته الحكومة واقتراح قانون معجل مكرر قدمته كتل نيابية لتعديل قانون الانتخابات النيابية، وهو ما فجّر مواجهة مفتوحة بين رئيس المجلس نبيه بري، الساعي إلى تأمين النصاب وتمرير ما يعدها «قوانين ملحّة»، وبين كتل نيابية وازنة أعلنت المقاطعة احتجاجاً على تهميش مطلبها بتعديل قانون الانتخاب الذي تعده مدخلاً لأي إصلاح حقيقي.

ومن المقرر أن تنعقد الجلسة التشريعية عند الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الخميس، وعلى جدول أعمالها 17 مشروع قانون واقتراح قانون أبرزها «الموافقة على إبرام اتفاقية قرض البنك الدولي للبنان» بقيمة 250 مليون دولار مخصصة لإعمار جزء مما هدمته إسرائيل في حربها الأخيرة على لبنان. بالإضافة إلى اقتراح قانون يُعفي المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية من ضرائب ورسوم، وتعليق المهل المتعلقة بالحقوق والواجبات الضريبية، ومعالجة العقارات وأقسامها المهدمة جراء الحرب.

وغيّب رئيس المجلس عن الجلسة التشريعية مشروع القانون المعجّل الذي أحالته الحكومة الرامي إلى تعديل قانون الانتخاب، لا سيما إلغاء ما تُعرف بـ«الدائرة 16» التي تخصص ستة مقاعد نيابية لتمثيل المغتربين في قارات العالم. كما رفض إدراج اقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدّم به عدد من النواب لإلغاء المقاعد الستة التي تمثل الاغتراب والسماح للمغتربين بالتصويت لـ128 نائباً في أماكن إقامتهم.

رئيس البرلمان نبيه بري (رئاسة البرلمان)

ويخوض برّي معركة سياسية شرسة لتأمين النصاب القانوني للجلسة التشريعية لتمرير القوانين التي يستعجل إقرارها، في حين تعمل الكتل المقاطعة للجلسة على فقدان النصاب وكسب «معركة تطييرها» مرّة جديدة، للضغط على رئيس المجلس لتغيير موقفه من قانون الانتخاب. وترى هذه الكتل أن تغييب قانون الانتخابات ليس تفصيلاً تقنياً بل خيار سياسي مقصود، وترى أن الإصرار على تشريع مجتزأ يعيد إنتاج المنظومة نفسها، ويمنح غطاءً سياسياً لاستمرار النهج القائم. ويبدو أن رهان برّي على تأمين النصاب تحقق، عبر إعلان كتلة «الاعتدال الوطني»، (تكتل نيابي يضم عدداً من النواب المستقلين غالبيتهم من شمال لبنان)، مشاركتها في الجلسة. وقالت الكتلة في بيان أصدرته بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته مساء الأربعاء، إنها «قاطعت الجلسة السابقة لإعطاء فرصة وإبرام تسوية تتعلق بقانون الانتخابات، لكن للأسف لم تصل إلى النتائج المرجوة». ورأت أن الاستمرار في التعطيل «يحمّل البلد تبعات تعطيل قوانين تهم المواطنين». وإذ أعلنت مشاركتها في الجلسة جددت مطالبتها برّي بـ«إدراج مشروع قانون الانتخابات على جدول الجلسة».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن نقاشاً مستفيضاً ساد اجتماع كتلة «الاعتدال الوطني»، وأكد مصدر في الكتلة أن «الآراء انقسمت بين من يؤيد المشاركة ومن يفضّل المقاطعة»، مشيراً إلى أن الكتلة «أخذت بعين الاعتبار تمني رئيسَي الجمهورية والحكومة جوزيف عون ونواف سلام، على النواب عدم مقاطعة الجلسة». ولفت المصدر إلى أن النواب «ارتأوا أن هناك قوانين تهمّ الناس بينها القانون المتعلق بمطار القليعات الذي يشكل حاجة ملحة لمنطقة عكار وشمال لبنان، ولا بد من السير به سريعاً».

وبينما حسمت كتلتا «القوات اللبنانية» و«الكتائب» مسبقاً مقاطعتهما الجلسة، التحقت بهما مساء الأربعاء، كتلة «تحالف التغيير»، (يضم مجموعة نواب برزوا بعد انتخابات 2022 تحت مسمى «قوى التغيير»). وأعلن النائب ميشال دويهي أن الكتلة «ستقاطع الجلسة التشريعية اعتراضاً على عدم إدراج اقتراح قانون الانتخابات المعجل المكرر الذي يتيح للمغتربين الاقتراع مكان إقاماتهم». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنها «المرة الأولى منذ 32 عاماً، لا يدرج اقتراح قانون معجل في أول بنود الجلسة التشريعية، بالإضافة إلى مشروع قانون معجّل قدمته الحكومة لتعديل قانون الانتخابات الحالي»، معتبراً أن ذلك «يعكس صراعاً سياسياً بين فريقين، وهذا مؤشر على مدى الاستهتار بقوانين مهمّة تمس جوهر الحياة العامة».

من جهته، أعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، أن الانتخابات النيابية «تحتاج إلى توافق سياسي حول القانون». وأكد بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون، أنه «إذا كان هناك إصرار على تصويت المغتربين لـ128 نائباً وأردنا فتح مهل لتسجيلهم، فإن ذلك يعني حتمية تأجيلٍ تقنيٍّ للانتخابات حتى شهر أغسطس (آب) من أجل احترام المهل القانونية»، مشيراً إلى أن المناكفات السياسية لا تخدم الاستحقاق الانتخابي.

في المقابل، يدفع رئيس مجلس النواب الذي يمسك بأوراق ضغط قوية، باتجاه تأمين النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، ويرى أن شلل المجلس يفاقم الانهيار ولا يخدم أي طرف. وسبق ذلك تسريب معلومات تفيد بأن برّي «يربط التوقيع على قانون تشغيل مطار القليعات في شمال لبنان بمشاركة كتلة «الاعتدال الوطني» في جلسة الخميس، وهو ما حمل هذه الكتلة، كما يبدو، على الحضور بخلاف مقاطعتها للجلسة السابقة.

وكتب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على حسابه عبر منصة «إكس»: «يحاول الرئيس بري ابتزاز نواب الشمال في بند مطار القليعات، علماً أن بند مطار القليعات كان قد أقر في الجلسة الماضية، وأصبح بحكم النافذ انطلاقاً من النظام الداخلي للمجلس النيابي، الذي ينص في المادة 60 على أن إذا لم تقفل الهيئة العامة، لأي سبب من الأسباب محضر جلسة ما، فإن هيئة مكتب المجلس تجتمع وفقاً للأصول وتصدق على المحضر». وأضاف جعجع: «جميعنا نريد مطار القليعات، وقد ناضلنا كثيراً في سبيل الوصول إليه، لكن لا يجوز أن نترك الرئيس بري يستخدمه لابتزازنا، ولمزيد من الابتزاز في عمل المجلس النيابي».


سكان مخيم نور شمس جمعوا صوراً وألعاباً وأثاثاً قبل هدم إسرائيل منازلهم

فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

سكان مخيم نور شمس جمعوا صوراً وألعاباً وأثاثاً قبل هدم إسرائيل منازلهم

فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

عاد العشرات من سكان مخيم نور شمس للاجئين في الضفة الغربية المحتلة بعد تهجيرهم منه قسراً، لاستعادة متعلّقاتهم الشخصية الأربعاء قبل قيام الجيش الإسرائيلي بهدم 25 مبنى سكنياً فيه.

بدأ الجيش الإسرائيلي مطلع العام الحالي عملية عسكرية واسعة ومتواصلة قال إنها تهدف إلى القضاء على الجماعات الفلسطينية المسلحة في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية المحتلة بما فيها مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين.

وأدت العملية العسكرية إلى تهجير جميع سكان هذه المخيمات الذين يزيد عددهم على 30 ألف نسمة، من دون أن تتاح لمعظمهم فرصة العودة إلى منازلهم.

وأفاد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في الموقع، بأن عشرات من الأهالي سارعوا الأربعاء إلى جمع أكبر قدر ممكن من مقتنياتهم، من قطع أثاث وألعاب أطفال وحتى إطار نافذة، حمَّلوها على شاحنات صغيرة.

الفلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين بمدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

كل ذلك تحت أنظار الجنود الإسرائيليين الذين دققوا في هوياتهم وقاموا بتفتيشهم جسدياً، ولم يسمحوا بالدخول إلا لمن صدرت إخطارات بهدم منازلهم.

وتمكّن بعض الذين سُمح لهم بالدخول من إنقاذ خزّانات مياه كبيرة فارغة، فيما خرج آخرون حاملين صوراً عائلية وفرشات ومدافئ.

وقال محمود عبد الله، الذي نزح من مخيم نور شمس وتمكن الأربعاء من دخول بعض أحياء المخيم، إنه شاهد للمرة الأولى حجم الدمار الذي لحق به بعد إجباره على المغادرة.

وأضاف عبد الله: «تفاجأت بعدم وجود منازل صالحة للسكن، ربما منزلان أو ثلاثة، لكنها غير مناسبة للعيش... المخيم مدمَّر».

رجل يسير متكئاً على عكازين تتبعه جرافة محملة بالحقائب بينما يعود سكان مخيم نور شمس للاجئين إلى منازلهم لاستعادة ممتلكاتهم قبل هدم الجيش الإسرائيلي للمباني السكنية في المخيم بالقرب من طولكرم في الضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

«عازمون على العودة»

أُعلن في وقت سابق هذا الأسبوع عن عمليات الهدم التي تطول 25 بناية كان يعيش فيها نحو 100 عائلة، ومن المقرر تنفيذها الخميس.

ودمّر الجيش الإسرائيلي خلال العملية مئات المباني والمنازل الواقعة في أزقة هذه المخيمات الضيقة لتسهيل حركة مدرعاته وجرافاته وقواته داخلها.

وقال أحمد المصري، وهو من سكان المخيم الذين صدر إخطار بهدم منزلهم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن طلبه بالدخول إلى منزله قوبل بالرفض.

وأضاف: «عندما سألت عن السبب، قيل لي: اسمك غير موجود في سجلات مكتب الارتباط».

من جهته، قال مدير شؤون وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الضفة الغربية، رولاند فريدريك، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الاثنين، إن نحو 1600 منزل دُمرت كلياً أو جزئياً خلال العملية الإسرائيلية المستمرة.

جنود إسرائيليون يفتشون رجلاً فلسطينياً بينما يقوم السكان بجمع ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها في مخيم نور شمس للاجئين بمدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

بعد قيام دولة إسرائيل وبعد حرب عام 1948 التي أدت إلى نزوح وتهجير آلاف الفلسطينيين، أُنشئت مخيمات للاجئين في الضفة الغربية ودول عربية مجاورة.

حينها كانت الخيام مأوى للاجئين. ولكن مع مرور الوقت والسنوات، وبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة في 1967، تحولت تلك الخيام إلى مساكن معظمها مبني من الطوب. ودفع ازدياد عدد السكان إلى بناء مزيد من الطوابق.

وقالت ابتسام العجوز، وهي إحدى النازحات من المخيم ومنزلها أيضاً قررت إسرائيل هدمه: «نسأل الله أن يعوّضنا قصوراً في الجنة. كل ما ترونه هنا ليس سوى جدران، ولن يُضعف ذلك عزيمتنا».

وأضافت: «نحن عازمون على العودة، وبإذن الله سنُعيد الإعمار. حتى لو هُدّمت البيوت. لن نخاف، فمعنوياتنا عالية».