شهد محيط محكمة مدينة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، الأربعاء، أجواء غير عادية بسبب محاكمة صحافي فرنسي تطالب بلاده بالإفراج عنه، وتعدّه ضحية لتدهور العلاقات بين البلدين منذ عام ونصف العام. وتزامن ذلك مع استعداد محامين بارزين للترافع لصالح الصحافي الجزائري المخضرم سعد بوعقبة، الذي سيُحاكم الخميس بتهمة ثقيلة، ألا وهي «إهانة رموز الثورة».
ومن المقرر أن تصدر محكمة في تيزي وزو، مساء الأربعاء، قراراً بخصوص الصحافي الرياضي، كريستوف غليز، المحتجز منذ إدانته نهاية يونيو (حزيران) الماضي بالسجن سبع سنوات بتهمة «الإشادة بالإرهاب»، و«حيازة منشورات دعائية».

وصرّح محاميه الجزائري عميروش باكوري لصحافيين أمام مدخل المحكمة، بأن ملف القضية «خالٍ من أي دليل على تهمة الإرهاب»، عادَّاً أن الوقائع «لا تعدو أن تكون نشاطاً مهنيّاً، قاد غليز إلى منطقة القبائل لإنجاز تحقيق حول مسار النادي المحلي شبيبة القبائل». كما أوضح أن الحكم الابتدائي «كان قاسياً» في حق الصحافي الثلاثيني.
ونقل باكوري عن عائلة غليز التي تعيش في فرنسا، بأنها «تأمل في تبرئته من التهمة، خصوصاً مع تحسن العلاقات بين البلدين»، التي عرفت تدهوراً كبيراً منذ صيف 2024، على خلفية استياء الجزائر من اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء.
انتقاد القضاء الجزائري
وصل محامي غليز، الفرنسي إيمانويل داود، إلى الجزائر، و«تمكّن من الاجتماع بالصحافي» قبل الجلسة، وفقاً لما أفاد به باكوري.
وعند سؤاله في الإعلام الفرنسي يوم الاثنين، أعرب داود عن أمله في «نتيجة إيجابية»، مستنداً إلى «تخفيف التوتر في العلاقات بين فرنسا والجزائر... حتى إن لم تكن هناك صلة بين القضيتين». وأوضح المحامي بأن العفو والإفراج عن الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، «يشكّل إشارة إيجابية»، ويقصد بذلك أن إطلاق سراح صنصال بعد عام من الاحتجاز كان أحد مؤشرات الانفراجة بين البلدين، وأن الإفراج المفترض عن موكله قد يسير في الاتجاه نفسه.
وأعلنت منظمة «مراسلون بلا حدود» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنّ الحكم، الذي صدر بحق غليز «جائر ومجحف». وأوضحت بأن «ممارسته للصحافة الرياضية كانت جزءاً من عمله المهني المشروع... فهو لم يفعل سوى ممارسة مهنته صحافياً، وليس أي نشاط سياسي أو إرهابي». وطالبت السلطات الجزائرية بـ «الإفراج عنه فوراً»، عادَّةً أنّه «لا مكان لطالب الحقيقة في السجن»، وأن «كل ما قام به كان تغطية صحافية عن نادي كرة قدم جزائري».
كما عدَّت المنظمة أنّ المحاكمة والحكم «يعكسان سياقاً سياسياً أوسع يتجاوز عمل الصحافي»، مشيرة إلى أنّ «كل شيء أصبح سياسياً»، وأن القضاء الجزائري «لم يحسن التعامل مع القضية بطريقة تحفظ حقوق الصحافي وكرامته»، في إشارة ضمناً إلى توظيف محتمل للقضاء ضد غليز، في سياق توتر العلاقة بين البلدين.
ويعمل غليز مع مجلات فرنسية، مثل «So Foot» و«Society»، وكان قد سافر إلى الجزائر لإعداد تقرير عن النادي الأكثر تتويجاً في البلاد، «شبيبة القبائل»، الذي يوجد مقره في تيزي وزو. وتم توقيفه في 28 مايو (أيار) 2024 في تيزي وزو، ووضع تحت الرقابة القضائية بتهم «دخوله البلاد بتأشيرة سياحية، وتمجيد الإرهاب، وحيازة منشورات بغرض الدعاية التي تضر بالمصلحة الوطنية».
وتتهمه السلطات بالاتصال بأحد مسؤولي نادي الشبيبة، الذي كان أيضاً أحد قياديي «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المصنفة جماعة إرهابية في قانون العقوبات الجزائري.
وحسب المحامي باكوري، تمت الاتصالات الأولى بين غليز والمسؤول بالنادي الكروي قبل تصنيف التنظيم الانفصالي حركة إرهابية (يونيو 2021)، وأن لقاءهما الوحيد، الذي تم في 2024، «كان للتحضير لتقريره عن شبيبة القبائل، وهو أمر لم يُخفِه كريستوف غليز أبداً».
كما أوضح المحامي داود أنه أثناء المحاكمة الابتدائية، «كان هناك جهل تام بمهنة الصحافة؛ لذلك علينا أن نشرح للقضاة في الاستئناف أن الصحافي لا يمارس السياسة، وليس آيديولوجياً، وليس ناشطاً»، مشدداً على «احترامه للقضاء الجزائري المستقل والسيادي»، ونفى الاتهامات، التي رُوّجت في فرنسا بأن الصحافي «رهينة»، كما لفت إلى أن غليز «تمكن من استقبال زيارات، واطّلع على ملفه الجنائي، ولديه محامون».
الجزائر تترقب تجاوب فرنسا مع طلبها
وفق مسؤولين في الجزائر، فإن حكومتهم تربط مدى تجاوب فرنسا مع طلبها الإفراج عن موظف قنصلي جزائري بالمصير، الذي ينتظر الصحافي غليز.

ويتّهم الادعاء الفرنسي مسؤولاً في القنصلية الجزائرية بباريس بخطف واحتجاز اليوتيوبرز الجزائري المعارض، أمير بوخرص اللاجئ في فرنسا، وقد وُضع في السجن في أبريل (نيسان) الماضي بتهمة التوقيف والخطف والاحتجاز التعسفي، في إطار مخطط ذي طابع إرهابي. واحتجّت الجزائر بشدّة على هذا الإجراء الذي زاد من حدّة التوتر في العلاقات».
إلى ذلك، أعد أبرز المحامين في الجزائر خطة الدفاع عن «عميد الصحافيين» سعد بوعقبة، الذي سيحاكم الخميس بالعاصمة بتهمة «الإساءة إلى قادة الثورة».

ويوجد ضمن فريق الدفاع الحقوقي الكبير، مصطفى بوشاشي، والمحامون عبد الله هبول وسعيد زاهي وعبد الغني بادي، الذي صرح لـ«الشرق الأوسط» بأنه زار بوعقبة (79 سنة) في سجن القليعة غرب العاصمة، الثلاثاء، مؤكداً أنه «بصحة جيدة ويترقب قراراً بتبرئته من التهمة».
واعتقل بوعقبة الأسبوع الماضي، إثر شكوى لابنة الرئيس الراحل ورجل الثورة أحمد بن بلة، تتهمه فيها بالإساءة إلى والدها في برنامج تبثه قناة خاصة، حيث خاض الصحافي في قضية شائكة للغاية لا تزال محاطة بالغموض، رغم مرور أكثر من 60 سنة على الاستقلال، تخص «كنز جبهة التحرير الوطني».

وتناول بوعقبة في تصريحاته كتاباً قديماً لمؤلف فرنسي، يزعم أن بن بلة وقيادي الثورة محمد خيضر، الذي اغتيل بمدريد عام 1967، «نهبا أموال جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال»، وهي مبالغ كبيرة تم جمعها من تبرعات المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وهبات دول عربية لدعم ثورة الجزائر.



