الفاتيكان محجّة الفنانين... والبابا ليو ذوّاقة سينما وثقافة

البابا ليو مصافحاً الممثلة كيت بلانشيت خلال زيارتها الفاتيكان مع وفد فني (رويترز)
البابا ليو مصافحاً الممثلة كيت بلانشيت خلال زيارتها الفاتيكان مع وفد فني (رويترز)
TT

الفاتيكان محجّة الفنانين... والبابا ليو ذوّاقة سينما وثقافة

البابا ليو مصافحاً الممثلة كيت بلانشيت خلال زيارتها الفاتيكان مع وفد فني (رويترز)
البابا ليو مصافحاً الممثلة كيت بلانشيت خلال زيارتها الفاتيكان مع وفد فني (رويترز)

إلى جانب الطابع الروحي، والديني الذي يميّز أولى رحلات البابا ليو الرابع عشر خارج الفاتيكان، تكتسب الزيارتان إلى تركيا ولبنان أبعاداً إنسانية، وثقافية. في إسطنبول كانت له محطة بارزة في جامع السلطان أحمد المعروف بـ«الجامع الأزرق»، حيث وقف بابا الفاتيكان على 416 عاماً من التاريخ، والحضارة.

أما في لبنان، محطته الثانية بعد تركيا، فقد أضاف إلى جدوله الحافل محطتَين في مزارَين أثريَين هما ضريح القديس شربل في عنّايا، ومقام السيدة مريم العذراء «سيدة لبنان» في حريصا. ويطغى البُعد الإنساني على المحطة اللبنانية، إذ اختار البابا ليو أن يزور «مستشفى دير الصليب للأمراض العقلية، والنفسية»، حيث يلتقي العاملين، والمرضى. ولا يغادر قبل أن يتلو الصلاة في مرفأ بيروت، الشاهد على أفظع تفجير في تاريخ العاصمة اللبنانية، والذي راح ضحيته أكثر من 200 شخص في 4 أغسطس (آب) 2020.

البابا ليو يزور مسجد السلطان أحمد في إسطنبول خلال رحلته الخارجية الأولى (أ.ف.ب)

نجوم هوليوود في الفاتيكان

منذ انتخابه في مايو (أيار) 2025، يسعى البابا ليو إلى وضع تلك اللمسات الإنسانية على مسيرته الحَبريّة. هو الآتي بعد البابا فرنسيس، السلَف الذي التفّ حوله مئات الملايين نظراً للكاريزما التي تمتّع بها، لا تبدو مهمته سهلةً في استقطاب الناس. ولعلّ تلك المقاربة التي تضع الإنسان أولاً خيارٌ صائب من قِبَل الفاتيكان وسيّده.

قبَيل قيامه بأولى رحلاته الخارجية، كان البابا ليو قد استضاف مجموعة من نجوم هوليوود «رغبةً منه في تعميق الحوار مع عالم السينما، وبحث الإمكانيات التي يمكن أن يقدّمها الإبداع الفني لمهمة الكنيسة، وللترويج للقيَم الإنسانية»، وفق ما جاء في بيان صادر عن الفاتيكان. وكان قد سبقه إلى هذه المبادرة سلفُه فرنسيس الذي استضاف عدداً كبيراً من الممثلين العالميين خلال سنوات خدمته الـ12. وفي سابقةٍ لم يشهد الفاتيكان مثلها من قبل، جمع البابا الراحل حوله نخبة من نجوم الكوميديا في يونيو (حزيران) 2024.

البابا الراحل فرنسيس مصافحاً الممثلة الكوميدية ووبي غولدبرغ في الفاتيكان عام 2024 (رويترز)

وبما أن نجوم الشاشة هم بمثابة جسرٍ بين الراعي والرعية، فتح البابا أبوابه وذراعَيه لأكثر من مائة ممثل، ومخرج، ومنتج. من بين هؤلاء كيت بلانشيت، ومونيكا بيلوتشي، وفيغو مورتنسن، وسبايك لي، وغريتا غورويك، وغيرهم. أطلق عليهم لقب «حجّاج الخيال» الذين يساعدون في «صناعة الأمل».

«السينما في خطر»

في الكلمة التي ألقاها أمامهم، طالب البابا ليو صنّاع السينما بألّا يحيدوا الطرف عن «جروح العالم». وقال: «العنف، والفقر، والمنفى، والوحدة، والإدمان، والحروب المنسيّة... كلها قضايا يجب الإقرار بها وسَردُها». وأضاف: «السينما الجيدة لا تستغل الألم، بل تعترف به، وتستكشفه. هذا ما فعله المخرجون العظماء».

الممثلة مونيكا بيلوتشي خلال لقاء البابا ليو في الفاتيكان (رويترز)

وإذ بدا ملماً بواقع الفن السابع، حذّر البابا من موجة الإقفال التي تواجهها دُور السينما حول العالم. «الفن والتجربة السينمائية ككلّ في خطر. أحثّ المؤسسات على عدم الاستسلام، وعلى التعاون من أجل إثبات القيمة الاجتماعية والثقافية للسينما»، حسب ما قال.

من بين نجوم هوليوود من أتى بهدية تذكارية للبابا. الممثلة كيت بلانشيت وضعت حول معصمه سواراً منسوجاً كانت تلبسه تضامناً مع المهجّرين من أوطانهم، هي التي تعمل إلى جانب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سفيرة للنوايا الحسنة. أما المخرج سبايك لي فسلّم البابا الأميركي قميصاً لفريق «نيويورك نيكس» لكرة السلة، يحمل الرقم 14، وطُبع عليه Pope Leo.

المخرج سبايك لي يقدّم هدية للبابا ليو (رويترز)

دي نيرو وآل باتشينو بضيافة البابا

كانت قد سبقت الوفد الهوليوودي إلى الفاتيكان منذ انتخاب البابا الجديد أسماء لامعة في مجال التمثيل. ففي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، استقبل البابا الممثل روبرت دي نيرو. ووفق موقع «أخبار الفاتيكان»، فإن الفنان الأميركي ذا الأصول الإيطالية حرص على لقاء البابا ليو في ختام زيارة سريعة قام بها إلى روما.

الممثل الأميركي الإيطالي روبرت دي نيرو في الفاتيكان قبل أسابيع (رويترز)

أما الشهر الماضي فتشاركَ البابا ليو المنبر مع الممثل الأميركي أرنولد شوارزنيجر، وذلك في إطار مؤتمر ذي طابع بيئي ومناخي عُقد في المقر الصيفي للباباوات في روما.

وكان أول النجوم الهوليووديين الذين زاروا الفاتيكان، الممثل المخضرم آل باتشينو (85 سنة). جاءت تلك الزيارة على هامش جولة ترويجية كان يقوم بها لفيلمه المقبل «ماسيراتي: الإخوة». وقد قدّم للبابا نسخة مصغرة عن السيارة الشهيرة، إضافةً إلى قبّعة فريق «وايت سوكس» للبيسبول، وهو الفريق الذي لطالما شجّعه البابا.

لقاء بين البابا ليو والممثل أرنولد شوارزنيجر (إعلام الفاتيكان)

أفلام البابا المفضّلة

بدا شهر نوفمبر حافلاً سينمائياً في سجلّ بابا الفاتيكان، فإلى جانب اللقاءات الهوليوودية، أعلن ليو عن قائمة أفلامه المفضّلة. ورداً على سؤال خلال مؤتمر صحافي، سمّى 4 أفلام تُعدّ من كلاسيكيات السينما العالمية.

أول تلك الأفلام «It’s a Wonderful Life» (إنها حياة رائعة) العائد إلى عام 1946. يروي الفيلم قصة متخيلة من زمن الميلاد عن فاعل خير يقرر الانتحار عشية عيد الميلاد، فيتدخّل ملاكه الحارس لينقذه من أفكاره السوداوية.

على القائمة كذلك، أحد أكثر الأفلام كلاسيكية، والذي يشي بذائقة البابا ليو الموسيقية؛ «The Sound of Music» (صوت الموسيقى). هذه الدراما العائلية التي يزينها صوت أسطورة برودواي جولي أندروز، شكّلت ظاهرة عالمية عام 1965، وكان البابا ليو حينها في الـ10 من عمره.

من أفلامه المفضّلة «Ordinary People» (أناس عاديون) من إنتاج 1980، وهو دراما نفسية تدور حول عائلة ثرية تفرّق أفرادها بعد وفاة أحد الأبناء في حادث غرق، ومحاولة الابن الآخر الانتحار.

وفي تحية إلى جذوره الإيطالية، عدّد البابا ليو من بين أفلامه المفضّلة «La Vita e Bella» (الحياة جميلة) الحائز على أوسكار. ويروي الفيلم بأسلوب شاعري وكوميدي معاناة عائلة يهودية في معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

أما فيلم «Conclave» الذي تدور أحداثه في كواليس الفاتيكان عشية انتخاب بابا جديد، فلم يأتِ ضمن القائمة. إلا أن البابا ليو شاهده قبل انتخابه بأيام، وفق ما أعلن شقيقه.


مقالات ذات صلة

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

يوميات الشرق ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق مؤسسة «فيلم إندبندنت» تنظم ورشة عمل لصناع الأفلام ومنتجي التلفزيون السعوديين (الشرق الأوسط)

الشراكات الأميركية - السعودية تعيد تشكيل «المشهد السينمائي»

بمشهد يعكس تحوّل السينما من فعل ثقافي إلى صناعة عابرة للحدود حضرت البعثة الأميركية لدى المملكة العربية السعودية على هامش «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي».

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

يقدّم فيلم «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق خيرية نظمي في مشهد من فيلم «هجرة» (الشرق الأوسط)

خيرية نظمي لـ«الشرق الأوسط»: حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين

تعود خيرية نظمي إلى فكرة السلام الداخلي، مؤكدةً أنها تعيش حالة رضا وتصالح مع الذات...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

المخرج البريطاني روان أثالي: أمير المصري أبهرني في «العملاق»

قال المخرج البريطاني روان أثالي إن اختيار المشهد الافتتاحي لفيلم «العملاق» لم يكن قراراً مفاجئاً، بل كان محدداً منذ المراحل الأولى للكتابة.

أحمد عدلي (جدة )

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
TT

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)

شدد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، على عدم التسامح مع من يحاولون استخدام «حرية التعبير» لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، أو استخدام خطاب شعبوي زائف الهدف منه زيادة أعداد المتابعين، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الحكومي بالعاصمة الرياض.

وقال وزير الإعلام السعودي إن القوانين والأنظمة في السعودية تكفل حرية التعبير كحق أصيل، لكن في الوقت نفسه تميز بوضوح بين الرأي المسؤول والنقد البناء، وبين التحريض الذي يهدف إلى التضليل أو تأجيج الرأي العام.

وبيّن أن إجراءات هيئة تنظيم الإعلام لا تستهدف الآراء أو النقد البناء، بقدر ما تأتي في إطار تطبيق الأنظمة تجاه أي ممارسات تتجاوز المسؤولية الإعلامية وتمس السلم المجتمعي.

وكشف الوزير الدوسري خلال المؤتمر، الذي عقد للحديث عن تطورات مشروع مدينة القدية، أن العمل جارٍ لإطلاق مشروع «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، لاكتشاف ورعاية الموهوبين من مراحل مبكرة.

وأوضح أن مدينة القدية ستستضيف الملتقى الثاني لصناع التأثير إمباك 2026، لافتاً إلى أن العمل قائم مع الشركاء في القدية لإطلاق مشروع «بيت إمباك».

واستعرض وزير الإعلام السعودي مجموعة من الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الفترة الماضية، ومن ذلك زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث بلغت 55.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بـ45.9 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. فيما ⁠«بلغت نسبة تملُّك الأسر السعودية للمنازل في نهاية العام الماضي 65.4 في المائة».

وتابع: ⁠«احتلّت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد الجوائز التي نالتها في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب بـ26 جائزة، كأكبر دولة في العالم تنال هذا العدد من الجوائز في تاريخ المسابقة».

وأضاف الوزير الدوسري أن قطار الرياض استقبل 120 مليون راكب منذ بدء انطلاق المشروع وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وسجّل أعلى درجات الانضباط في التشغيل، بنسبة التزام بلغت 99.8 في المائة لعام 2025. مشيراً إلى أن السعودية تستهدف تنفيذ المرحلة السابعة من مشروع قطار الرياض خلال العام المقبل.

من جهته، قال العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، عبد الله الداود، أن القدية مدينة فريدة من نوعها تجمع أكثر من 70 أصلاً في مكانٍ واحد، من بينها استاد الأمير محمد بن سلمان، ومجمع التنس الوطني، ومركز الفنون الأدائية، والعديد من الأصول النوعية الأخرى. ‏وأكد الداود أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالمشاريع النوعية التي تضيف لحياة الناس ولها القدرة على خلق اقتصادات وقطاعات جديدة، ولذلك كان كل العمل منصباً على تنفيذ أفكار الأمير محمد وتطلعاته، مشيراً إلى أن مشروع القدية يأتي من قلب «رؤية 2030»، وأن القدية تتبنى مفهوماً متكاملاً يندمج فيه الترفيه والرياضة والثقافة والسياحة بشكل متجانس.

وأعلن العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، خلال المؤتمر، أن تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، هو موعد افتتاح مدينة القدية لأول أصولها، منتزه «سيكس فلاغز»، مؤكداً أن الافتتاح سيشكل نقلة نوعية تحولية في مسيرة المدينة.

وأضاف الدواد أن منتزه «Six Flags» نجح في كسر عدد من الأرقام القياسية، وذلك من خلال 5 ألعاب في مكان واحد، من أبرزها لعبة أفعوانية الصقر التي تحطم 3 أرقام قياسية كأطول أفعوانية في العالم، وأسرع أفعوانية في العالم، وأعلى أفعوانية في العالم.

وكشف الداود أنه تم الانتهاء الكامل من منتزه «Six Flags» الذي صمم لاستقبال نحو 10 آلاف زائر يومياً، ومن المتوقع أن يتجاوز أعداد زوار المنتزه مليوني زائر خلال 2026، فيما تم الانتهاء من أكثر من 95 في المائة من منتزه أكواريبيا المائي وسيفتتح خلال العام المقبل، إضافة إلى المرحلة الأولى للبنية التحتية في الطرق والكهرباء والاتصالات وخدمات الطوارئ.


«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.