«ذكرى»... مشروع لتدوين السير الذاتية باحترافية

بما أنّ حياة كلّ فرد هي إرث حقيقي

السير الذاتية تُنشر مقرونة بصور عن كلّ مرحلة حياتية (الشرق الأوسط)
السير الذاتية تُنشر مقرونة بصور عن كلّ مرحلة حياتية (الشرق الأوسط)
TT

«ذكرى»... مشروع لتدوين السير الذاتية باحترافية

السير الذاتية تُنشر مقرونة بصور عن كلّ مرحلة حياتية (الشرق الأوسط)
السير الذاتية تُنشر مقرونة بصور عن كلّ مرحلة حياتية (الشرق الأوسط)

«قصصنا الشخصية ليست مجرّد ذكريات تتبخَّر برحيلنا، بل تستحق أن تصبح حكايات تُروى وتتناقلها الأجيال التي تأتي من بعدنا»، تقول وداد مروة وهي تشرح لـ«الشرق الأوسط» إنّ كلّ سيرة فيها من المحطات والتفاصيل وقصص الكفاح ما يجعلها جديرة بالتسجيل. وفي منطقتنا قد يصبح الأمر أكثر إلحاحاً، بسبب طبيعة الحياة المتقلّبة والتحولات التي جرّتها الحروب والاضطرابات. ثمة عائلات تشتَّتت، وأُسر تهاجر، وبات كلّ فرد منها في بلد. هناك أحفاد لا يعرفون أجدادهم، وربما نسوا أصولهم.

لذلك خطر لوداد مروة أن حفظ قصص الناس قبل رحيلهم، هو أمر يساعد العائلة على صون تاريخها من الضياع، وفهم أصولها. أطلقت مشروع «ذكرى» بهدف كتابة سِير من يرغبون في رواية قصصهم. وهؤلاء ليسوا قلّة، تقول مروة: «كثيرون يحبّون أن ينقلوا هذا الإرث ويُبقونه محفوظاً في كتاب، وهو ما نقوم به، ونُخصّص له محترفين، لأنّ الكتابة الشيّقة والمنظّمة ليست بالأمر اليسير».

صاحبة مشروع «ذكرى» وداد مروة (الشرق الأوسط)

جاءتها الفكرة بعد أن توفيت جدتها ومعها رحلت قصصها الجميلة التي كانت ترويها لأحفادها وتُسهم في تكوين وعيهم. تقول مروة: «رغم الفراغ الكبير الذي تركته جدّتي، فإنني لم أدرك أهمية ما ضاع بغيابها إلا بعدما نشرنا مذكّرات والدتي في كتاب، وشعرتُ أنه أعاد توطيد أواصر روابطنا العائلية». وتشرح أنها بفضل الكتاب اكتشفت أموراً كثيرة لم تكن تعرفها عن والدتها، لأنها روت للفريق الذي عمل على تسجيل مذكراتها ما لم تروه أبداً لابنتها من قبل.

«سيرة كلّ فرد هي إرث حقيقي» في رأي مروة، لكنّ الغالبية لا تجيد الكتابة بطريقة احترافية وشيّقة تُشجّع على القراءة. فأن تقوم العائلة بهذا الدور أمر صعب، وأن يعكف الشخص بنفسه على رواية سيرته فدونه عقبات، لأنه إن كان متواضعاً ظلم نفسه، أو كان فخوراً ضخّم دوره. مشروع «ذكرى» ينقل الحكاية من الفم إلى الورقة بأسلوب احترافي، وبدون تدخّل في الرواية. ثمة فريق يعمل على مختلف المراحل. فمن يسجل القصة يجب أن يعرف كيف يطرح أسئلته، وأن يكون على دراية بالبيئة التي يعيش فيها صاحب الحكاية. أمّا الكتابة فتُسنَد إلى شخص آخر غير الذي أجرى المقابلات. ثم يأتي دور المراجعة، و«نحن نحرص على تزويد السيرة بالصور، فهذا أدعى لفهم الأحداث وأقرب إلى ذائقة القارئ».

التوثيق الفردي -كالجماعي- ضروري (الشرق الأوسط)

بعد 15 كتاباً، ترى وداد مروة أنّ الأشخاص لا يروون بالقدر نفسه من الأريحية والصراحة لعائلاتهم. فهم بحاجة إلى مسافة تفصلهم عمّن حولهم كي يشعروا بالحرّية.«كما أنّ الغالبية الساحقة من الذين سجّلنا سيرهم لم يرغبوا في بيعها أو طرحها في السوق. عدّوه إرثاً عائلياً خاصاً، ووزّعوا سيرتهم على العائلة والأصدقاء، وأهدوها لمَن يعنيهم الأمر».

أحد الذين دوّنت «ذكرى» سيرهم هو حاتم شريف الزعبي، الذي عمل محامياً بين الإمارات والبحرين والسعودية، كما كان وزيراً لمرات عدّة في الأردن، ورحل عام 2021. بعد صدور كتابه، أقام الزعبي حفلَي توقيع في عمّان والمنامة، نوقشت خلالهما سيرته ومراحل حياته. تصف مروة سيرة الزعبي بأنها «شيّقة ومُلهمة». فقد وُلد في فلسطين، وتلقّى تعليمه في الناصرة والقدس، ثم ذهب لدراسة القانون في لندن في أربعينات القرن الماضي، وأجبرته الظروف على البقاء خارج وطنه بسبب النكبة، واضطر إلى شق طريقه بنفسه.

سير باللغات الثلاث (الشرق الأوسط)

بدأت نجاحاته في المملكة العربية السعودية، ثم مصرفي رفيع المستوى في الأردن، وتدرَّج في مناصب وزارية، بما في ذلك تقلده وزيراً للاقتصاد والخارجية. وعلى مستوى المحاماة، أنشأ الزعبي مكاتب له في دول عدة. كتابة سيرته وحفظها كانت أمراً مهماً له وللعائلة.

حاتم الشريف رجل مهم، ومساره خاص ومتميّز. «لكن بالبحث، نجد أن كلّ واحد منّا في حياته محطات جديرة بأن تُروى. جميعنا لنا معاركنا وانتصاراتنا وهزائمنا. لهذا كلّ إنسان تستحق حكايته أن تُكتب».

غالبية الذين طلبوا كتابة سيرتهم بلغوا سناً شعروا فيها أنهم أنجزوا مهمّتهم، وبات بمقدورهم أن يقصّوا الحكاية. آخرون مثل ليلى فوزي يُبادر أبناؤهم إلى طرح الفكرة عليهم. تشرح فوزي أنّ الكتاب كان هدية لها في عيد الأم: «عندما قال لي أولادي، سأُقابَل لكي تُكتب قصة حياتي، تردّدت وشعرت بأنّ الأمر صعب جداً. ولكن بعدما اختبرتُ التحدُّث مع المُحاوِرة الصبورة (ماي)، أقول إنها كانت أفضل هدية تلقّيتها في حياتي. سعيدة جداً بأنني أستطيع مشاركة قصصي مع أحفادي».

تسجيل المقابلات قبل البدء في الكتابة قد يحتاج في المتوسّط إلى 12 جلسة. «نُفضّل ألا نُثقل على الشخص. لقاء واحد في الأسبوع يكفي ليتمكن من استجماع أفكاره وتحضير نفسه للجلسة التي تليها. وغالباً ما يسترسل المسنّون في رواية خصوصياتهم. لهذا نحن حريصون على إطلاع صاحب الكتاب على المعلومات التي سننشرها. فقد يطلب حذف أشياء أو إضافة أخرى. كما نلتزم بالحفاظ على سرّية المعلومات الشخصية لمن نتعامل معهم. وهذا أمر أساسي جداً».

كبار السنّ يبوحون بخصوصياتهم إذا ما اندمجوا في سرد قصصهم (الشرق الأوسط)

رواية السيرة تبعث الأمل في نفوس المسنّين. إذ تقول ماجدة محمد إنّ والدها كان قد بدأ يشعر باليأس والوحدة بعد وفاة والدتها، ويجد صعوبة في الاستيقاظ الصباحي. «لكن دخوله في مرحلة القصّ ساعده على التطلّع قدماً، بعدما أخذ يستمتع بالتحدُّث عن طفولته ومعاناته ونجاحاته، وعن زوجته الراحلة بشكل خاص».

وداد مروة طوَّرت عملها طوال السنوات الـ12 الماضية، وهو عمر مشروعها، وباتت مع فريقها يستطيعون إنجاز السيرة بالعربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، أو بلغتين إن طلب صاحب الكتاب ذلك. كما يمكن أن يُستعاض عن الكتاب بفيلم وثائقي، أو كتاب صوتي، أو حتى موقع إلكتروني. كلّ وسائل التوثيق ممكنة.

لكن مروة تتمنّى أن يتوسَّع مشروعها، ويخرج من نطاقه الفردي، ليوثّق سيرة قرية أو مدينة أو مؤسسة أو عائلة أو قبيلة. تقول إنّ «في جنوب لبنان قرى كثيرة تهدَّمت وذكريات بدأت تُطوى. أتمنّى لو أتمكن من كتابة سير هذه القرى وأهلها وحكاياتها». أفكار طموحة تحتاج إلى فرق عمل. لكن وداد مروة تؤمن بأنّ العمل يجرّ ما بعده، وأنّ التوثيق الفردي -كالجماعي- ضروري، في منطقة تفقد كل يوم جزءاً من ذاكرتها بفعل الخراب والتهجير والموت.


مقالات ذات صلة

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الكاتبة خيرية المغربي مع إصداراتها الأدبية (الشرق الأوسط)

«فلمّا أفَلَت»... حين تدخل الرواية السعودية إلى فضاء السؤال الفكري

في مشهد ثقافي سعودي يتسع للأسئلة بقدر ما يحتفي بالحكايات، تبرز أعمال روائية لم تعد تكتفي برصد التحولات الاجتماعية، بل تمضي أبعد من ذلك، نحو مساءلة الفكر.

أسماء الغابري (جدة)
ثقافة وفنون «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

«مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

عن دار «ديوان للنشر» بالقاهرة، صدر حديثاً العمل الشِّعري السابع للشَّاعر المصري عماد فؤاد تحت عنوان «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إقبال واسع على كتب الفانتازيا العربية في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

كاتبان عربيان يُعيدان تعريف الفانتازيا من جدة إلى السويد

ما بين جدة واستوكهولم، تتشكّل ملامح فانتازيا عربية جديدة، لا تهرب من الواقع، بل تعود إليه مُحمّلة بالأسئلة...

أسماء الغابري (جدة)
كتب ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

في غضون خمسين عاماً من الاستقلال، شيّدت أميركا رؤيتين متناقضتين: النشوة، والحلم الأميركي.

أليكسس كو (نيويورك)

استخدام تطبيقات المواعدة مرتبط بتدهور الصحة النفسية

الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)
الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)
TT

استخدام تطبيقات المواعدة مرتبط بتدهور الصحة النفسية

الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)
الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)

يستخدم الملايين من الأشخاص حول العالم تطبيقات المواعدة للعثور على شريك حياة. ورغم مزايا التطبيقات العديدة، كإمكانية تحديد شركاء محتملين عدة ودعوتهم للقاء، فإنها لا تُعدّ دائماً إيجابية للصحة النفسية، وفق ما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المعني بالصحة النفسية والعقلية.

فالاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة، كالبحث لساعات عن الشريك المثالي، قد يرتبط بمشاكل نفسية. مع ذلك، لم تُجرَ حتى الآن دراسات نفسية شاملة حول هذا الموضوع، ولم تُدمج نتائجها بشكل منهجي لتحديد أنماط عامة تربط بين استخدام تطبيقات المواعدة والصحة النفسية.

دراسة جديدة

نُشرت مؤخراً دراسة تحليلية جديدة في مجلة «الحواسيب في السلوك البشري» الأكاديمية، تركز على سد هذه الفجوة المهمة في الدراسات النفسية المتعلقة بتطبيقات المواعدة. ودمج فريق البحث في هذه الدراسة التحليلية لتطبيقات المواعدة بيانات من 23 دراسة (نُشرت بين عامي 2007 و2024) حول تأثير هذه التطبيقات على الصحة النفسية. وشملت البيانات التي تم تحليلها بيانات أكثر من 26 ألف متطوع.

وأظهرت الدراسات التي تم تحليلها أشكالاً مختلفة من النتائج السلبية لتطبيقات المواعدة على الصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق والوحدة والتوتر.

صحة نفسية أسوأ

أظهرت نتائج تحليل الدراسات أن مستخدمي تطبيقات المواعدة يعانون مشاكل نفسية أسوأ بشكل ملحوظ، بما في ذلك الاكتئاب والوحدة والقلق والضيق النَفْسِي، مقارنةً بمن لا يستخدمون هذه التطبيقات.

وأظهر مستخدمو تطبيقات المواعدة العزاب مشاكل نفسية أسوأ بشكل ملحوظ مقارنة بمستخدمي تطبيقات المواعدة من المرتبطين.

الحد من الاستخدام المفرط

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التأثير ناتجاً من استخدام الأشخاص ذوي الصحة النفسية المتدهورة لتطبيقات المواعدة بشكل أكبر من الأشخاص السعداء، أو أن استخدام هذه التطبيقات يؤدي إلى مشاكل نفسية.

وعلى الأرجح، يحدث كلا الأمرين بدرجات متفاوتة. وهذا يُبرز ضرورة أن يضع مصممو تطبيقات المواعدة الصحة النفسية للمستخدمين في حسبانهم عند تصميم تطبيقاتهم، وفق «سيكولوجي توداي».

كما ينبغي على المستخدمين التفكير في الحد من الاستخدام المفرط لهذه التطبيقات والتركيز على التفاعلات الواقعية مع الأشخاص الذين التقوهم عبر التطبيق أو بطرق أخرى.


هل يُحسّن الجزر الصغير النوم؟ خبراء يعلقون على «ترند» بمواقع التواصل

يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)
يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)
TT

هل يُحسّن الجزر الصغير النوم؟ خبراء يعلقون على «ترند» بمواقع التواصل

يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)
يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم بأن تناول الجزر الصغير قبل النوم يُحسّن جودة النوم، لكن عِلم التغذية لا يدعم فكرة أن الجزر - أو أي طعام آخر - يُساعد على النوم.

والجزر الصغير من الخضراوات منخفضة السُّعرات الحرارية، وهو غني بالألياف والكربوهيدرات والبوتاسيوم وفيتامين ك والبيتا كاروتين، الذي يحوّله الجسم إلى فيتامين أ، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.

وتلعب هذه العناصر الغذائية أدواراً معروفة في الصحة العامة، لكن لا تُصنّفها الهيئات الصحية الفيدرالية على أنها تُساعد على النوم عند تناولها ليلاً، وفق ما أفادت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

ومع ذلك، يُساعد التركيب الغذائي للجزر في تفسير سبب انتشار الحديث عنه على الإنترنت، إذ تقول جيسيكا ماك، خبيرة الصحة في نيويورك: «ينبع هذا الاعتقاد من العناصر الغذائية التي يحتويها الجزر وعلاقتها بتنظيم النوم».

وعلى الرغم من الادعاءات المتداولة على الإنترنت، لا توجد أدلة تُثبت أن الجزر يُحسّن النوم بشكل مباشر. ويقول خبراء التغذية واختصاصيو النوم إن تناول وجبات كبيرة أو دسمة قبل النوم مباشرة قد يُؤثر سلباً على النوم، مُسبباً شعوراً بعدم الراحة أو عسر الهضم. قد تكون الوجبات الخفيفة أسهل هضماً لبعض الأشخاص، لكن استجابة كل فرد تختلف.

وجدت الدراسات ارتباطاً بين زيادة تناول الفاكهة والخضراوات، وزيادة استهلاك الألياف، وتحسين جودة النوم، لكن هذه النتائج تعكس جودة النظام الغذائي بشكل عام، وليس التأثيرات المباشرة لتناول وجبة خفيفة قبل النوم.

وتقول الخبيرة ماك: «الجزر ليس من مُساعِدات النوم، ولا يوجد دليل قاطع على أن تناول الجزر الصغير وحده يُساعد على النوم أسرع». وأضافت أن أي فائدة مُحتملة ستكون غير مباشرة، وأردفت: «يُمكن أن يُساعد الجزر بشكل غير مباشر على النوم عند تناوله بصفته جزءاً من وجبة عشاء مُتوازنة. فقد تُساعد الألياف والكربوهيدرات الطبيعية الموجودة فيه على استقرار مُستويات السكر بالدم طوال الليل، مما قد يُقلل اضطرابات النوم لدى بعض الأشخاص. ومن المُرجّح أن تكون أي فائدة طفيفة وداعمة وليست فورية أو ملحوظة».

وقد خضعت بعض الأطعمة لدراسات مُعمّقة حول علاقتها بالهرمونات والنواقل العصبية المُتعلّقة بالنوم. ووفقاً لماك، فإن الأطعمة التي تحتوي على التربتوفان أو المغنسيوم أو المركبات التي تدعم إنتاج الميلاتونين قد يكون لها ارتباط أقوى بالنوم.

وقالت ماك: «الجزر الصغير غني بالعناصر الغذائية، وسعره مناسب، وسهل التناول، كما أنه يدعم صحة العين، ووظائف المناعة، وصحة الجلد، بفضل محتواه من البيتا كاروتين».

وأشارت الخبيرة إلى أمثلة تشمل الزبادي والحليب والمكسرات والبذور والشوفان والموز والكيوي والكرز والحبوب الكاملة، ولاحظت أن «تناول الكربوهيدرات مع البروتين على العشاء أو كوجبة خفيفة مسائية يُسهم في تحسين جودة النوم، من خلال دعم إنتاج السيروتونين وتوازن سكر الدم».


«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)
إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)
TT

«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)
إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)

ولَّى زمن الاندهاش أمام سطحيِّة الحبكة وخفَّة الأحداث في «Emily in Paris» (إميلي في باريس). بعد خمسة مواسم من الإبهار البصري والتركيز على الجماليَّات على حساب القصة، بات من الممكن التغافل عن أسباب الانتقاد. فهوية المسلسل صارت معروفة، مزيجٌ من الحكايات اللطيفة المحفِّزة على الحلم والصالحة لتمرير الوقت، تزيِّنها أزياء فائقة الأناقة والجرأة، وأهم ما في خلطة المسلسل الكثير من الأهداف التسويقية.

في موسمه الخامس الذي حلَّ قبل أيام على منصة «نتفليكس»، بدا مسلسل «Emily in Paris» أشبه بإعلان ترويجيّ طويل لعددٍ لا يُحصى من العلامات التجارية. من دُور الأزياء الإيطالية، مروراً بمستحضرات التجميل الفرنسية، وليس انتهاءً بأسماء معروفة من منتجات القهوة والكحول. وكأنّها احتفاليّة لرُعاةٍ تجاريين موَّلوا رحلة (إميلي) من باريس إلى روما.

الشابة الأميركية التي أحدثت إطلالتها ضجّة عالمية في الموسم الأول، نقلت مقرّ إقامتها من العاصمة الفرنسية حيث بدأت مغامرتها عام 2020، إلى روما. لحقت بالحب المتمثّل بالشاب الإيطالي مارتشيللو موراتوري، وبطموحها المهني لتسلُّم الفرع الإيطالي من شركة التسويق حيث تعمل. لكن كالعادة، صاحبة الشركة المتغطرسة (سيلفي غراتو) تقف لإميلي بالمرصاد، فهي وفريقها انتقلوا جميعاً إلى روما لاستكمال مجريات القصة هناك.

بشعرٍ قصير وتسريحاتٍ جريئة تكمّلها جرأة الملابس، تطلّ إميلي على معجبيها وهُم كثُر. لا بدّ من الاعتراف بأنّ أداء الممثلة ليلي كولنز اكتسب مزيداً من النضج والقدرة على الإقناع مع مرور المواسم. غير أنّ مناخ روما لم يلائم المسلسل كثيراً، رغم توظيف عناصر الجاذبيّة كافةً؛ من جمال المدينة بأبنيتها التاريخية ومعالمها الأثرية وساحاتها الصاخبة، مروراً بالمائدة الإيطالية بما فيها من باستا وأطباقٍ ملوّنة شهية، وليس انتهاءً بأناقة الإيطاليين ولُطفهم.

مارتشيللو موراتوري حبيب إميلي الإيطالي (نتفليكس)

يتّضح منذ البداية أن المسلسل لم يجد لنفسه حبكة يوحّد بها بنيته الدرامية، ما يعرّض الإيقاع للرتابة والمُشاهد للشرود، لولا أدوات الزينة وهي كثيرة. من بينها على سبيل المثال صديقة إميلي (ميندي تشن)، العائدة بحيويّتها وصوتها الساحر وأغانيها التي لا تغيب عن أيٍ من الحلقات العشر. وتنضمّ إلى أسرة المسلسل الممثلة المخضرمة ميني درايفر بشخصية (الأميرة جاين) الغارقة وزوجَها الأمير الإيطالي في الإفلاس، فتحاول الاستفادة من صداقتها مع سيلفي غراتو للترويج لنفسها ولقَصرها وجَمع بعض المال.

انضمام الممثلة ميني درايفر إلى أسرة «إميلي في باريس» (نتفليكس)

تترافق البنية الدرامية المترنّحة واهتزاز قصة الحب بين إميلي ومارتشيللو، ما يستدعي عودةً سريعة إلى باريس. كالسمكة التي رجعت إلى الماء، يتنفّس المسلسل بعض الصعداء في موطنه الطبيعي. تمدّ باريس حبل الإنقاذ إلى إميلي ورفاقها، فبدءاً من الحلقة الخامسة يسترجع المسلسل جزءاً من مزاجه المعهود.

يتسارع إيقاع الأحداث قليلاً فتُمتَحن الصداقة ما بين إميلي وميندي، كما تختبر البطلة قدرتها على منح فرصٍ ثانية لمَن خذلوها. أما سيلفي، فيعود جزءٌ من ماضيها ليُضفي بعض الإثارة والتشويق. غير أنّ معظم الحبكات الفرعية تعاني من البَتر، لا سيما تلك التي تبرز في الحلقة السادسة حيث تزور إميلي السفارة الأميركية في باريس وتتعرف على أحد الموظفين هناك.

تخضع الصداقة بين إميلي وميندي لامتحان في هذا الموسم (نتفليكس)

وحدَه الثابت والعائد أبداً إلى حياة إميلي (الشيف غابرييل)، حبُّها الباريسي الأول. فرغم التغييرات الكثيرة التي تطرأ على حياته في هذا الموسم، تعود به الطريق دوماً إليها. مثلُه مثلُ مشاهدي المسلسل، الذين وإن علموا بهفواته وخفّته أحياناً، فإنهم أوفياء لمُشاهدة أيِ موسمٍ جديدٍ منه.

إلى جانب إميلي، يقف مارتشيللو داخل دائرة الضوء في هذا الموسم. فإذا كانت ثمة حبكة ما في المسلسل، هي تدور حوله. من علاقته بعائلته الثرية، وإرث والده مصمم الأزياء، مروراً بمشاعره تجاه إميلي، وصولاً إلى مستقبله المهني. نرى إميلي تضع اهتماماتها الشخصية جانباً من أجل الدفع بحبيبها إلى الأمام. يبدو وكأن الجميع يتجرّأ على اقتناص فرصٍ جديدة باستثناء إميلي، المتشبّثة بكرسيّها الباريسي داخل شركة سيلفي غراتو.

العودة إلى باريس تعيد للمسلسل بعض إشراقته (نتفليكس)

لعلَّ الرسالة الوحيدة التي يتضمنها المسلسل والتي تبعث على التفكير قليلاً، هي تلك الجرأة التي تتسلّح بها بعض شخصياته للتخلِّي عن الماضي وابتكار حياة جديدة. يغادر الشيف غابرييل مطعمه الباريسي ليعمل طاهياً على متن يختٍ خاص برجل أعمال نافذ. أما (نيكو)، حبيب ميندي، فيترك إمبراطورية والده للأزياء ليؤسس عمله الخاص بالشراكة مع مارتشيللو. حتى (سيلفي) التي تجاوزت سنّ المجازفة، تمتد إليها العدوى فتطلب الطلاق من زوجها.

كما أنّ لفترة أعياد نهاية السنة سحرها الخاص، كذلك لمسلسل «Emily in Paris»، وقد اختارت «نتفليكس» التوقيت الأذكى للعَرض.

لا توحي نهاية الموسم الخامس بأنه سيكون الأخير في السلسلة (نتفليكس)

قبل أيام من انطلاق الموسم الخامس، دخل مؤلِّف المسلسل الكاتب والمخرج الأميركي دارن ستار إلى قصر الإليزيه مكرّماً. هناك، قدّم له إيمانويل ماكرون وسام جوقة الشرف، وهو أعلى تكريم في فرنسا. توجَّه الرئيس الفرنسي إلى الضيف قائلاً: «لقد جعلت فرنسا تلمع حول العالم»، في إشارةٍ إلى الدور الذي لعبه «Emily in Paris» في التسويق للسياحة والمطاعم والأزياء في باريس. مع العلم بأن السيدة الفرنسية الأولى، بريجيت ماكرون، كانت لها إطلالة خاطفة في الموسم الرابع من المسلسل.