الشتاء القاسي يغرق غزة في مأساة جديدة... خيام النازحين تنهار ومناشدات للإغاثة

أمطار غزيرة فاقمت الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع

طفلة تحمل وعائين خاليين في طريقها لجلب المياه وسط أمطار غزيرة على حي الشيخ رضوان بمدينة غزة أمس (أ.ب)
طفلة تحمل وعائين خاليين في طريقها لجلب المياه وسط أمطار غزيرة على حي الشيخ رضوان بمدينة غزة أمس (أ.ب)
TT

الشتاء القاسي يغرق غزة في مأساة جديدة... خيام النازحين تنهار ومناشدات للإغاثة

طفلة تحمل وعائين خاليين في طريقها لجلب المياه وسط أمطار غزيرة على حي الشيخ رضوان بمدينة غزة أمس (أ.ب)
طفلة تحمل وعائين خاليين في طريقها لجلب المياه وسط أمطار غزيرة على حي الشيخ رضوان بمدينة غزة أمس (أ.ب)

اجتاحت الأمطار الغزيرة قطاع غزة، الجمعة، لتغمر خيام النازحين، وتفاقم مأساة الغزيين الذين يكافحون منذ أكثر من عامين تبعات حرب غزة، وسط أزمة إنسانية لم تهدأ رغم مرور أكثر من شهر على اتفاق وقف إطلاق النار، وتحذيرات من أن الشتاء القادم سيزيد حجم المعاناة.

واجتاح المنخفض الجوي الأول هذا الشتاء خيام النازحين، وأتلف الكثير منها، مما أدى إلى تشريد آلاف الأسر، في ظل نقص حاد في الخدمات الأساسية. وشكا السكان من غرق المناطق، وتلف مقتنياتهم، وأمتعتهم، بينما هاجمت المياه المناطق التي طالها الدمار في مختلف أنحاء القطاع، وفق وسائل إعلام فلسطينية.

غرق الخيام والدمار المستمر

بدأت الأمطار الغزيرة بالهطول صباح الجمعة، حيث شهدت المنطقة منخفضاً جوياً عميقاً أدى إلى سيول، وبرك مياه حاصرت العديد من الخيام، وتسربت مياه الأمطار إلى خيام أخرى مهترئة تحتوي على ثقوب كبيرة في الأعلى.

ولم تفلح التحذيرات السابقة، أو الاستعدادات البسيطة التي قام بها الأهالي لحماية الخيام من الأمطار، فغرقت الكثير منها، وتشردت أسر عديدة بعد أن أصبحت بلا مأوى.

يحمل سلام موسى 9 سنوات مرتبة أثناء سيره بين الخيام بعد هطول الأمطار في مخيم مؤقت في دير البلح (أ.ب)

كما انهارت سواتر ترابية أقامها الأهالي قرب مناطق سكنهم لحرف مسار مياه الأمطار، ما أدى إلى دخول كميات كبيرة من المياه إلى الخيام، وغرقت المناطق المنخفضة أيضاً بما فيها خيام النازحين.

واشتكت العائلات من ابتلال جميع أمتعتها، وفقدانها لما يقي أطفالها من برد الشتاء، بينما تسببت الرياح الشديدة التي صاحبت المنخفض في تدمير واقتلاع العديد من الخيام، خاصة في المناطق المكشوفة، وقرب سواحل بحر غزة، وتحديداً في مواصي خان يونس جنوبي القطاع.

فتاة فلسطينية تقف أثناء هطول الأمطار بجوار خيمتها الغارقة بالمياه (د.ب.أ)

جهود الأهالي والدفاع المدني

ويحاول السكان استغلال توقف زخات المطر المؤقت لإصلاح الخيام التي اقتُلعت أوتادها، وهو مشهد متكرر في كل مناطق القطاع.

من جهته، قال المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة محمود بصل بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، الجمعة، إنه تلقى مئات نداءات استغاثة من أسر نازحة بعد تضرر خيامها، محذراً من أن كل ثانية في غزة تعرض حياة المواطنين للخطر بسبب المنازل المتهالكة، والآيلة للسقوط. ودعا الدفاع المدني المواطنين، لا سيما النازحين، إلى تثبيت الخيام، ووضع سواتر رملية ما أمكن في محيطها، وأخذ التدابير الوقائية اللازمة لتجنب أضرار المنخفض الجوي.

رجل فلسطيني يقف بجانب الخيام التي أغرقتها الأمطار (رويترز)

النازحون يعيشون واقعاً مأساوياً

وأضاف بصل: «مع أول هطول للأمطار، تعرضت مئات الخيام للغرق خاصة في مدينة غزة، بما فيها مقتنيات المواطنين، وملابسهم التي انتشلوها سابقاً من تحت ركام منازلهم المدمرة».

ويعيش النازحون واقعاً مأساوياً بسبب انعدام مقومات الحياة، وصعوبة الوصول إلى مستلزمات أساسية، ونقص الخدمات الحيوية نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي. وتشير تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن نسبة الخيام التي لم تعد صالحة للإقامة بلغت نحو 93 في المائة، بواقع 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفاً، بينما يحتاج القطاع حالياً إلى نحو 250 ألف خيمة، و100 ألف كرفان لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار.

فلسطينيون يتحركون في شارع موحل جراء الأمطار الغزيرة في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة (أ.ب)

نزوح داخلي يقي من برد الشتاء

وأدى المنخفض الجوي إلى نزوح داخلي في القطاع، حيث يبحث الفلسطينيون عن مأوى آمن يقي برد الشتاء، وأمطار الخريف، في ظل انهيار الخيام، والمنشآت المتهالكة، ونقص البدائل، وغياب مراكز الإيواء الكافية.

وأظهرت مقاطع فيديو مصورة حجم المعاناة داخل الخيام، مع محاولات الأهالي إنقاذ ما يمكن من حاجاتهم، وسط حالة من الهلع بين الأطفال.

رجل فلسطيني يزيل الماء من سطح خيمته وسط أول منخفض جوي (رويترز)

تحذيرات من كارثة إنسانية

بدوره، حذر المكتب الإعلامي الحكومي في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) من تزايد معاناة نحو مليون ونصف نازح في الخيام، مؤكداً أن الكثير منها انهارت، أو تمزقت بفعل مياه الأمطار، وأن آلاف الأسر باتت بلا مأوى يحميها من المطر، والرياح، حتى لو كان المأوى مجرد خيمة متواضعة.

وأضاف المكتب أن سكان القطاع يعانون منذ عامين إبادة جماعية، ومعاناة إنسانية غير مسبوقة، في ظل منع الماء، والغذاء، والإيواء، والرعاية الصحية، وتنصل الاحتلال من التزاماته بإدخال احتياجات المواطنين من المساعدات الإنسانية.

وطالب المكتب الوسطاء، والضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار، والأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، بالتحرك السريع لإدخال المساعدات الإنسانية، والطبية، والإيوائية.

تداعيات كارثية

من جانبها، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) السبت، من أن هطول الأمطار يزيد من صعوبة الأوضاع في غزة مع لجوء الناس إلى الخيام التي تغرقها المياه، محذرة من «تداعيات كارثية».

وطالبت الوكالة التابعة للأمم المتحدة عبر منصة إكس بالسماح لها بإدخال مستلزمات الإيواء الموجودة لديها بالفعل إلى غزة لمساعدة الناس على مواجهة الشتاء.

طفلة تحتمي بسترتها من مياه الأمطار بينما تسير وسط خيام للنازحين في مدينة غزة (رويترز)

وقالت حركة «حماس» أمس الجمعة إن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تفاقمت بعد غرق خيام للنازحين جراء الأمطار، ودعت الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار إلى التحرك العاجل لإيصال الإمدادات الإنسانية إلى القطاع.
وأكدت الحركة في بيان أن المخيمات «تحولت إلى برك من الوحل، ووجدت آلاف الأسر نفسها بلا مأوى يحميها من برد الشتاء، في مشهد يجسد حجم المعاناة المتفاقمة التي يمر بها شعبنا في قطاع غزة المحاصر».


مقالات ذات صلة

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

تحليل إخباري يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات حول التنفيذ.

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

أكدت «القوات الشعبية» التي كان يتزعمها ياسر أبو شباب، مقتله خلال محاولته فض نزاع عائلي، مشددةً على أنه لم يكن لحركة «حماس» أي علاقة بظروف مقتله.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية 144 مليار شيقل وحصلت على 112 بما يزيد بنحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
TT

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

أوردت وكالة «بلومبرغ» أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، سيبدأ، غداً (السبت)، جولة في الشرق الأوسط تستمر أربعة أيام تشمل إسرائيل والأردن.

وقالت الوكالة إن والتز سيلتقي أثناء زيارته لإسرائيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ.

ويلتقي أثناء زيارته للأردن بالملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي لمناقشة دور الأردن في تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.


فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قراءتها للوضع في سوريا، بعد مرور عام على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تختار باريس المقاربة الإيجابية، رغم وجود تحفظات وعلامات استفهام حول مستقبل البلاد. هي تفضل قطعاً رؤية الكأس نصف الملآنة على الكأس نصف الفارغة. وتريد باريس أن تؤكد، بداية، أنها كانت سبّاقة في مواكبة الوضع في سوريا منذ الأيام الأولى؛ حيث أرسلت وفداً دبلوماسياً إلى سوريا بعد 9 أيام فقط على سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السابقة، فيما كان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أول من زار العاصمة السورية (مع نظيرته الألمانية) يوم 3 يناير (كانون الثاني). وكانت المحطة الثالثة في تحرك باريس باتجاه دمشق انعقاد مؤتمر لدعم سوريا في العاصمة الفرنسية بداية شهر فبراير (شباط).

تُوّج الحراك الدبلوماسي الفرنسي بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس يوم 7 مايو (أيار)، وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس غربي يلتقيه الشرع. وخلاصة كل ذلك أن باريس «قررت الانخراط إلى جانب النظام الجديد في دمشق رغبة منها في التأثير عليه ودفع العملية الانتقالية في الاتجاه الصحيح المتلائم مع مصالح السوريين والمصالح الفرنسية الأمنية والإقليمية». وتشدد باريس على أهمية إضفاء نوع من الشرعية على الشرع من خلال استقباله في قصر الإليزيه ومناشدة ماكرون لرفع العقوبات التي كانت تخنق سوريا.

الأولويات الفرنسية في سوريا

بناءً على ما سبق، دارت الأولويات الفرنسية حول 4 محاور أولها المحور الأمني وأول مكوناته العمل على دفع سوريا إلى الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي تم رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والغرض من ذلك منع عودة الحركات والتنظيمات المتشددة. ويتوازى ذلك مع اهتمامين: التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ما زالت تمتلكها سوريا ومحاربة إنتاج وتهريب المخدرات. ورغم أن هذا النشاط ما زال قائماً جزئياً، فإن باريس ترى أن السلطات السورية حققت «نتائج مهمة» في محاربته.

يتمثل المحور الثاني في دعم العملية الانتقالية، وأبرز معالمها تمسك باريس بأن تشمل جميع المكونات المجتمعية الإثنية والدينية، انطلاقاً من مبدأ قوامه أن الاستقرار «لا يمكن توافره إن لم يشعر كل مكوّن بالأمن ويتمتع بكامل الحقوق». وفي هذا السياق، تؤكد باريس أنها لعبت دوراً مهماً في التقريب بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المُشكَّلة في غالبيتها من الأكراد، وبين نظام الحكم في دمشق، وكان باكورة مساهمتها توقيع اتفاق مارس (آذار) الماضي الذي أُلحق باتفاق آخر نهاية الشهر الماضي. لكن باريس تعترف بأن «الوضع لم يسوَّ» كلياً بين الجانبين، رغم أنه تم تجنب وقوع اشتباكات واسعة بينهما. وتنظر باريس بكثير من الأسى، من جهة، لما حصل في شهر مارس الماضي من انتهاكات في منطقة الساحل العلوية، وما تبعها في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وفي الحالتين كان هناك دور لعناصر من السلطات السورية في هذه الأحداث التي أدانتها باريس وأكدت ضرورة محاسبة المسؤولين عنها انطلاقاً من مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

متظاهرون في مدينة حماة الجمعة 5 ديسمبر بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (رويترز)

ويندرج تحت المحور الأمني الانتهاكات المتلاحقة التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي السورية، وهي انتهاكات تدينها فرنسا. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن باريس دعمت الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاقات أمنية بين سوريا وإسرائيل، وأنها، لهذا الغرض، استضافت لقاءات متعددة جمعت وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك. ولا تنسى باريس الدور الذي تقوم به لترسيم الحدود اللبنانية ــ السورية التي لم ترسّم منذ استقلال البلدين عن فرنسا في أربعينات القرن الماضي. يبقى أن باريس تشدد على أمرين إضافيين: الدعم الذي وفّرته للسكان إنسانياً وتربوياً واقتصادياً، من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل التعاون الثقافي.

عقدة «المشاركة الجماعية»

رغم النظرة الإيجابية الإجمالية الفرنسية، فإن باريس لا تكتم قلقها سواء بشأن الأحداث الأمنية المتنقلة أو لصعوبة إعادة إطلاق الاقتصاد وعدم اكتمال عملية الانتقال السياسية. كذلك تتوقف باريس مطولاً عند عقدة «المشاركة الجماعية» لكل الأطراف في بنية الدولة السورية الجديدة وعلاقة المكوّنات ببعضها، وهي تنطلق من مبدأ تحديد «المعايير» الواجب الأخذ بها. وبرأيها أن الأخذ بالمعايير الأوروبية يبيّن بلا شك النواقص والعيوب وهذه كثيرة أكان بالنسبة لعلاقة المركز مع الأقليات أو بالنسبة للتعيينات في المراكز الحكومية والعسكرية أو بالنسبة لآلية الانتخاب النيابية والسلطات المعطاة للرئاسة أو لحضور المرأة أو لسيطرة السلطات على الأجهزة الأمنية وكذلك بالنسبة للعمل من أجل العدالة الانتقالية الضرورية.

ورغم ذلك كله تعتبر باريس أن العملية الانتقالية بكل شوائبها جاءت أقل درامية مما كان متوقعاً، وأن المخاوف من قيام «جمهورية إسلامية» لا تحترم الأقليات وحقوق المرأة ولا التوجهات الليبرالية لم تتحقق. والخلاصة التي كونتها باريس هي أنه يمكن النظر إلى الوضع السوري من مختلف الزوايا وهي نظرة تؤكد أن ثمة «أموراً إيجابية في العملية الانتقالية».

وتؤكد المصادر أن باريس على حوار متواصل مع السلطات السورية، بما في ذلك ما يخص استكمال أعضاء مجلس النواب والمقاعد المخصصة للنساء والدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية وقانون الأحزاب... وكلها مسائل بالغة الأهمية في نظر فرنسا.

وتنظر باريس بقلق، بحسب المصادر الدبلوماسية، لما تقوم به إسرائيل في سوريا. وتؤكد المصادر أن موقف باريس «واضح ويقوم على دعوة إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد والعودة إلى خط فك الاشتباك لعام 1974». وتضيف المصادر أن باريس أعربت مراراً عن قلقها من التطورات الجارية وأن هناك مصادر قلق للطرفين يتعين التعامل معها. وتبدو باريس سعيدة بأن الملف السوري يحظى بنوع من الإجماع الدولي باعتبار أن «سوريا مستقرة تعد ضرورة للتوازنات الإقليمية والدولية». وتبدو باريس كذلك سعيدة بالانخراط الأميركي إلى جانب استقرار سوريا بما في ذلك ما تقوم به إسرائيل في هذا البلد والذي يهدد الحكومة السورية.


مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

رفض ممثلو وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا توم برّاك، الجمعة، التعليق على ما تردد من أنباء حول غارة شنتها قوات أميركية وجماعة سورية محلية، بهدف القبض على مسؤول في تنظيم «داعش»، وأسفرت عن مقتل خالد المسعود الذي كان يعمل في جمع معلومات استخباراتية بشكل سري عن المتطرفين، طبقاً لما قاله أفراد أسرته ومسؤولون سوريون لوكالة «أسوشيتد برس».

ووقَّعت الغارة في مدينة الضمير ، التي تقع شرق دمشق، في نحو الساعة الثالثة صباح يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين استيقظ السكان على صوت آليات ثقيلة وطائرات.

وقال السكان إن القوات الأميركية نفذت الغارة بالتعاون مع «الجيش السوري الحر»، وهو فصيل معارض دربته الولايات المتحدة وكان قد حارب ضد الرئيس المخلوع بشار الأسد، ويتبع رسمياً الآن لوزارة الدفاع السورية.

وكان المسعود يتجسس على «داعش» منذ سنوات، بالنيابة عن فصائل مسلحة بقيادة الشرع ثم لصالح الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد سقوط الأسد قبل عام.

ولم يعلق أي من المسؤولين الحكوميين الأميركيين والسوريين على مقتل المسعود؛ ما يشير إلى عدم رغبة أي من الطرفين في أن يعرقل الحادث تحسين العلاقات بين الجانبين.