بدأ وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، زيارة إلى أنقرة يغلب عليها تعزيز التعاون الثنائي، والإشادة بتطور العلاقات، وسط تصدر قضايا إقليمية، لا سيما المتعلقة بملف قطاع غزة، محادثات ثنائية وجلسات نقاشية.
وقال سفير تركيا لدى مصر، صالح موطلو شن إن الزيارة، تأتي تحضيراً لزيارة الرئيس رجب طيب إردوغان للقاهرة العام المقبل، تُعد بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» استراتيجية، أولاً على مستوى العلاقات، والاتجاه لشراكة أكبر، لا سيما اقتصادياً، وثانياً لكونها تأتي بوقت حساس في ظل مخاوف من انهيار «اتفاق غزة» الذي أبرم بوساطة مصرية تركية أميركية قطرية 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والرهان على قدرة القاهرة وأنقرة على تحركات أكبر للتهدئة.
ووصل عبد العاطي، الأربعاء، إلى أنقرة في زيارة «تستهدف بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وجمهورية تركيا، والتشاور حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك»، بخلاف أنه ترأس مع نظيره التركي هاكان فيدان أعمال اجتماع مجموعة التخطيط المشتركة بين وزارتي خارجية البلدين، بهدف متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين قيادتي البلدين، وتطوير آليات التعاون الثنائي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية.
وقال عبد العاطي في لقاء بمقر «اتحاد الغرف والبورصات التركية» (TOBB)الأربعاء، إن «العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد حالياً زخماً غير مسبوق»، مشيراً إلى «أهمية الدور الذي يمكن أن يضطلع به مجتمع الأعمال في البلدين لتحقيق الهدف الذي وضعه الرئيسان عبد الفتاح السيسي، ورجب طيب إردوغان بالوصول بحجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة (من 8 مليارات في 2024)».
وفي جلسة نقاشية بـ«مركز الأبحاث التركي» استعرض عبد العاطي ما تحقق من تقدم ملموس على صعيد التعاون الاقتصادي والاستثماري، ونتائج اجتماع مجموعة التخطيط المشتركة المنعقدة في أنقرة يومي 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي برئاسة وزيري خارجية البلدين، الذي تناول الإعداد لاجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى المقرر عقده عام 2026 برئاسة رئيسي البلدين.
وأكد وزير الخارجية المصري ونظيره التركي، خلال لقائهما، حرص قيادتي البلدين على تعزيز التعاون الثنائي في شتى المجالات، والبناء على ما تحقق من زخم خلال العامين الماضيين.
وثمّن عبد العاطي انعقاد الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين الذي تستضيفه أنقرة برئاسة وزيري خارجية البلدين خلال الزيارة الحالية، وذلك تحضيراً لزيارة الرئيس التركي للقاهرة عام 2026، وعقد منتدى رجال الأعمال على هامش الزيارة المرتقبة.

ويرى نائب رئيس تحرير مجلة «الديمقراطية»، الباحث في الشؤون الإقليمية والمتخصص بالشأن التركي، كرم سعيد، أن زيارة الوزير المصري بالغة الأهمية، وتستهدف توسيع العلاقات الثنائية على مستويات كثيرة، وقد تفتح باباً أوسع لمزيد من التنسيق المصري لا سيما في الملف الاقتصادي.
وأشاد سفير أنقرة في القاهرة، الثلاثاء، بالعلاقات التركية مع مصر، لافتاً إلى أن العلاقات السياسية بين البلدين بدأت تكتسب زخماً في نوفمبر عام 2022، فيما عادت إلى مسارها الطبيعي بسرعة مع إعادة تعيين السفيرين في منتصف عام 2023.
«وكان أبرز مؤشر ملموس على ذلك هو إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين تركيا ومصر في فبراير (شباط) 2024 برئاسة الرئيسين»، وفق سفير أنقرة في القاهرة، لافتاً إلى أن الرئيس السيسي أجرى زيارة إلى أنقرة في سبتمبر (أيلول) 2024، رداً على زيارة إردوغان الثنائية في فبراير من العام ذاته.
وعُقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى في أنقرة، بمناسبة هذه الزيارة، التي شهدت توقيع 17 اتفاقية، حددت الإطار العام للتعاون بين تركيا ومصر في مختلف المجالات في المرحلة الجديدة، وفق بيان السفارة.
وأوضح سفير تركيا في القاهرة أنه «من المقرر عقد الاجتماع الثاني لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى في النصف الأول من عام 2026، وسيرأس هذا الاجتماع مرة أخرى كلا الزعيمين، ومن المتوقع أيضاً أن يزور الرئيس إردوغان القاهرة بمناسبة هذا الاجتماع»، مؤكداً: « تشير كل هذه الزيارات، وتأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، إلى بداية عملية تعاون استراتيجي حقيقي، وتعزيز العلاقات الاستراتيجية، والتعاون الشامل بين البلدين».
ويرى المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو إن «الزيارة استراتيجية وليست بروتوكولية، وتحمل أولويات على طاولة المباحثات، لا سيما ذات الطابع الاقتصادي، والإعداد لزيارة الرئيس التركي للقاهرة العام المقبل، فضلاً على أنها تضع النقاط على الحروف في كثير من القضايا الثنائية، وأيضاً الإقليمية».
ولم يغب الملف الإقليمي بالفعل عن مناقشات الوزير المصري بأنقرة، وأشار عبد العاطي في الجلسة النقاشية إلى الجهود التي بذلتها القاهرة بالتعاون مع تركيا وقطر والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق شرم الشيخ للسلام، وعدّ هذا التعاون يمثل نموذجاً لما يمكن أن تقدمه الشراكة المصرية - التركية من إسهام إيجابي في معالجة أزمات المنطقة.

وأكّد الوزير المصري «استعداد القاهرة لتعزيز التعاون الثنائي مع تركيا في أفريقيا بإطار دعم التنمية والأمن في القارة». فيما أفادت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، الأربعاء، بأن هناك تحركات مصرية - تركية لبحث المراحل التالية من اتفاق غزة، دون تفاصيل أكثر.
كما تناول الوزيران المصري والتركي، الأربعاء، تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وليبيا وسوريا والسودان، وشددا على أهمية تثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، وضرورة الانتقال للمرحلة الثانية، وفقاً لبيان «الخارجية المصرية».
وأكّد كرم سعيد أن الزيارة تأتي في «توقيت حساس وحديث عن تراجع في تنفيذ اتفاق غزة، ومساع أميركية لإعادة تقسيم القطاع تجاوباً مع رغبة إسرائيلية في هذا الإطار»، متوقعاً مزيداً من التنسيق في ملف غزة. ولفت إلى أن الزيارة تأتي في توترات معقدة في عمق القارة الأفريقية، وهي منطقة مصالح مشتركة بين مصر وتركيا وفي ظل الأزمة في السودان، ما يفتح الباب واسعاً لتنسيق مصري تركي في هذا الشأن.
ويتفق طه عودة أوغلو، مع هذه التقديرات، مؤكداً أن زيارة عبد العاطي «ستضع النقاط فوق الحروف فيما يخص قضايا كثيرة محل التنسيق المصري التركي، وسيكون الملف الفلسطيني حاضراً بقوة في ظل خروقات إسرائيلية، وقلق تركي مصري من انهيار الاتفاق».




