رغم تكرار إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، مقاطعته الانتخابات البرلمانية العراقية، فإن تأثيره لا يزال يخيّم على أجواء الاستحقاق الذي يعد اختباراً حقيقياً لتوازن القوى داخل البيت الشيعي.
وأثارت خطوة الصدر، الذي يقود التيار الوطني الشيعي الأوسع شعبياً، مخاوف متناقضة داخل المعسكر الشيعي، خصوصاً لدى قوى «الإطار التنسيقي» التي تضم أبرز الأحزاب الموالية لإيران.
ففي حين كانت هذه القوى تخشى حال مشاركة الصدر أن يكتسح غالبية المقاعد المخصصة للمكوّن الشيعي ويشكل حكومة أغلبية وطنية من دون «الثلث المعطل»، باتت مخاوفها اليوم من أن تؤدي المقاطعة إلى خسارة مقاعد شيعية في بغداد لصالح القوى السنية التي تحشد بقوة للفوز بمعركة العاصمة.
«مقاطعة ديمقراطية»
يرى مراقبون أن التيار الصدري، رغم انسحابه من البرلمان والحكومة منذ أكثر من عامين، ما زال يحتفظ بقاعدة شعبية متماسكة، وأن غيابه عن العملية الانتخابية لا يعني غيابه عن المشهد السياسي. يقول مناف الموسوي، رئيس «مركز بغداد للدراسات» والمقرّب من التيار الصدري، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «المقاطعة تمثل رفضاً شديد اللهجة للسياسات المتبعة من قبل القوى الحاكمة في السلطتين التشريعية والتنفيذية»، مضيفاً أن «المقاطعة في جوهرها آلية ديمقراطية تهدف إلى إنضاج التجربة الدستورية بعد سلسلة من الأخطاء التي أضعفت ثقة الشارع بالعملية السياسية».
ويشرح الموسوي أن تراكم الأزمات السياسية منذ احتجاجات «تشرين 2019»، «أبعد الأغلبية الصامتة عن صناديق الاقتراع»، مشيراً إلى أن «مقاطعة التيار الصدري ليست جديدة، لكنها هذه المرة منظمة وتعبّر عن موقف سياسي محسوب، له قيادة وهيكلية واضحة».
ويضيف أن «النظام السياسي العراقي بات بحاجة إلى إصلاح جذري، إذ أصبح الحكم غاية بحد ذاته، فيما تتفشى مظاهر الفشل والفساد في مؤسسات الدولة كافة». ويؤكد أن «استمرار المقاطعة نابع من رفض القوى السياسية المتحكمة مشروعَ الصدر الإصلاحي الذي كان يسعى إلى إنهاء المحاصصة وتحقيق إصلاحات حقيقية تخدم المواطن».
وكان زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، قد أعلن لأول مرة في مارس (آذار) الماضي عن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللاً ذلك بوجود «الفساد والفاسدين»، فيما بين أن النظام «يعيش أنفاسه الأخيرة».
وأعلن الصدر في يوليو (تموز) 2025 مقاطعته «الحاسمة» الانتخابات التشريعية؛ بسبب «مشاركة الميليشيات وقوى متهمة بالفساد»، في حين قرر فصل كثيرين من تياره بسبب مشاركتهم في أنشطة انتخابية.

جمهور «عقائدي»
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة غالب الدعمي أن «التيار الصدري سيبقى ملتزماً بتوجيهات زعيمه، ولن يشارك في الانتخابات المقبلة»، موضحاً أن التيار «عقائدي في طبيعته، ويتعامل بانضباط مع قرارات قيادته».
وحول تأثير المقاطعة على التوازنات السياسية، يقول الدعمي إن «العراق منقسم طائفياً باستثناء محافظتين فيهما اختلاط واضح هما بغداد وديالى»، مضيفاً أن «نسبة التيار الصدري في ديالى محدودة، أما في بغداد، فرغم الثقل الصدري الكبير، لا يُتوقع اختلال جوهري في التوازنات سوى ربما مقعد واحد يذهب لصالح المكون السني».
ويختم الدعمي بالقول إن «الحديث عن خلل كبير في التوازن الشيعي بسبب غياب التيار الصدري غير دقيق، فالمواطن العراقي اليوم يبحث عن الخدمات لا عن معادلات التوازن السياسي، بعدما أثبتت هذه التوازنات فشلها في تحسين حياة الناس»، على حد تعبيره.

