خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
TT

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)

أعرب سكان في الأُبيِّض بجنوب السودان عن خشيتهم مع ورود تقارير عن استعداد «قوات الدعم السريع» لشن هجوم على مدينتهم، فيما أعلن الجيش اعتراض طائرة مسيّرة أطلقتها الأخيرة على المدينة، السبت.

وتقع عاصمة ولاية شمال كردفان والمركز الإقليمي على بعد نحو 400 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الخرطوم، وستكون مكسباً استراتيجياً لـ«قوات الدعم السريع» إذا سيطرت عليها في حربها المستمرة مع الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023.

جانب من دمار سببته اشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في دارفور الملاصقة لمنطقة كردفان (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأعلنت «قوات الدعم السريع»، الخميس، أنها قبلت مقترح الهدنة الذي قدمه وسطاء دوليون، لكن الأمم المتحدة قالت في وقت لاحق إنه «ليس هناك أي مؤشر إلى خفض التصعيد»، وحذّرت من مزيد من القتال في المستقبل.

وقالت سعاد علي، وهي من سكان حي كريمة في الأبيض: «نحن متخوفون من الوضع، خصوصاً بعد ما حصل في الفاشر»، في إشارة إلى سيطرة «قوات الدعم السريع» على المدينة الواقعة في إقليم دارفور بغرب السودان بعد حصار دام 18 شهراً.

وأعقبت سيطرة «الدعم السريع» على الفاشر تقارير عن عمليات قتل جماعي وعنف جنسي وخطف ونهب، ما أثار إدانة دولية ومخاوف من تمدد القتال إلى منطقة كردفان الغنية بالنفط.

وتقع مدينة الأبيض على طريق إمداد رئيسي يربط دارفور بالخرطوم، وفيها مطار.

وقالت الأمم المتحدة إن 40 شخصاً قتلوا في المدينة، الاثنين، في هجوم على جنازة.

الأسبوع الماضي، سيطرت «قوات الدعم السريع» على بارا الواقعة إلى الشمال من الأبيض، ما دفع أكثر من 36 ألف شخص إلى النزوح من هذه البلدة وأربع بلدات أخرى في شمال كردفان على مدى ستة أيام، وفق الأمم المتحدة.

وقالت «قوات الدعم السريع»، الأسبوع الماضي، إنها حشدت قوات في بارا استعداداً للتقدم إلى الأبيض، ونصحت المدنيين بالابتعاد من الأهداف العسكرية.

وصرّح أحد سكان حي القبة في الأبيض، لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم ذكر اسمه: «على الرغم من تطمينات المسؤولين لكن ما حدث في بارا يزيد خوفنا».

وغداة إعلان «قوات الدعم السريع» موافقتها على مقترح الوسطاء للهدنة، حذّرت الأمم المتحدة من «استعدادات واضحة لتكثيف الأعمال العدائية» في السودان.

تُشكِّل الملاجئ المؤقتة التي أقامها النازحون السودانيون الذين فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في أيدي «قوات الدعم السريع» مخيمَ «أم ينقور» (أ.ف.ب)

ووجه مفوض حقوق الإنسان الأممي فولكر تورك «تحذيراً شديداً بشأن الأحداث الجارية في كردفان».

وتابع تورك: «منذ السيطرة على الفاشر، تزداد أعداد الضحايا المدنيين والدمار والنزوح الجماعي. ليس هناك أي مؤشر إلى خفض التصعيد».

وقال مصدر عسكري لوكالة الصحافة الفرنسية، السبت، طالباً عدم كشف اسمه لأنه غير مخول التحدث إلى الإعلام: «أسقطت منظومة الدفاع الجوي اليوم في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان مسيّرة أطلقتها ميليشيا الدعم على المدينة».

مع سقوط الفاشر في قبضة «قوات الدعم السريع»، تكون قد سيطرت على جميع عواصم الولايات الخمس في دارفور، ما يثير مخاوف من تقسيم السودان بين شرق وغرب.

ويسيطر الجيش على غالبية المناطق الواقعة في الشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.

ومنذ سقوط الفاشر، فرّ أكثر من 80 ألف شخص من المدينة والمناطق المحيطة بها.

وقالت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إن قسماً منهم لجأ إلى مدن طويلة وكبكابية ومليط وكتم القريبة.

وقالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، وهي منظمة غير حكومية، السبت، إن أكثر من 16 ألف شخص وصلوا إلى طويلة وهم في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والرعاية الطبية.

وكان عدد سكان الفاشر يناهز 260 ألف نسمة قبل سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها.

مقاتلو «قوات الدعم السريع» يحتفلون في شوارع الفاشر بإقليم دارفور (أ.ف.ب)

ولا يُعرف الكثير عن مصير الآلاف الذين ما زالوا محاصرين في المدينة التي انقطعت فيها الاتصالات إلى حد كبير.

وقالت ماتيلد فو، مسؤولة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين في السودان، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن العديد من العائلات الواصلة إلى طويلة جاءت مع «أطفال ليسوا أطفالها».

وأضافت: «هذا يعني أنهم مضطرون إلى القدوم مع أطفال فقدوا آباءهم في الطريق، إما لأنهم اختفوا، اختفوا في خضم الفوضى، وإما لأنهم اعتقلوا، أو لأنهم قتلوا».

وأفاد ناجون وكالة الصحافة الفرنسية بأن النساء والرجال تم فصلهم عند محاولتهم مغادرة الفاشر، وأن مئات الرجال اعتقلوا في البلدات القريبة.

وزار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، السبت، نازحين من الفاشر في مدينة الدبة التي تبعد نحو ألف كيلومتر شمالاً.

وقالت الحكومة الموالية للجيش إن أكثر من 50 ألف شخص فروا إلى مدينة الدبة منذ بدء حصار «قوات الدعم السريع» للفاشر في أبريل 2024.


مقالات ذات صلة

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

خاص روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب) play-circle 00:57

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

وضعت واشنطن مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل وقال وزير خارجيتها مارك روبيو إن 99% من التركيزالآن لتحقيق هذا الغرض

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

كشف تحقيق حصري لصحيفة «الغارديان» عن وجود شركات مسجلة في بريطانيا أسسها أشخاص خاضعون لعقوبات أميركية، يُشتبه في تورطها بتجنيد مقاتلين لصالح «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ) play-circle

رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
الخليج الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)

عبدالله بن زايد يشدد على وقف فوري لإطلاق النار بالسودان

جدّد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، التأكيد على الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

تمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية».

أحمد جمال (القاهرة )

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
TT

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)

تستعد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية التي أُجريت مؤخراً في مدن شرق البلاد وجنوبها.

وأعلنت المفوضية في بيان، الأحد، أن مركزها للعدّ والإحصاء استكمل إدخال جميع بيانات استمارات النتائج الواردة من المكاتب الانتخابية، في إطار الإجراءات الفنية المعتمدة و«وفق أعلى معايير الدقة والمراجعة»، مشيرة إلى أن «العمل حالياً متوقف عند انتظار أحكام القضاء المختص بشأن الطعون المقدمة؛ التزاماً بمبدأ سيادة القانون، وضماناً لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية».

ونفت المفوضية ما جرى تداوله بشأن صدور النتائج الأولية لهذه الانتخابات، مؤكدة أن الإعلان عن أي نتائج سيتم فقط عبر القنوات الرسمية للمفوضية، وبعد استكمال جميع المراحل القانونية والإجرائية، مجددة «التزامها بإطلاع الجميع على أي مستجدات في حينها وبكل شفافية».

وتنتظر المفوضية أحكام المحاكم المختصة في 7 طعون بالبلديات التي أجريت بها عملية الاقتراع السبت الماضي؛ لإعلان النتائج الأولية.

من جهة أخرى، أدانت لجنة متابعة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب بشرق ليبيا، الهجوم الذي استهدف مقر «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» في مدينة جنزور بالعاصمة طرابلس، وعدّته «اعتداءً خطيراً على مؤسسات الدولة، ومحاولة لإفشال جهود مكافحة الفساد وتقويض ثقة المواطنين».

وطالبت اللجنة، في بيان مساء السبت، بفتح تحقيق عاجل وشفاف لملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، مع اتخاذ إجراءات لحماية المؤسسات الرقابية، مؤكدة تضامنها الكامل مع العاملين بالهيئة، واستمرار دعمها لمسار الإصلاح وبناء دولة القانون.

وكان مقر هيئة مكافحة الفساد في جنزور بغرب ليبيا، تعرض لهجوم الأسبوع الماضي، أدى إلى أضرار مادية دون إصابات بشرية، وسط تعهدات بتحقيق سريع وإدانات رسمية؛ باعتباره استهدافاً مباشراً لمؤسسة رقابية معنية بحماية المال العام.

وفي شأن يتعلق بالأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، قال رئيس لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمّدة بالخارج بمجلس النواب، يوسف العقوري، إنه «يتابع باهتمام بالغ، إحاطة مجلس الأمن الدولي التي عُقدت الجمعة، وذلك في إطار متابعة ملف الأموال الليبية المجمّدة في الخارج، وما يحيط به من تجاوزات خطيرة».

ونقل العقوري مساء السبت، عن السفير عمار بن جمعة، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، قوله إن «الأرصدة المالية الليبية المجمّدة تتعرض للتآكل وسوء الاستخدام من قبل بعض المؤسسات المالية الأجنبية المودعة لديها، في خرق واضح للقانون الدولي وللقرارات الأممية ذات الصلة».

وقال العقوري إن السفير الجزائري، طالب باسم بلاده وباسم المجموعة الأفريقية، «بضرورة إجراء عملية محاسبة شاملة وشفافة، ومساءلة الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات، مع إلزامها بتعويض الدولة الليبية عن أي خسائر لحقت بهذه الأرصدة».

ورحب العقوري بـ«الدعم الدولي لموقف ليبيا الذي يطالب بتدقيق مالي لجميع الأرصدة، وتعويضها عن أي مخالفات بشأنها»، وأضاف أن «أي تلاعب أو سوء إدارة لهذه الأرصدة، يُعدّ اعتداءً مباشراً على السيادة الليبية وحقوق الأجيال القادمة».

وانتهى إلى أن اللجنة «لن تتهاون في هذا الملف، وستتخذ كل الإجراءات البرلمانية والقانونية والدولية اللازمة لملاحقة المتسببين، وضمان حماية الأموال الليبية واسترداد حقوق الدولة كاملة بالتنسيق الكامل مع الدول الصديقة الأعضاء في مجلس الأمن».


الجزائر تعتزم ملاحقة أموال الفساد في «الملاذات الضريبية»

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)
TT

الجزائر تعتزم ملاحقة أموال الفساد في «الملاذات الضريبية»

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)

أعاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون طرح ملف «الأموال المنهوبة» إلى الواجهة، مؤكداً أن «معركة استرجاع ممتلكات الشعب لا تزال مستمرة»، وتمر حسبه عبر مسارين: داخلي حقق نتائج ملموسة، وخارجي ينتظر «ساعة الحقيقة». ومنذ سقوط حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2019، أطلقت السلطات حملة في الداخل والخارج، تستهدف وجهاء في النظام محل شبهة اختلاس أو تحويل أموال عامة.

وفي خطوة تهدف إلى جرد حسابات واحدة من أعقد القضايا الاقتصادية في تاريخ الجزائر، تناول الرئيس تبون في تصريحات حديثة «قضية المال المسروق»، لمناسبة حضوره «معرض الإنتاج الوطني» الذي تجري فعالياته بالعاصمة منذ الخميس الماضي، وذلك بحضور الوزير الأول سيفي غريب، وكثير من المسؤولين المدنيين والعسكريين.

رجال أعمال جزائريون في السجن بتهم فساد (الشرق الأوسط)

وأكد الرئيس تبون أنه «تم اختلاس مبالغ ضخمة من قبل أوليغارشيين»، في إشارة ضمناً، إلى رجال أعمال كانوا نافذين في اتخاذ القرار السياسي خلال فترة حكم بوتفليقة (1999 - 2019)، لافتاً إلى أنهم «أخفوا الأموال في الجزر العذراء»، في إشارة إلى البلدان التي يفترض أنها تحتضن شركات وهمية، منشأها أموال عامة جزائرية من عائدات «الفساد»، أو ما يسمى في الإعلام «الملاذات الضريبية».

وجهاء من النظام السابق

وحسب الرئيس تبون، فإن «البلاد عاشت كارثة حقيقية، حيث تعرضت الأموال للسرقة، فضلاً عن تفشي ظاهرة تضخيم الفواتير، واليوم يجب استرجاع أموال الدولة». ويقصد تبون بـ«الكارثة» فترة حكم الرئيس السابق، التي تميّزت، وفق تقدير الفريق المسيّر للبلاد حالياً، بممارسات فساد مالي وأخلاقي غير مسبوقة. ويُطلق على رجال تلك المرحلة وصف «العصابة»، علماً بأن تبون تولّى خلالها مسؤوليات وزارية بارزة، ويؤكد أنه كان شخصياً أحد «ضحايا العصابة»، بعد عزله من رئاسة الوزراء سنة 2017، عقب ثلاثة أشهر فقط من توليه المنصب، مُرجعاً ذلك إلى كونه «شكّل مصدر تهديد لمصالح الأوليغارشية». وقال تبون بهذا الخصوص، في «معرض الإنتاج الوطني»: «بالنسبة للأموال المخفية في الجزر العذراء أو في أي مكان آخر، سيأتي يومها... وفي كل الحالات، بالنسبة للأشياء الظاهرة، سيسمح ذلك للخزينة العامة باسترجاع جزء من آلاف المليارات من الدينارات». يقصد بـ«الأشياء الظاهرة»، الشركات والأموال التي تم حجزها ومصادرتها، بقرارات قضائية، والتي توجد في الجزائر وتعود في الأصل إلى رجال أعمال أدانتهم المحاكم بأحكام ثقيلة بالسجن بين عامي 2020 و2021. وتم ضم هذه الأملاك إلى «الشركات القابضة» المملوكة للدولة.

وأشاد تبون بـ«النفس الجديد الذي نشهده اليوم فيما يخص جهود استرجاع الأموال المنهوبة، بعد التراخي الذي لوحظ في هذا الجانب»، مشدداً على «ضرورة أن يُعطى لقيصر ما هو لقيصر».

وتحدث عن سيفي قائلاً: «منذ أن كان وزيراً للصناعة، هو من استرجع غالبية الشركات»، في إشارة إلى ضم 37 مؤسسة للصناعات الغذائية إلى مجمع عمومي مختص في هذا النشاط، وهي حالياً تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، حسب تصريحات سابقة للوزير الأول. وكانت هذه المؤسسات ملكاً لرجال أعمال متهمين بالفساد. وأوضح المسؤولون للرئيس، في «معرض الإنتاج الوطني»، أن جميع الوظائف في هذه المؤسسات تم الحفاظ عليها، كما تم إجراء توظيفات جديدة، وكذلك تطوير وتحديث هذه المؤسسات. والهدف من ذلك هو تنويع منتجات المجمع الحكومي للصناعة الغذائية، ودعم السوق المحلية بالمنتجات والسلع، والتوجه نحو التصدير. ويعمل في هذا المجمَع حالياً 2234 شخصاً، حسب المسؤولين أنفسهم.

أرقام مجهولة

ولا تُعرف حتى الساعة قيمة «المال المسروق» الموجود في الخارج. أما في الداخل فقد صرّح تبون عام 2023 بأن قيمة الأملاك والأموال التي صادرها القضاء، بعد محاكمات في إطار «الفساد»، تصل إلى 22 مليار دولار. وكتبت الصحافة يومها أن جهاز الأمن اكتشف أموالاً طائلة مخزنة في شقة بالعاصمة، ملك لمسؤول عسكري كبير هارب من القضاء يعيش حالياً في الخارج.

الجنرال غالي بلقصير قائد الدرك سابقاً صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية بتهم فساد (الشرق الأوسط)

وأطلق القضاء الجزائري منذ عام 2021 مذكرات اعتقال دولية بحق عدة مسؤولين مدنيين وعسكريين، بعد إدانتهم غيابياً بتهم فساد، أبرزهم وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، ووزير الطاقة شكيب خليل، وقائد سلاح الدرك الجنرال غالي بلقصير، وكلهم يقيمون في بلدان مصنفة «ملاذات ضريبية».

رئيس مجموعة «سوناطراك» سابقاً عبد المؤمن ولد قدور (إعلام حكومي)

تعاون دولي متباين

وتتعاون الدول بشكل مختلف مع مذكرات الاعتقال الجزائرية. ففي أغسطس (آب) 2021 تسلمت الجزائر من دولة الإمارات، رئيس شركة «سوناطراك» للمحروقات سابقاً عبد المؤمن ولد قدور، إثر الحكم عليه قضائياً بتهمة «تضخيم فواتير» في صفقة شراء مصفاة نفطية من إيطاليا.

وسبق للرئيس الجزائري أن صرّح، لوسائل إعلام أجنبية، بأن فرنسا «لا تتعاون بالقدر المطلوب» مع الجزائر فيما يخص طلبات التحفظ على أرصدة مالية وممتلكات عقارية تعود لمسؤولين ونافذين، كانوا جزءاً من منظومة الحكم في فترات سابقة.

وزير الصناعة سابقاً عبد السلام بوشوارب (الشرق الأوسط)

ويُعدّ الوزير عبد السلام بوشوارب (2015 - 2017) أبرز هذه الحالات، إذ رفض القضاء الفرنسي، في مارس (آذار) الماضي، طلب تسليمه إلى الجزائر، عاداً أن حكومتها «لم تقدم ضمانات حول تنظيم محاكمة عادلة له». وبخلاف باريس، أظهرت سويسرا استعداداً للتعاون مع الجزائر في هذا المجال. فبعد تسليمها عام 2023 وديعة بقيمة 1.7 مليون يورو تعود لبوشوارب، تعهد وزير العدل والشرطة السويسري خلال زيارته الجزائر في يوليو (تموز) الماضي، بأن برن «ستقدّم كل الدعم للجزائر في مساعيها الرامية إلى استرجاع الأموال التي تعود ملكيتها إلى الشعب الجزائري».


10 قتلى بضربة مسيّرة استهدفت سوقاً في ولاية شمال دارفور

عناصر مسلحة من «قوات الدعم السريع» يستقلون سيارة في الخرطوم في 23 أبريل 2023 (لقطة من فيديو - أ.ف.ب)
عناصر مسلحة من «قوات الدعم السريع» يستقلون سيارة في الخرطوم في 23 أبريل 2023 (لقطة من فيديو - أ.ف.ب)
TT

10 قتلى بضربة مسيّرة استهدفت سوقاً في ولاية شمال دارفور

عناصر مسلحة من «قوات الدعم السريع» يستقلون سيارة في الخرطوم في 23 أبريل 2023 (لقطة من فيديو - أ.ف.ب)
عناصر مسلحة من «قوات الدعم السريع» يستقلون سيارة في الخرطوم في 23 أبريل 2023 (لقطة من فيديو - أ.ف.ب)

قُتِل 10 أشخاص في نهاية الأسبوع جرّاء ضربة بواسطة طائرة مسيّرة على سوق مزدحمة في ولاية شمال دارفور السودانية، على ما أفاد به مسعفون لم يذكروا الجهة التي نفذت الهجوم.

ويأتي الهجوم في وقت اشتدت المعارك في مناطق سودانية أخرى؛ ما دفع إلى إجلاء العاملين في مجال الإغاثة، الأحد، من مدينة كادوقلي الجنوبية المحاصرة والتي تعاني المجاعة.

وأسفرت الحرب المتواصلة في السودان منذ 15 أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو عن مقتل عشرات الآلاف، وتسببت بنزوح نحو 12 مليوناً، وأدت إلى «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم، وفق الأمم المتحدة.

وأوضح مجلس غرف طوارئ شمال دارفور، وهو إحدى مئات المجموعات التطوعية التي تنسق المساعدات في السودان، أن ضربة بطائرة مسيّرة «استهدفت، السبت، سوق الحارة بمحلية المالحة».

ولم يشر المجلس إلى الجهة التي نفّذت الهجوم، موضحاً أنه أدى إلى «وقوع حريق جزئي في المحال التجارية وخسائر مادية كبيرة». ولم يصدر تعليق فوري من الجيش السوداني أو من «قوات الدعم السريع».

وتتركز الحرب راهناً في جنوب كردفان، وتصاعدت حدة الاشتباكات في كادوقلي، عاصمة الولاية؛ حيث أسفر هجوم بطائرة مسيّرة، الأسبوع الفائت، عن مقتل 8 أشخاص في أثناء محاولتهم الفرار من المدينة الخاضعة لسيطرة الجيش.

وقال مصدر في منظمة إنسانية تعمل في كادوقلي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد، إن المنظمات الإنسانية «أجلت جميع عامليها» من المدينة بسبب الأوضاع الأمنية.

وجاء الإجلاء عقب قرار الأمم المتحدة نقل مركزها اللوجيستي من كادوقلي، بحسب المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، لكنه لم يشر إلى الوجهة التي نُقل إليها العاملون. وتحاصر «الدعم السريع» وحلفاؤها كادوقلي ومدينة الدلنج المجاورة منذ اندلاع الحرب.

وأعلنت «قوات الدعم السريع»، الأسبوع المنصرم، سيطرتها على منطقة برنو، وهي خط دفاعي رئيسي على الطريق الذي يربط كادوقلي بالدلنج.

وبعد سيطرتها في أكتوبر (تشرين الأول) الفائت على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، ركّزت «قوات الدعم السريع» على إقليم كردفان الغني بالموارد، وهو خط استراتيجي يربط مناطق الشمال والشرق الخاضعة للجيش بدارفور التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في الغرب.

وأدت الحرب في السودان إلى تقسيمه فعلياً إلى شطرين، أولهما في قبضة الجيش الذي يسيطر على الشمال والشرق والوسط، بينما تسيطر «قوات الدعم السريع» على عواصم الولايات الخمس في دارفور، وعلى أجزاء من الجنوب مع حلفائها.