عون: لبنان ملتزم بالإصلاحات... ويصب تركيزه على النظام القضائي

وفد البنك الدولي يلتقي المسؤولين... ونصيحة بإنجاز الاتفاق من «صندوق النقد»

رئيس الحكومة نواف سلام متوسطاً الوزراء ووفد البنك الدولي في السراي الحكومي (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة نواف سلام متوسطاً الوزراء ووفد البنك الدولي في السراي الحكومي (رئاسة الحكومة)
TT

عون: لبنان ملتزم بالإصلاحات... ويصب تركيزه على النظام القضائي

رئيس الحكومة نواف سلام متوسطاً الوزراء ووفد البنك الدولي في السراي الحكومي (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة نواف سلام متوسطاً الوزراء ووفد البنك الدولي في السراي الحكومي (رئاسة الحكومة)

أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن بلاده «تصب كل تركيزها الآن على إصلاح النظام القضائي؛ لأنه لا يمكن تنفيذ أي إصلاحات من دون وجود نظام قضائي قوي وفاعل»، مشدداً على «أهمية بقاء البنك الدولي إلى جانب لبنان في هذه المرحلة الدقيقة، ومواصلة التعاون البنّاء لتحقيق التعافي والنمو المستدام».

وجاءت مواقف عون خلال استقباله مدير البنك الدولي في الشرق الأوسط عبد العزيز المنلا، على رأس وفد من أعضاء مجلس إدارة البنك، الذين التقوا أيضاً رئيس البرلمان نبيه برّي، وعقدوا اجتماعاً مع رئيس الحكومة نواف سلام بحضور عدد من الوزراء في السراي الحكومي حيث عرضوا الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة من خلال وزاراتهم.

وتم خلال اللقاء مع عون التأكيد على «عمق الشراكة التي تربط لبنان بالبنك الدولي منذ ما يقارب سبعين عاماً، والدور المحوري الذي لعبه في دعم لبنان خلال مختلف المراحل الصعبة من الحروب إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية»، بحسب بيان رئاسة الجمهورية.

التزام لبنان بالإصلاحات

وشكر رئيس الجمهورية الوفد على «الدعم المستمر الذي يقدمه البنك الدولي للبنان»، وعرض أمامه التقدم المحقق على صعيد الإصلاحات الجارية، لا سيما في ما يتعلق بتعزيز الحوكمة والتعاون مع صندوق النقد الدولي لإعادة بناء الثقة في القطاع المالي وجذب الاستثمارات.

وأثنى عون على «نهج البنك الدولي القائم على ربط التمويل بالإصلاحات؛ لما فيه من تعزيز للمساءلة وتحقيق للنتائج الملموسة»، مؤكداً «التزام لبنان بالقيام بالإصلاحات، علماً أنه يواجه الكثير من التحديات، ولكن في المقابل لقد أجرت الحكومة الكثير من التغييرات، ولا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه في هذا المجال».

ولفت عون إلى أن «لبنان يصب كل تركيزه الآن على إصلاح النظام القضائي؛ لأنه لا يمكن تنفيذ أي إصلاحات من دون وجود نظام قضائي قوي وفاعل»، وشدد على «أهمية بقاء البنك الدولي إلى جانب لبنان في هذه المرحلة الدقيقة ومواصلة التعاون البنّاء لتحقيق التعافي والنمو المستدام».

ملف إعادة الإعمار بين برّي ووفد البنك الدولي

وكان ملف إعادة الإعمار محوراً أساسياً خلال اللقاء الذي جمع وفد البنك الدولي مع رئيس البرلمان نبيه برّي الذي قدم شرحاً تفصيلياً للأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي. وخُصص اللقاء لمناقشة وعرض مشاريع وخطط البنك الدولي وبرامجه في لبنان، لا سيما ملف إعادة الإعمار. وقدم برّي للوفد «شرحاً تفصيلياً مسهباً على الخريطة التي أعدها المجلس الوطني للبحوث العلمية، والتي تبين حجم الأضرار التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي على لبنان على مدى العامين الماضيين قبل اتفاق وقف إطلاق النار وبعده، وفي مختلف القطاعات، لا سيما التدمير الكلي لعدد من القرى الحدودية مع فلسطين المحتلة، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية من طرقات ومؤسسات تربوية وصحية وسياحية وصناعية وقطاع الطاقة، فضلاً عن الخسائر التي مُني بها القطاع الزراعي والأثر البيئي الناجم عن استخدام إسرائيل للأسلحة المحرمة دولياً».

التزام البنك الدولي بدعم الإصلاحات وإعادة الإعمار

وبعد الاجتماع في السراي الحكومي تحدث المدير التنفيذي الذي يمثل فرنسا لدى مجموعة البنك الدولي آرنو بويسيه، مشيراً إلى أن «وفد البنك الدولي الذي يزور لبنان يضم 11 مديراً تنفيذياً يمثلون 80 دولة و57 بالمائة من القوة التصويتية في مجلس إدارة البنك، وأن الزيارة تهدف إلى تأكيد التزام البنك الدولي بدعم الإصلاحات والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان، والتعرف بشكل مباشر على التحديات والأولويات التنموية في البلاد، ومدى توافقها مع برامج البنك الحالية والمستقبلية».

وزير المال ياسين جابر متحدثاً في مؤتمر صحافي مع المدير التنفيذي الذي يمثل فرنسا لدى مجموعة البنك الدولي آرنو بويسيه (رئاسة الحكومة)

وأشاد بجهود الحكومة اللبنانية خلال الأشهر التسعة الماضية، وبالإصلاحات التي تعمل على تنفيذها، مؤكداً أهمية معالجة التحديات القصيرة الأمد مثل تعزيز الشفافية والمساءلة، واستعادة الاستقرار الاقتصادي، وحل الأزمة المصرفية، إلى جانب مواجهة التحديات الطويلة الأمد في قطاعات مثل الطاقة والمياه والتعليم والزراعة والتحول الرقمي.

ولفت بويسيه إلى أن الوفد زار منطقة البقاع للاطلاع على مشاريع البنك في حوض نهر الليطاني، مؤكداً أهمية الإسراع في تنفيذ المشاريع المصادق عليها، والموافقة على المشاريع المعلقة، خاصة في قطاعات المياه وإدارة المالية العامة وإعادة الإعمار.

كما شدد على أن التعاون مع صندوق النقد الدولي ضروري لتمكين البنك الدولي من تقديم دعم أكبر للبنان وجذب التمويل الدولي والخاص، محذراً من أن غياب برنامج مع الصندوق سيحد من قدرة البنك على المساعدة.

وزير المالية لإنجاز الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد

من جهته، ثمّن وزير المال زيارة وفد البنك الدولي إلى لبنان، معتبراً أنها مهمة جداً؛ لأن البنك كان من أهم الشركاء في تمويل المشاريع في لبنان، ليس فقط في الوقت الحاضر، بل أيضاً عبر السنوات الماضية.

واختصر ياسين جابر اللقاءات بالقول: «النصيحة هي أن تتقدموا في مفاوضاتكم مع صندوق النقد الدولي وتسرعوا في إصلاحاتكم، ليكون المجتمع الدولي، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى جانبكم بشكل أكبر».

وتحدث جابر عن «مشاريع لا تزال عالقة في المجلس النيابي، ويجب إقرارها؛ لأن هناك أيضاً مشاريع موجودة لدى مجلس إدارة البنك الدولي، وهم بحاجة إلى التأكد من أن المشاريع التي سبق أن أقروها يتم تنفيذها في لبنان بشكل جيد».

وبينما لفت جابر إلى أن الوفد سيزور السبت جنوب لبنان، شدد على ضرورة أن يتقدم لبنان في اتفاقه مع صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن قرض إعادة الإعمار العالق حالياً في المجلس النيابي مهم جداً إقراره؛ لأنه يشكل أساساً لإنشاء صندوق بقيمة مليار دولار يمكن أن يستخدم لإعادة إعمار البنى التحتية في المناطق المتضررة في لبنان.

وأشار جابر إلى أنه «في بعض الحالات، من الضروري أن نضع الخلافات السياسية جانباً من أجل المصلحة العامة ومن أجل لبنان»، مشيراً إلى أن «هناك قرضاً بقيمة 257 مليون دولار مخصصاً لمشاريع المياه».


مقالات ذات صلة

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

المشرق العربي أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

أكدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلة جديدة بإدخال مدني إليها.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام، خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

طالب الرئيس اللبناني جوزيف عون وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب من جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

وصفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني، هو «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار».

وتأتي مواقف قاسم في وقتٍ لم يعلن فيه رئيس البرلمان نبيه بري اعتراضاً على تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، إنما أكد على ضرورة حصر دوره بالإطار التقني وعدم توسيعه إلى مستويات تفاوضية أو سياسية، وهو ما يعكس تمايزاً واضحاً حول هذا القرار بين الحليفين.

تقديم تنازلات في لحظة حساسة

ووصف قاسم في كلمة له خطوة تعيين مدني بـ«سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة 5 أغسطس (قرار الحكومة لحصرية السلاح)» معتبراً أنّه «بدلاً من اتخاذ خطوات إلى الأمام تُقدَّم تنازلات لن تنفع مع إسرائيل»، داعياً الحكومة للتراجع عن القرار، وأن «يجري تفاهم داخلي على قاعدة عدم السماح بأي تنازل حتى تطبق إسرائيل ما عليها».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (أرشيفية - رويترز)

«السفينة الغارقة»

واعتبر قاسم أنّ الحزب «قام بما عليه ومكّن الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق»، قبل أن ينتقل إلى تشبيه لبنان بـ«السفينة»، معتبراً أنّ «التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندها يغرق الجميع».

وقال إنه يجب مواجهة العدوان الإسرائيلي التوسعي بكل الوسائل والسبل، مضيفاً: «هناك اتفاق لم يتم الالتزام به رغم التزام لبنان، الاعتداءات ليست من أجل السلاح، بل من أجل التأسيس لاحتلال لبنان ورسم إسرائيل الكبرى من بوابة لبنان».

وفي المقابل، أكد قاسم أنّ «الدولة اختارت طريق الدبلوماسية لإنهاء العدوان، ونحن معها أن تستمر في هذا الاتجاه». لكنه شدد على أنّه «لا علاقة لأميركا وإسرائيل بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية، ولا علاقة لهما بما نختلف عليه أو نقرره في لبنان».

وشدّد على أنّ «الحدّ الذي يجب الوقوف عنده هو حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني، ولا وجود لما يسمى ما بعد جنوب نهر الليطاني».

وتابع قاسم: «هم يريدون إلغاء وجودنا»، لكن «سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».


الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.