راما زوجة زهران ممداني أقامت في بيروت لتعانق جذورها

ناشطة تدافع عن النساء العربيات وفلسطين وتجمع التبرعات

راما دوجي وزوجها زهران ممداني عمدة مدينة نيويورك (رويترز)
راما دوجي وزوجها زهران ممداني عمدة مدينة نيويورك (رويترز)
TT

راما زوجة زهران ممداني أقامت في بيروت لتعانق جذورها

راما دوجي وزوجها زهران ممداني عمدة مدينة نيويورك (رويترز)
راما دوجي وزوجها زهران ممداني عمدة مدينة نيويورك (رويترز)

رغم محاولتها البقاء في الظل، فإن السورية راما دوجي زوجة عمدة نيويورك الجديد زهران ممداني تُثير الفضول، لظهورها الخاطف وصمتها المطبق، خصوصاً بعد فوز زوجها في الانتخابات، وصعودها المنصة مع والديه لتحية مناصريه، وهي تلبس فستاناً أسود عليه رسومات من التراث الفلسطيني.

وراما الفنانة التشكيلية الشابة، التي تبلغ من العمر 28 عاماً، وتمنعت عن إجراء مقابلات بعد ترشح زوجها، كانت تعيش قبل زواجها من ممداني هذا العام، حياة أي خريجة جديدة في كُلية الفنون، تبحث عن عمل بعد تنفيذها مهمات متفرقة هنا وهناك، إلا أنها كانت بالفعل في فترة التفكير بالمكان والطريقة التي تريد أن تُدير بها مستقبلها.

بعد تخرجها في الجامعة بأميركا راودتها فكرة أن تقيم في دبي مع عائلتها التي لا تزال هناك، بعد أن زارت لبنان وعاشت فيه لأشهر قليلة، رغبة في العودة إلى الجذور، كما أُتيح لها لاحقاً أن تزور دمشق.

راما دوجي («إنستغرام» راما)

في عام 2019 بعد تخرجها مباشرة، وصلت راما إلى بيروت، وبقيت فيها لأشهر عدّة، في إقامة فنية مع «هافين فور أرتيستس»، وجالت في العاصمة اللبنانية كثيراً بحثاً عن الوجوه التي تلهمها. وقد رسمت بالفعل 80 وجهاً عرضتها في معرض خاص أقيم في بيروت، في أغسطس (آب) من العام نفسه، تحت عنوان «وجهاً لوجه».

وتتحدث راما بحماسة شديدة عن تلك الإقامة في بودكاست سُجّل في السنة نفسها، تقول فيه: «تلك العودة جاءت بعد غربة 10 سنوات عن سوريا، وشعرت بفرح لأنها كانت قريبة جداً من بلادها».

وتُدرك أن البلدين ليسا متشابهين تماماً، لكن القرب الجغرافي كان مؤثراً. مضيفة: «تلك كانت إقامتي الفنية الأولى في بلد عربي. حملت كاميرتي، وكنت أطلب من الناس أن أوثق وجوههم، وأن أصورهم، أردت أن أصور كل شيء، لا أعرف لماذا؟ كنت بحاجة لأن ألتقط اللحظة بعد الغياب الطويل».

وتابعت: «أحسست أنني قريبة من عالم ينتمي إلى ذاكرتي، ليس المكان الذي نشأت فيه، لكنه يُشبه شيئاً عشتُه أو سمعته أو تخيّلته عن البيت. بيروت جعلتني أقترب من انتمائي الذي أبحث عنه».

لوحة لراما دوجي عن النساء الفلسطينيات («إنستغرام» راما دوجي)

وتشرح راما دوجي، كيف شعرت بأنها ترى أشياء تتذكر نصفها وتتعلم نصفها الآخر في الوقت نفسه. «كان ثمة ما هو جديد بالنسبة لي، ولم أكن أعرفه، خصوصاً من الناحية الجمالية والبصرية. الشيء نفسه حصل معي في دمشق. تغيّرت أشياء كثيرة بعد الحرب. كنت أحاول رسم كل شيء، وأحاول وضع الأشياء في كلمات وصور». كان الأمر مثيراً بالنسبة لها وهي تكتشف منطقتها وهويتها، ووجوه الناس فيها.

على «إنستغرام» في تلك الفترة، نشرت راما صوراً أرشفتها من شوارع بيروت، لمبانٍ قديمة، وأطباق فطور، وسيارة شحن مزدانة بعبارات شعبية، وصورة حائط كتب عليه «ضحكتك أمل بهالبلد التعبان».

اكتشفت في تلك الزيارة النساء العربيات اللواتي يشبهنها. «أعجبني أنني بينهن جسداً وصوتاً وحضوراً، وذلك جعلني أقترب من ذاتي، وأكتشف نفسي».

بعد تلك الفترة، تقول راما دوجي إن ألوانها أصبحت أكثر دفئاً، وعادت إلى رسم الخطوط اليدوية الحية، وأخذت ترسم تفاصيل الحياة اليومية. «من هناك بدأ اهتمامي بتوثيق اللحظات الصغيرة، المحادثات، اللمسات، النظرات».

فهي ترسم لفهم دواخلها والتعبير عنها لأنها لا تُجيد استخدام الكلمات، ولا تفعل ذلك من أجل مهنة اختارتها، وترسم منذ كانت صغيرة، ولم تكن تعرف أنها تمارس فنّاً أو تمهد لطريق. «أدركتُ فقط، أنه المكان الوحيد الذي أستطيع أن أكون صادقة فيه مع نفسي».

لوحة ورق عنب («إنستغرام» راما دوجي)

ولدت راما دوجي في هيوستن لأبوين سوريين، والدها متخصص في هندسة الكمبيوتر. انتقلت العائلة إلى دبي وراما في التاسعة من عمرها. بدأت دراستها الجامعية في التصميم بقطر في «فرجينيا كومنولث»؛ ومن ثمّ انتقلت بعد السنة الأولى إلى حرم الجامعة في أميركا (ريتشمون) لإكمال دراستها. حصلت على درجة الماجستير في الرسم التوضيحي من كلية الفنون البصرية في نيويورك.

وقد نشرت أعمالها الفنية في «ذا نيويوركر»، و«واشنطن بوست»، و«فوغ»، وعلى «بي بي سي». وغالباً ما تتناول أعمالها الفنية موضوعات تدور حول النساء العربيات؛ حيث انشغلت طويلاً بالضغط النفسي الذي يمارس على النساء، وما يتعرضن له بإخضاعهن لمقاييس جمالية بعينها. «مثل كثير من النساء كبرت وسط صور مثالية للجسد تُفرض علينا من كل ناحية. أردت أن أرسم الجسد كما أراه أنا: حيّاً، ناعماً، هشاً، وقابلاً للتغيّر. ليس جسداً مصقولاً بالكامل، بل جسداً يتنفس».

الرسم الذي زين التيشرت التي يعود ريعها لغزة («إنستغرام» راما دوجي)

وراما دوجي ناشطة سياسية بامتياز، على طريقتها الفنية، تنشغل أعمالها بشكل كبير بالمضطهدين في العالم، رسمت المرأة السودانية، وطلبت جمع التبرعات لأهل السودان، وتجندت من أجل القضية الفلسطينية؛ حيث رسمت وكتبت على تيشرتات عبارة «خير يا طير» مقرونة برسوم يعود ريعها إلى غزة.

كما طالبت في منشوراتها بدعم غزة المنكوبة في مقابل المليارات التي تدفع لإسرائيل. وهي إذ تحب الرسم بالأبيض والأسود بعيداً عن الألوان فإنها ترسم أيضاً على السيراميك وجوه نسائها ملونة، وتحب الصور لأنها تسهل لها بناء الذاكرة التي تتمسك باستعادتها.

عبَّرت عن خوفها حين بدأ قمع التعبير للمدافعين عن القضية الفلسطينية في أميركا، وواصلت نشر رسوماته. وقالت «كل ما أملكه هو صوتي لأتحدث عمّا يحدث في أميركا وفلسطين وسوريا، بقدر استطاعتي».

عين على السودان ودعم فني من راما دوجي («إنستغرام» راما دوجي)

تعرفت على زهران ممداني من خلال تطبيق المحادثة «هينج» عام 2021، وكان قد انتخب للتو في جمعية ولاية نيويورك، والتقيا لأول مرة في مقهى يمني يدعى «بيت قهوة» في بروكلين، وتمت خطبتهما عام 2024، وتزوجا خلال العام الحالي في مانهاتن، وقيل إنهما نظّما حفلاً صغيراً في دبي، كذلك تسنّى لها حسب منشوراتها زيارة بلد زوجها، الهند.

وتقول إن «الفن يُصبح سياسياً عندما يتعامل مع الجسد، والذاكرة، والهوية». أما كيف تعيش حياتها فتشبّه نفسها بأنها تشعر كأنها تحضر فيلماً وتتفرج على مشاهده.


مقالات ذات صلة

«شتاء طنطورة»... تجربة ثقافية بين تاريخ العلا ومستقبلها الواعد

يوميات الشرق أهالي العُلا يحتفون بفعالية «الطنطورة» تقليداً ثقافياً ارتبط بتنظيم المواسم وبداية مربعانية الشتاء (واس)

«شتاء طنطورة»... تجربة ثقافية بين تاريخ العلا ومستقبلها الواعد

يمتد شتاء العلا الثقافي جسراً معرفياً وإثرائياً بين تاريخ المدينة العريق ومستقبلها الواعد، حيث تفتح البلدة القديمة أبوابها سنوياً لتروي قصصها وتكشف أسرارها.

عمر البدوي (العلا)
يوميات الشرق دواين جونسون تهاوى في «الآلة المدمرة» (A24)

في 2025... نجوم السينما لا تتلألأ كما بالأمس

أصبح نوع الفيلم هو المسيطر على مستقبل الممثل، ويُحدد نجاحه أو فشله أكثر من الموهبة نفسها.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق فينس زامبيلا (إ.ب.أ)

مصرع فينس زامبيلا أحد مبتكري لعبة «كول أوف ديوتي» بحادث سيارة

قتل فينس زامبيلا، أحد مبتكري لعبة الفيديو الشهيرة «كول أوف ديوتي»، في حادث سيارة، وفق ما أفادت وسائل إعلام أميركية الاثنين.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

ارتفاع الجبال وانخفاض درجات الحرارة شكَّلا التنوع النباتي في نصف الكرة الشمالي عبر ملايين السنين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق مجموعة من الرسائل كتبها الأولاد لـ«سانتا كلوز» (بترونيات)

بلدة لبنانية تكسر رقم «غينيس» لرسائل «سانتا كلوز»

مدينة البترون في لبنان تحطم رقماً قياسياً جديداً في موسوعة «غينيس» لأكبر عدد من الرسائل المرسلة إلى «سانتا كلوز» خلال 24 ساعة.

فيفيان حداد (بيروت)

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
TT

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)

شرع «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي» في منطقة المدينة المنورة (غرب السعودية) أبوابه لكل المهتمين بالخط العربي من جميع أنحاء العالم بما يعزز من حضور هذا الفن العريق الذي يمثل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع، عبر 5 محاور يندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية.

يمثل المركز منصة عالمية لدعم الخط العربي وفنونه المتعددة، بوصفه وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، مع تعزيز مكانة السعودية وتأثيرها في حفظه وتطويره، إلى جانب احتضان المواهب وتنمية المعارف في مجالات الخط العربي.

وتحت رعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، حضر الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس هيئة تطوير المنطقة، الاثنين، حفل افتتاح المركز، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة.

الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة يرافقه الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة خلال جولة على مرافق المركز العالمي للخط العربي في أثناء حفل افتتاحه (الثقافة السعودية)

واطلع أمير المدينة المنورة خلال جولة على مرافق المركز وما يضمه من معارض فنية واستمع إلى شرح عن المحتوى الثقافي وما حققه المركز بمسماه السابق «دار القلم» من جوائز ومنجزات ثقافية، كما شاهد عدداً من المقتنيات والأعمال الفنية التي تعكس قيمة الخط العربي ومكانته الثقافية والحضارية.

وقال وزير الثقافة السعودي في كلمة له خلال الحفل: «من أرض النور والعلوم، نسعد بتدشين مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، الذي يؤسس منصة عالمية للخط العربي بوصفه قيمة ثقافية عريقة، في ظل ما يحظى به القطاع الثقافي من دعم كريم وغير محدود من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء».

وأكد أن «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي يوجّه رسالةً إلى العالم أجمع عن حجم هذا الإرث العظيم والمكانة الرفيعة للخط العربي، ويؤكد الاهتمام الذي تُوليه قيادتُنا لثقافتنا وهويتنا».

وزير الثقافة السعودي خلال إلقاء كلمته (الثقافة السعودية)

وأشار إلى أن «المركز يُجسّد رؤيةً واضحة للارتقاء بالخط العربي بصفته وسيلةَ تواصل عالمية وراسخة في التراث العربي والفنون والعمارة والتصميم، ويعزز مكانة المملكة ودورها التاريخي في صونه وتطويره، كما يُعدّ منصة للإبداع والابتكار والتواصل الحضاري.

كما يشكّل المركز، منصةً لتطوير المواهب وصقل مهارات الخطاطين والاستثمار في المبدعين، إلى جانب تعزيز الهوية الثقافية للمملكة وترسيخ حضورها الدولي، مستهدفاً مختلف الفئات، ومنهم الخطاطون والمواهب الناشئة والفنانون التشكيليون والباحثون في الفنون الإسلامية والمؤسسات التعليمية والثقافية، إضافةً إلى الجمهور المحلي والعالمي من محبي الفنون والتراث، بما يسهم في توسيع دائرة التأثير وزيادة الوعي الثقافي وإبراز جماليات الخط العربي».

المركز يجسّد دوره كمنصةً عالمية لحفظ الخط العربي وتطويره (الثقافة السعودية)

وترتكز استراتيجية المركز على 5 محاور رئيسة، تشمل: المعرفة والتطوير، وتنمية المهارات، والمشاركة المجتمعية، والأعمال والفرص، والابتكار، ويندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية، من أبرزها: وحدة البحث والأرشفة، وبرنامج تعلم الخط العربي، ومنح الدراسات والأبحاث، ومتحف الخط العربي الدائم، والمعارض المتنقلة، والجمعية الدولية للخط العربي، وحاضنة الأعمال المرتبطة بالخط العربي.

ويعمل المركز على تنفيذ حزمةٍ من البرامج النوعية، تشمل: برنامج الإقامة الفنية، وتنظيم الورش التخصصية، وتطوير المناهج والمعايير المرتبطة بالخط العربي، إلى جانب مبادرات تعليمية وتدريبية دولية تسهم في حفظ التراث الثقافي، وتعزّز الحضور العالمي لهذا الفن العريق، الذي يمثّل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع.

جانب من الأعمال الفنية التي تبرز جماليات الخط العربي وتنوّع مدارسه (الثقافة السعودية)

يأتي تدشين المركز تأكيداً للعناية التي توليها المملكة للثقافة والفنون، وانطلاقاً من المكانة التاريخية للمدينة المنورة بوصفها مهداً للخط العربي، وذاكرةً حضارية ارتبطت بكتابة المصحف الشريف وتدوين العلوم الإسلامية، وامتداداً لدورها التاريخي ممثلاً في «دار القلم»، بما يرسّخ حضور المدينة منصةً عالميةً للخط العربي، ويجسّد اتساق هذه المبادرات مع مستهدفات «رؤية المملكة 2030».


عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
TT

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)

بعد مرور 20 عاماً على عرضها الأول، يعود الأخوان فريد وماهر صبّاغ إلى الخشبة بمسرحية «أنا وغيفارا» في صياغة جديدة. وقد افتُتح عرضها على «مسرح جورج الخامس - أدونيس»، ويشارك في بطولتها «الأخوان صبّاغ» إلى جانب نادين الراسي، وكارين رميا، وأنطوانيت عقيقي، وريمون صليبا، وجوزيف أصاف، ورفيق فخري، وألان العيلي.

«أنا وغيفارا» تُقدَّم بأسلوب إخراجي ممتع (الشرق الأوسط)

يتناول العمل الثورة التي قادها كل من فيدل كاسترو وتشي غيفارا لتحرير كوبا، ومن خلالها تحوَّل الرجلان إلى رمزَين عالميين ثوريين.

يطغى المشهد العسكري على مجريات المسرحية منذ اللحظة الأولى، سواء أكان من خلال مشاهد الثوار أم الجيش الكوبي. غير أن حدّة هذه الأجواء يخففها الحضور الذكي للأغنيات والموسيقى؛ إذ أحسن «الأخوان صبّاغ» توظيف هذين العنصرين بدقة. فاختصرت الأغنيات حوارات كاملة بين الشخصيات، وعبّرت بالتالي عن مشاعر الفرح والحزن، وعن إرادة الشعب وأهداف الثورة، وصولاً إلى مواقف مفصلية تستدعي الشجاعة والإقدام.

وبين النغمات الشرقية والغربية، قدّم «الأخوان صبّاغ» خلطة موسيقية جميلة وممتعة، طافت بالجمهور في رحلة ببلاد الأرز والفلكلور اللبناني الأصيل، وصولاً إلى الكاريبي وعبق الثورة الكوبية. وقد تفاعل الحضور بشكل لافت مع عدد من الأغنيات، لا سيما تلك التي أدّت فيها كارين رميا أغنية «تشي غيفارا» الشهيرة، وبرع فريد صبّاغ مع مجموعة الكورال في أداء «نشيد الثورة».

تجلّت مهارة الأخوين صبّاغ الإخراجية طيلة العرض، الذي استغرق نحو ساعتين، إذ جاء المشهد البصري جذاباً ومدروساً، وواكبه أسلوب سمعي غني بالمؤثرات الصوتية أضفى عليه زخماً مكثفاً. كما أجادا تقديم شخصيات العمل، مانحين كلاً منها المساحة الكافية لتترك بصمتها ضمن أداء احترافي.

نادين الراسي تلعب أكثر من شخصية في المسرحية (الشرق الأوسط)

من ناحية ثانية، تطلّ الممثلة نادين الراسي في المسرحية لتلعب أكثر من شخصية. وتحت اسم «إيفا»، وهي شخصية خيالية بخلاف عدد من الشخصيات المستندة إلى الواقع، تعود الراسي إلى خشبة المسرح بعد غياب.

وقد توجّهت جميع الأنظار إلى نادين الراسي، لا سيما مع تراجع إطلالاتها الدرامية في الفترة الأخيرة. ومن خلال الشخصيات التي تقدّمها في «أنا وغيفارا»، تنقّلت بين أدوار متناقضة، جمعت بين الخير والشر... فهي «إيفا» التي ترمز إلى القوى الكبرى وآليات تدخّلها في مصائر بلدان متعددة، كما تؤدي شخصية «تانيا» الثائرة؛ حبيبة غيفارا. ولم يتوانَ «الأخوان صبّاغ» عن منحها مساحة لأداء روحاني، أقامت عبرها جسراً رمزياً للتواصل بين السماء والأرض.

الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)

أما الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا، فقد استحضرا الكوميديا الخفيفة إلى العمل، وهما يستندان إلى خبرتهما الطويلة في هذا المجال، فنجحا في رسم الضحكات على وجوه الحضور بخفّة وطرافة، وشكّلا معاً «استراحة المحارب» التي يحتاجها المتفرّج وسط زحمة العسكر وضغوطات الثورة.

وعلى الرغم من حدّة الأحداث التي تتألّف منها قصة العمل، فإن «الأخوان صبّاغ» اختارا الابتعاد كلياً عن مشاهد العنف. فحتى في المعارك الدائرة بين رجال الثورة وجيش الدولة الكوبية، وكذلك في مشهد القبض على تشي غيفارا، غُيّب أي أثر للعنف الجسدي، فسار المخرج بين السطور بدقّة، تاركاً لخيال المشاهد مهمّة الاستنتاج واستخلاص العِبر.

نجح «الأخوان صبّاغ» في مقاربة سيرتَي رجلَي الثورة؛ كاسترو وغيفارا، بعيداً عن أي انحياز سياسي، وقدّماهما في إطار إنساني عزّز قيم السماحة والغفران. كما شكّل العمل رهاناً واضحاً على استمرارية المسرح الغنائي الغائب بشكل ملحوظ عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة، فأعادا حبك القصة بروح عصرية، مستخدمَين أدوات وعناصر فنية افتقدها الجمهور اللبناني طويلاً على الخشبة.


«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
TT

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

استعاد العرض المسرحي «متحف باكثير» جانباً من روائع الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير في القاهرة، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ115 لميلاده.

العرض الذي أُقيم على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، مساء الاثنين، كان ضِمن فعالية ثقافية وفنية عكست حضور اسمه المتجدد في الوجدان العربي، نظّمتها مؤسسة «حضرموت للثقافة» السعودية، بالشراكة مع «ضي للثقافة والإعلام».

لم تقتصر الاحتفالية، التي نُظّمت تحت عنوان «علي أحمد باكثير... 115 عاماً من التأثير»، على استدعاء السيرة الإبداعية للأديب الكبير، بل سعت إلى تحويل إرثه الأدبي إلى فعل حي على خشبة المسرح بوصفه أحد الفضاءات الأساسية التي شكّلت مشروعه الإبداعي، من خلال العرض الذي استمر لنحو 80 دقيقة، حيث قُدِّم من دراماتورج وإخراج أحمد فؤاد، برؤية تقوم على فكرة المتحف بوصفه مساحة جامعة، تتجاور فيها العصور والشخصيات والأفكار، وتتحول فيها النصوص الأدبية إلى لوحات حية نابضة بالحركة والصوت.

المخرج أحمد فؤاد قدّم العرض بصورة بصرية جذابة (الشركة المنتجة)

اعتمد العرض على استلهام عدد كبير من أعمال علي أحمد باكثير، التي تحولت عبر العقود إلى نصوص مسرحية وسينمائية مؤثرة، من بينها «وا إسلاماه» و«الشيماء»، إلى جانب مسرحيات مثل «جلفدان هانم» و«قطط وفئران» و«الحاكم بأمر الله»، وغيرها من الأعمال التي كشفت عن انشغاله الدائم بالتاريخ والهوية والإنسان.

ومن خلال هذا التنوع، تنقّلَ العرض بين العصور الفرعونية والإسلامية والحديثة، مستحضراً شخصيات تاريخية وأسطورية ومتخيلة، في معالجة درامية سعت إلى إبراز الأسئلة الكبرى التي شغلت الكاتب؛ من الحرية والعدل، إلى الصراع بين السلطة والضمير، وعبر فتاة شابة من جيل «زد» تدخل متحفاً يضم عدداً من الشخصيات التي قدّمها.

يقول أحمد فؤاد، مؤلف العرض ومُخرجه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عرض «متحف باكثير» جاء انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية إعادة تقديم أعمال علي أحمد باكثير بصيغة مسرحية معاصرة تتيح للجمهور، اليوم، الاقتراب من عالمه الفكري والإنساني دون حواجز زمنية، مشيراً إلى أن اختيار فكرة المتحف كان المدخل الأنسب للتعامل مع هذا الإرث المتنوع؛ نظراً لما تزخر به أعمال باكثير من شخصيات تنتمي إلى عصور وخلفيات مختلفة، من مصر القديمة، مروراً بالتاريخ الإسلامي، وصولاً إلى الشخصيات المتخيَّلة والمعاصرة.

وأضاف أن «العرض صُمِّم على هيئة قاعات متحفية متجاورة، ينتقل بينها المتفرج، بحيث تقوده الأحداث في مسار درامي واحد، تتقاطع داخله الشخصيات والأفكار، في محاولةٍ للكشف عن الخيط الإنساني المشترك الذي يربط هذه العوالم المتباعدة ظاهرياً».

العرض قُدّم على مدار 80 دقيقة على خشبة المسرح الكبير بالأوبرا (الشركة المنتجة)

وأوضح فؤاد أنه اعتمد في بناء العرض على دراسة وقراءة عدد كبير من نصوص باكثير، قبل الاستقرار على اختيار 12 نصاً مسرحياً كُثِّفت وأُعيدت صياغتها داخل بنية واحدة. وعَدّ «التحدي الأكبر تمثل في ضغط الزمن، ومحاولة تجميع هذا الكم من الأعمال في إطار جذاب بصرياً ودرامياً، دون الإخلال بالفكرة الأساسية لكل نص؛ لأن الهدف كان تقديم عرض نوعي، قريب من المتفرج، يُعيد طرح سؤال عن باكثير وقدرته المتجددة على مخاطبة الحاضر».

ووفق الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، فإن عنوان عرض «متحف باكثير» قد يوحي، منذ الوهلة الأولى، بطابع وثائقي تقليدي، إلا أن التجربة المسرحية جاءت مغايرة تماماً لهذا الانطباع، وقال، لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت التجربة أن تحصد إعجاب الجمهور بفضل طبيعتها المختلفة واعتمادها الواضح على الحركة فوق خشبة المسرح، كما أن تعدد الشخصيات وتنوعها، والتنقل بينها بسلاسة، منح العرض حيوية خاصة، وخلق حالة من التفاعل المستمر مع المتلقي، بعيداً عن الجمود أو السرد المباشر».

العرض نال إشادات من الحضور (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن أن «عناصر العرض الفنية جاءت متوازنة، إذ اتسم الحوار بالجاذبية والقدرة على الإمتاع دون إسهاب أو خطابية، مدعوماً بمتعة بصرية واضحة على مستوى الحركة والتشكيل المسرحي»، لافتاً إلى أن الموسيقى لعبت دوراً أساسياً في تكوين المناخ العام للعمل؛ لاعتمادها على إرث أعمال باكثير.

وخلال الاحتفالية أُعلن إطلاق جائزة سنوية تحمل اسم علي أحمد باكثير، تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أميركي، وتُمنح في مجالات عدّة تعكس تنوع تجربته الإبداعية، من بينها الشعر، والكتابة المسرحية، والرواية، والترجمة الأدبية، والنقد الأدبي، في خطوة تستهدف دعم الإبداع العربي وتشجيع الأصوات الجديدة، بجانب تكريم أسماء عدد من الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم به، منهم أحمد مظهر، ولبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وحسين رياض.