شهدت مدينة برمنغهام البريطانية، مساء الخميس، تظاهرات واسعة تزامنت مع انطلاق المباراة المثيرة للجدل بين أستون فيلا وماكابي تل أبيب في الدوري الأوروبي لكرة القدم. ونشبت الاحتجاجات في محيط ملعب «فيلا بارك» وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث انتشر أكثر من 700 شرطي لضمان السيطرة على الموقف، وأُلقي القبض على ستة أشخاص خلال العملية الأمنية.

وقال كبير مفتشي شرطة برمنغهام، توم جويس، إن السلطات كانت تتوقع تجمعات احتجاجية من جماعات مؤيدة لفلسطين وأخرى مؤيدة لإسرائيل، بعد القرار المثير للجدل الذي اتخذ بمنع جماهير الفريق الإسرائيلي من حضور اللقاء. وأضاف: «نحن نعتاد على تأمين مباريات كرة القدم والتعامل مع الاحتجاجات، لكن حجم الاهتمام والقلق المحيط بهذه المباراة غير مسبوق. وأوضح أن من بين المعتقلين ثلاثة أشخاص بتهمة ارتكاب مخالفات تتعلق بخطاب الكراهية العنصري، بالإضافة إلى شاب يبلغ 21 عاماً تم توقيفه لرفضه خلع قناع وجه، وآخر يبلغ 17 عاماً لعدم امتثاله لأمر تفريق الحشود، فيما أوقف شخص آخر بتهمة الإخلال بالنظام العام.

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تجمع محتجون مؤيدون لفلسطين خارج الملعب حاملين الأعلام واللافتات التي دعت إلى وقف العنف في غزة، فيما نظم أنصار إسرائيل مسيرة مضادة بالقرب من ملعب «فيلا بارك»، كما مرت خمس شاحنات تحمل شاشات إلكترونية قبل انطلاق المباراة تحمل رسائل مناهضة لمعاداة السامية، من بينها «احظروا الكراهية لا الجماهير» إلى جانب نجمة داوود، وأخرى تحمل اقتباساً من تييري هنري يقول فيه إن «كرة القدم لا تتعلق بالأهداف فقط، بل بتوحيد الناس».

وكان نادي أستون فيلا قد أعلن الشهر الماضي أن جماهير ماكابي تل أبيب لن يُسمح لها بحضور المباراة، بناءً على توصية من لجنة السلامة المحلية في برمنغهام بعد تقارير استخباراتية من شرطة ويست ميدلاندز، التي خلصت إلى أن الخطر الأكبر من اندلاع أعمال عنف مصدره مجموعة من مشجعي النادي الإسرائيلي المعروفين بتاريخ من السلوك العدواني والهتافات العنصرية. وقد أثار القرار نقاشاً في البرلمان البريطاني، حيث طالب عدد من النواب بتوضيحات من الشرطة حول هذا الإجراء، لكن قائد الشرطة كريغ غيلدفورد دافع عنه وأكد أنه جاء لدواعٍ أمنية.

وقال نادي ماكابي تل أبيب، في بيان لاحق، إن جماهيره لن تسافر إلى برمنغهام «لدواعٍ تتعلق بالسلامة». وعلى أثر ذلك، استعانت شرطة ويست ميدلاندز بعناصر إضافية من عشر قوات شرطية في أنحاء البلاد لتأمين المدينة، في حين أكد جويس أن الشرطة كانت مستعدة لاحتمال قدوم أشخاص «بنيات عدوانية». وأضاف: «نعلم أن بعض المجموعات لا تشارك في الاحتجاجات السلمية بل تأتي لأغراض مختلفة، ولذلك عكست خطتنا الأمنية هذا الواقع». وأوضح في مقابلة مع «سكاي نيوز» أن «المستويات العالية من شغب جماهير ماكابي كانت السبب الرئيسي وراء قرار المنع».
واستخدمت الشرطة سلطات قانونية خاصة بموجب المادة 60 التي تخولها تفتيش أي شخص في مناطق تمتد من أستون وبيري بار إلى محطة برمنغهام نيو ستريت ومركز المدينة، بدءاً من منتصف النهار وحتى الثالثة صباحاً من يوم الجمعة.

ومن داخل المدينة، شوهد مشجعو أستون فيلا وهم يحاولون نشر أجواء التهدئة، من بينهم المشجع آدم سيلواي (48 عاماً) الذي ارتدى وشاحاً نصفه بألوان أستون فيلا والنصف الآخر بألوان ماكابي تل أبيب، مؤكداً أنه جاء لمشاهدة مباراة كرة قدم فقط، وقال: «الأمر لا يتعلق بالسياسة، بل بكرة القدم. جماهير فيلا ترحب بوجود جماهير الخصم، لم نكن نريد هذا المنع».
وفي الأحياء المجاورة للملعب، أُغلقت بعض المتاجر والمدارس في وقت مبكر تحسباً لأي توترات. أما المشجع اليهودي لفريق فيلا، إليوت لودفيغ، الذي حضر المباراة برفقة ابنه، فأعرب عن قلقه قائلاً: «أنا متخوف مما قد يحدث، ومما قد نواجهه من مضايقات داخل أو خارج الملعب، لكنني أشعر أيضاً بخيبة أمل لأن كرة القدم كان يفترض أن تجمعنا لا أن تفرّقنا».
ونشرت مجموعة مشجعي الفريق المعروفة باسم «البنجابي فيلانز» رسالة تهدئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي جاء فيها: «نحن معاً في هذا الموقف، دعونا نحترم بعضنا ونعود إلى منازلنا بأمان. كرة القدم توحّدنا».

من جانبه، قال جاك أنجليديس، المدير التنفيذي لنادي ماكابي تل أبيب، في تصريحات مساء الأربعاء، إن من المؤسف جداً حرمان جماهير فريقه من الحضور، مضيفاً: «من المؤلم أن يتم إدخال السياسة في كرة القدم».
وفي المقابل، قال نعيم مالك، رئيس حملة التضامن مع فلسطين في منطقة ويست ميدلاندز، إن هناك «غضباً وطنياً» من استضافة الفريق الإسرائيلي، داعياً النشطاء إلى «التوحد في الاحتجاج».
وشهد محيط الملعب لافتات رفعها متظاهرون كتب عليها: «قاطعوا لا تطلقوا الرصاص»، و«ارفعوا أقدامكم عن رقابهم واخرجوا من ملعبنا»، فيما شاركت منظمات عديدة في تنظيم الاحتجاجات، من بينها «حملة التضامن مع فلسطين»، و«تحالف أوقفوا الحرب»، و«رابطة مسلمي بريطانيا»، و«أصدقاء الأقصى»، و«حملة التضامن مع كشمير»، و«المنتدى الفلسطيني في بريطانيا».

كما حضر النائب المستقل عن دائرة بيري بار في برمنغهام، أيوب خان، إحدى التظاهرات أمام ملعب «فيلا بارك» مردداً شعار «الحرية لفلسطين»، وقال: «نحن مجتمع متنوع يضم عائلات وأطفالاً خرجوا لدعم القضية الفلسطينية، ونؤكد أننا نرحب بالرياضة وكرة القدم، لكننا نرفض العنف والتطرف ونقف ضد الإبادة الجماعية».
