لا يتعب المصمم اللبناني جو شليطا من العمل على وضع أزياء الفولكلور اللبناني في الواجهة. فهو لم يستسلم أمام عقبات يواجهها هذا القطاع التراثي. صاحب صفحة «تاريخ الموضة اللبنانية» (Lebanese fashion history) المشهورة على موقع «إنستغرام»، ترك مهنته وراءه، وتفرّغ لتاريخ لبنان في عالم الأزياء. وصار عنواناً إلكترونياً يتابعه الآلاف ليتعرفوا إلى موضة الأزياء في لبنان عبر التاريخ.
لسنوات طويلة كان شليطا يتساءل عن طبيعة الزي اللبناني التقليدي. وقد لمس أن تراثنا يتشتت يوماً بعد يوم. وأن الأزياء الفولكلورية فقدت علاقتها بجذورها.

مؤخراً وبعد 3 سنوات من التحضير، قدّم شليطا مجموعة أزياء فولكلورية مستوحاة من أزياء أجدادنا. بالنسبة له فهي تشكّل تحية صادقة تنبع من القلب لأناقة لبنان المنسية. المجموعة لفتت وسائل إعلام غربية تبنّت نشرها. ومن بينها مجلة «أرابيان مودا» الفرنسية. وتهتم بتسليط الضوء على موضة الأزياء في العالم العربي.
اختار المصمم قصر المير أمين في منطقة الشوف لإجراء جلسة التصوير.
واستخدم في حياكة تصاميمه مجموعة أقمشة تؤلف مزيجاً من البروكار والتفتا والحرير والمخمل، لوّنها بالتطريز الأغاباني على الأكمام، وتخاريج من المعدن (ميتاليك) الذهبي. وصمم الحذاء الخشبي (قبقاب) من خشب الزان المطعّم بعرق اللؤلؤ.
ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «رغبت من خلال هذه المجموعة في أن أسلط الضوء على اللمسة الرومانسية الفخمة في أزيائنا الفولكلورية. وقد راجت في حقبة الأمير فخر الدين الذي كان ينقل كل جديد معه من أسفاره إلى إيطاليا. فأترجم فيها موضة راجت في القصور ولدى الأميرات. وقد ركنت إلى داريا جردي لتمثّل شخصية أميرة من القرن الـ19».
وتتألف الأزياء من فساتين وتنانير طويلة ومن الطنطور الذهبي المخروط يدوياً. وقد رصّعه شليطا بقطع من العملة المعدنية القديمة. «استخدمت رموز تلك الموضة في الحقبة العثمانية، واستوردت إكسسوارات من صقلية وخيوط ذهبية من دمشق. فطبعت المجموعة بلمسة قديمة لتكون بمثابة قطع أنتيكا نادرة».
يشير شليطا في سياق حديثه إلى أن الأزياء الفولكلورية شهدت انتشاراً كبيراً في الستينات. «كانوا في لبنان يروجون لها عبر ملصقات وبطاقات سياحية. وكذلك حضرت على الطابع البريدي وفي رحلات السفر والمهرجانات الفنية. ولكننا بدأنا نفقد حضورها، بسبب انشغالنا بالموضة الأوروبية، وأيضاً لعدم الاستقرار الذي عاشه لبنان لسنين طويلة».

تصاميم ثياب تتألف من أكثر من قطعة وبألوان دافئة وحديثة صممها جو شليطا من أجل الحفاظ عليها في الذاكرة الجماعية. «جيل الشباب يجهل تماماً هذا النوع من الأزياء وأهميته تاريخياً. ومن خلال مجموعتي هذه رغبت في لفت نظره وإثارة حشريته كي يطّلع على جذوره من باب الموضة والثقافة».
وينتقد جو شليطا ظاهرة «زفة الأعراس» التي في رأيه شوّهت الفولكلور اللبناني الأصيل. «إن الأزياء التي يرتديها شباب الزفّة وفتياتها لا تمثّل تراثنا. ولاحظت أنهم يصممونها من هنا وهناك. ويركنون إلى أزياء البدو والمصريين القدامى. فتكون نموذجاً مزيفاً عن أزياء الفولكلور اللبناني الأصيل. وعندما تحضر فرقة من الهرمل أو بعلبك مثلاً، فهي لا تحمل أي نفحة تراثية من أزياء أهالي هذه المناطق». ويستطرد: «مدينة بعلبك مشهورة بتطريز (الطرق البعلبكي). وهي حرفة يدوية تقليدية معروفة. اسمها (طرق) لأنها ترتكز على استخدام خيوط ذهبية أو فضية نقية لتشكيل تصاميم هندسية وزخرفية. ويقوم الحرفي بضرب الإبرة ضربات سريعة لتثبيت الغرزة مما جعلها حرفة مهددة بالانقراض».
ويعدّ المصمم جو شليطا الوحيد بين زملائه الذي يخصص للأزياء الفولكلورية مجموعة تصاميم كاملة. «هناك من يحاول مرات تلوين مجموعته بزي فولكلوري. أو يلجأ إلى تطعيم فستان من فساتينه برمز من تراثنا. ولكن لم يخصص أحد للفولكلور اللبناني مجموعة تصاميم كاملة».

ويشير شليطا إلى أن قطع الثياب الفولكلورية كانت تصمم تبعاً للطبقة التي تنتمي إليها النساء. وهي تتألّف من القمباز والقميص الطويل والسروال والزنار العريض. وغالباً ما كانت سيدات الطبقة المخملية ترتدي الأزياء الفولكلورية الفاخرة والمرصعة بأحجار كريمة.
ويختم جو شليطا عاشق الفولكلور اللبناني وحارسه الأمين: «حبي للبنان لا يوازيه أي حب آخر. وسأبقى مخلصاً لتاريخنا وتراثنا حتى الرمق الأخير. وكيلا يغيب لبنان العريق عن خريطة الأناقة العالمية».



