الصومال تتمسك بإنهاء نظام «العشائر الأربع» وسط «توافق معطل»

الرئيس الصومالي مع نظيره الجيبوتي في مدينة عرتا خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لمؤتمر المصالحة الصومالية (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي مع نظيره الجيبوتي في مدينة عرتا خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لمؤتمر المصالحة الصومالية (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

الصومال تتمسك بإنهاء نظام «العشائر الأربع» وسط «توافق معطل»

الرئيس الصومالي مع نظيره الجيبوتي في مدينة عرتا خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لمؤتمر المصالحة الصومالية (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي مع نظيره الجيبوتي في مدينة عرتا خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لمؤتمر المصالحة الصومالية (وكالة الأنباء الصومالية)

تمسك الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، بإنهاء نظام تقاسم السلطة القائم على «العشائر الأربع»، على وقع خلافات بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة، من دون التوصل لتوافق بشأن الانتخابات المباشرة التي يتوقع أن تجرى في 2026 وتنهي هذا النظام.

هذا الموقف الأحدث من رئيس الصومال، يراه خبير في الشؤون الأفريقية جزءاً من تأكيد استراتيجية الحكومة في مواجهة معارضة ترفض الانتخابات التي تنهي نظام العشائر بصورة كاملة، متوقعاً في ظل عدم التوافق أن تتعطل جهود الذهاب للانتخابات في موعدها العام المقبل.

وأكد الرئيس الصومالي أهمية إنهاء نظام تقاسم السلطة القائم على «العشائر الأربع»، وذلك خلال إحياء الذكرى الـ25 لـ«مؤتمر عرتا للسلام» في جيبوتي، الذي أدى إلى إنشاء أول حكومة انتقالية في الصومال عام 2000 بعد نحو عقد من الحرب الأهلية.

وقال إن هدفنا السياسي يتمثل في ترسيخ الاستقرار، وبناء مؤسسات شرعية قوية، والانتقال من سياسة العشائر والأفراد إلى سياسة المواطنة والدستور والقانون. لقد حان الوقت لتحقيق وعدنا الوطني بإقرار دستور دائم، وإجراء انتخابات مباشرة تُمكّن كل مواطن صومالي من ممارسة حقه في الاختيار الحر. وأضاف: «طُبق نظام العشائر الأربع عندما كان الصومال يعاني من الفقر. كان إجراءً مؤقتاً يهدف إلى مساعدتنا في تجاوز فترة عصيبة. لكنه استمر معنا لفترة طويلة جداً»، داعياً قادة الأمة الصومالية إلى تجاوز هذه الصيغة القائمة على العشائر، واستبدال السياسة التي تُدار بالعشائر بمؤسسات متجذّرة في الكفاءة والعدالة.

ونظام العشائر الأربع الكبرى (وهي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر)، المعروف بنظام 4.5، يُعد العمود الفقري للحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وانبثق من مؤتمر عرتا للسلام عام 2000، وبموجبه قُسِّم البرلمان على أسس عشائرية لضمان تقاسم السلطة.

ويشير مصطلح «نظام 4.5» في الصومال إلى نظام المحاصصة القبلية في تقاسم المناصب السيادية، حيث يتم توزيع المقاعد على أربع قبائل رئيسية، في حين يُمنح (نصف مقعد) للمجموعات العرقية الصغيرة.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، أن هذه الدعوات الرئاسية رسائل للمعارضة وتأكيد على أهمية الانتخابات المباشرة والابتعاد عن المحاصصة، إلا أن القضاء على نظام العشائر المتواجد فعلياً منذ عقود صعب للغاية.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الانتخابات المباشرة لن تنهي نظام 4.5؛ لأن المقاعد البرلمانية مبنية على القبائل وليس بالأقاليم، فكل قبيلة ستحصل على تمثيلها المعتاد ولكن فقط التغيير سيكون انتخاباً مباشراً لأعضاء العشيرة لمقعدهم بدلاً من التعيين، وبالتالي لن تكون بديلة بشكل حاسم حالياً، والأمر يحتاج إلى سنوات لترسيخ نظام المؤسسات، وبالتالي فالانتقادات ستستمر لنظام العشائر لحين التوصل لتوافقات.

وتلك الانتقادات تحولت لخلافات مع استعداد البلاد لأول انتخابات وطنية مباشرة في عام 2026، وسط رفض المعارضة الذهاب إليها ودعم ولايتي غوبالاند وبونتلاند مسار الرفض أيضاً.

وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012، الشرارة الأبرز لزيادة الخلافات بين الحكومة الفيدرالية مع ولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب و«منتدى المعارضة»، الذي يترأسه الرئيس الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد، من جانب آخر؛ إذ رفض الجانبان تعديلات أجريت في مارس (آذار) 2024، مهّدت لتغيير نظام الحكم من «البرلماني» إلى «الرئاسي»، وإقرار الذهاب لإجراء الانتخابات المباشرة لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، في عام 2026. وشددا في بيانات وتصريحات، آنذاك، على أهمية «استكمال الدستور وليس تعديله، والعودة عن ذلك المسار».

ووسط تلك الأجواء، أطلقت ولايتا بونتلاند وغوبالاند في بيان أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي، دعوة للحوار مع الحكومة الفيدرالية في الصومال، في حين اتّجه «المنتدى المعارض» إلى الدعوة لاحتجاجات بالعاصمة مقديشو، أواخر الشهر ذاته، وسط تحذيرات الحكومة من إتمامها واحتمال اعتبارها «تخريبية».

ولم يُنهِ لقاء حاسم بين الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس ولاية غوبالاند أحمد مدوبي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2025 هذه الخلافات التي استمرت أكثر من عام، في وقت صعّد «منتدى الإنقاذ المعارض»، المقرب من زعيم الإقليم، تحركاته في العاصمة مقديشو، متمسكاً بالدعوة إلى تنظيم احتجاجات.

ويعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية أن التوافق لا يزال بعيداً بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة، وسيزداد قبل الانتخابات، والرهان سيكون على توافقات مدعومة من المجتمع الدولي والشركاء للصومال بشكل يتجاوز المعارضة الحالية، مرجحاً أن يعطل عدم التوافق حدوث الانتخابات في موعدها مع احتمال تأجيلها.


مقالات ذات صلة

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

العالم العربي الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة بسبب الانتخابات والدستور.

محمد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا خلال انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة بين مصر وأنغولا (الخارجية المصرية)

مصر تؤكد رفض أي «إجراءات أحادية» تُصعّد التوتر في القرن الأفريقي

أكدت مصر رفض «أي تدخلات خارجية في شؤون القارة الأفريقية»، ورفض أي إجراءات أحادية في منطقتَي القرن الأفريقي والبحر الأحمر قد تُسهم في زيادة التوتر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
أفريقيا طائرة تجسس

ساحل العاج تسعى لنشر طائرات تجسس أميركية للتصدي لمتشددين مرتبطين بـ«القاعدة»

قال مسؤولان أمنيان إن ساحل العاج تريد من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نشر طائرات تجسس أمريكية لتنفيذ عمليات عبر الحدود ضد متشددين متحالفين مع "القاعدة".

«الشرق الأوسط» (داكار - أبيدجان )
أفريقيا رئيس مالي الجنرال آسيمي غويتا تعهَّد بالقضاء على الإرهاب ويحظى بدعم روسي كبير (إعلام محلي)

الجيش المالي يوجه ضربات جديدة لمعاقل «القاعدة»

أعلن الجيش المالي أنه دمَّر مواقع تابعة للجماعات الإرهابية، في منطقة قرب الحدود مع موريتانيا.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)

أفاد تقرير للأمم المتحدة، أمس (الخميس)، بأن أكثر من 1000 مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) الماضي، بمخيم زمزم للنازحين شمال دارفور، تعرض نحو ثلثهم لعمليات إعدام خارج نطاق القانون.

وأشارت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريرها إلى «مجازر وعمليات اغتصاب وأعمال عنف جنسي أخرى وتعذيب وخطف» ارتُكبت خلال الهجوم الذي نفذته «قوات الدعم السريع» من 11 إلى 13 أبريل. وأكدت المفوضية «مقتل ما لا يقل عن 1013 مدنياً».

وفي سياق آخر، شنت «قوات الدعم السريع»، أمس، هجوماً واسعاً بعشرات الطائرات المسيّرة، طالت عدداً من المدن في ولاية النيل بشمال السودان، مستهدفة محطة رئيسية لتوليد الكهرباء، مما أدى إلى مقتل شخصين وانقطاع التيار الكهربائي في المدن السودانية الكبرى.

وقال مصدر عسكري وشهود إن الهجوم تم بنحو 35 مسيّرة على مدن عطبرة والدامر وبربر في ولاية النيل، وألحق أضراراً بالغة بمحولات كهربائية في محطة المقرن في عطبرة نتج عنها إظلام تام في ولايات الخرطوم ونهر النيل والبحر الأحمر.


مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

رسمت مصر «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، وحذرت من تجاوزها باعتبارها «تمس الأمن القومي المصري». ولوّحت باتخاذ كافة التدابير التي تكفلها «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، في خطاب يراه خبراء «الأكثر حدة» منذ اندلاع الحرب في السودان.

وجاء الموقف المصري بالتزامن مع استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث أكد السيسي «دعم بلاده الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة»، وشدد على «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره»، مؤكداً استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن في هذا السياق، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي.

وجددت مصر، في أثناء زيارة البرهان، «تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان»، وذلك في إطار «توجه الإدارة الأميركية لإحلال السلام، وتجنب التصعيد، وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم».

تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك

مع التأكيد على تلك الثوابت، وضعت القاهرة «خطوطاً حمراء» للمرة الأولى في الأزمة السودانية، مؤكدة أنها «لا يمكن أن تسمح بتجاوزها باعتبارها تمس الأمن القومي المصري الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي السوداني»، وتضمنت المحاذير المصرية «الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان».

وقالت الرئاسة المصرية، الخميس، إن «الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ومنع المساس بهذه المؤسسات، هو خط أحمر آخر».

وأكدت «الحق الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي»، ومن بينها «تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين؛ لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها».

الرئيس المصري خلال محادثات في القاهرة الخميس مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان (الرئاسة المصرية)

وفي مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976، في مواجهة «التهديدات الخارجية».

عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري، اللواء يحيى كدواني، قال إن الأمن القومي المصري يرتبط مباشرة بوحدة الأراضي السودانية، «ومع وجود مؤامرات تهدف إلى تقسيمه، فإن ذلك يستدعي وضع (خطوط حمراء) لعدم تجاوزها، بما يحقق الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية، وبما يشكل ضمانة لحماية الأمن القومي المصري».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقف المصري بشأن الحفاظ على وحدة وسلامة السودان ثابت وقوي، والقاهرة قادرة على تنفيذ ما تعلن عنه من شعارات ومبادرات لحماية مؤسسات الدولة السودانية»، لافتاً إلى أن استدعاء «اتفاقية الدفاع المشترك» جاء للتأكيد على أن «هناك تنسيقاً مشتركاً بين البلدين في إطار الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة في السابق بين البلدين».

وذكر بيان الرئاسة المصرية، الخميس، أن «القاهرة تتابع بقلق بالغ استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد الحالية في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر»، كما أكدت «رفضها القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها، باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه».

أما عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، فأكد أن التنسيق المصري - السوداني في مجابهة تهديدات تقسيم البلاد يأتي في إطار حماية الأمن القومي المصري والسوداني والعربي، خاصة أن البلدين ضمن «مجلس الدول المتشاطئة على البحر الأحمر»، وهو لديه أدوار رئيسية تتمثل في «الدفاع والتنمية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف المصري يأتي في إطار مبادرة «الرباعية الدولية»، والمبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، موضحاً أن «القاهرة تدعم تنفيذ (خريطة طريق) تبدأ بهدنة تستمر ثلاثة أشهر، ودمج (قوات الدعم السريع) في الجيش السوداني، مع الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية السودانية».

ووفقاً لبيان الرئاسة المصرية، أكدت القاهرة «حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار (الرباعية الدولية)، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية».

وطرحت «الرباعية»، التي تضم دول (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأميركية) في أغسطس (آب) الماضي، «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر».

جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية)

وتأتي زيارة البرهان إلى مصر بعد أخرى قام بها إلى المملكة العربية السعودية، الاثنين الماضي، وأكد في ختام زيارته حينها «حرص السودان على العمل مع ترمب ووزير خارجيته، ماركو روبيو، ومبعوثه للسلام في السودان، مسعد بولس، في جهود تحقيق السلام ووقف الحرب».

وأكدت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أماني الطويل، أن «مصر وضعت خطوطاً حمراء لأول مرة في الملف السوداني، وموقفها الأخير هو الأكثر حدة منذ اندلاع الحرب، وهو يتماهى مع الموقفين السعودي والأميركي بشأن الحفاظ على وحدة السودان، وضرورة وقف الحرب، ورفض الكيانات الموازية، والحفاظ على مؤسسات الدولة».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نستطيع القول إن هناك توافقاً سعودياً - مصرياً على المواقف القوية بشأن وحدة السودان، ما يبرهن على أن الاتجاه السائد الآن هو بلورة مبادرة لوقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية»، لكنها شددت أيضاً على أن «المسألة الأكثر تعقيداً تتعلق بالحلول السياسية في ظل التعامل مع أطراف سودانية لا تقبل بعضها، ومن الممكن أن يأتي إعلان مبادئ (نيروبي) مقدمةً لهذا السياق».

ووقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد النور، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» (الأصل) لوقف الحرب في السودان، ويُعد هذا أول تقارب يجمع غالبية الأطراف السودانية المناهضة للحرب.

وأكد متحدث الرئاسة المصرية، الخميس، أن محادثات السيسي والبرهان «تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية، بما يجسّد تطلعات الشعبين نحو تحقيق التكامل والتنمية المتبادلة، وتطرقت كذلك إلى مستجدات الأوضاع الميدانية في السودان».


«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
TT

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)

طرحت الزيارة التي أجراها قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، لمقر القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي في مدينة بنغازي، أسئلة كثيرة، وسط إشارات إلى «خريطة تحالفات جديدة» تتعلق بموازين القوى.

واستقبل حفتر مساء الأربعاء، في بنغازي (شرق)، قائد الجيش الباكستاني، يرافقه وفد عسكري رفيع المستوى، في إطار زيارة رسمية إلى ليبيا لعقد سلسلة من الاجتماعات ذات الاهتمام المشترك. وقال مكتب القيادة العامة إن زيارة الوفد الباكستاني تأتي في إطار «تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات»، حيث أكد الطرفان عمق العلاقات التاريخية الليبية - الباكستانية، وأهمية المضي قدماً في تطويرها، بما يخدم المصالح المشتركة بين الجانبين.

قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير في زيارة لبنغازي الأربعاء (القيادة العامة)

وعدّ المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، زيارة الوفد الباكستاني «غير عادية»، ورأى أنها «تمثل نقلة نوعية مرتبطة برؤية القيادة العامة 2030 في تطوير قدرات القوات المسلحة الليبية، التي لم تعد رهينة الاعتماد على دولة واحدة للتسلّح منها بلا آفاق وأبواب جديدة».

وأضاف قشوط في إدراج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن التعاون مع الجيش الباكستاني «سيضيف إلى قواتنا المسلحة كثيراً»، وعدّه «حليفاً استراتيجياً سيكون بمنزلة ردع لأي تهديدات مستقبلية».

وأُقيمت مراسم استقبال رسمية للوفد الباكستاني، وكان في مقدمة مستقبليه، نائب القائد العام الفريق أول صدام حفتر، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، الفريق أول خالد حفتر، إلى جانب عدد من رؤساء الأركان بالقوات المسلحة.

وينظر الباحث في الشأن الليبي، محمد تنتوش، إلى زيارة الوفد العسكري الباكستاني لبنغازي على أنها «فشل دبلوماسي لحكومة (الوحدة)؛ ورئاسة الأركان في المنطقة الغربية»، وأرجع ذلك إلى أنها «لم تصنع علاقة بذات المستوى مع باكستان». وذهب تنتوش إلى أن «كل قوة وتطور في عمل معسكر الرجمة هو عامل إضافي، قد يُمكِّنها من السيطرة على كامل ليبيا، أو على الأقل يشجعها على ذلك».

كانت القيادة العامة قد مهّدت لقدوم الوفد الباكستاني بزيارة أجراها صدام حفتر إلى إسلام آباد في يوليو (تموز) الماضي، التقى خلالها شخصيات باكستانية عديدة، من بينهم رئيس الوزراء محمد شهباز شريف، ورئيس أركان البحرية الأدميرال نويد أشرف، وذلك ضمن زيارته الرسمية للبلاد.

ويرى محللون أن الزيارة، التي بحثت تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات، جاءت في توقيت تتصاعد فيه التحركات الإقليمية، وإعادة رسم خرائط النفوذ العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كان تعديل دستوري أقرته باكستان مؤخراً، قد عزز من نفوذ منير، بمنحه أدواراً إضافية وحصانة مدى الحياة، في خطوة عدّها محللون ترسيخاً لمكانة قائد الجيش في موقع «الرجل الأقوى في البلاد».

وسبق أن قال موقع «إنسايد أوفر» الإيطالي، إن حفتر «لم يعد مكتفياً بالتحالف مع موسكو لتحقيق أهدافه في ليبيا؛ بل بات يناور بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، ويخلق توازناً في منطقة مضطربة». فيما يرى متابعون أن زيارة الوفد العسكري الباكستاني تحمل رسائل عدة تشير إلى انفتاح شرق ليبيا على تعاون عسكري أوسع مع قوى مؤثرة خارج الإطار التقليدي.

حفتر ومنير يستعرضان قطعة سلاح الأربعاء (القيادة العامة)

كان حفتر قد التقى في مايو (أيار) الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة موسكو، كما التقى أيضاً وزير الدفاع أندريه بيلوسوف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو.

ويفرض مجلس الأمن الدولي منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حظراً على السلاح. فيما جدد مؤخراً تفويضه بتفتيش السفن المتجهة من وإلى السواحل الليبية لمدة ستة أشهر. وينصّ قرار مجلس الأمن، الذي صُوّت عليه في نيويورك بتمديد مهمة العملية البحرية الأوروبية «إيريني»، على ضرورة توافر «أسباب معقولة» للاشتباه قبل الشروع في تفتيش السفن.