مصر وإسرائيل تتقاسمان «مزايا جيوسياسية» عبر اتفاقات الغاز

استمرار التوترات وتباين الرؤى السياسية... تحديات تواجه ضمان بقاء الإمدادات

جانب من حقل ظهر للغاز في شرق المتوسط (الرئاسة المصرية)
جانب من حقل ظهر للغاز في شرق المتوسط (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وإسرائيل تتقاسمان «مزايا جيوسياسية» عبر اتفاقات الغاز

جانب من حقل ظهر للغاز في شرق المتوسط (الرئاسة المصرية)
جانب من حقل ظهر للغاز في شرق المتوسط (الرئاسة المصرية)

بعيداً عن التباينات والاختلافات السياسية في مواقف مصر وإسرائيل، الحاضرة على مدى أكثر من عامين من الحرب على قطاع غزة، تظل «اتفاقيات الغاز» المشتركة تحقق «مزايا جيوسياسية» للطرفين.

فالجانبان يرتبطان باتفاقيات تعاون في مجال الغاز منذ سنوات، عندما وقعت مصر اتفاقية لتصدير الغاز إلى إسرائيل عبر خط أنابيب العريش - عسقلان في عام 2005؛ لكن العمليات توقفت عام 2012 بعد هجمات متكررة على الخط في شبه جزيرة سيناء.

ويشكل العامل الجغرافي والحدود المشتركة بين الطرفين ميزة تنافسية لاتفاقيات الغاز بينهما عن غيرها من اتفاقيات التعاون، حسب تقدير خبراء طاقة وسياسيين مصريين أشاروا إلى أن أسعار الغاز الذي تحصل عليه القاهرة من تل أبيب أقل تكلفة من مثيله، نظراً لتوافر خطوط أنابيب مشتركة لتداوله.

وجرى تدشين خط أنابيب عسقلان - العريش في عام 2005، وهو يمتد بطول 80 كيلومتراً، ويبلغ قطره نحو 26 بوصة، ويمكنه نقل نحو 700 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً.

وكان أحدث تعاون مصري - إسرائيلي في مجال الغاز ما أعلنت عنه شركة «شيفرون» الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي، من توقيعها اتفاقاً مع شركة تشغيل خطوط الأنابيب المملوكة للدولة في إسرائيل لبدء مدّ خط أنابيب «نيتسانا» للغاز الطبيعي، الذي سينقل الغاز من حقل «ليفياثان» إلى مصر في إطار صفقة قيمتها 35 مليار دولار.

وصاحب الإعلان عن هذه الصفقة تصاعد للسجال بين مصر وإسرائيل، على وقع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «عدم تمديد اتفاق الغاز مع مصر»، ما دفع رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر ضياء رشوان إلى الرد محذراً من عواقب إلغاء الاتفاق.

«ضرورة استراتيجية»

لم تشهد العلاقات المصرية – الإسرائيلية توتراً، منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، كالذي شهدته الفترة الماضية، بسبب رفض القاهرة ما وصفته بـ«الإبادة الممنهجة التي تقوم بها إسرائيل في غزة».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 (رويترز)

ولم يتأثر ملف التعاون في مجال الغاز بالتوترات السياسية الأخيرة بين الجانبين، حيث تعتمد القاهرة في تغطية جزء من احتياجاتها على الجانب الإسرائيلي، نظراً «لقلة التكلفة والقرب الجغرافي»، وفق دبلوماسي مصري سابق في إسرائيل قال لـ«الشرق الأوسط» إن العامل الجغرافي وتوافر خطوط أنابيب لنقل الغاز «يوفران ميزة تنافسية في مجال الغاز بين الطرفين».

وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلنت شركة «نيو ميد»، أحد الشركاء في «حقل ليفياثان» الإسرائيلي للغاز الطبيعي، تعديل اتفاق توريد الغاز لمصر ليمتد إلى عام 2040 بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار. وزود الحقل مصر بالفعل بـ23.5 مليار متر مكعب من الغاز منذ عام 2020، وفق ما أعلنته «نيو ميد».

وهناك حرص مصري وإسرائيلي على استمرار التعاون في مجال الغاز، حسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، طارق فهمي، الذي قال إن «معادلة التعاون بين الجانبين ربحية، لا خاسر فيها».

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «رغم توافر أسواق بديلة أمام القاهرة، فإنها ترى أن قضية الغاز مع الجانب الإسرائيلي ضرورة استراتيجية».

ووصل إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى ذروته بنحو 7.2 مليار قدم مكعبة يومياً عام 2021، وفق إحصاءات وزارة البترول المصرية، قبل أن يتراجع إلى نحو 5.6 مليار قدم مكعبة في منتصف 2024، ما أدى إلى انكماش الفائض القابل للتصدير، ودفع القاهرة للتحول إلى استيراد كميات من الغاز لتلبية الاحتياج المحلي.

ويرى فهمي أن قنوات التعاون بين مصر وإسرائيل مستمرة في بعض الملفات، وفي مقدمتها ملف الطاقة والغاز، مضيفاً أن القاهرة «لديها مصلحة كاملة في استمرار ملف الغاز، لاعتبارات سياسية واقتصادية».

حقل ظهر للغاز في شرق المتوسط (الرئاسة المصرية)

وعلى الجهة الأخرى، قال وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، في أغسطس (آب) الماضي، إن الغاز الطبيعي «يمثل أصلاً استراتيجياً لإسرائيل»؛ مشيراً إلى أن صفقة الغاز الأخيرة مع مصر «تثبت اعتماد جيراننا علينا، كما تؤكد أهمية قطاع الغاز في استقرار الشرق الأوسط».

الإمدادات والتوترات الإقليمية

تحدث موقع «نتسيف نت» العبري في الأسبوع الماضي عن أن إسرائيل خفّضت صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر بسبب أعمال صيانة دورية في حقل «تمار» في البحر المتوسط، وأشار إلى أن «تدفقات الغاز اليومية من إسرائيل إلى مصر انخفضت بنحو الثلث على مدى 12 يوماً، من جرّاء إغلاق جزئي لصمام الغاز من الحقل».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، توقف إنتاج الغاز من الحقول الإسرائيلية في البحر المتوسط لأسباب أمنية مرتبطة بتصاعد التوترات الإقليمية مع بدء الضربات الإسرائيلية على إيران، ما أدى إلى انقطاع كامل في إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، قبل أن تعود بعد نحو أسبوعين.

ويشكل الغاز الإسرائيلي نصف الكمية التي تستوردها مصر لتلبية احتياجاتها المحلية، حسب خبير الطاقة المصري، حافظ سلماوي، الذي أشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود فوائد مشتركة في استمرار التعاون بين الطرفين في ملف الغاز، خصوصاً من النواحي الاقتصادية».

ورغم تلك المميزات، يرى سلماوي أن هناك «صعوبات لتعويل مصر على الغاز المستورد من تل أبيب فقط، بسبب تحديات ضمان استمرار الإمدادات، على وقع التوترات المستمرة، وتباين الرؤى السياسية».

وقال زير البترول المصري، كريم بدوي، في تصريحات في سبتمبر (أيلول) الماضي إن الغاز الإسرائيلي «أرخص من المستورد من مناطق أخرى»، مضيفاً أن توقف إمداده لن يؤثر على احتياجات بلاده في هذا القطاع.

ويرى سلماوي أن مصر في حاجة لتأمين مخزون استراتيجي من الغاز «يحقق لها أمن الطاقة بعيداً عن أي اضطرابات تحدث».


مقالات ذات صلة

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

شمال افريقيا بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية

وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

توفيت الفنانة المصرية سمية الألفي صباح اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع مع المرض.

يسرا سلامة (القاهرة)
تحليل إخباري الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)

تحليل إخباري القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

أكد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى لبنان هدفها اقتصادي، لكنها تحمل هدفاً استراتيجياً وسياسياً يتعلق بدعم لبنان.

هشام المياني (القاهرة )
تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

تمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية».

أحمد جمال (القاهرة )
تحليل إخباري محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

تحليل إخباري ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

أصدرت الرئاسة المصرية عقب زيارة البرهان للقاهرة بياناً تضمن خطوطاً حمراء للحرب في السودان، تنطلق من وحدة السودان ومؤسساته، ولوّحت بالدفاع المشترك لدعمه.

وجدان طلحة (بورتسودان)

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

ضمن مساعٍ مصرية لتعزيز تعاونها الأفريقي، شددت مصر والكونغو على «تعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية». كما أكدت القاهرة وبرازافيل «استمرار التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية».

جاء ذلك خلال محادثات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، جون كلود جاكوسو، تناولت «سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب التنسيق والتشاور حول القضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك».

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة»، مشدداً على «مواصلة تطوير التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال التدريب وبناء القدرات».

وأشار إلى «حرص مصر على دعم التعاون الاقتصادي مع جمهورية الكونغو، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتجارة»، لافتاً إلى اهتمام الشركات المصرية ذات الخبرات الكبيرة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنقل والتشييد بالمشاركة في المشروعات التنموية، مجدداً التأكيد على أهمية تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتذليل العقبات أمام حركة التبادل التجاري.

وتوافقت مصر والكونغو على «تعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية»، وذلك خلال زيارة عبد العاطي إلى الكونغو ولقاء الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نجيسو، في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الكونغولي خلال استقبال وزير الخارجية المصري في الكونغو مارس الماضي (الخارجية المصرية)

وقدّم عبد العاطي حينها رسالة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الكونغولي تناولت «التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات البلدين»، إلى جانب التأكيد على «اتخاذ مزيد من الخطوات لدفع مجالات التعاون الثنائي».

كما توافقت رؤى مصر والكونغو حينها في العديد من ملفات الأوضاع الإقليمية، لا سيما التطورات في مناطق «البحيرات العظمى والساحل والقرن الأفريقي»، وتوافق البلدان أيضاً على ضرورة «الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان والصومال».

وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف، أكد وزير الخارجية المصري، السبت، أهمية التنسيق والتشاور المشترك إزاء مختلف القضايا الأفريقية، ولا سيما ما يتعلق بملف الإصلاح المؤسسي لأجهزة الاتحاد الأفريقي، باعتباره ركيزة أساسية لتطوير كفاءة عمل تلك الأجهزة وتمكينها من الاضطلاع بمهامها على النحو الأمثل، مع التأكيد على «ضرورة أن تتم عملية الإصلاح بصورة منهجية وتدريجية وواضحة، وعلى أساس من الشمولية ومشاركة جميع الدول الأعضاء في مسار الإصلاح».

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره الكونغولي في القاهرة السبت لبحث تعزيز التعاون الثنائي (الخارجية المصرية)

وحسب «الخارجية المصرية»، السبت، شهد لقاء الوزير عبد العاطي ونظيره الكونغولي تبادلاً للرؤى حول أبرز القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الأوضاع في منطقتي الساحل والبحيرات العظمى، حيث أكد الجانبان «التزامهما بمواصلة التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون في مجالات التنمية والأمن، بما يدعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة».

وكانت القاهرة وبرازافيل قد توافقتا خلال محادثات الرئيس الكونغولي مع وزير الخارجية المصري في مارس الماضي على أهمية «تعزيز التعاون في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية»، وأشارت وزارة الخارجية المصرية حينها إلى «تطلع الشركات المصرية لزيادة استثماراتها بالسوق الكونغولية في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد المائية والزراعة والدواء».


تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
TT

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين في هذا البلد بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

وأشارت تيتيه خلال تقديم إحاطتها، أمس، أمام أعضاء مجلس الأمن، إلى أنَّ الجهود مع الجهات الليبية المعنية بخصوص تنفيذ «خريطة الطريق» تمثل «تحدياً كبيراً»، لا سيما لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات. كما أكدت أنَّ الجهود المتواصلة مع لجنتَي المناصب السيادية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة «لم تُفضِ حتى الآن إلى إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات». ورأت تيتيه أنَّ «التأخيرات دليل على انعدام الثقة بين المؤسستين».


سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

أحيا مدنيون سودانيون ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أسقطت نظام التيار الإسلامي، بوقفات احتجاجية في عدد من مدن البلاد، وإسفيرية (عبر الفضاء الإلكتروني/ الإنترنت)، طالبوا خلالها بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وفي غضون ذلك، أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على بلدة «برنو» القريبة من مدينة «كادوقلي» عاصمة ولاية جنوب كردفان، وعززت انتشارها في المنطقة التي كان الجيش قد استعاد سيطرته عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وفي وقت تضيق فيه الحرب المجال العام، أحيا ناشطون سودانيون ذكرى انطلاق ثورة ديسمبر، بدعوات لمواكب ووقفات احتجاجية، و«تظاهرات إسفيرية» على منصات التواصل، جددوا خلالها دعوتهم لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي. وعلى الأرض، تداول ناشطون وتنسيقيات مرتبطة بـ«لجان المقاومة» منشورات تعبئة وتوثيق رمزي للذكرى.

بوستر نشر على موقع «فيسبوك» احتفالاً بذكرى ثورة 19 ديسمبر

وفي مدينة أم درمان، فرقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مئات الشباب الذين تجمعوا في بعض ميادين المدينة، وهتفوا بشعارات ديسمبر «حرية وسلام وعدالة»، و«العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني.

وقال شاهد تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن العشرات من لجان المقاومة تجمعوا في «ميدان الخليفة» بوسط أم درمان، وهتفوا بشعار الثورة «سلمية... سلمية... حرية وسلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وإن الشرطة تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات، فيما طاردت الشرطة مجموعات أخرى بساحة «الأزهري» قرب جسر شمبات.

تظاهرات في بورتسودان

وفي بورتسودان خرج العشرات من المحتجين ورفعوا لافتات طالبوا فيها بوقف الحرب، فيما ألقت الشرطة القبض على عدد من المحتجين في ولاية القضارف طالبوا بوقف الحرب. وبالتوازي مع ذلك، حضرت الذكرى على الإنترنت، وروجت مجموعات وصفحات متعددة لـ«تظاهرة إسفيرية»، وسط دعوات للنشر بالوسوم والشعارات، تؤكد أن الحرب استهدفت مكتسبات الثورة، واعتبرت إحياء ذكراها، تجديداً للتمسك بخيار الدولة المدنية وعودة العسكر للثكنات.

واعتبرت الاحتجاجات تحدياً لحملات القمع والتخوين التي يشنها أنصار النظام السابق والإسلاميون، وقال نشطاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الوقفات الاحتجاجية المحدودة التي خرجت في بعض أنحاء البلاد، تعتبر تحدياً مباشراً لمناخ القمع والترهيب الذي يستهدف الرافضين للحرب والأصوات المدنية، وحملات التخوين والتنمر، والاتهامات بالتعاون مع «قوات الدعم السريع».

نموذج للدعوات للتظاهر والاحتجاج لإحياء ذكرى 19 ديسمبر

ويوافق يوم 19 ديسمبر تاريخ انطلاق موجة احتجاجات ديسمبر التي بدأت في 19 ديسمبر 2018 بمدينة عطبرة باحتجاجات طلابية على الغلاء وارتفاع أسعار الخبز، ثم تحولت لثورة شاملة في أنحاء البلاد كافة، انتهت بسقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وأصبحت بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ذكرى سنوية تستحضر مطالب السودانيين: «حرية، وسلام، وعدالة، الثورة خيار الشعب».

معارك كردفان

قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن قواتها حققت الجمعة، انتصارات ميدانية مهمة، في بلدة «برنو» التابعة لمحلية الريف الشمالي الشرقي بولاية جنوب كردفان، بعد معارك شرسة. وأوضحت أن الجيش هاجم مواقعها القريبة من بلدة «برنو» بالمدفعية الثقيلة والمدرعات، فتصدت له قواتها المرابطة قريباً من البلدة، وألحقت به هزيمة كبيرة، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ثم تقدمت وبسطت سيطرتها الكاملة على المنطقة ودخلت وسط «برنو»، وارتكزت في محيطها، معززة انتشارها وتأمين مواقعها الحيوية.

وتقع منطقة «برنو» بولاية جنوب كردفان السودانية، وهي منطقة زراعية مهمة تبعد عن عاصمة الولاية بنحو 30 كيلومتراً، وكان الجيش قد سيطر على البلدة بعد اشتباكات عنيفة مع «قوات الدعم السريع» وحليفته الحركة الشعبية - الشمال، 17 نوفمبر الماضي.

حصار مدن كردفان

وتحاصر «قوات الدعم السريع» وحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان تيار عبد العزيز الحلو، معظم مدن ولاية جنوب كردفان المهمة، بما فيها العاصمة «كادوقلي» والمدينة الثانية في الولاية «الدلنج»، فيما تسيطر الحركة الشعبية على منطقة «كاودا» جنوب شرقي العاصمة كادوقلي، وتبعد عنها بنحو 96 كيلومتراً في جهة الجنوب الشرقي.

ومنذ استيلاء «قوات الدعم السريع» على الفرقة 22 بابنوسة (ولاية غرب كردفان)، كثفت «قوات الدعم السريع» حصارها على ولاية جنوب كردفان، ودأبت على قصف مدنها الرئيسية المحاصرة، بالمدفعية الثقيلة والمسيّرات، خاصة مدينتي كادوقلي والدلنج، ويرد الجيش هو الآخر بقصف مدفعي وقصف المسيّرات على تمركزات «قوات الدعم السريع».

وخلال هذا الأسبوع، واصلت «قوات الدعم السريع» شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على عدة مدن وبلدات في ولايتي شمال وجنوب كردفان، خاصة مدن كادوقلي والدلنج والأبيض، لقي خلالها العشرات مصرعهم، من بينهم 6 من جنود قوات الأمم المتحدة في بعثة حفظ السلام «يونيسفا». وقصفت مسيّرات «الدعم السريع»، الخميس، مدينة «عطبرة» بشمال السودان، بأعداد كبيرة من المسيّرات الانتحارية، أودت بحياة خمسة أشخاص على الأقل، واستهدفت محطة الكهرباء بالمدينة، ما أدى لانقطاع التيار من عدد من ولايات البلاد.