«وي ديزاين بيروت»... جرعات من الإبهار بأنامل لبنانية

أكثر من 100 مصمم شارك فيه تحية للعاصمة الرائدة

الحرفي حسواني ينقش الخشب بأنامله (الشرق الأوسط)
الحرفي حسواني ينقش الخشب بأنامله (الشرق الأوسط)
TT

«وي ديزاين بيروت»... جرعات من الإبهار بأنامل لبنانية

الحرفي حسواني ينقش الخشب بأنامله (الشرق الأوسط)
الحرفي حسواني ينقش الخشب بأنامله (الشرق الأوسط)

فتحت بيروت ذراعيها متيحة لمجموعة من المصممين والمصممات إبراز رؤيتهم الإبداعية الخاصة بها. توزعوا على مساحات مختلفة من أحياء العاصمة ومبانيها التي تسكن ذاكرة الأجيال تحت عنوان: «نحن نصمم بيروت»، من بينها عمارة «برج المر» و«فيلا عودة» و«الحمامات الرومانية» و«بناية الاتحاد» ومصنع «أبرويان». أماكن زينها الفنانون بمنحوتات وصور فوتوغرافية، وأدوات إضاءة، وتجهيزات فنية وغيرها. فكانت بمثابة قصائد من نوع آخر، حاكت تاريخ المدينة بين الماضي والحاضر، ورسّخت الإبداع على سطح مدينة لم تفقد بريقها رغم محطات سوداء مرّت بها، فربحوا الرهان وصنعوا منها جوهرة نادرة، مطرّزة بأناملهم وأفكارهم غير التقليدية.

التجهيز الفني الخاص بالنساء العاملات في «سارزباغ» (الشرق الأوسط)

مساحات وتصاميم

كل مساحة من بيروت خُصصت للمعرض، حملت عنواناً يُشير إلى نوعية التصاميم فيها. «الحمامات الرومانية» وسط بيروت تحمل اسم «مياه وحجر»، وفيها تصاميم من الرخام لرانيا مالّي من تنسيق نور عسيران. وتعيد من خلالها تفسير تاريخ الموقع.

في حين تحتضن «بناية الاتحاد» معرضاً تحت عنوان «رحلة عبر العمارة والضوء». وهو بمثابة معرض استعادي لكريم نادر، يحوَّل خلاله المبنى موضوعاً وأداة في آن.

ويستضيف مبنى «برج المر» معرض «في صراع» لمجموعة من الطلاب المبدعين من 9 جامعات لبنانية؛ يبحث في كيفية تأثير الصراع على التجربة المكانية والشكل المعماري.

وفي «فيلا عودة» يقدم غريغوري غاتسيريليا «طواطم الحاضر والغائب»، تحية لمعرض «SMO» الرائد. وقد أسهم في إطلاق ورعاية كثيرين من أبرز أصوات التصميم في لبنان. ويستكشف هذا المعرض الذاكرة الشخصية والجماعية من خلال عدسة أعمال التصميم المعاصرة.

لوحة مصنوعة من قماش التول تمثّل أغصان شجرة (الشرق الأوسط)

مصنع «أبرويان»: إرث وأصوات جديدة

تحت عناوين عريضة وهي «خيوط الحياة» و«حرف فنية»، و«بشرة مدينة»، يستقبل مصنع «أبرويان» في منطقة برج حمود القسم الرئيسي من معرض «وي ديزاين بيروت» تحت اسم «إرث وأصوات جديدة».

تحتوي أقسامه على تجهيزات فنية ضخمة، وكذلك على أشغال يدوية شكّلت عرفاً متوارثاً على مر الأجيال. ويخصص مساحة للمنسوجات والتطريز والزجاج المنفوخ ومصنوعات القش والقصب وغيرها.

فلسطين تحضر من خلال جمعية «إنعاش»

من المحطات التي تستوقفك في مصنع «أبرويان» تلك المخصصة لفلسطين. تستحضرها جمعية «إنعاش» من خلال تصاميم الأزياء التقليدية لأهم مدنها. ومن بينها تلك الخاصة بغزّة والقدس والخليل وبيت لحم. وقد صمَّمها وخاطها مجموعة نساء في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

فستان تقليدي لنساء غزّة صنعته لاجئات فلسطينيات (الشرق الأوسط)

ويوضح مروان نعمان، من الجمعية المذكورة، أن هذا القسم هو بمثابة استعادة للأزياء التقليدية للنساء الفلسطينيات. ويتابع: «كل قطعة استغرقت نحو 8 أشهر من العمل، وجميعها من نوع الكانفاس المطرّز على اليد. ويتألّف كل زيّ مما يعادل الـ100 ألف قطبة وما فوق. كل زي تطبعه نوعية نسيج معينة. مجموعة ألوان تتراوح بين الأحمر والكحلي والأسود والبنفسجي». وعن الهدف من هذه التحية، يوضح مروان: «إنها مبادرة للحفاظ على إرث التطريز الفلسطيني وهويته الأصيلة».

حيكت الفساتين المعروضة بخيوط الحرير، ورسومات منمنمة تبرز جمالية اليد الحرفية التي صنعتها. كما تتلون بخيوط ذهبية لتؤلف أشكالاً مستوحاة من زهور حدائق يافا وغزة وبئر السبع.

عند مدخل المصنع يلفتك تجمّع من الكبار والصغار يتفرجون على حرفي يعمل في النجارة. اسمه نبيل حسواني ويعمل في مهنة النقش وتطريز الخشب منذ 55 عاماً، ومصنوعاته جميعها يدوية وتؤلف أسطح طاولات صغيرة. وكذلك طاولات النرد وصناديق المجوهرات. يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «هي كناية عن خلطة من خشب الجوز والمانغا والكوتو. يضاف إليها مادة البلاستيك وقشور الخشب الملوّن».

تكمل مشوارك في مصنع «أبرويان» حيث تحتل المنسوجات قسماً لا يستهان به من المعرض.

فالنسيج بمثابة لغة حياة تدلّ على حقبات وتواريخ وتقاليد وثقافات وحضارات مختلفة. فالقطعة المنسوجة لطالما شكّلت حكايات وروت قصصاً ذكريات، فكانت بمثابة شاهد على الهوية. وفي هذا القسم تتنافس قطع القماش المصنوعة على شكل كرة أرضية، وأخرى تبدو كنُصب تذكارية تتدلّى منها منسوجات قطنية متراصة، في حين على الحائط تعلّق لوحة خيطت بحبال من قماش التول الأبيض، وأخرى مغطاة بمنسوجات ملونة تنتصب وسط المعرض كالشجر.

ومن التجهيزات الفنية التي تروي حكاية ممتعة تستوقفك تلك الخاصة بنساء مؤسسة «سارزباغ». فهذه المؤسسة التي أسستها سارة بيضون تعتمد فيها على أنامل النساء فقط. وتفتخر بأنها تحمل توقيع «صنع في لبنان». وفي معرض «وي ديزاين بيروت» يرتفع تجهيز فني مصنوع من القماش كتحية لهنَّ. وتوضح إحدى المشرفات على هذا القسم: «ما ترينه هنا هو كناية عن مجموعة أغطية للطاولات مصنوعة بسنارة الكروشيه. وقد أخذتها النساء العاملات في (سارزباغ) من خزانتها. فهي تشكّل واحدة من أغراض (جهاز العروس) التي حملتها معها من بيت عائلتها إلى منزلها الزوجي. وهذا التجهيز الفني بمثابة تحية تكريمية لهن».

ومن بين تلك الأقسام قسم خاص بالمصمم اللبناني سليم عزّام، يتألّف من طابقين، يروي فيه قصة حبّه الطويلة مع الإبرة والخيط.

في وسط هذه القاعة الشاسعة تمتد طاولة خشبية. وتحمل مجلات «بوردا» وخرائط وخيوطاً وقصاصات ورق تحكي عن تاريخ فن الخياطة بشكل عام. وتتوزع عليها مطرزات مشغولة باليد. وأخرى تتألف من أدوات خياطة قديمة. وفي زاوية تقبع ماكينة خياطة قديمة كانت تستخدمها نساء القرية التي يتحدّر منها سليم لحياكة الأزياء.

شرشف طاولة مطرّز بيد عاملات في دار المصمم حسن إدريس (الشرق الأوسط)

وفي استوديو خاص يحمل اسم صاحبه مصمم الأزياء حسن إدريس تستمع إلى قصة إبداع جديدة. وتطالعك في وسطه طاولة مغطاة بشرشف مطرّز برسومات الزهور، تؤلّف أشكالاً تشبه الأطباق، وفي وسطها باقة ورود ملونة تضفي البهجة على الغطاء. وتروي أندريا المشرفة على هذا القسم: «إنها نموذج عما يتقنه المصمم حسن إدريس في عالم التصميم. فهو يشتهر بتطريز فساتين السهرات والأعراس. وهذا الاستوديو بمثابة ملحق يعرض هذا الفن».

في قسم جانبي للمصنع وما إن تدخله حتى تشعر بارتفاع درجات الحرارة، لتكتشف أنه مخصص لصناعة الزجاج المنفوخ من ناحية وكيفية تذويب مادة الزجاج في فرن خاص من ناحية ثانية. ولد بعمر الثانية عشرة يقوم بمهمة تطويع الزجاج ونفخه. وبقربه يقف والده الذي يعرّف عن نفسه: «اسمي بطرس وأعمل في هذه المهنة منذ كنت صغيراً. ورثتها عن والدي، وقد علّمتها لابني. إنه إرثٌ نتغنَّى به ونحافظ عليه بوصفه مهنة أساسية في العائلة».


مقالات ذات صلة

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

يوميات الشرق استعرضت بعض اللوحات أساليب مبتكرة في التكوين (الشرق الأوسط)

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

احتفاءً بالخط العربي بوصفه فناً أصيلاً يحمل بين ثناياه دعوة للسلام، والانسجام الإنساني، أطلقت مصر الدورة العاشرة من «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)

القاهرة تحتفي برائد الفن السعودي عبد الحليم رضوي

يُصاحب معرض رضوي تقديم أعمال نخبة من رواد وكبار التشكيليين المعاصرين في المملكة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

لم يعد سؤال صنّاع السينما يدور حول عدد العناوين، بل حول أيّ الروايات تصلح لأن تُروى على الشاشة...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)

معرض «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور»... عود على بدء

تستخدم ندى صحناوي الألوان الزاهية، بالإضافة إلى الأسود والأبيض. وفي قوالب الزهور الحمراء والبيضاء، يخال للناظر إليها أنها تُشبه كعكة عيد...

فيفيان حداد (بيروت)

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.


آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
TT

آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

احتشد آلاف الأشخاص ورقصوا حول «ستونهنج» في إنجلترا، بينما ارتفعت الشمس فوق الدائرة الحجرية ما قبل التاريخ، اليوم (الأحد)، في الانقلاب الشتوي.

وتجمعت الحشود، العديد منهم مرتدون زي الدرويد والمشعوذين الوثنيين، قبل الفجر، منتظرين بصبر في الحقل البارد والمظلم في جنوب غربي إنجلترا. وغنى بعضهم، وضربوا الطبول، بينما أخذ آخرون وقتهم للتأمل بين الأعمدة الحجرية الضخمة.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

يقوم كثيرون بزيارة هذه الدائرة الحجرية كل صيف وشتاء، معتبرين ذلك تجربة روحية. ويعد النصب القديم، الذي بني بين 5000 و3500 سنة مضت، مصمماً ليتوافق مع حركة الشمس خلال الانقلابات، وهي تواريخ رئيسية في التقويم بالنسبة للمزارعين القدماء.

وقالت منظمة إنجلش هيريتاج، المسؤولة عن إدارة «ستونهنج»، إن نحو 8500 شخص احتفلوا يوم السبت بالموقع في سالزبوري بلين، على بعد نحو 75 ميلاً (120 كيلومتراً) جنوب غربي لندن. وأضافت أن البثّ المباشر للاحتفالات جذب أكثر من 242 ألف مشاهدة من جميع أنحاء العالم.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

واليوم (الأحد)، هو أقصر يوم في السنة شمال خط الاستواء، حيث يشير الانقلاب الشتوي إلى بداية الشتاء الفلكي. أما في نصف الكرة الجنوبي، فهو أطول يوم في السنة ويبدأ الصيف.

ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تصنع الشمس أقصر وأدنى قوس لها، لكن العديد من الأشخاص يحتفلون به كوقت للتجديد، لأن الشمس بعد يوم الأحد ستبدأ بالارتفاع مجدداً، وستزداد مدة النهار يوماً بعد يوم حتى أواخر يونيو (حزيران).


«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
TT

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

يقدّم الفيلم العراقي «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل، مدينة الجراح المفتوحة، بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن العراق وصراعاته، فبعد نجاح فيلمه السابق «لا مكان للاختباء» وما تركه من أثر عاطفي ثقيل عليه، كان المخرج يؤكد لنفسه أنه لن يصوّر في المنطقة مرة أخرى.

لكن المُوصل كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أعادت جذبه ببطء حين رأى الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب مع تنظيم «داعش»، وواجه أسئلة لم يتمكن من تجاهلها حول كيفية سقوط مدينة بهذا التاريخ أمام 800 مقاتل فقط، وكيف يحاول سكانها اليوم النهوض من جديد.

الفيلم الذي حصد التانيت الفضي للفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، بتونس، بدأت رحلة مخرجه من فكرة مختلفة تماماً، إذ كان يبحث عن تحفة أثرية، تُعرف باسم «بطارية بغداد»، ظنّ أنها سُرقت بعد عام 2003، قبل أن يكتشف وجودها في قبو المتحف الوطني.

وثّق الفيلم جانباً من الأضرار التي لحقت بالموصل (الشركة المنتجة)

لكن زيارة إلى الموصل بدّلت مسار الفيلم، ففي أحد الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، وقف أمام منزل دُمر بالكامل، ولم يبقَ منه سوى بوابة رخامية، يعلوها أسدان منحوتان، كأنهما الحارسان الأخيران لزمنٍ مضى، هذا المشهد كان كافياً ليقرر أنه أمام قصة أكبر من مجرد بحث أثري، بل أمام ذاكرة مدينة بأكملها.

تعرف أحمد خلال تلك الرحلات إلى بشّار، الصياد ابن الموصل وصاحب المنزل المدمر، 4 أجيال من عائلته عاشت في ذلك البيت، واليوم لم يبقَ لهم سوى هذين الأسدين، في نظر بشّار لم يكونا حجارة، بل كانا امتداداً لعائلته، لذكرياته، لروحه كلها، يذهب يومياً إلى الأطلال ليحرسهما، ويواجه محاولات سرقة متكررة، ويقاوم شعوراً لا ينتهي بأن الدولة تخلّت عنه، وأن مدينته فقدت القدرة على ضمّه، مأساته في الفيلم ليست فقدان منزل فقط، بل فقدان هوية، وفشل محاولات الإقناع بأن الوقت قد حان للبدء من جديد.

رصد الفيلم جوانب مختلفة من الحياة في الموصل (الشركة المنتجة)

وفي مقابل بشار، يظهر فخري، الشخصية التي تضيف بعداً مختلفاً للفيلم، رجلاً ستينياً، جمع على مدى سنوات أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية أنقذها من بيوت مهجورة وبقايا خراب الحرب، وحوّل منزله إلى متحف مفتوح للناس، باع سيارته، ومقتنيات زوجته، ومدخراته كلها ليحافظ على جزء من هوية الموصل. في البداية، كان يحلم بأن يضم باب منزل بشّار إلى مجموعته، معتقداً أنه يحمي تاريخ المدينة من الضياع.

لكن مع الوقت تبدأ تحولات داخلية عميقة تظهر في شخصيته، خصوصاً حين يواجهه صديقه الموسيقار فاضل بأن التاريخ ليس سلعة، وأن ما تبقى لبشّار ليس حجراً بل حياته نفسها، فيصبح هذا الصراع الإنساني بين رجلين يحبان مدينتهما على طريقتين مختلفتين محوراً أساسياً ينبني عليه الفيلم.

أما فاضل، الموسيقار الذي عاش 3 سنوات من الرعب تحت حكم «داعش»، فكان يخفي آلته الموسيقية خشية إعدامه. يخرج اليوم إلى الشارع، يعزف وسط الأنقاض، يعلّم جيلاً جديداً من الشباب ومعظمهم من الفتيات ويعيد الموسيقى إلى مدينة حاول التطرف أن يخنق صوتها، وجوده في الفيلم لا يقدّم بعداً موسيقياً جمالياً فقط، بل يعكس التغيّر الأعمق الذي عاشته الموصل بعد التحرير، انفتاحاً ثقافياً مفاجئاً وغير متوقع، وعودة للحياة المدنية من خلال الفن، لا السياسة.

التصوير كان رحلة محفوفة بالمخاطر كما يؤكد المخرج، فالكاميرا في العراق ليست موضع ترحيب، الناس يخشونها، السلطات تشك فيها، والمخابئ والممرات تحت الأرض كانت لا تزال مليئة بالألغام وبقايا العبوات، كثيراً ما أوقفته الشرطة أو اتهمه البعض بالتجسس، بينما كان يحاول الحفاظ على سلامة فريقه وسلامة الشخصيات التي ترافقه داخل أحياء مهدمة. ومع ذلك، كان الإحساس بأن الوقت ضيق والمدينة تتغير بسرعة دافعاً له للاستمرار، كما لو أنه يصوّر آخر فرصة لتوثيق ما تبقى من ذاكرة شفافة قبل أن تذوب.

خلال 5 سنوات من العمل، جمع المخرج أكثر من 600 ساعة تصوير، لم يكن يعتمد على سيناريو ثابت، بل على تطور القصة من قلب الواقع، وعلى اللحظة التي يلتقطها بعفوية، وعلى مشاهد تنشأ من الصمت أو من جملة يقولها بشّار أو فخري أو فاضل. ولهذا يبدو الفيلم حياً، غير مشكَّل مسبقاً، أقرب إلى تسجيل نبض مدينة تبحث عن روحها.

عودة الروح والموسيقى إلى الموصل بعد تحريرها من أيدي «داعش» (الشركة المنتجة)

يمتد أثر الفيلم إلى ما يتجاوز الشخصيات، فالموصل التي يظهرها أحمد ليست مجرد مدينة مدمرة، بل مدينة تحاول استعادة معمارها وروحها وذاكرتها، حيث نساء يخرجن إلى الساحات من جديد، فنانون يعيدون افتتاح المسرح، موسيقيون يدرّبون أطفالاً صغاراً، ومتحف وطني يُرمَّم بعد أن دمّره «داعش»، كل تفصيلة تتحرك داخل الفيلم باعتبارها جزءاً من سؤال أكبر؛ هل يمكن لمدينة فقدت كل شيء أن تستعيد هويتها؟ وهل يستطيع الإنسان أن يشفى من ذاكرة الحرب؟

ورغم أن الموصل اليوم أكثر أماناً، فإن المخرج يذكّر بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، ويرى أن المدينة مثل مرآة للمنطقة كلها، وأن ما يحدث فيها يعكس ما يمكن أن يحدث في مدن أخرى إذا تُركت بلا دعم حقيقي أو دون إعادة بناء للثقة والوعي والانتماء.