تصعيد حوثي باقتحام مكتب غروندبرغ... وتحذير غربي من عرقلة الإغاثة

مخاوف من استغناء المنظمة الدولية عن الموظفين المعتقلين

موالون للجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء حيث تتصاعد الحملات القمعية ضد الموظفين الأمميين (إ.ب.أ)
موالون للجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء حيث تتصاعد الحملات القمعية ضد الموظفين الأمميين (إ.ب.أ)
TT

تصعيد حوثي باقتحام مكتب غروندبرغ... وتحذير غربي من عرقلة الإغاثة

موالون للجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء حيث تتصاعد الحملات القمعية ضد الموظفين الأمميين (إ.ب.أ)
موالون للجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء حيث تتصاعد الحملات القمعية ضد الموظفين الأمميين (إ.ب.أ)

حذر مصدر غربي مطلع من مغبة الإجراءات التي يجريها الحوثيون ضد موظفي الإغاثة ومكاتب المنظمة الدولية وأصولها. واستدل المصدر بأن غالبية المستفيدين من عمليات الأمم المتحدة في اليمن الذين يتجاوز عددهم 19 مليون شخص، يعيش معظمهم في مناطق تسيطر عليها الجماعة في اليمن.

وقال المصدر: «إذا توقفت العمليات، فسيصبح الوضع صعباً للغاية، بل وأكثر صعوبة في عكس مساره... يجب السماح للأمم المتحدة بمواصلة عملياتها المنقذة للحياة واستجابتها الإنسانية القائمة على المبادئ دون تدخل أو خوف على سلامة موظفيها».

يأتي ذلك في وقت تُعكس فيه وتيرة التحدي والتصعيد المستمر ضد الأمم المتحدة، حيث اقتحمت الجماعة الحوثية مكاتب تابعة للمنظمة الدولية في صنعاء، واعتقلت دفعة جديدة من الموظفين المحليين بينهم امرأتان، غداة تعيين الأمين العام للأمم المتحدة مسؤولاً رفيعاً لقيادة وتعزيز جهود المنظمة الرامية إلى إطلاق سراح موظفيها المحتجزين ومنع احتجازهم مستقبلاً.

وقال المصدر الغربي: «هذا الهجوم ممنهج ولا يستهدف فقط الأشخاص كما تدعي الجماعة، وهو صادر من أعلى هرم في قيادتها».

ورغم الاقتحام، لم يتم خطف موظفين من مكتب المبعوث الأممي لليمن باستثناء موظف واحد تم احتجازه في يونيو (حزيران) 2025، وما زال محتجزاً حتى الآن.

ووفق مصادر في الحكومة اليمنية، أشرف القياديان الحوثيان محمد الوشلي وصقر الشامي على اقتحام مكتب المبعوث الخاص لليمن هانس غروندبرغ ومكتب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، كما اعتقلوا دفعة جديدة من الموظفين المحليين.

وكان فرحان حق المتحدث باسم الأمم المتحدة قال إن إجراءات الحوثيين ضد موظفي المنظمة الدولية «تشمل الاقتحام القسري واحتلال مقارّ الأمم المتحدة، والاستيلاء على الأصول، والاحتجاز التعسفي المتكرر لموظفي الأمم المتحدة، حيث لا يزال 55 منهم رهن الاحتجاز، بينهم اثنان تم احتجازهما (يوم السبت)».

وعدّ مصدر في صنعاء هذه الخطوة تحدياً وردّاً على إعلان الأمم المتحدة اختيار معين شريم، المساعد السابق للمبعوث الأممي إلى اليمن، لقيادة وتعزيز الجهود لمتابعة قضية اعتقال الحوثيين للعشرات من الموظفين المحليين، على أن يتولى مهمة إعادة النظر في قواعد عمل المكاتب الأممية في تلك المناطق، بما يضمن إطلاق سراح الموظفين وعدم التعرض لهم مرة أخرى.

وبحسب المصدرين الحكومي والغربي، فإن الحوثيين صادروا محتويات المكتبين وخوادم التخزين الرقمية لكاميرات المراقبة، وتمركزوا فيهما كما فعلوا مع بقية المكاتب الأخرى من قبل، كما استأنفوا حملة الاعتقالات بحق موظفين إضافيين لدى مكاتب الأمم المتحدة، ومن بينهم موظفة علاقات عامة لدى برنامج الأغذية العالمي كانت تتلقى العلاج بعد عملية ولادة مبكرة، حيث داهمت عناصر الشرطة النسائية الحوثية المعروفة باسم «الزينبيات» منزلها، وتم اقتيادها إلى جهة مجهولة.

ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مسؤول حوثي تأكيده أنه «تم توقيف امرأتين تعملان في برنامج الأغذية العالمي من منزليهما، السبت، كما تم توقيف رجل يمني يعمل في المنظمة نفسها مساء السبت».

وزعم المصدر في حديثه للوكالة، أنه لا تزال لدى الجماعة قائمة لم تنتهِ في توقيف المتورطين بالتخابر مع إسرائيل وأميركا.

اقتحام الحوثيين لمكتب المبعوث الأممي يضعف آمال استئناف مسار السلام (إعلام محلي)

ويقرأ المصدر من صنعاء إقدام الحوثيين على هذه الخطوة بعد يوم واحد فقط من تكليف شريم بقيادة جهود الأمم المتحدة للإفراج عن موظفيها المعتقلين، بمثابة انتقاص من القرار الأممي الذي تعدّه الجماعة «خطوة شكلية»، وقال المصدر الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: «المشكلة أعمق من مجرد تعيين مبعوث أو وسيط، لأن الحوثيين لا يعترفون بأي التزامات دولية».

مخاطر متعددة

بالتزامن مع هذه التطورات، دعا ناشطون يمنيون، الموظفين المحليين الحاليين والسابقين لدى الأمم المتحدة أو المنظمات الإغاثية، إلى سرعة مغادرة مناطق سيطرة الحوثيين، لأنهم سيكونون عرضة للاعتقال.

واتهم الناشطون الأمم المتحدة بالتخلي عن المعتقلين المحليين، وقالوا إنه وبمجرد أن احتجز الحوثيون موظفين أجانب تابعين للأمم المتحدة، جنّ جنون العالم وسارع إلى إطلاق سراحهم، أما الموظفون المحليون فلا أحد يهتم لأمرهم.

وأكدت مصادر مطلعة في صنعاء أن مكاتب الأمم المتحدة، وعلى الأخص برنامج الغذاء العالمي، تفكر جديّاً في تسريح الموظفين المعتقلين لدى الحوثيين وإنهاء عقودهم.

تقديرات بأن عدد المعتقلين لدى الحوثيين من موظفي الأمم المتحدة يزيد على 60 شخصاً (إ.ب.أ)

وذكرت المصادر أن البرنامج أنهى عقود 4 موظفين حاليين غير معتقلين، ما يفقدهم الحماية الأممية، ويجعلهم عرضة فورية للاعتقال من قبل الحوثيين.

وبحسب عاملين في مجال الإغاثة، فإن مثل هذا الإجراء يمثل تنصلاً واضحاً من المسؤولية، ومحاولة للتهرب من التبعات القانونية والمالية والأخلاقية، ويجعل الموظفين المحليين المعتقلين منهم، أو من لم يُعتقلوا في مواجهة مباشرة مع تهم خطرة؛ مثل «التجسس والعمالة لإسرائيل»، وهي تهم زائفة تُستخدم عادة لتبرير إصدار الحوثيين أحكاماً بالإعدام، أو السجن لسنوات طويلة.

وطالب الناشطون اليمنيون الأمم المتحدة بالتراجع فوراً عن قرار فصل الموظفين، أو التفكير في تسريح المعتقلين، وتفعيل وضعهم الوظيفي، وتوفير الحماية القانونية والدعم النفسي اللازم لهم.

ورأوا أن التفكير الجدي في فصل الموظفين المعتقلين، يمثل ضربة قاضية لمبدأ الحياد الإنساني، ويؤكد أن المنظمة لم تعد قادرة على حماية أولئك الذين يحملون رايتها في أخطر بقاع الأرض، ووصفوه بأنه اختبار لمصداقية المنظمة الأممية في التعامل مع أشد الانتهاكات في حقوق موظفيها.

تهديدات متصاعدة

في خضم هذه الانتهاكات، أكدت الجماعة الحوثية أنها تعكف على مراجعة وتقييم الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع المنظمات الدولية، وإعادة النظر فيها، للتعامل مع المستجدات والمهددات أمنياً وسياسياً، لضمان تعزيز الإشراف على الأنشطة الإنسانية، وعدم تكرار حادثة استهداف حكومتها الانقلابية.

وأعاد الحوثيون ترديد المزاعم التي نفتها الأمم المتحدة والحكومة المعترف بها دولياً، بأن بعض الموظفين شاركوا في استهداف حكومتهم من خلال رصد الاجتماع الحكومي وإبلاغ تل أبيب ومواكبة العملية.

الجماعة الحوثية تسعى للسيطرة الكلية على الإغاثة وتوجيهها لخدمة أنصارها (إعلام محلي)

وادّعت الجماعة المتحالفة مع إيران أنها ضبطت لدى المكاتب الأممية «أجهزة ووسائل رصد واستهداف وأجهزة تقنية لاختراق الاتصالات الوطنية وإمكانات تجسسية تستخدمها أجهزة الاستخبارات العالمية».

من جهته، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، إن الجماعة تواصل تصعيد حملتها التحريضية الممنهجة ضد موظفي الأمم المتحدة ووكالاتها الإغاثية والمنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها، «عبر فبركة التهم وتلفيق الأكاذيب، في إطار مخطط واسع لتضليل الرأي العام المحلي وتبرير حملات الاختطاف والإخفاء القسري بحق العاملين في المجال الإنساني».

ورأى الوزير في تصريح رسمي، أن الادعاءات الحوثية تأتي امتداداً لحملة التحريض التي شنها قادة الجماعة باتهام الأمم المتحدة وموظفيها بالتجسس، مؤكداً أن هذه المزاعم «تكشف عن نية مبيتة لإخضاع المنظمات الدولية لابتزاز الميليشيا السياسي والمالي».


مقالات ذات صلة

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، يوم الأحد، الشركاء في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى «تغليب الحكمة ولغة الحوار».

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي 49 % من اليمنيين الخاضعين للحوثيين يخفضون غذاء البالغين لصالح الأطفال (الأمم المتحدة)

بيانات أممية: 35 % من اليمنيين الخاضعين للحوثيين تحت وطأة الجوع

فيما يواصل الحوثيون استهداف المنظمات الإغاثية الأممية والدولية والعاملين فيها، كشفت بيانات أممية حديثة عن تفاقم مقلق لأزمة الجوع في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

إدانة أممية شديدة لاعتقال الحوثيين 10 موظفين إضافيين، ورفع عدد المحتجزين إلى 69.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مأرب تضم أكثر من 209 مخيمات مكتظة بالأسر النازحة (إعلام حكومي)

مأرب تشكو نقص المساعدات وضغط النزوح الإضافي من الشرق

تشهد محافظة مأرب اليمنية تصاعداً مقلقاً في موجات النزوح المقبلة من حضرموت والمهرة، في ظل التطورات الأمنية والعسكرية الأخيرة، ما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي يشيد بجهود السعودية والإمارات في خفض التصعيد شرق اليمن

أشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، بجهود السعودية والإمارات في احتواء التصعيد وخفض التوتر بالمحافظات الشرقية

«الشرق الأوسط» (عدن)

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
TT

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، يوم الأحد، الشركاء في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى «تغليب الحكمة ولغة الحوار».

وأوضح مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي دعا كذلك إلى «تجنيب الشعب اليمني والأمن الإقليمي والدولي، تهديدات غير مسبوقة، وعدم التفريط بالمكاسب المحققة خلال السنوات الماضية بدعم من تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، وفي المقدمة مكاسب القضية الجنوبية العادلة».

وقال المصدر إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وجّه «باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية بحق أي تجاوزات تمس وحدة القرار، أو تحاول فرض أي سياسات خارج الأطر الدستورية، ومرجعيات المرحلة الانتقالية».

وشدّد على أن «القيادة السياسية الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي هي الجهة الوحيدة المخولة بتحديد المواقف السياسية العليا للدولة، وبالتالي فإن استغلال السلطة، واستخدام الصفة الوظيفية، أو المنصب الرسمي لتحقيق مكاسب سياسية، يعد خرقاً جسيماً للدستور والقانون».

كما نقل المصدر عن العليمي دعوته «كافة المكونات السياسية، وأبناء الشعب اليمني، الالتفاف حول مشروع الدولة الوطنية، وحشد كافة الطاقات نحو معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإسقاط انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، وإنهاء المعاناة الإنسانية».


وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

وأضاف عبد العاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية جنوب السودان مونداي سيمايا كومبا أن مصر ليست لديها أي مشكلات مع دول حوض النيل «باستثناء دولة واحدة في حوض النيل الشرقي»، في إشارة إلى إثيوبيا.

وافتتحت إثيوبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي «سد النهضة» الضخم على نهر النيل الذي بدأت تشييده في 2011، وهو مشروع بلغت تكلفته مليارات الدولارات، وتعدّه مصر تهديداً لحقوقها التاريخية في مياه أطول أنهار أفريقيا.

من جانب آخر، قال وزير الخارجية المصري إنه ناقش مع نظيره في جنوب السودان أهمية الوصول إلى تهدئة في السودان، والتوصل لهدنة إنسانية وإطلاق عملية سياسية شاملة.

ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023 أشعلها صراع على السلطة خلال مرحلة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً)، بنسبة زيادة 42.8 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2024، وبينما تحتفي الحكومة والبنك المركزي، بزيادة التحويلات التي تعدّ أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، يرى خبراء أنها «تظل غير كافية لسد احتياجات الدولة من النقد الأجنبي».

ووجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحكومة والبنك المركزي إلى زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، خلال اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، الأحد.

ووفق عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب محمود الصعيدي، فإن «أي زيادة في تحويلات المصريين بالخارج تعني زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، ما يمكِّنها من زيادة احتياطاتها من النقد الأجنبي، الذي وصل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 50.215 مليار دولار».

وأشار الصعيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر النقد الأجنبي الأخرى وهي السياحة، وقناة السويس، والاستثمار، والتصدير تشهد تحسناً هي الأخرى».

مؤتمر مصري يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج... أغسطس الماضي (وزارة الخارجية المصرية)

ووفق البنك المركزي، حقَّقت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «تدفقات قياسية خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2025، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، لتسجِّل نحو 33.9 مليار دولار، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق».

وأضاف البنك المركزي، في بيان الأحد، «على المستوى الشهري، ارتفعت التحويلات خلال شهر أكتوبر 2025 بمعدل 26.2 في المائة، لتسجل نحو 3.7 مليار دولار، مقابل نحو 2.9 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2024».

وبينما يعدّ النائب البرلماني زيادة تحويلات المغتربين إنجازاً يُحسب للحكومة، التي «استطاعت القضاء على السوق السوداء، وأصبحت تحويلات المصريين بالخارج تتدفق عبر القنوات الرسمية»، يشكك خبيرا الاقتصاد خالد الشافعي ووائل النحاس في «قدرة هذه التحويلات على سد احتياجات الدولة من العملة الصعبة».

واتخذت الحكومة في مارس (آذار) 2024، قراراً بتعويم الجنيه، ارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى 50 جنيهاً بعدما كان يسجل نحو 30 جنيهاً، وانعكس ذلك على تحجيم السوق السوداء للعملة الصعبة.

ويرى الشافعي أن زيادة تحويلات المصريين تظل دون المأمول، وغير قادرة هي أو المصادر الأخرى للدولار على سد احتياجات مصر من العملة الصعبة، «ما دام هناك دين على الدولة، وعجز في الموازنة العامة، فذلك يعني أن الأزمة ما زالت قائمة».

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الرُّبع الثاني من العام، أي يونيو (حزيران) الماضي، وفق بيانات رسمية.

وزير العمل المصري يلتقي الجالية المصرية في إيطاليا خلال زيارته... ديسمبر 2025 (وزارة العمل المصرية)

يتفق معه الخبير الاقتصادي وائل النحاس، قائلاً إن «تحويلات المصريين في الخارج تحقق نوعاً من الوفرة في المعروض النقدي بالسوق المصرية، تكفي لسد فوائد الدين، لكن لا تكفي لسد أصل الدين، أو تقلل حجم الأزمة الاقتصادية، التي تحتاج إلى زيادة موارد الدولة الدولارية التي تقوم بالأساس على نشاط خاص بها مثل عوائد قناة السويس، أو تصدير معادن وغيرها، أو نتاج صناعة وطنية».

وعدّ النحاس أن «البيانات الرسمية مرة تتحدث عن التحويلات بالسنة المالية، وأخرى بالسنة الميلادية، في محاولة للتركيز على هذه الزيادات بوصفها إنجازاً».

ويتساءل النحاس: «بالنظر إلى عدد المصريين العاملين في الخارج لو قدرناه بـ10 ملايين مصري، فيعني أن متوسط التحويل من كل مصري شهرياً نحو 300 دولار، والتي يحولها عادة لأهله في الداخل، فأين ادخارات هؤلاء؟»، مشيراً إلى أن «حجم التحويلات مقارنة بأعداد المصريين يكشف عن أن جزءاً منهم ما زال يفضِّل قنوات أخرى لادخار أمواله».

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء.

أما الشافعي، فيرى أن الحكومة تحتاج إلى العناية بملف المغتربين بصورة أكبر، سواء من خلال طرح أوعية ادخارية واستثمارية لاجتذابهم بعوائد مرتفعة، أو تقديم تسهيلات على الاستثمار وفتح مشروعات متوسطة وصغيرة، بالإضافة إلى العمل على زيادة أعدادهم ومعها زيادة الموارد الدولارية.

وظهرت توجهات حكومية لافتة خلال الشهور الماضية لفتح أسواق عمل للعمالة المصرية، حيث زار وزير العمل المصري محمد جبران قبل يومين إيطاليا «لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التشغيل، والتدريب المهني، ونقل العمالة»، وفق بيان للوزارة. ويرى الشافعي أن هذا التوجه «جاء متأخراً».

وزير الخارجية المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (وزارة الخارجية)

ويقول الشافعي: «غالبية المصريين في الخارج سافروا بجهودهم الشخصية، ولم تعمل الحكومة سابقاً بشكل فعال في هذا الملف»، مطالباً بإنشاء مراكز تأهيل للمصريين الذين يرغبون في العمل بالخارج بداية من العامل، وحتى رئيس مجلس الإدارة، والعلماء، وفتح أسواق لهذه العمالة. وعلق: «وقتها ستقفز التحويلات إلى 100 مليار دولار وأكثر وليس فقط 39».

ويتخوف النحاس من أن «زيادة تحويلات المغتربين وموارد السياحة وكلها موارد رغم أهميتها في تحقيق وفرة دولارية في السوق، لكنها تظل غير متينة، وقابلة لأن تشهد هزات في أي وقت، ومعها عودة أزمة العملة الصعبة».

بالتزامن، وجَّه الرئيس المصري الحكومة، الأحد، إلى «تسريع مسار الاستدامة المالية، وتعزيز الانضباط المالي، وتحسين هيكل المديونية، والتركيز على زيادة مستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي».