أطلق نواب في «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة الأولى في البرلمان)، بالجزائر، مشروعاً لتعديل قانون الجنسية يتناول إسقاط الجنسية ممّن تثبت ضده تهمة «الإضرار بمصلحة الدولة أو إظهار ولاء لدولة أجنبية والخيانة». وجاءت هذه الخطوة بعد نحو شهر على تصريح للرئيس عبد المجيد تبون قال فيه خلال مقابلة صحافية بثها التلفزيون العمومي إن الجزائر «باتت مخيفة للبعض»، داعياً إلى «التعاون ضد خاين الدار».

وأعلن عضو «المجلس الشعبي الوطني»، هشام صفر، لوسائل إعلام محلية عن إيداع مقترح لتعديل قانون الجنسية بمكتب المجلس نهاية الأسبوع الماضي، بغرض دراسته وبرمجته للمناقشة ثم التصويت عليه. وجرت المبادرة به، حسبه، باسم مجموعة من النواب ينتمون إلى حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الموالي لسياسات الرئيس. وأوضح البرلماني أن التشريع الجزائري يتيح مثل هذا الإجراء، مستنداً إلى المادة 36 من الدستور التي تنص على شروط التجريد من الجنسية.
«خاين الدار»
وجاء تصريح الرئيس تبون بشأن «خاين الدار»، في سياق حديثه عن تحديات واجهتها الجزائر نتيجة مواقفها من أحداث ذات بُعد عالمي، على رأسها العدوان الإسرائيلي على غزة. وأوضح أن هناك «جهاتٍ تضمر الشر للجزائر»، داعياً إلى «تعبئة وطنية لمواجهة هذه الأطراف ومحاولات التخريب المنطلقة من الداخل»، من دون تقديم تفاصيل أكثر. وأثار تصريح الرئيس، بشكل مباشر، قلق السلطات من أنشطة معارضين في الخارج متابعين بتهم «الإرهاب»، بينهم ناشطون ومؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي. ويُلاحظ أن الخطاب الرسمي الجزائري، منذ تولي الرئيس تبون الحكم في أواخر عام 2019، يتضمن باستمرار تحذيرات من «مؤامرات خارجية» ومن «عناصر داخلية يُشتبه في تواطئها معها».

ويشمل قانون صدر في يونيو (حزيران) 2025 يتعلق بـ«التعبئة العامة»، جزئياً، نصوصاً تحذر من «التآمر» وتجرم تهمة «الخيانة والعمالة». ومن بين مجموعة تدابيره، التي تهدف إلى تعزيز الجاهزية الوطنية لمواجهة أي خطر محتمل يهدد استقرار البلاد واستقلالها وسلامتها الترابية، تم إدراج عقوبة السجن وغرامة مالية في حال عدم «التبليغ عن أي رعية من دولة معادية موجود فوق التراب الوطني». وصدر هذا القانون في ظل توترات حادة مع دول الساحل الأفريقي، اندلعت بعد إسقاط سلاح الجو الجزائري طائرة مُسيَّرة مالية مطلع أبريل (نيسان) الماضي، بالحدود المشتركة. وبعد ثلاث سنوات، يعود في الجزائر الحديث عن «إسقاط الجنسية عن مرتكبي بعض الأفعال الخطيرة»، بعد أن طرحته الحكومة أول مرة عام 2021 قبل أن تتخلى عنه سريعاً في العام نفسه.
وقد نص مشروع التعديل الذي تداوله مجلس الحكومة، على إمكانية إسقاط الجنسية الجزائرية، سواء كانت مكتسبة أو أصلية، «عن كل مواطن يرتكب في الخارج أفعالاً من شأنها أن تلحق ضرراً جسيماً بمصالح الدولة أو بالوحدة الوطنية، أو يظهر ولاءً لدولة أجنبية مع الاستمرار في التنصل من ولائه للدولة الجزائرية».
كما نص على تطبيق الإجراء نفسه بحق «كل مَن يقدم خدمات لدولة أخرى بقصد الإضرار بمصالح الجزائر، أو يعمل لحساب قوات عسكرية أو أمنية أجنبية ويواصل تقديم الدعم لها رغم تحذير الحكومة الجزائرية له».
واستهدف مشروع القانون أيضاً الجزائريين «الذين يتعاملون مع دولة أو كيان معادٍ، أو الذين ينشطون داخل جماعة أو منظمة إرهابية أو تخريبية، أياً كان شكلها أو اسمها، أو يمولونها أو يروَجون لها بما يضر بمصالح الدولة»، والمقصود بذلك، حسب مراقبين، «حركة الاستقلال الذاتي للقبائل» و«حركة رشاد»، اللتين يصفهما قانون العقوبات «تنظيمَين إرهابيَين». وأشار النص أيضاً إلى إمكانية إسقاط الجنسية المكتسبة إذا ارتُكبت الأفعال نفسها داخل الجزائر.
«سوء فهم»
وقد عبّر الحراك الشعبي في مظاهراته قبل أن تتوقف في العام نفسه (2021)، عن رفضه الشديد لهذا القرار. وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون يومها، خلال مقابلة صحافية، أنه أمر بإلغاء مشروع القانون، موضحاً أنه «أثار سوء فهم لدى عامة الناس». كما قال إن «أقلية الأقليات لا يمكن أن تدفعنا إلى سن قانون لا يهم الجزائريين»، في إشارة فُهم منها أن رئيس الوزراء السابق عبد العزيز جراد، أطلق المشروع دون العودة إلى الرئيس.
وفي السياق نفسه، قدم وزير الاتصال السابق عمار بلحيمر، توضيحاً حول التعديلات، بقوله إنها «ستطبق على الجزائري المقيم خارج التراب الوطني إذا ثبت تورطه في أفعال تلحق عمداً ضرراً جسيماً بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية»، مشيراً إلى أن النص القانوني يخص «كل مَن ينخرط أو ينشط في الخارج ضمن جماعة أو منظمة إرهابية أو تخريبية، أو يقوم بتمويلها أو الدعاية لصالحها، وكذلك كل من يتعامل مع دولة معادية للجزائر».
كما قال إن «كل هذه الإجراءات تستند إلى ما تسمح به الاتفاقيات الدولية، بعد استنفاد جميع إجراءات الطعن». وقد رد المحامي والحقوقي الشهير مقران آيت العربي، يومها، على المبادرة الحكومية، مؤكداً أنه «مهما بلغت خطورة الجرائم التي يرتكبها حامل الجنسية الأصلية، فإنه لا يمكن سحب الجنسية منه، لأن الجزائري الأصيل يفضل أن يُعدم بسبب الجرائم التي ارتكبها، لكنه يرفض أن تُسحب منه الجنسية التي استُشهد من أجلها آباؤه وأجداده».




