«الفيدرالي» يرقص على حبل التوازن بين التضخم والركود

خفض شبه مؤكد للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ظل ضبابية البيانات بسبب الإغلاق الحكومي

مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» يستمع إلى الموظفين الحاضرين في اجتماع حول شفافية اختبارات الإجهاد (الاحتياطي الفيدرالي)
مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» يستمع إلى الموظفين الحاضرين في اجتماع حول شفافية اختبارات الإجهاد (الاحتياطي الفيدرالي)
TT

«الفيدرالي» يرقص على حبل التوازن بين التضخم والركود

مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» يستمع إلى الموظفين الحاضرين في اجتماع حول شفافية اختبارات الإجهاد (الاحتياطي الفيدرالي)
مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» يستمع إلى الموظفين الحاضرين في اجتماع حول شفافية اختبارات الإجهاد (الاحتياطي الفيدرالي)

يقف «الاحتياطي الفيدرالي» على أعتاب اجتماع «محوري» للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، وسط توقعات شبه مؤكدة بخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس، ليصبح النطاق المستهدف الجديد بين 3.75 في المائة و4 في المائة، وهو الأدنى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2022.

هذا الخفض المتوقع يأتي استكمالاً لقرار سبتمبر (أيلول) الماضي، حين خفّض «الاحتياطي الفيدرالي» الفائدة بواقع 25 نقطة أساس أيضاً، ويؤكد دخول «الاحتياطي الفيدرالي» في مرحلة «التيسير النقدي» بعد حملة تشديد استثنائية.

ورغم أن النتيجة تبدو شبه محسومة، فإن الأهمية الحقيقية تكمن في مدى قدرة البنك المركزي على «نسج الإبرة»، وأن يحاول تحقيق توازن شديد الدقة بين هدفين متضاربين؛ هما تخفيف التضخم المرتفع ودعم النمو نحو التوظيف الكامل دون دفع الاقتصاد إلى ركود. بمعنى آخر، ستكون أمام «الاحتياطي الفيدرالي» مهمة خفض أسعار الفائدة بمقدار يكفي لدعم سوق العمل وتجنب الركود، لكن دون أن يكون الخفض كبيراً لدرجة تُعيد إشعال التضخم مجدداً، وتحقيق الهبوط الناعم للاقتصاد.

مع العلم أن أعضاء اللجنة منقسمون بشأن مدى التخفيض، وما إذا كان ينبغي إعطاء الأولوية لدعم التوظيف أو مكافحة التضخم.

ويضغط الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يسعى للسيطرة على البنك المركزي المستقل، من أجل خفض قوي لأسعار الفائدة، موجهاً سهامه على رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول، مباشرة لحمله على تحقيق مراده.

باول يشارك في اجتماع لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» بواشنطن (إ.ب.أ)

التضخم وسوق العمل

تُعد الدلائل الاقتصادية الأخيرة هي الوقود وراء قرار «الاحتياطي الفيدرالي» بالتحول نحو التيسير، حيث تشير إلى نجاح السياسة التقييدية السابقة في «تبريد» الاقتصاد:

1- التضخم يثير القلق: على الرغم من تأخر صدور تقرير مؤشر أسعار المستهلكين بسبب الإغلاق الحكومي، فقد أكدت القراءات الأخيرة أن معدل التضخم السنوي سجل 3.0 في المائة في سبتمبر (أيلول). هذا الرقم، الذي جاء أقل من التوقعات وأبعد عن مستويات الذروة السابقة، يبقي «الاحتياطي الفيدرالي» على مسار خفض أسعار الفائدة. ومع ذلك، يظل التحدي هو الوصول إلى هدف 2 في المائة المنشود.

2- سوق العمل تتباطأ ونمو الناتج المحلي صلب: سجلت سوق العمل مؤشرات واضحة على التباطؤ، مما يمنح «الاحتياطي الفيدرالي» مبرراً قوياً للتحرك لدعم التوظيف؛ فقد ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 في المائة، وشهدت وتيرة خلق الوظائف تراجعاً كبيراً، مسجلةً إضافة 22 ألف وظيفة جديدة فقط في سبتمبر. هذه المؤشرات على التهدئة تأتي في ظل استمرار النمو الاقتصادي الإجمالي القوي، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي معدلاً صلباً بلغ 3.8 في المائة في الربع الثاني، مما يدعم سيناريو الهبوط الناعم الذي يسعى إليه البنك المركزي.

رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في مؤتمره الصحافي في سبتمبر (الاحتياطي الفيدرالي)

الغموض يحيط ببيان اللجنة

نظراً لكون اجتماع أكتوبر (تشرين الأول) واحداً من الاجتماعات «العادية» التي لا تتضمن إصدار التوقعات الاقتصادية المحدثة (Dot Plot)، يكتسب بيان السياسة النقدية الذي سيصدر يوم الأربعاء في نهاية اجتماع اليومين للجنة، أهمية مضاعفة. فالمستثمرون والمحللون سيبحثون عن أي إشارات دقيقة يمكن استخلاصها من البيان، وسيتابعون المؤتمر الصحافي المرتقب لرئيس «الاحتياطي الفيدرالي» بعد قرار اللجنة، وما إذا كان يتضمن تلميحات حول الوتيرة المستقبلية للتيسير، أم أنه يعكس قلقاً من المخاطر الاقتصادية المتبقية.

حذر مشروط

وفي وقت تشكل فيه السياسات التجارية، تحديداً الرسوم الجمركية، خطراً تضخمياً خارجاً عن سيطرة «الاحتياطي الفيدرالي»، كشفت تصريحات مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» قبل دخولهم فترة «التعتيم» النقدي عن توازن حذر ومتباين يحدد مسارهم المستقبلي. فمن ناحية، أعرب المحافظ كريستوفر والر، وهو أحد المرشحين المتداولة أسماؤهم لخلافة باول، عن تفضيله وتيرة أبطأ في الخفض مما كان متوقعاً سابقاً، مؤكداً ضرورة تجنب إذكاء الضغوط التضخمية مجدداً، والحفاظ على التقدم المحرز في ترويض الأسعار، لا سيما إذا استمر النمو الاقتصادي قوياً.

كريستوفر والر مشاركاً في اجتماع مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» بواشنطن (إ.ب.أ)

ومن ناحية أخرى، أشار رئيس احتياطي سانت لويس، ألبرتو مسالم، إلى أن دعمه لخفض إضافي مشروط بظهور مزيد من المخاطر التي تتهدد سوق العمل، واحتواء خطر التضخم فوق الهدف، وبقاء توقعاته راسخة، داعياً إلى نهج متوازن يسير بحذر.

وفي المقابل، انفرد المعين حديثاً ستيفن ميران، بالدعوة إلى خفض حاد للفائدة، معتبراً أن سياسات ترمب، تحديداً تشديد الهجرة، ستساعد بشكل غير مباشر في تخفيف التضخم عن طريق خفض الطلب على الإسكان.

ستيفن ميران المعين حديثاً يشارك في مؤتمر للنادي الاقتصادي بنيويورك (رويترز)

تداعيات الإغلاق الحكومي

ويزيد المشهد تعقيداً تأخير صدور بيانات حكومية رئيسية؛ مثل تقرير الوظائف الشهري المقبل، بسبب الإغلاق الحكومي الجزئي، مما يجبر صنّاع القرار على الاعتماد على مؤشرات قد تكون غير مكتملة، الأمر الذي حذر منه باول نفسه، مؤكداً أنه يجعل عملية قراءة الاقتصاد «أكثر صعوبة». هذا الغموض يركز الأنظار على كل كلمة في البيان لتحديد ما إذا كانت النبرة ستكون «متشددة» وحذرة من خفض إضافي سريع، أم «ميسرة»، وتتضمن إشارة إلى استمرار التخفيضات.

توقعات الأسواق

ومن المتوقع أن تكون للقرار تداعيات مباشرة على الأسواق؛ حيث يُنظر إلى خفض الفائدة دفعةً إيجابية لأسواق الأسهم، كما سيخفف تكاليف الاقتراض على الأسر والشركات، ويدعم أسعار أصول العملات المشفرة مثل «البتكوين» من خلال زيادة السيولة. ومع ذلك، سيتم «تسعير» جزء كبير من هذا التوقع مسبقاً في الأصول، مما يعني أن رد فعل السوق الفوري سيعتمد على مدى تلميح البيان إلى مستقبل السياسة النقدية بعد أكتوبر.

الطريق إلى ديسمبر (كانون الأول)

يُعد اجتماع أكتوبر نقطة عبور مؤكدة، لكنه يفتح الباب أمام السؤال الأكبر: ماذا بعد؟ ففي حين يتوقع نصف أعضاء «الفيدرالي» تقريباً خفضين إضافيين على الأقل حتى نهاية العام (في اجتماعي أكتوبر وديسمبر)، يظل أعضاء آخرون حذرين بشأن عودة التضخم. وعليه، فإن الكلمات التي ستُستخدم لوصف التوازن بين «استقرار الأسعار» و«الحد الأقصى للتوظيف» في بيان الأربعاء، ستكون بمثابة خريطة طريق للمستثمرين؛ وسيشكل قرار ديسمبر المقبل الاختبار الحقيقي لنوايا «الاحتياطي الفيدرالي» في رسم ملامح السياسة النقدية والاقتصاد الأميركي لعام 2026.


مقالات ذات صلة

وثيقة تكشف استيلاء أميركا على ناقلة نفط قرب فنزويلا قبل انتهاء صلاحية مذكرة مصادرة

الاقتصاد ناقلة نفط ترفع علم غينيا بالقرب من ميناء لا سالينا الفنزويلي (رويترز)

وثيقة تكشف استيلاء أميركا على ناقلة نفط قرب فنزويلا قبل انتهاء صلاحية مذكرة مصادرة

أظهرت وثيقة أن الحكومة الأميركية نفَّذت عملية الاستيلاء على ناقلة النفط «سكيبر» قبالة سواحل فنزويلا يوم الأربعاء، قبيل انتهاء صلاحية مذكرة قضائية تقضي بالمصادرة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

بولسون من «الفيدرالي»: السياسة النقدية لا تزال قادرة على إعادة التضخم إلى الهدف

أكدت آنا بولسون، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، يوم الجمعة، أن تركيزها الأساسي ينصب على وضع سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول يعمل على مكتبه في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

هبوط «أوراكل» يضغط على «وول ستريت» رغم صعود غالبية الأسهم

انخفضت الأسهم الأميركية بشكل متفاوت يوم الخميس، إذ سجل سهم «أوراكل» انخفاضاً حاداً أعاق «وول ستريت»، بينما ارتفعت معظم الأسهم الأخرى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سفينة شحن محملة بالحاويات في ميناء أوكلاند بكاليفورنيا (رويترز)

العجز التجاري الأميركي يتراجع إلى أدنى مستوى في 5 سنوات

انخفض العجز التجاري الأميركي بشكل غير متوقع في سبتمبر (أيلول)، مسجلاً أدنى مستوى له منذ أكثر من خمس سنوات، مع تسارع نمو الصادرات وارتفاع طفيف في الواردات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة «مطلوب للتوظيف» معلّقة على نافذة مطعم تشيبوتلي في مدينة نيويورك (رويترز)

ارتفاع إعانات البطالة الأسبوعية الأميركية وسط تشوّهات موسمية

ارتفع عدد الأميركيين المتقدمين بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة الأسبوع الماضي في زيادة يُرجّح أن تعود إلى تحديات مرتبطة بتعديل البيانات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
TT

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)

في وقت تتدفق فيه مئات المليارات نحو صناعة الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، يجد المستثمرون أنفسهم أمام سؤال جوهري: هل نحن أمام ثورة رقمية تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، أم على أعتاب فقاعة مالية جديدة تشبه الدوت كوم؟

فالسباق العالمي لبناء مراكز البيانات، وتطوير الرقائق، وتوسيع البنية التحتية، تجاوز بالفعل حجم استثمارات تاريخية مثل «مشروع مانهاتن» و«برنامج أبولو»، فيما تتنافس شركات التكنولوجيا العملاقة على اقتناص موقع قيادي في «سباق السلاح الرقمي» الجديد. لكن هذا الزخم الهائل ترافقه مؤشرات مقلقة: أسعار أسهم صعدت بوتيرة فلكية، وتقييمات شركات ناشئة لا تعكس حجم إيراداتها الفعلي، وشهية استثمارية تغذِّيها توقعات النمو أكثر مما تغذيها النتائج الواقعية.

وبينما يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة اقتصادية تمتد لعقود، يُحذر آخرون من أن الحماس المفرط قد يُخفي وراءه هشاشة يمكن أن تؤدي إلى تصحيح قاسٍ في الأسواق.

لا يعتقد مورتن ويرود، الرئيس التنفيذي لشركة «إيه بي بي»، أن هناك فقاعة، لكن «نرى بعض القيود فيما يتعلق بسعة البناء التي لا تواكب جميع الاستثمارات الجديدة»، وفقاً لـ«رويترز».

وأضاف: «نتحدث عن تريليونات من الاستثمارات، وستستغرق عدة سنوات لتنفيذها، لأن الموارد والبشر غير كافيين لبناء كل هذا».

أما دينيس ماشويل، الرئيس التنفيذي لشركة «أديكو»، فيرى أن «هناك بالفعل فجوة حالية بين هذا العرض الهائل من الذكاء الاصطناعي والطريقة التي تقوم بها الشركات بتضمينه فعلياً في عملياتها الأساسية»، كما قال في نوفمبر (تشرين الثاني). وأضاف أن المشروع المشترك لمجموعته مع «سيلس فورس» قد يقلل من مخاطر فقاعة الذكاء الاصطناعي من خلال دفع الشركات لاستخدامات أكثر واقعية للتقنية.

يد آلية أمام رسالة مكتوب عليها «الذكاء الاصطناعي» ولوحة مفاتيح (رويترز)

ويقول سندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة «ألفابت»: «لا أعتقد أن أي شركة ستكون بمنأى عن التأثر، بما في ذلك نحن»، وذلك في مقابلة مع «بي بي سي» نُشرت في 18 نوفمبر، عند سؤاله عن كيفية تعامل «غوغل» مع احتمال انفجار فقاعة. وأضاف أن موجة الاستثمار الحالية في الذكاء الاصطناعي «لحظة استثنائية»، لكنه أقر بوجود «عناصر من السلوك غير العقلاني» في السوق، مشيراً إلى تحذيرات مماثلة خلال فترة فقاعة «الدوت كوم».

أما جيف بيزوس، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «أمازون»، فيقول: «عندما يتحمس الناس بشدة للذكاء الاصطناعي كما يحدث اليوم، يتم تمويل كل تجربة... ويصعب على المستثمرين التمييز بين الأفكار الجيدة والسيئة وسط هذا الحماس».

وأضاف: «الفقاعات الصناعية ليست بالخطورة نفسها كالفقاعات المصرفية، وقد تكون مفيدة لأن الفائزين النهائيين سيعودون بالنفع على المجتمع من خلال تلك الابتكارات».

وحذر بنك إنجلترا (البنك المركزي) من أن الأسواق العالمية قد تتراجع إذا تغير مزاج المستثمرين تجاه آفاق الذكاء الاصطناعي. وقالت لجنة السياسة المالية في البنك في 8 أكتوبر (تشرين الأول): «ارتفعت مخاطر حدوث تصحيح حاد في السوق»، مضيفةً أن احتمال تأثير ذلك على النظام المالي البريطاني «مهم».

وخلال حلقة نقاشية في قمة خاصة بالتكنولوجيا في آسيا في 3 أكتوبر الماضي، قال برايان يو، المدير الاستثماري في «جي آي سي»، إن «هناك بعض الضجة المبالغ فيها في مجال الشركات الناشئة»، وأضاف: «أي شركة ناشئة تحمل شعار (إيه آي) ستُقوَّم بمضاعفات ضخمة مهما كان حجم الإيرادات الصغيرة... قد يكون ذلك عادلاً لبعض الشركات وليس كذلك لأخرى».

فيما أكد جوزيف بريغز، الاقتصادي في «غولدمان ساكس» للأبحاث الاقتصادية العالمية، أن فيض الاستثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة مستدام، ورفض المخاوف المتزايدة من أن القطاع قد يكون في مرحلة فقاعة. لكنه حذر من أن «الفائزين النهائيين في الذكاء الاصطناعي لا يزالون غير واضحين»، مع تغير التكنولوجيا بسرعة، وانخفاض تكلفة الانتقال، مما قد يحد من مزايا المبادر الأول.

وأشار بيير-أوليفييه غورينتشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إلى أنه قد تتبع موجة استثمارات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة انهياراً شبيهاً بفترة «الدوت كوم»، لكنها أقل احتمالاً أن تكون حدثاً نظامياً يضر بالاقتصاد الأميركي أو العالمي. وأضاف: «هذا لا يتم تمويله بالديون، مما يعني أنه إذا حدث تصحيح في السوق، قد يخسر بعض المساهمين وبعض حاملي الأسهم».

جن سين هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا»، يقول: «تحدث الكثير عن فقاعة الذكاء الاصطناعي، لكن من وجهة نظرنا نرى شيئاً مختلفاً جداً»، مشيراً إلى الطلب الكبير من شركات الحوسبة السحابية على رقائق شركته.

وفي أغسطس (آب) الماضي، تساءل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»: «هل نحن في مرحلة يكون فيها المستثمرون بأكملهم مفرطين في الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي؟ جوابي: نعم». وأضاف: «سوف يخسر البعض مبالغ هائلة، وسيجني البعض الآخر مبالغ هائلة أيضاً».

وفي أول منشور له على «إكس» منذ أكثر من عامين، حذر مايكل بوري، مستثمر ومؤسس «سايون» لإدارة أصول، من فقاعة في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ووضع رهانات هبوطية على «إنفيديا» و«بالانتير» الشهر الماضي، وهذا زاد من مخاوف المستثمرين بشأن الإنفاق المبالغ فيه في صناعة الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.

لكن تشي تاي-وون، رئيس «إس كيه هاينكس» الكورية الجنوبية، لا يرى «أي فقاعة في صناعة الذكاء الاصطناعي». وأضاف: «لكن عند النظر إلى أسواق الأسهم، نجدها صعدت بسرعة كبيرة جداً، وأعتقد أنه من الطبيعي أن يكون هناك بعض التصحيحات»، مشيراً إلى أن أسهم الذكاء الاصطناعي تجاوزت قيمتها الأساسية.

ويرى محللو الأسهم في بنك «يو بي إس»، أن عدد المستثمرين الذين يعتقدون أننا في فقاعة الذكاء الاصطناعي يقارب عدد أولئك الذين ما زالوا محتفظين باستثماراتهم في القطاع. وأضافوا في مذكرة منتصف أكتوبر الماضي: «معظمهم شعر بأننا في فقاعة، لكن بعيداً عن الذروة فإن نحو 90 في المائة من الذين قالوا إننا في فقاعة ما زالوا مستثمرين في العديد من مجالات الذكاء الاصطناعي».


أوروبا لتبسيط إجراءات الاستيراد

اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
TT

أوروبا لتبسيط إجراءات الاستيراد

اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)

يدخل أكثر من 12 مليون طرد الاتحاد الأوروبي يومياً، مما يجعل مهمة فحصها بحثاً عن البضائع غير القانونية، أو التي لم تُعلن، أو تقدير الرسوم المستحقة عليها، مهمة شاقة على رجال الجمارك.

والكثير من هذه الطرود صغير الحجم وقليل القيمة، ففي عام 2024 دخل إلى التكتل 4.6 مليار طرد بقيمة معلنة فردية أقل من 22 يورو (25.6 دولار).

وذكرت المفوضية الأوروبية في أغسطس (آب) الماضي أن نسبة ما فحصته سلطات الجمارك من إجمالي المنتجات المستوردة بلغت فقط 0.0082 في المائة.

ووفقاً لديوان المحاسبة الأوروبي (محكمة المدققين الأوروبيين)، تفتقر عمليات الفحص الجمركي في بعض الدول الأعضاء إلى الصرامة الكافية. كما أن عدم توحيد تطبيق القواعد في جميع دول الاتحاد يجعل الاحتيال أمراً سهلاً.

إصلاح الجمارك: ما الخطة؟

وفي عام 2023، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحات تهدف إلى إجراء إصلاح شامل للحد من البيروقراطية والتعامل مع تحديات مثل الارتفاع الحاد في حجم التجارة الإلكترونية.

وتُعدّ كيفية إدارة التدفق الهائل للطرود والشحنات الواردة من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي -خصوصاً الصين- نقطة محورية في خطة الإصلاح.

وقررت دول الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي إلغاء الحد الحالي للإعفاء الجمركي، البالغ 150 يورو، على الطرود، وذلك بمجرد استكمال الإجراءات اللازمة -وهو أمر متوقع بحلول عام 2028- مع الالتزام بفرض رسوم جمركية مؤقتة على الطرود الصغيرة خلال الفترة الانتقالية. كما اقترحت المفوضية الأوروبية فرض رسوم عامة على المناولة، وهو إجراء لا يزال قيد النقاش.

وعلى نحو مختصر، يهدف الإصلاح إلى تحديث إجراءات الجمارك، وتعزيز التعاون بين سلطات الجمارك في الدول الأعضاء، وتحسين الرقابة على الواردات والصادرات. كما يعد بتحسين تحصيل الرسوم والضرائب، وتوفير حماية أفضل للسوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي.

ومن أجل تحقيق ذلك، سيجري إنشاء «منصة بيانات الجمارك الأوروبية»، التي ستخضع لإشراف هيئة الجمارك الأوروبية، التي لم تُنشأ بعد.

ومن المقرر أن تعمل هيئة الجمارك الأوروبية بوصفها مركزاً رئيسياً لدعم هيئات الجمارك في الدول الأعضاء. وبمجرد تشغيلها، سوف تسعى إلى تبسيط الإجراءات، وتحسين سلامة المشتريات الإلكترونية، وتزويد السلطات الوطنية بأدوات أكثر بساطة وتوحيداً.

ومن المتوقع أن يحقق الإصلاح عدة مزايا، من بينها تبسيط متطلبات الإبلاغ عبر جهة موحدة، وذلك توافقاً مع وعود رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بتقليص الروتين.

ويتوقع الاتحاد الأوروبي تحقيق توفير بقيمة مليارَي يورو سنوياً، عبر إحلال المنصة محل بنية تكنولوجيا المعلومات في الدول الأعضاء.

مقر هيئة الجمارك الأوروبية

من المقرر إنشاء هيئة الجمارك الأوروبية بداية من عام 2026، وسوف تتولي المفوضية الأوروبية مسؤولية إطلاقها. ومن المتوقع أن تحصل الشركات على أول فرصة وصول إلى منصة البيانات بحلول 2028، مع بدء الاستخدام الطوعي في 2032، ثم الإلزامي في 2038.

أما القرار الأول الحاسم فسوف يكون تحديد مقر الهيئة، وقد تقدمت تسع دول أعضاء الأسبوع الماضي، بملفات لاستضافة المقر: بلجيكا (لييغ)، وكرواتيا (زغرب)، وفرنسا (ليل)، وإيطاليا (روما)، وهولندا (لاهاي)، وبولندا (وارسو)، والبرتغال (بورتو)، ورومانيا (بوخارست)، وإسبانيا (مالقا).

وستقوم المفوضية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- الآن بدراسة الطلبات التسعة، على أن تضمن أن الموقع الذي يقع عليه الاختيار سوف يمكن الهيئة من أداء مهامها، واستقطاب كوادر مؤهلة ومتخصصة، وتوفير فرص تدريب.

ومن المتوقع صدور قرار في هذا الشأن خلال شهر فبراير (شباط)، تقريباً، بالتعاون بين الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي.

وسيتعيّن على الدولة المضيفة توفير مبانٍ جاهزة على الفور، وبنية تحتية متقدمة لتكنولوجيا المعلومات والأمن، ومساحة لما لا يقل عن 250 من الموظفين، إلى جانب غرف اجتماعات ذات تقنية عالية، و«منطقة آمنة» لإدارة المعلومات السرية، إلى جانب العديد من الشروط الأخرى.

حماية الأسواق الأوروبية

وقال وزير المالية البولندي، أندجي دومانسكي: «تجارة أكثر أماناً تعني أوروبا أكثر أماناً». وأوضح أن اتحاداً جمركياً «قوياً ومرناً» يضمن حماية السوق الداخلية وسلامة المستهلك والتنمية الاقتصادية المستقرة.

ولكن، ما تزال كيفية إدارة سياسات التجارة والجمارك المشتركة محل خلاف. ويأتي الإصلاح في الوقت المناسب، في الوقت الذي تسعى فيه العواصم الأوروبية إلى حماية القطاعات الاستراتيجية الرئيسية لديها في ظل تصاعد حدة التوتر في التجارة الدولية.

وتتعالى الدعوات في بعض الأوساط لإطلاق برنامج «صنع في أوروبا»، الذي يعطي أفضلية للمنتجات المحلية، وهو موقف تتبناه فرنسا، على نحو خاص.

وكانت المفوضية الأوروبية تعتزم نشر مبادرة أوروبية مرتبطة بهذا الأمر هذا الشهر، لكنها واجهت معارضة من جمهورية التشيك، وسلوفاكيا، وآيرلندا، والسويد ولاتفيا، وغيرها. وحسب ما ذكرته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، أُجّل المقترح حتى مطلع العام المقبل.


الصين لتعزيز الصادرات والواردات في 2026 سعياً لنمو «مستدام»

آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

الصين لتعزيز الصادرات والواردات في 2026 سعياً لنمو «مستدام»

آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)

ذكر تلفزيون الصين المركزي (سي سي تي في) نقلاً عن مسؤول اقتصادي كبير، السبت، أن الصين تخطط لتعزيز الصادرات والواردات العام المقبل ضمن الجهود الرامية إلى تعزيز التجارة «المستدامة».

ويثير الفائض التجاري البالغ تريليون دولار الذي سجله ثاني أكبر اقتصاد في العالم توتراً مع شركاء بكين التجاريين، ويؤدي إلى انتقادات من صندوق النقد الدولي، ومراقبين آخرين يقولون إن نموذج النمو الاقتصادي الذي يركز على الإنتاج غير مستدام.

وقال هان ون شيو، نائب مدير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية المركزية، في مؤتمر اقتصادي: «يجب أن نلتزم بالانفتاح، ونعزز التعاون المربح للجانبين في قطاعات متعددة، ونوسع الصادرات مع زيادة الواردات في الوقت نفسه، لدفع التنمية المستدامة للتجارة الخارجية».

وأضاف أن الصين ستشجع صادرات الخدمات في عام 2026، متعهداً باتخاذ تدابير لتعزيز دخل الأسر، ورفع المعاشات الأساسية، وإزالة القيود «غير المعقولة» في قطاع الاستهلاك.

وحث صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع بكين على اتخاذ «الخيار الشجاع» بالحد من الصادرات، وتعزيز الطلب الاستهلاكي.

ووعد القادة الصينيون يوم الخميس بالإبقاء على سياسة مالية «نشطة» في العام المقبل لتحفيز الاستهلاك، والاستثمار، إذ يتوقع المحللون أن تستهدف بكين تحقيق نمو بنحو 5 في المائة.