بخطى ثابتة فيها الكثير من الدقة والتأني يسير الفنان جورج نعمة في مشواره الغنائي. لا يلحق بالـ«ترند» ولا تهمّه أرقام الـ«سوشيال ميديا»، كما يذكر لـ«الشرق الأوسط». فالانتشار السهل لا يشكّل هدفاً له. ويتمسّك بالأغنية الأصيلة التي تعيش وتدوم لسنوات طويلة.
أخيراً أطلق نعمة أغنية «وقف المشروع»، وهي من كلمات فادي الراعي وألحان زياد بطرس وتوزيع جورج قسيس. يقول مطلعها: «تقريباً وقف المشروع من مطرح ما بلّشنا تقريباً خلص الموضوع شو سمعنا وشو طنّشنا، مرق علينا ألف قطوع، لكن الله عيّشنا». واللافت هو إصداره لها من دون فيديو كليب. فاكتفى بعرض صور له وكتابة كلمات الأغنية لتؤلّف العمل البصري لها. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أصررت على عدم تصويرها على طريقة الفيديو كليب. فموضوعها يحمل سردية شاملة لا يمكن حصره بثيمة معينة. شعرت بأن إعطاء كلام الأغنية ولحنها الحيّز الأكبر هو الأفضل».

فنانون عديدون اتبعوا هذه الطريقة في إصداراتهم الغنائية. ولكن هل يمكن أن يشكّل غياب ميزانية مادية للتصوير هي سبب آخر بالنسبة له؟ يرد: «لا شك بأن للإنتاج تأثيره على عملية تصوير كليب. وأنا من الأشخاص الذين يهتمون كثيراً بمضمون الصورة. أرغب دائماً بأن تحمل رسالة فلا تكون سطحية بمشهديتها. فيكون عنصر الإبهار فيها مطلوباً. ولكن لا أحبّذ طبعها بالعنصر التجاري. فأنا سينمائي الهوا، وإذا لم أقتنع بقصة الصورة التي أقدّمها فأفضّل إلغاءها. فاكتفيت بإطلاق الأغنية مستخدماً العامل السمعي فقط من دون البصري، وبذلك أترك لسامعها حرية تأليف القصة التي يرغب بها في خياله».
بالنسبة له فأن يتكفّل الفنان بإنتاج أعماله الفنية فهي استقلالية يحبّذها. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك إيجابيات جمّة لتبني إحدى شركات الإنتاج مشاريع فنان ما. تلقيت عروضاً كثيرة في هذا الموضوع. ولكنني فضّلت النأي بالنفس، وتحمّل مسؤولية فشل أو نجاح عمل ما. العبء يكون كبيراً أدرك ذلك تماماً. ولكن مساحة الحرية والقدرة على تحكّم الفنان بأعماله تحملان إيجابيات كثيرة».
برأي جورج نعمة الفن يتمحور اليوم حول نوعين. فهناك الفنان الذي يهمّه الالتحاق بالـ«ترند». والآخر الحقيقي الذي يبحث عن الأفضل ويتطلّع إلى أعماقه، فيخرج منها عملاً جميلاً يشبهه، فتأتي النتيجة على قدر طموحاته.

ويرى نعمة أن الحفلات هي ملعبه الأصيل. «أعتبرها بمثابة الامتحان الحقيقي الذي من شأنه أن يشير إلى نجاح فنان أو العكس. وبالتالي تتقدّم على أرقام وسائل التواصل الاجتماعي. الاثنان يكملان بعضهما بعضاً، ولكن المسرح يشعرني بالراحة. وتفاعل الناس معي يزودني بالحماس والإحساس بالرضا. كما أني أرى الوقت هو العامل الأساسي الذي باستطاعته أن يغربل الأمور ويضعها على الخط المستقيم».
ويستشهد نعمة بواحدة من أولى الأغنيات التي أصدرها في بداياته «تفيدة». فرغم مرور سنوات طويلة على إطلاقها لا تزال تحافظ على وتيرة النجاح نفسها. «برأيي هنا يبرز معيار النجاح الحقيقي».
خيارات جورج نعمة الفنية تعكس مدى اهتمامه بمحتوى العمل الذي يقدّمه. فمنذ بداياته يسير بخطوات ثابتة ولو بطيئة. يدرك كيف يغلّفها بالمستوى المطلوب إنْ باللحن أو بالكلام. كما يعير الآلات الموسيقية المستخدمة في لحنها وتوزيعها أهمية كبيرة. «كوني أملك خلفية دراسية معمّقة بالموسيقى فإني أدخل تفاصيل اللحن ونغماته. ولا يمكن أن أصدر العمل فيما لو لم أقتنع به تماماً من كل جوانبه. وهو ما يتطلّب مني الوقت، ويقلل من إصداراتي فلا تكون عشوائية».
حالياً يستعد لتقديم أغنيات جديدة بإيقاعات منوعة. كما أنه قرر التكثيف من إصداراته في المستقبل. وهناك مشروع متكامل يحضّر له، وهو كناية عن ألبوم غنائي بعد أن كان يتبع الإصدارات الفردية.
وعن تعاونه المتكرر مع الموسيقي زياد بطرس يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك نقاط تشابه كثيرة بيني وبينه. فألحانه لبنانية بامتياز والنغمة فيها تعلق في الأذن وتعيش حياة طويلة، وأعدّه بمثابة علامة فارقة على الساحتين اللبنانية والعربية. كما يجمع إلى جانب ألحانه المميزة روحه الإنسانية التي نستشفّها من ميلودي أعماله ككل. صحيح أنه مقلّ في ألحانه، ولكنني أعتز بتخصيصه مساحة لي من مؤلفاته الموسيقية».
ومن ناحية ثانية يشيد نعمة بكاتب كلمات أغنيته الجديدة «وقف المشروع»، وهو فادي الراعي. «إنه يملك قلماً سلساً بحيث يستخدم كلاماً لبنانياً من السهل حفظه. كما أن صوره جميلة، وهو ما نلاحظه في أغنيتي (احتمال) و(وقف المشروع). هذان العملان إضافة إلى (تفيدة) من ألحان زياد بطرس، أعتبرها أغاني للأرشيف لما تتضمن من عناصر فنية جميلة. وهي إشارة واضحة إلى أن الفنان عليه الالتحاق بالجمال الفني وليس بالـ(ترند) كي يبقى ويستمر».
أكثر ما تأثّرت به في مسرح الرحابنة هو الالتزام والجدّيةفي العمل
جورج نعمة
تاريخ جورج نعمة الفني غني بالتجارب الفنية المثقلة بخبرات العمالقة. فهو عمل مع الراحل زياد الرحباني، كما شارك في مسرحيات الرحابنة. «كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما سنحت لي الفرصة بالعمل مع الراحل زياد. فزودني بخبرات موسيقية ملونة، تتراوح بين الجاز والكلاسيك واللاتينو والموسيقى الشرقية. ومن خلاله دخلت عالم الرحابنة وفيروز. وشاركت في مسرحية (صح النوم). وأكثر ما تأثّرت به في مسرح الرحابنة هو الالتزام والجدّية في العمل. وكذلك توقفهم عند أصغر تفاصيل أي عمل يقدمونه. وهو ما ولّد هذا التطور. كما أنهم يتقنون الفن الأصيل ويعدّونه القيمة الأساسية لأي عمل يصدرونه، إضافة إلى العامل الترفيهي».
قريباً نرى جورج نعمة في عمل فني، ولكن من نوع آخر. سنترك تفاصيله إلى حين ولادته على الشاشة الصغيرة. يهتم حالياً بألبومه الجديد الذي يتفرّغ لتنفيذه عن قريب.
ويختم جورج نعمة مشيراً إلى أن الفن يتطلّب الاجتهاد والعمل. وبأنه لم يلهث يوماً وراء الأضواء والشهرة. «لا أملك الجوع للضوء، بل شغف العمل بكدٍ ودقة. وسعيد بخبرات منوعة حصدتها خلال مشواري، وبينها سينمائية وتلفزيونية ومسرحية. وأعدّ نفسي أسير بخطى صحيحة. وهو ما يزودني بالشعور بالأمان. مسيرتي في نمو مستمر وسليم. ولا يمكنني أن أجزم من الآن إلى أين سأصل».









