كثّفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من إيفاد ممثليها إلى إسرائيل، في مسعى لترسيخ ما وصفته وسائل إعلام عبرية بـ«الرقابة المباشرة» على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتلافي أي خروقات تهدد مصير اتفاق وقف إطلاق النار مع «حماس».
وفي حين يواصل نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس زيارته إلى إسرائيل، يُتوقع أن يلحق به وزير الخارجية ماركو روبيو (الخميس)، في حين غادرها الموفدان الرئاسيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر.
وقال فانس خلال مؤتمر صحافي مع نتنياهو في القدس، الأربعاء، إنه جاء «من أجل الحديث عن السلام، وكيفية ضمان استمرار الاتفاق الذي بدأ قبل أسبوع تقريباً، وإمكانية الانتقال بنجاح إلى المرحلتين الثانية والثالثة».
وفيما تنشط خلية العمل الأميركية في إسرائيل لإسناد الاتفاق قدماً، وصل حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القاهرة بصحبة مدير المخابرات العامة ماجد فرج، للغرض نفسه.

وقال فانس: «تنتظرنا مهمة صعبة للغاية، وهي نزع سلاح حركة (حماس) وإعادة بناء غزة، سعياً لتحسين حياة السكان، وأيضاً لضمان ألا تعود (حماس) لتشكّل تهديداً لأصدقائنا في إسرائيل»، مضيفاً: «أعتقد أن اتفاق غزة يشكّل جزءاً حاسماً في تفعيل (اتفاقات إبراهام)»، في إشارة إلى سلسلة اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية أبرمت في عام 2020.
وأضاف فانس: «ما قد يتيحه الاتفاق أيضاً هو إنشاء هيكل تحالفات في الشرق الأوسط يكون مستداماً وطويل الأمد، ويمنح الناس الصالحين في هذه المنطقة وفي العالم فرصة لأن يمضوا قدماً ويتولوا إدارة أمور منطقتهم».
«جسر جوي سياسي»
قالت هيئة البث الإسرائيلية (كان) إن «وصول المسؤولين الأميركيين بمستوى غير مسبوق واحداً تلو الآخر إلى إسرائيل وإقامة مقر عسكري دولي في منطقة (كريات غات) يضم نحو 200 جندي أميركي وآخرين من دول أخرى، يشكل نوعاً من محاولة التأثير الأميركي في شؤون إسرائيل الأمنية والسياسية».
ورأت القناة في تقرير أن «هذا الوجود المكثف يُنظر إليه في إسرائيل كنوع من (الرقابة المباشرة) أو ما يسميه البعض مراقبة بنيامين نتنياهو ومنع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة».
كما قدر محللو «القناة الإسرائيلية 12» أن زيارة روبيو المرتقبة «تأتي ضمن سلسلة الزيارات المكثفة لمسؤولين أميركيين رفيعي المستوى إلى إسرائيل»، في ما يشبه «جسراً جوياً سياسياً» لتثبيت التفاهمات، ومتابعة تطبيقها ميدانياً.

وحسب مصادر إسرائيلية فإن «الهدف من كل ذلك ضمان تنفيذ الاتفاق مع (حماس)، وإرساء نظام جديد في غزة يحدد مستقبلها الأمني والإداري، وقد بدأ الأميركيون بالفعل رسم ملامح (المرحلة الثانية) من الاتفاق تقوم على تشكيل حكومة تكنوقراط، وتثبيت قوة دولية داخل غزة تشرف على تجريد (حماس) من السلاح، وتمنع إسرائيل من استئناف الهجوم طالما القوات الأجنبية موجودة».
«بيبي سيتر»
وأثار التدخل الأميركي المكثف نقاشاً في إسرائيل بشأن ما إذا كانت تل أبيب أصبحت عملياً «تحت تأثير خانق من واشنطن».
وكتب إيتمار إيشنر في صحيفة «يديعوت أحرنوت» أن المسؤولين الأميركيين جاءوا إلى إسرائيل «بيبي سيتر»، في تلاعب لفظي يشير بشكل عام إلى مصطلح رعاية الأطفال لكنه يقصد «رعاية بيبي (بنيامين نتنياهو)»: «وهم هنا للبقاء: الولايات المتحدة تراقب إسرائيل عن كثب».
ووصف الكاتب تدخل واشنطن بأنه «خانق، ووصل إلى مستوى جديد عبر حضور رفيع المستوى، وإنشاء مقر دولي، في مواجهة حكومة يمينية متطرفة، يضعون قواعد واضحة في غزة».
وأضاف: «من الصعب ألا نتساءل عما إذا كانت إسرائيل قد أصبحت (محمية أميركية) في الأيام الأخيرة، أو ربما الولاية الحادية والخمسين في أميركا بحكم الأمر الواقع».
ولقد دفعت تلك الإشارات والانتقادات المتكررة، نتنياهو، إلى الرد عليها علناً، وقال وهو إلى جانب فانس: «أريد أن أوضح هذا الأمر تماماً. مرة يقولون إن إسرائيل تسيطر على الولايات المتحدة، وأسبوعاً آخر يقولون إن الولايات المتحدة تسيطر على إسرائيل. هذا هراء». وأضاف: «لدينا شراكة، تحالف، وتجمعنا قيم وأهداف مشتركة».
وأكد نتنياهو أن إسرائيل تقرر فيما يخص أمنها، ورد فانس: «لا نريد دولة تابعة، لا نريد محمية. نريد شراكة. نريد حليفاً هنا». وانبرى مقربون من نتنياهو للدفاع عنه، وقالوا إن ما يجري ليس مساساً بالسيادة، بل «شراكة استراتيجية مضاعفة القوة».
وعقب إيشنر وكتب: «رغم النفي، هذا ما سنراه من الآن فصاعداً: تدخل أميركي مكثف. لن يسمحوا بانهيار الاتفاق».
«السلطة على الخط»
ودخلت السلطة الوطنية الفلسطينية على خط دعم اتفاق غزة، وقالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة الشيخ وفرج للقاهرة تستهدف «مناقشة تفاصيل أمنية إلى جانب الملفات السياسية».
وجاءت زيارة المسؤولين الفلسطينيين إلى مصر بعد يوم من زيارة قام بها مدير المخابرات المصرية حسن رشاد إلى إسرائيل.
وأوضحت المصادر أن «القاهرة وواشنطن تدفعان لدفع الاتفاق، لكن إسرائيل ترفض حتى الآن مشاركة السلطة الفلسطينية».
وحسب ما أوردته هيئة البث العام الإسرائيلية (كان 11)، أبدت واشنطن رغبتها في «البدء الفوري بتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأميركية، بينما تسعى القاهرة إلى إدخال قوات عربية وأجنبية إلى القطاع خلال الأيام المقبلة» تحت غطاء من قرار يصدره مجلس الأمن.






