مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق يثير جدلاً

من أصول عراقية ويعمل في تجارة «الماريغوانا الشرعية»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مبعوثه الخاص إلى العراق المُعيّن حديثاً مارك سافايا (إكس)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مبعوثه الخاص إلى العراق المُعيّن حديثاً مارك سافايا (إكس)
TT

مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق يثير جدلاً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مبعوثه الخاص إلى العراق المُعيّن حديثاً مارك سافايا (إكس)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مبعوثه الخاص إلى العراق المُعيّن حديثاً مارك سافايا (إكس)

على الرغم من الصمت الرسمي العراقي (حتى لحظة كتابة التقرير) حول تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترمب مارك سافايا مبعوثاً خاصاً إلى العراق، وعدم إصدار «الخارجية العراقية» بياناً بهذا الشأن، تواصل الأوساط السياسية ومجموعات المراقبين والمحللين السياسيين تعليقاتها وتفسيراتها المختلفة حول هذا التعيين المثير للجدل.

فقد جاء تعيين سافايا، وهو من أصل عراقي، بعد نحو عام من انتهاء مهام عمل السفيرة إلينا رومانسكي، واكتفاء واشنطن بتعيين الدبلوماسي جوشوا هاريس في منصب «قائم بالأعمال» ببعثة الولايات المُتّحدة في العراق.

وكان ترمب قد أعلن، الأحد، تعيين سافايا مبعوثاً خاصاً إلى العراق، في تدوينة عبر منصة «تروث سوشيال»، قال فيها: «يسعدني أن أعلن أن مارك سافايا سيشغل منصب المبعوث الخاص إلى جمهورية العراق».

وأضاف، أن «الفهم العميق الذي يمتلكه مارك للعلاقات بين العراق والولايات المتحدة، وصلاته الواسعة في المنطقة، سيُسهمان في تعزيز مصالح الشعب الأميركي».

وترتبط معظم النقاشات حول تعيين سافايا بمجموعة من الأسئلة والوقائع على الأرض، خصوصاً تلك المتعلقة بالجذور العراقية للرجل؛ إذ تشير المعلومات المتداولة عنه إلى انتمائه للقومية الكلدانية المسيحية في العراق، وهاجر إلى الولايات المتحدة بعد عام 1990. كذلك هناك تساؤلات حول تاريخه السياسي «المتواضع»، باستثناء عمله ضمن فريق حملة ترمب الانتخابية ونجاحه في إقناع المسلمين بالتصويت لصالح ترمب في ولاية ميشيغان الأميركية. وتثير مهنة سافايا الأساسية وعمله «تاجر ماريغوانا رسمي» مزيداً من الأسئلة حول طبيعة مهمته المقبلة ومدى صلاحيتها في بناء وتطوير وتمتين العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين بغداد وواشنطن.

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني مستقبلاً القائم بالأعمال الأميركي جوشوا هاريس (إعلام رئاسة الوزراء)

ورأى وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، في تدوينة عبر «إكس» وفي تحذير شبه مبطن، أن «تعيين الرئيس دونالد ترمب ممثلاً خاصاً له في العراق، وهو مارك سافايا، أميركي مسيحي كلداني ذو أصول عراقية؛ هو اعتراف بأن الوضع في العراق غير طبيعي، ويحتاج إلى إجراءات وقرارات خارج الأطر الدبلوماسية والرسمية المعتادة، لتصحيح وتقويم الوضع المضطرب والمشوش».

ولم يتحدث زيباري عن طبيعة الاضطراب والتشويش، لكن الأشهر الماضية شهدت تجاذبات غير قليلة بين بغداد وواشنطن، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني والتهديد الذي تشكله الفصائل المسلحة للمصالح الأميركية، بجانب اعتراض واشنطن الشديد على تمرير قانون «الحشد الشعبي» في البرلمان العراقي.

ولا يستبعد بعض المراقبين ارتباط تعيين سافايا بالتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي خلال قمة شرم الشيخ الأخيرة، حين قال إن «العراق بلد يمتلك الكثير من النفط، لديهم كميات هائلة لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بها». وأضاف: «هذا بحد ذاته مشكلة كبيرة، عندما تملك الكثير ولا تعرف كيف تتصرف به».

لكن المحلل والدبلوماسي السابق غازي فيصل، يرى أن هذا التعيين «يؤشر إلى مرحلة تحول أميركية تجاه بغداد التي شهدت أخيراً ما يشبه تعليق العلاقة، خصوصاً مع عدم إرسال سفير إلى بغداد والاكتفاء بتعيين قائم بالأعمال، مما يخفّض درجة التمثيل الدبلوماسي».

لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني في قمة شرم الشيخ منتصف أكتوبر 2025 (رويترز)

ويعتقد فيصل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن إرسال مبعوث أميركي يرتبط مباشره بالرئيس ترمب وبالإدارة «سيقوم بتنفيذ برنامج مختلف عن برنامج الدبلوماسية الأميركية، بمعنى أن طبيعة عمل وزارة الخارجية تختلف عن طبيعة عمل المبعوث الرئاسي، فالأخير لديه مطلق الصلاحية في التحرك على المستويات الاجتماعية الثقافية والعلمية والتجارية».

ويشير فيصل إلى أن «مهمة سافايا، وبالنظر إلى جذوره العراقية، ستكون فعالة جداً بتقديري على صعيد توثيق العلاقات بين واشنطن وبغداد من جهة، وبين واشنطن وأربيل من جهة أخرى».

ولا يستبعد الدبلوماسي السابق، أن يقوم المبعوث الرئاسي الأميركي بـ«لعب دور مهم في تحريك الاقتصاد العراقي المتراجع إلى اقتصاد منفتح على التعددية، كي ينسجم مع التحولات الدولية من خلال تفكيك هيمنة واحتكار مؤسسات الدولة للاستثمار في مجال الثروات المختلفة، ومن الممكن أن ينجح المبعوث الخاص في عملية التحول هذه».

واستقبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم الأحد، وبالتزامن مع تعيين المبعوث الخاص، القائم بالأعمال الأميركي لدى العراق جوشوا هاريس. وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة وسبل تعزيزها، طبقاً للبيان الحكومي.


مقالات ذات صلة

مسؤول: اتفاقية تصدير النفط بين بغداد وأربيل ستُجدد دون مشكلات

الاقتصاد علم كردستان العراق في حقل نفطي (إكس)

مسؤول: اتفاقية تصدير النفط بين بغداد وأربيل ستُجدد دون مشكلات

قال نائب رئيس شركة النفط العراقية الحكومية (سومو)، ‌السبت، إن ⁠اتفاقية ​تصدير ‌النفط بين بغداد وأربيل ستُجدد دون أي مشكلات، حسبما نقلت ​شبكة «رووداو» المحلية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري عرض لـ«الحشد الشعبي» في بغداد (د.ب.أ)

تحليل إخباري فصائل عراقية تنضم إلى دعوات لحصر السلاح بيد الدولة

يسارع قادة ميليشيات عراقية هذه الأيام إلى إعلان دعواتهم لحصر السلاح بيد الدولة في تطور يثير مفاجآت وعلامات استفهام، وكذلك انتقادات على المستوى المحلي.

فاضل النشمي (بغداد)
العالم العربي ضابط من القوات المسلحة العراقية يقف حارساً خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى الثامنة لانتصار العراق على تنظيم «داعش» (د.ب.أ)

القيادات العراقية تدعو للإسراع بتشكيل العملية السياسية في البلاد

دعا كبار القادة في العراق اليوم (السبت)، إلى الإسراع بتشكيل العملية السياسية الجديدة، واحترام المدد الدستورية، وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي 
الأمن العراقي قال إنه نفّذ إنزالاً بالأراضي السورية واعتقل قياديين في «داعش» (إعلام حكومي)

الحكيم يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة

دعا عمار الحكيم، أحدُ قادة تحالف «الإطار التنسيقي» في العراق، إلى حصر السلاح بيد الدولة، مشدداً على عدم استخدامه أداة للضغط على صناع القرار في البلاد.

حمزة مصطفى (بغداد)
خاص الأمن العراقي قال إنه نفّذ إنزالاً بالأراضي السورية واعتقل قياديين في «داعش» (إعلام حكومي)

خاص بغداد تدفع نحو «شراكة أقوى» مع واشنطن لمكافحة «داعش»

قال مسؤول عراقي إن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة يتخذ وتيرة متزايدة لمكافحة الإرهاب، في أعقاب عملية الإنزال المشتركة التي نفذتها قوة خاصة في سوريا.

حمزة مصطفى (بغداد)

تشييع 6 أشخاص قضوا بقصف إسرائيلي على مدرسة للنازحين في غزة

خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)
خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)
TT

تشييع 6 أشخاص قضوا بقصف إسرائيلي على مدرسة للنازحين في غزة

خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)
خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)

تجمّع عشرات الأشخاص، السبت، في مدينة غزة لتشييع 6 أشخاص قضوا بالأمس في قصف إسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين، فيما عدته «حماس» «خرقاً واضحاً ومتجدداً لوقف إطلاق النار».

وكان الجيش الإسرائيلي قد قال، مساء الجمعة، ردّاً على استفسارات بشأن هذه الضربة إنه «خلال نشاط عملياتي في منطقة الخط الأصفر شمال قطاع غزة، تم رصد عدد من الأفراد المشبوهين في مراكز قيادة غرب الخط الأصفر»، مشيراً إلى أن قواته أطلقت النار على المشتبه بهم «للقضاء على التهديد».

وهو أقرّ بأنه «على علم بالادعاء المتعلق بوقوع إصابات في المنطقة، والتفاصيل قيد المراجعة»، معرباً عن أسفه «لأي ضرر لحق بالأفراد غير المتورطين»، وهو «يعمل على تخفيف الضرر قدر الإمكان».

خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين في غزة (أ.ب)

أما حركة «حماس»، فوصفت القصف المدفعي على مدرسة تؤوي نازحين في حيّ التفاح شرق مدينة غزة «وما أسفر عنه من استشهاد عددٍ من المواطنين، معظمهم من الأطفال» بأنه «جريمة وحشية تُرتكب بحقّ المدنيين الأبرياء، وخرق فاضح ومتجدّد لاتفاق وقف إطلاق النار».

وأشارت في بيان أصدرته، السبت، إلى أن «الاحتلال لا يكتفي باستهداف المدنيين، بل يُمعن في تعميق الكارثة الإنسانية عبر منع سيارات الإسعاف والطواقم الطبية من الوصول إلى أماكن الاستهداف لإسعاف المصابين، وعرقلة عمليات الإنقاذ».

وطالبت «الوسطاء الضامنين للاتفاق والإدارة الأميركية بالاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه هذه الانتهاكات».

السبت، أمام مشرحة مجمّع «الشفاء»، وقف رجل يحمل بين ذراعيه جثّة طفل ملفوفة بكفن أبيض، بحسب صور التقطتها كاميرا «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت 5 جثث أخرى مكفّنة مصفوفة على الأرض. وأقام رجال صلاة الجنازة قبل دفن الضحايا.

وكان الدفاع المدني في غزة قد أبلغ بدايةً «وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، عن «انتشال 5 شهداء جراء القصف الإسرائيلي لمركز إيواء مدرسة شهداء غزة» في حيّ التفاح شرق مدينة غزة.

والسبت، قال الناطق باسمه محمود بصل إن الحصيلة ارتفعت إلى 6 قتلى، في حين ما زال هناك شخصان مفقودان تحت الأنقاض.

فلسطيني يبكي شقيقه البالغ من العمر 5 أشهر الذي قُتل بقصف إسرائيلي أصاب مركز إيواء للنازحين بغزة (أ.ف.ب)

ومن بين الضحايا رضيع في شهره الرابع وفتاة في الرابعة عشرة من العمر وسيّدتان، وفق محمد أبو سلمية مدير مستشفى «الشفاء».

وقال نافذ النادر من أمام المستشفى: «هذه ليست هدنة، بل حمّام دماء نريده أن يتوقّف»، في إشارة إلى وقف إطلاق النار الساري منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) في غزة بين إسرائيل و«حماس».

وصرّح عبد الله النادر الذي فقد أقرباء له في الغارة الإسرائيلية: «كانت منطقة آمنة، مدرسة آمنة وفجأة بدأوا بإطلاق مقذوفات من دون سابق إنذار، مستهدفين نساءً وأطفالاً ومدنيين».

لا يزال وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر، هشّاً مع تبادل الجانبين الاتهامات بانتهاكه.

مقاتلون من «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

وبموجب الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل و«حماس» في غزة، انسحبت القوات الإسرائيلية إلى مواقع شرق ما تسميه «الخط الأصفر»، وهو خط غير محدد، داخل القطاع.

والسبت، أعلنت وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» في القطاع عن مقتل 401 فلسطيني على الأقلّ بنيران الجيش الإسرائيلي منذ سريان وقف إطلاق النار.

وقضى مذاك 3 جنود إسرائيليين في غزة.


رئيس المخابرات التركية ناقش مع «حماس» المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)
عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس المخابرات التركية ناقش مع «حماس» المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)
عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

ذكرت مصادر أمنية تركية ​أن رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين التقى اليوم السبت مع رئيس حركة «حماس» في ‌قطاع غزة ‌وكبير ⁠مفاوضيها ​خليل ‌الحية، وناقشا الإجراءات اللازمة للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة.

مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

وأوضحت المصادر، التي ⁠طلبت عدم الكشف عن ‌هويتها، أن ‍كالين التقى ‍بوفد «حماس» في ‍إسطنبول في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ،وأن الجانبين ​ناقشا الخطوات اللازمة لمنع ما وصفوها ⁠بانتهاكات إسرائيل لوقف إطلاق النار.

وأضافت، دون الخوض في التفاصيل، أنهما بحثا أيضاً الإجراءات اللازمة لحل القضايا العالقة تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة.


«حزب الله» محشور بـ«حصرية السلاح»... وحواره مع عون يراوح مكانه

كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)
كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)
TT

«حزب الله» محشور بـ«حصرية السلاح»... وحواره مع عون يراوح مكانه

كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)
كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)

تبقى الأنظار الدولية واللبنانية مشدودة إلى «حزب الله» لمعرفة مدى استعداده للتجاوب مع الخطة التي أعدّتها قيادة الجيش لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، على أن يبدأ ذلك من شمال نهر الليطاني فور الانتهاء من تنفيذ عملية سحب السلاح في منطقة جنوب النهر، وبمواكبة من قيادة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» ولجنة «الميكانيزم»، التي ستُعاود عقد اجتماعها في السابع من يناير (كانون الثاني) المقبل؛ حيث سيُدرج على جدول أعمالها تقويم مستوى الإنجاز الذي حققته الوحدات العسكرية عبر إحكام سيطرتها على جنوب النهر.

فـ«حزب الله» لا يزال يحتفظ بسلاحه، ولا يستخدمه التزاماً بوقف الأعمال العدائية، وحواره مع رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون يراوح مكانه، وهذا ما ينسحب أيضاً على تواصله بفرنسا ومصر.

وأشار مصدر وزاري إلى أن «حزب الله» يمتنع عن كشف أوراقه، ويصر، عبر تصريح أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، على رفع سقوفه السياسية، متهماً حكومة الرئيس نواف سلّام بارتكاب خطيئة لموافقتها على حصرية السلاح، رغم تأييده بيانها الوزاري الذي نصّ على احتكار الدولة للسلاح، ومشاركته في الحكومة بوزيرين على هذا الأساس.

وكشف المصدر أن القيادة الإيرانية لم تستجب لوساطة فرنسا ومصر بالتدخل لدى «حزب الله» لإقناعه بإعادة النظر في موقفه بتسهيل استكمال حصرية السلاح.

وقال إنه ترتب على موقفها خفض منسوب التواصل، سواء معها أو مع الحزب، الذي لم يتجاوب مع الوساطة التي قام بها مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، والذي اقترح عليه الموافقة على خطة قيادة الجيش لتطبيق حصرية السلاح، بوصفها الممر الإلزامي لبسط سلطة الدولة على أراضيها تنفيذاً للقرار «1701».

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل يتفقّد موقع تفجير منشأة «حزب الله» في الجنوب (مديرية التوجيه)

ورأى المصدر أن هناك مبالغة في الحديث عن استمرار التواصل بين الحزب ومصر، مؤكداً أنه أقل من المطلوب في ضوء عدم تجاوب الحزب مع الأفكار التي طرحها اللواء رشاد خلال زيارته إلى بيروت.

وأوضح أن أحمد مهنا، العضو في الفريق الذي يرأسه رئيس كتلة الحزب النائب محمد رعد، والمكلّف بالحوار مع رئيس الجمهورية ميشال عون، التقى مسؤول الأمن في السفارة المصرية على هامش زيارة رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي إلى بيروت.

وأكد أن اللقاء لم يدم طويلاً؛ نظراً لأن الحزب لم يبدل موقفه تجاوباً مع إصرار الحكومة على حصرية السلاح وعدم العودة عن قرارها في هذا الخصوص.

وقال إن مهنا هو مَن يتواصل مع العميد رحال، الذي يلتقي عند الضرورة برعد، وإن كان الحوار بدا متقطعاً في الآونة الأخيرة، لأن الحزب يمتنع عن كشف أوراقه، وأن ما يُنقل إلى رحال يبقى محصوراً بمواقفه العلنية التي اعتاد قاسم طرحها، ما يعني، من وجهة نظر رسمية، أن الحزب يرفض التقاط الفرص للانخراط في مشروع الدولة بتخليه عن سلاحه.

الرئيس اللبناني جوزيف عون لدى اجتماعه برئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في قصر بعبدا أمس (الرئاسة اللبنانية)

وكشف أن رشاد موجود حالياً، وبتكليف من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في واشنطن لحث الإدارة الأميركية على الضغط على إسرائيل، ومنعها من توسعة الحرب وإلزامها بوقف الأعمال العدائية.

وأكد أن تواصل عون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري مستمر، ويكاد يكون تعويضاً عن المراوحة التي طغت على حواره بالحزب. علماً بأن العميد رحال مكلف بتكثيف تواصله مع بري، ليس لأنه يحمل تفويضاً من «حزب الله» الذي كان وراء التوصل، مع الموفدين الأميركيين، إلى اتفاق لوقف النار برعاية واشنطن وباريس فحسب، بل لأنه الأقدر على استيعاب موقف الحزب وضبط أدائه، وقيادة عملية احتضانه التسوية من أجل إعادة الاستقرار إلى الجنوب. كما أنه يلتقي الموفدين الدوليين والعرب إلى لبنان، على عكس الحزب الذي لم يعد له حليف سوى إيران، واضعاً كل أوراقه في سلتها.

وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي إن على قيادة «حزب الله» أن تُدرك جيداً أن هدر الوقت ليس لمصلحتها، ولم يعد أمامها أي خيار سوى الانخراط في مشروع الدولة، مشروطاً بتسليم السلاح، لأنها لا تملك، على الأقل في المدى المنظور، القدرة على استخدامه.

وتساءل المصدر: ما الجدوى من إيداع السلاح بعهدة طهران لاستخدامه لإعادة الاعتبار لمفاوضاتها مع واشنطن، كونها وحدها القادرة على تقديم الثمن لها، في مقابل تسليمها السلاح لأنها صاحبة الحق فيه وأمنت وصوله للحزب؟

وأكّد المصدر أن لدى أصدقاء لبنان قناعة راسخة بامتناع الحزب عن التجاوب مع الوساطات؛ لأنه ماضٍ في وضع سلاحه بخدمة إيران ليكون في وسعها تحسين شروطها في حال أبدت واشنطن استعدادها لمعاودة المفاوضات. وقال إن موقفها يؤدي حتماً إلى حشر الدولة، ويزيد من الإرباك الذي تتخبط فيه قيادة الحزب، ولا تأخذ بالنصائح لإنزالها من أعلى الشجرة.

ومع أن المصدر لم يستبعد مجيء وزير خارجية إيران عباس عراقجي إلى بيروت، فإنه يؤكد أن لقاءاته لن تُقدّم أو تؤخر، وأنه لا مجال أمامه للإمساك بالورقة اللبنانية لتسييلها، بالمفهوم السياسي للكلمة، لفتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يقف عائقاً أمام استئناف مفاوضاتها مع واشنطن.

وعليه، يقف لبنان حالياً على مشارف حسم موقفه بإعداد جدول زمني لاستكمال حصرية السلاح، في ضوء فترة السماح التي أُعطيت له من قبل الدول التي شاركت في الاجتماع التحضيري الذي رعته باريس لانعقاد المؤتمر الدولي لدعم الجيش في فبراير (شباط) المقبل.

الدخان يتصاعد بعد غارات إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان هذا الأسبوع (أ.ف.ب)