في إطار خطة شاملة تهدف إلى تحسين وضعها الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أعلنت الجزائر عن إجراءات لتعزيز النظام الرقمي، وإنهاء استعمال النقود الورقية في المعاملة التجارية. ويعمل البنك المركزي (بنك الجزائر) على تسريع وتيرة التحضيرات، لضمان جاهزية البنوك والمؤسسات المالية للانتقال إلى نظام رقمي متكامل يُمهّد الطريق نحو التحرر التدريجي من الاقتصاد غير المهيكل، ويسهم في دعم جهود الجزائر للخروج من «القائمة الرمادية» للدول الأقل انخراطاً في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، وفق ما جاء في تصريحات لمحافظ البنك المركزي صلاح الدين طالب، نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية، السبت.

وفي غضون ثلاث سنوات، يُتوقع أن تعلن الجزائر رسمياً نهاية استعمال النقود الورقية في المعاملات التجارية، والانتقال إلى نموذج «صفر نقدي»، حسب طالب الذي أشار إلى أن «القانون النقدي والمصرفي» الجديد يتضمن «تعهداً واضحاً بتسريع عملية تحديث النظام المصرفي الوطني ورقمنته وتحويله إلى نظام رقمي، خصوصاً من خلال تأسيس اللجنة الوطنية للدفع، التي وضعت استراتيجية وطنية تهدف إلى الوصول إلى معاملات خالية من النقود الورقية بحلول عام 2028».
اقتصاد غير رسمي ضخم
يقول خبير الاقتصاد أحمد الحيدوسي، إن مشروع الحكومة، بإلغاء استخدام السيولة النقدية، «يمثل ثورة حقيقية في بلد تُقدر فيه قيمة الاقتصاد غير الرسمي ما بين 50 و60 مليار دولار، ولا تزال فيه المعاملات النقدية مهيمنة في كثير من القطاعات مثل التوزيع، والتجارة والزراعة». وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد صرّح يوم 28 سبتمبر (أيلول) 2021 بأن الأموال المتداوَلة في السوق الموازية الجزائرية تُقدر بـ90 مليار دولار.

وأكد صلاح الدين طالب أن بنك الجزائر «اتخذ تدابير عدة لتسريع تطوير وسائل الدفع الرقمية، ومكافحة هيمنة التعاملات النقدية». وأشار إلى توقيع وإصدار عدة نصوص تنظيمية تهدف إلى تحفيز رقمنة وسائل الدفع، من بينها: النص الذي يحدد شروط الترخيص لتأسيس واعتماد ومزاولة أنشطة مقدمي خدمات الدفع، متضمناً المبادئ العامة للتأسيس والاعتماد، والنص الذي ينظم قواعد ممارسة وعمل مقدمي خدمات الدفع، إضافة إلى نصوص أخرى تتعلق بشروط تأسيس ومزاولة نشاط البنوك الرقمية، وتنظيمها.

تفاؤل رسمي
وبحكم أن النقد في المعاملات وسيلة شائعة في عمليات غسل الأموال، تناول محافظ «بنك الجزائر» في تصريحاته، الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بهدف إبعاد الجزائر من «القائمة الرمادية» لـ«مجموعة العمل المالي» المعروفة اختصاراً بـ«جافي»، وهي هيئة دولية تضع معايير لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تأسست عام 1989 بمبادرة من «مجموعة الـ7».
وأعرب صلاح الدين طالب عن تفاؤله بشأن هذا الملف، قائلاً: «الجهود التي بذلتها الجزائر حظيت بإشادة من المقررين التابعين لفريق العمل المالي المشترك، وهو ما يعد اعترافاً بالتقدم المحرز، ومؤشراً إيجابياً يوحي بقرب خروج بلادنا من قائمة الدول الخاضعة للرقابة المشددة من طرف جافي».

تصنيف أوروبي
وفي يوليو (تموز) الماضي، أقر البرلمان الأوروبي، بأغلبية كبيرة، إدراج الجزائر ضمن قائمة الدول عالية الخطورة في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبمقتضى هذا القرار، ستصبح جميع التعاملات المالية مع الكيانات الجزائرية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي تحت المجهر والتدقيق المُشدَّد. ويمثل هذا التصنيف، وفقاً لمراقبين، نقطة تحول جديدة في العلاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، حيث شدّد المشرعون الأوروبيون على وجود «ثغرات عميقة في نظام الجزائر لمكافحة الجرائم المالية»، خصوصاً في ضعف متابعة رؤوس الأموال وقلة الرقابة على الجمعيات الأهلية، بالإضافة إلى قصور التعاون القضائي الدولي.
ورحبت النائبة الأوروبية لورانس تروشو، من مجموعة المحافظين والإصلاحيين، بهذا القرار، واصفة إياه عبر منصة «إكس» بأنه «خبر سار». ويُلزم هذا القرار، بعد دخوله طور التنفيذ، المؤسسات المالية الأوروبية بتطبيق مجموعة من الإجراءات المشددة في تعاملاتها مع الأطراف الجزائرية. وتشمل هذه الإجراءات تطبيق «تدابير يقظة قصوى»، وفرض رصد دقيق لمصادر الأموال وحركتها، وكذلك إخضاع التحويلات والتعاملات المالية لضوابط إضافية، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام فرنسية.
وبحسب الإعلام الفرنسي، يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال هذا التصنيف إلى تقليص مخاطر تمويل الأنشطة الممنوعة، والارتقاء بمستوى الشفافية في المعاملات مع الدول المُدرجة. وتشمل المراجعة الأخيرة التي نشرتها المفوضية الأوروبية لـ«قائمة الدول عالية المخاطر» حوالي 20 دولة. وقد أضاف التحديث الأخير كلاً من الجزائر، ولبنان، وأنغولا، وكوت ديفوار، وكينيا، ولاوس، وموناكو، وناميبيا، ونيبال، وفنزويلا. وفي المقابل، تم حذف بعض الدول من القائمة بعد إحرازها تقدماً ملحوظاً في إصلاح أنظمتها الرقابية.
وإثر صدور التقييم الأوروبي، تعهد وزير المالية الجزائري، عبد الكريم بوالزرد، في رده على سؤال برلماني حول هذا التصنيف السلبي، برفع «تقرير شامل» إلى مجموعة العمل المالي (GAFI)، يتضمن عرضاً مفصلاً عن الإصلاحات والإجراءات التي باشرتها الجزائر في إطار مكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة ومخاطر تمويل الإرهاب.
وأوضح أن التقرير سيغطي الفترة الممتدة من 2024 إلى 2026، ويتناول الجهود القانونية والتنظيمية والرقابية المبذولة لتعزيز شفافية النظام المالي، ورفع مستوى التزام الجزائر بالمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال.




