استقبال دافئ للرئيس السوري في الكرملين.. القواعد والمصالح المشتركة أبرز الملفات

الاتفاق على إعادة إطلاق عمل اللجنة الحكومية المشتركة

TT

استقبال دافئ للرئيس السوري في الكرملين.. القواعد والمصالح المشتركة أبرز الملفات

من محادثات الرئيسين بوتين والشرع في الكرملين (رويترز)
من محادثات الرئيسين بوتين والشرع في الكرملين (رويترز)

حظي الرئيس السوري أحمد الشرع باستقبال حافل في الكرملين في أول زيارة يقوم بها إلى العاصمة الروسية. ومع عبارات الترحيب الدافئة التي استهل بها الرئيس فلاديمير بوتين جولة مباحثات جرت في الجزء الأكبر منها خلف أبواب مغلقة، بدا أن ترتيبات الزيارة بدت متعمدة لطي صفحة الماضي وإطلاق مرحلة جديدة تستعيد ما وصفه الرئيسان بـ«العلاقات التاريخية» بين البلدين.

وجرى استقبال الشرع والوفد المرافق له في «القاعة الخضراء» في الكرملين، وهي قاعة الاستقبال الرسمية الأفخم في القصر الرئاسي، ولم يكن قد زارها الرئيس المخلوع بشار الأسد. وقد استقبل فيها بوتين في السابق عدداً محدوداً من زعماء العالم.

ورأى صحافيون أن هذا الترتيب عكس درجة من الحفاوة التي تعمد الكرملين إظهارها وهو يستقبل الرئيس السوري للمرة الأولى.

الرئيس السوري أحمد الشرع عند وصوله إلى الكرملين للقاء نظيره الروسي (أ.ب)

وبدا أن الرئيس السوري أراد بدوره توجيه رسالة ذات دلالة في مستهل اللقاء، فقد أشار مازحاً في مستهل حديثه مع بوتين إلى «السلم الطويل» الذي يقود إلى قاعة الكرملين، لافتاً إلى أنه «لولا ممارسة الرياضة لكان صعوده صعباً بعض الشيء».

مع تلك الإشارات، افتتح الرئيس الروسي الشق المعلن من اللقاء بعبارات ترحيبية دافئة، أكد فيها على عمق الصلات التاريخية التي ربطت روسيا بسوريا على مدى عقود طويلة، وقال إنها «علاقات متميزة اتسمت دائماً بطابع ودي استثنائي». وأكد رغبة موسكو في إجراء مشاورات منتظمة مع القيادة السورية.

وفي مسعى لتجاوز الحديث عن حقبة الرئيس السابق بشار الأسد، قال بوتين: «لقد حافظنا على علاقات دبلوماسية لأكثر من 80 عاماً، وقد تأسست في أصعب الأوقات التي مرت بها روسيا والاتحاد السوفياتي، عام 1944».

وفي عبارة حملت دلالة مهمة، أضاف بوتين أن علاقات بلاده مع دمشق «لم تنحصر يوماً في حالة سياسية معينة أو ظروف محيطة، ولطالما استرشدت موسكو بمصالح الشعب السوري في علاقاتها مع دمشق».

وأشاد بوتين أيضاً بالانتخابات البرلمانية التي جرت أخيراً في سوريا، ورأى فيها «نجاحاً باهراً» للقيادة السورية، وأضاف: «هذا يُسهم في ترسيخ دعائم المجتمع. ورغم أن سوريا تمر حالياً بأوقات عصيبة، إلا أن ذلك سيعزز الروابط والتفاعل بين جميع القوى السياسية».

من جانبه، أكد الشرع أن سوريا ستسعى جاهدة لتجديد علاقاتها مع روسيا، مع التركيز على الاستقرار في البلاد والمنطقة. وأشار إلى أن البلدين يتشاركان جسور تعاون مهمة. وشكر الرئيس السوري بوتين على الاستقبال، ووصف الزيارة بأنها «جدية».

الرئيس الشرع في لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين الأربعاء (نوفوستي)

وفي مستهل لقائه الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين، أكد الرئيس السوري أن سوريا ستحاول إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا، وأن الأهم الآن الاستقرار في البلاد والمنطقة. وشكر الشرع الرئيس بوتين على «الاستقبال والترحاب الحافل» في موسكو.

احترام الاتفاقات

وقال: «أؤكد على ما ذكرته بأن هناك علاقات تاريخية طويلة تربط ما بين سوريا وروسيا، واليوم نحن في سوريا الجديدة نحاول التعريف بها في كل دول العالم، وأن نعيد ربط العلاقات السياسية والاستراتيجية مع كل الدول الإقليمية والعالمية، وعلى رأسها بالتأكيد ستكون روسيا الاتحادية لأن هناك روابط تاريخية معها مثلما ذكرنا».

وأضاف الشرع: «وأيضاً هناك علاقات ثنائية ومصالح مشتركة، تربطنا أشياء كثيرة، وجزء من الغذاء السوري يعتمد على الإنتاج الروسي وأيضاً الكثير من محطات الطاقة تعتمد على الخبرات الروسية، وكثير من العلاقات السياسية والاستراتيجية الدولية والإقليمية مرتبطة أيضاً بروسيا».

وفي إشارة مهمة، أضاف الرئيس السوري أن بلاده «تحترم كل ما مضى من اتفاقيات وهذا التاريخ العظيم، ونحاول أن نعيد ونعرف بشكل جديد طبيعة هذه العلاقات وأن تكون هناك استقلالية للحالة السورية وسلامة ووحدة أراضيها واستقرارها الأمني المرتبط بالاستقرار الإقليمي والعالمي».

وكان الرئيس السوري مهد للزيارة بالإشارة خلال حديث أخير مع شبكة «سي بي إس»، إلى أن بلاده تبني علاقات هادئة مع موسكو وبكين على أساس المصالح الاستراتيجية. وقيّم أن «الشركاء أرسلوا إشارات إيجابية إلى دمشق». وأضاف أن الاتصالات مع روسيا والصين لا تتعارض مع العلاقات مع الغرب أو الولايات المتحدة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع في الكرملين بموسكو (الكرملين - وكالة الأنباء الألمانية)

هذا، وعقد الرئيسان بعد الجلسة المفتوحة اجتماعاً مغلقاً نظم على طاولة «إفطار عمل»، وفق وصف الكرملين، بحضور وزير الدفاع الروسي أندريه بيلاوسوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ونائب رئيس إدارة الرئاسة مكسيم أوريشكين، ومساعد الرئيس لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف، ونائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك.

وبدا أن اللقاء الذي استمر نحو ساعتين ونصف الساعة، قد تطرق إلى رزمة واسعة من الملفات التي تشكل أولوية لدى الطرفين. وعلى الرغم من أنه لم يتم الكشف عن تفاصيل كثيرة بشأنها لكن الكرملين كان استبق المباحثات بإشارات إلى عزم الرئيسين مناقشة ملف الوجود العسكري في سوريا ومسائل التعاون بين البلدين.

ورأى الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف أن هذا «يوم مهم للعلاقات الروسية السورية... أول لقاء مباشر على أعلى مستوى منذ تغيير السلطة في الجمهورية العربية السورية».

«إفطار عمل» جمع الرئيسين الروسي والسوري مع وفدي البلدين في الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

من جانبها نقلت وكالة أنباء «سانا» الحكومية السورية عن مديرية الإعلام في الرئاسة السورية، أن «المباحثات تشمل المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وسبل تطوير التعاون بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين»، وأن الشرع سيلتقي خلال زيارته القصيرة ومدتها يوم واحد فقط ممثلين عن الجالية السورية في روسيا.

ولم يرشح الكثير بعد اللقاء عن مضمون التفاهمات التي تم التوصل إليها، حتى كتابة التقرير، خصوصاً ما يتعلق بالوجود العسكري الروسي في سوريا. لكن تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، دلت إلى جانب مهم من مجريات اللقاء. فهو أعلن في ختام المحادثات التوصل إلى اتفاق لإعادة إطلاق عمل اللجنة الحكومية المشتركة وترتيب لقاء لأعضائها قريباً.

كما أشار إلى ملف قطاع الطاقة السوري الذي بدا أن الطرفين ركزا عليه خلال المحادثات، وقال نوفاك إن الحكومة السورية «مهتمة بإعادة تأهيل البنى التحتية للطاقة»، وأكد استعداد روسيا لمواصلة العمل في حقول النفط السورية.

وقال نوفاك: «تعمل الشركات الروسية في حقول النفط السورية منذ فترة طويلة. هناك حقول تحتاج إلى تطوير، وهناك حقول أخرى مُجمدة. وهناك حقول جديدة. نحن أيضاً مستعدون للمشاركة».

وأضاف أن الشركات الروسية مهتمة أيضاً بتطوير البنية التحتية للنقل وإعادة تأهيل قطاع الطاقة.

وزاد المسؤول الروسي عن ملف الطاقة في الحكومة أن «شركاتنا مهتمة باستخدام المعدات الروسية في سوريا. وقد نوقش هذا الأمر باستفاضة اليوم في الاجتماع بين الرئيس بوتين والرئيس الشرع».

وتحدث عن توافق على إرسال إمدادات مهمة من المواد الغذائية والأدوية إلى سوريا في إطار تعاون إنساني، مشيراً بشكل خاص إلى أهمية إرسال شحنات من الحبوب والقمح خصوصاً.


مقالات ذات صلة

بوتين مستعد للحوار مع ماكرون «إذا كانت هناك إرادة متبادلة»

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ) play-circle

بوتين مستعد للحوار مع ماكرون «إذا كانت هناك إرادة متبادلة»

أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده للحوار مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفق ما صرح المتحدث باسم الكرملين لوكالة أنباء «ريا نوفوستي».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المبعوثان الأميركي ستيف ويتكوف والروسي كيريل ديمترييف في اجتماع بسان بطرسبورغ يوم 11 أبريل (رويترز)

مبعوث بوتين الخاص: روسيا وأميركا تجريان مباحثات «بناءة» في ميامي

قال كيريل دميترييف، ‌المبعوث ‌الخاص ‌للرئيس ⁠الروسي ​فلاديمير ‌بوتين، إن روسيا والولايات المتحدة تجريان ⁠مناقشات بناءة ‌ستستمر ‍في ‍ميامي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
شمال افريقيا محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية الروسي في القاهرة السبت (الرئاسة المصرية)

مصر وروسيا… «شراكة استراتيجية» تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية

أعرب الرئيس المصري خلال لقاء لافروف، السبت، عن «تقديره لمسار العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو، التي تشهد نمواً متواصلاً في مختلف المجالات»

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا مشاركون في منتدى «الشراكة الروسي-الأفريقي» بالقاهرة (الخارجية المصرية)

«وزاري روسي-أفريقي» بالقاهرة يبحث تعميق الشراكة وحفظ السلم في القارة السمراء

بحث المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى «الشراكة الروسية-الأفريقية» بالقاهرة سبل «تعميق الشراكة» بين موسكو ودول القارة الأفريقية، إلى جانب «توسيع التعاون الاقتصادي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ خلال المفاوضات الأوكرانية - الأميركية بحضور المستشار الألماني فريدريش ميرتس بقاعة مؤتمرات في المستشارية ببرلين 14 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

ماراثون ميامي على مسارين لإنهاء حرب أوكرانيا

تتجه الأنظار إلى ميامي، لا بوصفها مدينة ساحلية أميركية فحسب، بل بوصفها مسرحاً دبلوماسياً لمحاولة جديدة قد تكون الأكثر حساسية منذ اندلاع الحرب الروسية -…

إيلي يوسف (واشنطن)

النازحون من جنوب لبنان ينتشرون في العمق... ويبدأون حياة جديدة

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
TT

النازحون من جنوب لبنان ينتشرون في العمق... ويبدأون حياة جديدة

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)

لا يزال نحو مائة ألف مواطن لبناني من الطائفة الشيعية، تهجروا من منازلهم ومناطقهم نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، يعيشون في مناطق متفرقة رغم مرور أكثر من عام على إعلان وقف النار.

الحرب، وإن كانت قد توقفت بشكل موسع، فإنها مستمرة بأشكال أخرى، سواء من خلال عمليات الاغتيال التي تطول عناصر وقياديي «حزب الله»، أو من خلال الاستهدافات لمبانٍ ومنشآت تقول إسرائيل إن الحزب يعمل فيها على إعادة بناء قدراته العسكرية.

بموازاة تأخير عملية إعادة الإعمار التي يُنظر إليها على أنها السبب الرئيسي لعدم عودة العدد الأكبر من النازحين إلى بلداتهم وقراهم، إلا أن الخشية المستمرة من تدحرج الأمور باتجاه حرب جديدة في أي وقت، تجعل القسم المتبقي يفضل مواصلة التمركز في مناطق تُعتبر مُحيّدة حيث لا نفوذ وسيطرة لـ«حزب الله».

عناصر من الجيش اللبناني بمحاذاة آلية استهدفتها غارة إسرائيلية في جبل لبنان الجنوبي الأربعاء (أ.ف.ب)

وتنتظر مئات العائلات النازحة دفعة جديدة من المال يفترض أن يؤمنها «حزب الله» لمن دُمرت منازلهم بدل إيجار وإيواء، بعدما كان قد أمّن هذه المبالغ قبل عام. وتشير المعلومات إلى أن هؤلاء تلقوا وعوداً ببدء قبض مستحقاتهم الأسبوع المقبل. أما المبلغ الإجمالي المطلوب فقدره 110 ملايين دولار.

توزعهم على المناطق

وحسب الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، فإن الشيعة النازحين توزعوا على عدة مناطق؛ من نزحوا من الشريط الحدودي وعددهم حوالي 90 ألفاً، نصفهم موجود في القرى الجنوبية القريبة، أي في صور والنبطية وصيدا وقضاء الزهراني وغيرها، ونصفهم الآخر موجود في الضاحية الجنوبية ومناطق بيروت، موضحاً أن «سكان الضاحية نزح حوالي 10 آلاف منهم، نصفهم إلى مناطق متفرقة من بيروت والنصف الآخر إلى مناطق متاخمة، وبالتحديد إلى ضواحي جبل لبنان القريبة من العاصمة كالحازمية والمنصورية وسن الفيل وغيرها».

منطقة اقتصادية

ونفى شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ما يتم الترويج له عن أن «حزب الله» يشتري شقق الراغبين ببيعها في الضاحية، لافتاً إلى أنه في المقابل «يصر على ألا تُدفع أموال للمتضررين إنما أن تتم عملية إعادة إعمار منازلهم بشكل مباشر خشية أن ينتقل هؤلاء للسكن في مناطق أخرى».

وأشار شمس الدين إلى «ازدياد الحديث عن منطقة اقتصادية ممتدة من الناقورة حتى شبعا بعمق 5 كلم، على أن تُنشأ شركة على غرار شركة (سوليدير) لإعادة الإعمار فيصبح من لهم أملاك في هذه المنطقة يحملون أسهماً في هذه الشركة من دون أن يتمكنوا من العودة للسكن فيها».

أبناء الشريط الحدودي

يبدو أن قسماً كبيراً من أبناء منطقة الشريط الحدودي وصلوا إلى قناعة في هذا المجال فأقدموا على نقل أعمالهم إلى مناطق سكنهم وحتى بدأوا أعمالاً جديدة، خاصة أولئك الذين كانوا يعملون في الزراعة والمواشي.

ويشير حسين.م (46 عاماً) إلى أنه ورغم تعلقه بأرضه فإنه لم يعد يفكر بالعودة إليها بعد أن وسّع أعماله في بيروت، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أنا كنت أعمل سنكرياً (مصلح السباكة) في بلدتي وكانت الأعمال محدودة. هنا في بيروت فرص العمل أكبر بكثير لذلك ها نحن نؤسس من جديد هنا».

عمال يعيدون ترميم كنيسة تضررت بفعل قصف إسرائيلي في بلدة ديردغيا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

من جهته، يستبعد الكاتب السياسي ورئيس تحرير موقع «جنوبية» علي الأمين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون أكثرية أبناء الشريط الحدودي فقدت الأمل بالعودة إلى قراها وإعادة إعمارها، «وإن صارت العودة هذه أمراً ليس بالهين واليسير، ودونها عقبات كبرى»، لافتاً إلى أن «ما تبدل أنهم أصبحوا أكثر جهوزية لتقبل عودة بشروط يدركون أنها ستكون قاسية عليهم، بسبب ما يعتقدون أن إسرائيل ستفرضه على إعادة الإعمار وعلى العائدين، علماً بأن القرى المدمرة ليست خالية تماماً فقد أتاحت إسرائيل للعديد من العائلات العودة ولكن بفرض قواعد وشروط تجعل السكان وكأنهم تحت سلطة الاحتلال، فأي عمل أو نشاط في هذه القرى يتطلب إذناً مسبقاً من الاحتلال ليوافق أو يرفض».

وضع سكان الضاحية

أما سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، فقد عاد كثيرون إليها بعد إعلان وقف النار، لكن أعداداً كبيرة أخرى لا تزال تؤجل العودة خشية اندلاع جولة حرب جديدة أو حتى تخطط لبيع ممتلكاتها هناك.

ويتحدث أمير ر. (35 عاماً) عن تجربته لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «إمكاناتنا المادية قبل نحو 10 سنوات لم تكن تسمح لنا بشراء منزل إلا في الضاحية، ولكننا كنا دائماً نفكر بالانتقال عندما تتحسن ظروفنا المعيشية... باغتتنا الأحداث الأخيرة واضطررنا لمغادرة منزلنا يوم اغتيال فؤاد شكر، لأنه عندها اعتبرنا أن الوضع الأمني لم يعد يسمح بالوجود في الضاحية وقد انتقلنا للسكن في منزل للإيجار في بعبدا لا نزال نسكن فيه لأن الوضع لا يزال غير مستقر»، لافتاً إلى أنه وعائلته اختاروا السكن في منطقة بعبدا باعتبارها قريبة من مدارس أولاده، «كما أن بعض أقاربنا وجيراننا اختاروا الحدث والشويفات وخلدة ودير قوبل».

ويؤكد أمير أنه «مع الوقت نخطط لبيع منزلنا الذي تضرر خلال الحرب، لكننا ننتظر كي يهدأ الوضع أكثر لنتمكن من تحصيل سعر جيد يخولنا شراء منزل آخر خارج الضاحية».

وقد عمد كثير من النازحين الذين يملكون الإمكانات والفرص للهجرة فيما يعمل آخرون لتحقيقها.


لبنان: «حزب الله» يخوض معركة قانون الانتخابات من موقع القلق

جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)
جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان: «حزب الله» يخوض معركة قانون الانتخابات من موقع القلق

جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)
جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)

لم تكن مقاطعة «القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب» لجلسة مجلس النواب الأخيرة، خطوة معزولة عن سياقها السياسي، بل شكّلت، وفق أوساط نيابية معارضة، ترجمة مباشرة للقلق من مسار تشريعي يُخشى أن يتحوّل مدخلاً إلى تعطيل الانتخابات أو تأجيلها تحت عناوين تقنية.

في هذا المناخ، عاد قانون انتخابات 2018 إلى الواجهة، ليس بوصفه نصاً إصلاحياً قيد التطوير، بل بوصفه قانوناً وُلد من تسوية سياسية ظرفية، ويُعاد استدعاؤه اليوم في لحظة اختلال سياسي حاد، مع ما يرافق ذلك من اشتباك حول بند مقاعد المغتربين، وتوقيت أي تعديل، وحدود ما يمكن تسويقه داخلياً وخارجياً.

قانون ابن لحظته السياسية

في هذا السياق، يقدّم الأمين العام لـ«الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» (LADE) عمار عبود قراءة تشخيصية لجذور الأزمة. ويقول عبود لـ«الشرق الأوسط» إنّ قانون الانتخابات المعمول به «لم يُصمَّم بوصفه قانوناً عملياً مستقراً بقدر ما وُلد من لحظة سياسية وصفقة بين القوى التي أقرّته»، عادّاً أنّ القانون الذي طُبّق للمرة الأولى في انتخابات عام 2018 «كان نتيجة تسوية بين أحزاب، صيغت بما يخدم توازنات تلك المرحلة ومصالح أطرافها».

ويضيف أنّ الإشكالية الأساسية اليوم تكمن في أنّ «المعطيات تبدّلت جذرياً بعد سبع سنوات، مع الأزمة والتحولات السياسية والاجتماعية»، ما يجعل النقاش حول تعديل القانون «أقرب إلى محاولة إعادة تكييفه مع توازنات سياسية جديدة»، محذّراً من أنّ هذا المسار «يتحوّل عملياً إلى إعادة توزيع ومحاصصة إذا جرى بمنطق حماية المكتسبات لا بمنطق إصلاح قواعد اللعبة الانتخابية».

بند المغتربين

أحد أبرز عناوين الاشتباك يتمثّل في بند المقاعد الستة المخصّصة للمغتربين. ويشير عبود إلى أنّ القوى السياسية في عام 2018 «اتّفقت على المبدأ لكنها رحّلت التفاصيل، فتمّ تثبيت فكرة المقاعد الستة من دون حسم كيفية تطبيقها». ويقول: «جرى تأجيل التنفيذ في الاستحقاقات اللاحقة، والآن عاد البند إلى الواجهة لأن النص بقي غامضاً: هل هي دائرة اغتراب واحدة ينتخب فيها جميع المغتربين ستة نواب؟ أم ست دوائر؟ وكيف يكون التوزيع الطائفي لهذه المقاعد؟ وما شروط الترشح لها؟ وما الجهة التي تشرف على العملية في الخارج؟ وكيف تُطبَّق الرقابة؟».

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال المؤتمر العام للحزب 2025 (القوات)

ويشدّد عبود على أنّ هذا الغموض يجعل تطبيق المادة «متعذّراً عملياً من دون تعديل تشريعي»، مؤكداً أنّ الخيارات الواقعية تنحصر بين «تفصيل النص بشكل واضح ليصبح قابلاً للتنفيذ، أو إلغاء المقاعد الستة»، وفي الحالتين «لا مفرّ من العودة إلى المجلس النيابي».

كواليس التأجيل

لكن خلف النقاش القانوني، تكشف مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط» أنّ التداول في الكواليس ذهب أبعد من ذلك، إذ طُرح خيار تأجيل الانتخابات دورة كاملة. ويقول مصدر نيابي إنّ هذا الطرح «هرطقة دستورية»، موضحاً أنّ التأجيل، إن حصل، «لا يكون إلا مرحلياً أو تقنياً ولمدّة محدودة، غالباً سنة واحدة، ولا يمكن تبريره قانونياً لدورة كاملة».

جنازة رئيس أركان «حزب الله» هيثم الطبطبائي وآخرين قُتلوا معه بضربة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويضيف المصدر أنّ هذا الطرح قُوبل برفض واضح من دبلوماسيين غربيين، شدّدوا خلال اتصالاتهم مع المسؤولين اللبنانيين على أنّ أي تأجيل طويل «غير مقبول دولياً»، و«لا يمكن تسويقه بوصفه خطوة إصلاحية أو تقنية».

وحسب المصدر، أعاد المسؤولون اللبنانيون الترويج لصيغة بديلة تقوم على «تأجيل تقني محدود حتى شهر يوليو (تموز) المقبل، تُقدَّم بوصفها تخريجة تسمح بإجراء تعديلات لوجيستية، من بينها إتاحة مشاركة المغتربين عبر انتخابهم داخل لبنان، بدلاً من الذهاب إلى تطبيق ملتبس للمقاعد الستة في الخارج».

تاريخ القوانين الانتخابية

في السياق الأوسع، يقدّم الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين قراءة تاريخية تضيء على طبيعة النقاش الحالي. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ الانتخابات النيابية العامة في لبنان أُجريت 16 مرة منذ الاستقلال عام 1943 وحتى اليوم، فيما عُدِّل قانون الانتخاب نحو 10 مرات، لافتاً إلى أنّ «الدافع الأساسي وراء هذه التعديلات لم يكن تحسين صحة التمثيل، بل حسابات القوى السياسية قُبيل كل استحقاق، حيث تسعى كل جهة إلى تعديل القانون في التوقيت الذي يخدم مصلحتها ويُحرج القوى الأخرى».

ويوضح شمس الدين أنّ «جميع القوانين الانتخابية التي عُدِّلت أو اعتُمدت جاءت عملياً على قياس القوى السياسية، ولم تُحقّق الهدف المعلن منها، أي تصحيح التمثيل»، مشيراً إلى أنّ «الانتقال في انتخابات 2018 و2022 من النظام الأكثري إلى النظام النسبي لم يكن انتقالاً سليماً، إذ جاءت النسبية مشوّهة، لكنها مع ذلك حقّقت مصالح واضحة للقوى السياسية، ما يفسّر تمسّكها بهذا القانون في انتخابات 2022، واستمرار التمسّك به حتى انتخابات 2026».

ويضيف أنّ «النقاش الدائر حالياً لا يتناول جوهر القانون، بل يقتصر على تعديلات طفيفة»، موضحاً أنّ «الحديث لا يشمل إعادة النظر بحجم الدوائر أو بطريقة الاقتراع، بل ينحصر في مسائل فرعية، مثل مقاعد المغتربين الستة أو 128 مقعداً، والكوتة النسائية من عدمها، أو خفض سن الاقتراع إلى 18 أو إبقائه عند 21 عاماً»، مؤكداً أنّ «جوهر القانون الانتخابي نفسه خارج أي نقاش جدي، رغم أنّ هذه النقاط تبقى أقل أهمية من معالجة الأساس الذي يُفترض أن يقوم عليه أي قانون انتخابي عادل».

السلاح في قلب المعادلة

غير أنّ هذا السجال، وفق معارضين، لا ينفصل عن معضلة السلاح. فملف الانتخابات بات ورقة ضغط في مواجهة تصاعد المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، وسط مخاوف من أن يتحوّل التأجيل، أو التلويح به، إلى أداة مقايضة سياسية، تقوم على إرجاء الاستحقاق أو تعديل قواعده مقابل تهدئة النقاش حول سلاح «حزب الله» أو ترحيله إلى مرحلة لاحقة.

وتشير مصادر معارضة لـ«حزب الله»، إلى أنّ بعض القوى، لا سيما «الثنائي الشيعي»، تخوض معركة القانون من موقع القلق، في ظل تراجع شعبيتها بعد الحرب والأزمة الاقتصادية، ما يعزّز الإغراء باستخدام أدوات التعطيل أو شراء الوقت، سواء عبر مقاطعة أو عبر فتح باب تعديلات متأخرة.

تحذير من لعبة الوقت

في خضم هذا المشهد، يحذّر عبود من فتح باب التعديلات في توقيت قاتل، قائلاً إنّ النقاش في القانون «قبل أشهر من موعد الانتخابات يخالف أبسط المبادئ الديمقراطية».

ويحذّر من أنّ استمرار المراوحة حول تفسير النصوص أو تجنّب الحسم التشريعي «يدفع البلاد إلى طريق مسدود»، لأن الحكومة «لا تستطيع تطبيق مادة غير محددة الشروط، فيما يتحوّل الخلاف السياسي إلى لعبة وقت قد تُستخدم ذريعة لفتح الباب أمام سيناريوهات التأجيل، بدل الذهاب إلى انتخابات في موعدها، وبقواعد واضحة، تعكس إرادة الناخبين لا حسابات القوى السياسية».


لـ«منع إقامة دولة فلسطينية»... إسرائيل تقر إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة

صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

لـ«منع إقامة دولة فلسطينية»... إسرائيل تقر إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة

صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

وافق المجلس الأمني في إسرائيل، الأحد، على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة قال وزير المال اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إنها تهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية».

ووفق بيان صادر عن مكتب سموتريتش، فإنه وبموجب هذا الإعلان يرتفع عدد المستوطنات التي تمت الموافقة عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى 69 مستوطنة.

وتأتي الموافقة الإسرائيلية بعد أيام على إعلان الأمم المتحدة تسارع وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية بحيث بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2017 على الأقل، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وجاء في بيان مكتب سموتريتش: «تمت الموافقة في المجلس الوزاري المصغّر على اقتراح وزير المالية ووزير الدفاع يسرائيل كاتس لإقرار وتنظيم 19 مستوطنة جديدة» في الضفة الغربية المحتلة.

ووصف البيان الخطوة بأنها «تاريخية»، وتهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية. وقال سموتريتش: «على أرض الواقع، نحن نمنع إقامة دولة إرهاب فلسطينية».

وأضاف: «سنواصل تطوير وبناء وتعزيز الاستيطان في أرض تراثنا التاريخي، إيماناً بعدالة الطريق الذي نسلكه».

وبحسب البيان: «تُعد مواقع هذه المستوطنات ذات أهمية استراتيجية عالية، ويتصدرها إعادة إقامة مستوطنتي غانيم وكاديم» اللتين سبق أن أزيلتا في شمال الضفة الغربية قبل نحو عقدين.

ومن بين المستوطنات التي تمت الموافقة عليها أيضاً، خمس مستوطنات عشوائية كانت قائمة بالفعل لكنها لم تكن تتمتع بوضع قانوني.

تأجيج التوترات

كان الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش دان «التوسع المستمر» للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وقال في وقت سابق من الشهر الجاري «هذا التوسع يواصل تأجيج التوترات، ويعيق وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم، ويهدد قابلية قيام دولة فلسطينية مستقلة تمامًا، ديموقراطية، متصلة جغرافيًا وذات سيادة».

ومنذ اندلاع الحرب على غزة، تزايدت الدعوات لإقامة دولة فلسطينية، إذ أعلنت عدة دول أوروبية إلى جانب كل من كندا وأستراليا اعترافها بفلسطين كدولة ما أثار غضب إسرائيل.

وقال غوتيريش «تمثل هذه الأرقام زيادة حادة مقارنة بالسنوات السابقة»، مشيرًا إلى أن متوسط عدد الوحدات السكنية الاستيطانية التي أُضيفت سنويًا بين عامي 2017 و2022 بلغ 12.815 وحدة.

وأضاف «هذه التطورات تُرسّخ الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتنتهك القانون الدولي، وتقوّض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير».

كما كانت إسرائيل أقرت الصيف الماضي مشروع (إي وان) الاستيطاني الذي من شأنه فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وأثار بدوره ردود فعل فلسطينية ودولية غاضبة.

ويعتبر المشروع من أكبر المشاريع الاستيطانية التي أعلنت عنها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا وخصوصا أنه سيضمن بناء 3400 وحدة استيطانية جديدة وتوسعة مستوطنة معاليه أدوميم الواقعة إلى الشرق من القدس.

تحذير من ضم الضفة الغربية

كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد حذر إسرائيل من ضم الضفة الغربية وهي خطوة يحاول وزراء في الحكومة اليمينية في إسرائيل تطبيقها بأسرع وقت ممكن.

وباستثناء القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل وضمتها مع الضفة الغربية عام 1967، يعيش نحو 500 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، بالإضافة إلى نحو ثلاثة ملايين فلسطيني.

وسبق أن قال ترمب في مقابلة مع مجلة «تايم»، «ستفقد إسرائيل كل دعمها من الولايات المتحدة إذا تم ذلك».

وتُعدّ جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي، فيما تُعتبر البؤر الاستيطانية غير قانونية أيضا بموجب القانون الإسرائيلي.

تصاعد العنف

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصاعداً في هجمات مستوطنين إسرائيليين، خصوصا من البؤر الاستيطانية، استهدفت فلسطينيين وناشطين إسرائيليين وأجانب مناهضين للاستيطان، وأحياناً جنوداً إسرائيليين.

كما تصاعدت أعمال العنف في أنحاء الضفة منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، قُتل ما لا يقل عن 1027 فلسطينياً، بينهم مسلحون، في الضفة الغربية برصاص القوات الإسرائيلية والمستوطنين منذ بدء الحرب.

وفي الفترة نفسها، قُتل 44 إسرائيلياً، بينهم جنود، في هجمات نفذها فلسطينيون في الضفة الغربية، وفق أرقام رسمية إسرائيلية.