عمالقة التكنولوجيا يناورون وسط عواصف حرب التجارة

«أبل» تزيد استثماراتها في بكين و«فوكسكون» تقلّل المخاوف و«إيه إس إم إل» تطمئن الأسواق

هواتف «آيفون» ذكية من شركة «أبل» في أحد المعارض بمدينة مومباي الهندية (رويترز)
هواتف «آيفون» ذكية من شركة «أبل» في أحد المعارض بمدينة مومباي الهندية (رويترز)
TT

عمالقة التكنولوجيا يناورون وسط عواصف حرب التجارة

هواتف «آيفون» ذكية من شركة «أبل» في أحد المعارض بمدينة مومباي الهندية (رويترز)
هواتف «آيفون» ذكية من شركة «أبل» في أحد المعارض بمدينة مومباي الهندية (رويترز)

في وقت تتصاعد فيه المواجهة التجارية بين واشنطن وبكين، تتبنى شركات التكنولوجيا العملاقة مواقف حذرة، ومتوازنة، تحاول من خلالها حماية مصالحها في أكبر سوقين للتكنولوجيا في العالم. فبينما أعلن تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» من بكين عن خطط لزيادة الاستثمار في الصين، أكد رئيس «فوكسكون» التايوانية أن تأثير القيود الصينية على المعادن النادرة «محدود حالياً»، بينما شدد المدير المالي لشركة «إيه إس إم إل» الهولندية على أن تراجع مبيعاتها في الصين «لا يرتبط بتخزين مسبق»، في إشارة إلى أن كبرى الشركات تحاول الإبقاء على خطوط الإمداد مفتوحة رغم الضغوط السياسية.

• «أبل» تختار الصين رغم ضغوط واشنطن وقال كوك خلال لقائه وزير الصناعة الصيني لي تشنغ في بكين، يوم الأربعاء، إن «أبل» «ستواصل تعزيز استثماراتها في الصين»، بحسب بيان رسمي لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات. وأكد الوزير الصيني أن بلاده «تتطلع إلى أن تواصل (أبل) استكشاف السوق الصينية، والنمو مع مورديها المحليين»، مشيراً إلى التزام الحكومة بتوفير «بيئة أعمال مستقرة وجذابة» للشركات الأجنبية. ورغم سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الداعية إلى «إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي»، يبدو أن «أبل» اختارت مساراً أكثر توازناً، إذ تعتمد الشركة بشدة على سلاسل التوريد الصينية التي تضم مئات الموردين، ومصانع التجميع الكبرى مثل «فوكسكون» و«بيغاترون». وخلال زيارته إلى الصين، زار كوك متجر «أبل» في شنغهاي، والتقى مطورين محليين، ومصممين صينيين، في خطوة رمزية تعكس تمسك الشركة بعلاقاتها مع السوق الصينية. كما أعلنت «أبل» مؤخراً عن صندوق طاقة نظيفة بقيمة 720 مليون يوان (101 مليون دولار)، بهدف دعم المشاريع البيئية في الصين. وتُظهر بيانات شركة الأبحاث «آي دي سي» أن شحنات «آيفون» في الصين ارتفعت بنسبة 0.6 في المائة خلال الربع الثالث من 2025 لتصل إلى 10.8 مليون وحدة، رغم تباطؤ سوق الهواتف الذكية الصينية.

* «فوكسكون» تقلل المخاطر وفي تايبيه، قال رئيس مجلس إدارة «فوكسكون»، يونغ ليو، إن القيود الصينية الجديدة على تصدير المعادن النادرة لن تؤثر على الشركة في الوقت الحالي، لكنه حذر من أن استمرار التصعيد قد يضر بجميع القطاعات الصناعية. وأوضح ليو للصحافيين: «إذا استمرت القيود وتوسعت التوترات، فإن التأثير سيشمل جميع الصناعات، وليس (فوكسكون) فقط. لكن على المدى القصير، التأثير محدود للغاية». وكانت الصين قد وسعت الأسبوع الماضي قائمة المعادن النادرة الخاضعة للرقابة، مضيفة خمسة عناصر جديدة إلى قائمة التصدير، وفرضت تدقيقاً إضافياً على المستخدمين في قطاع أشباه الموصلات، في خطوة وُصفت بأنها رد على القيود الأميركية الجديدة على صادرات التكنولوجيا إلى بكين. وتعد «فوكسكون» أكبر مُجمّع لأجهزة «آيفون»، وأكبر مصنع لخوادم «إنفيديا»، وقد استفادت من الطفرة العالمية في الذكاء الاصطناعي، محققة إيرادات قياسية في الربع الثالث من 2025. وكشف ليو أنه التقى مؤخراً الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» سام ألتمان لبحث التعاون في مشاريع مستقبلية، دون أن يقدم تفاصيل إضافية.

* «إيه إس إم إل» تنفي «التخزين في الصين» وفي أوروبا، أكد المدير المالي لشركة «إيه إس إم إل»، روجر داسن، أن الانخفاض المتوقع في مبيعات الشركة إلى الصين خلال العام المقبل لا يرتبط بعمليات تخزين مسبقة. وقال داسن في مؤتمر صحافي بهولندا: «الأنظمة التي نشحنها موجودة فعلياً داخل مصانع الرقائق، وليست مخزنة في المستودعات، ولذلك أستبعد تماماً فرضية التخزين». وأشارت الشركة -وهي أكبر مورّد في العالم لمعدات تصنيع الرقائق الإلكترونية- في تقرير أرباحها إلى أنها تتوقع انخفاضاً كبيراً في الطلب من الصين خلال 2026 بعد عام قوي من المبيعات، حيث مثّلت الطلبات الصينية 42 في المائة من إجمالي مبيعاتها في الربع الثالث من 2025. وتأتي هذه التصريحات وسط تكثيف الولايات المتحدة ضغوطها على هولندا لتقييد تصدير معدات الطباعة الضوئية المتقدمة (EUV) إلى الصين، بدعوى منع استخدامها في تصنيع رقائق متقدمة لأغراض عسكرية.

* سباق التوازن بين واشنطن وبكين تُظهر هذه التطورات كيف تحاول شركات التكنولوجيا الكبرى المناورة في المشهد الجيوسياسي المعقد بين الولايات المتحدة والصين. وبينما «أبل» لا تزال تعتمد على الصين باعتبارها «قاعدة إنتاج استراتيجية»، لكنها تسعى في الوقت نفسه إلى توسيع التصنيع في الهند وفيتنام. أما «فوكسكون» فتدير سلسلة توريد ضخمة تمتد بين آسيا وأميركا، وتحاول حماية أعمالها من أي اضطرابات في المواد الخام. وفي المقابل، تواجه «إيه إس إم إل» ضغوطاً سياسية من الجانبين، إذ تعتبرها واشنطن أداة استراتيجية في معركتها التكنولوجية مع بكين. وقال شيه فنغ، السفير الصيني في الولايات المتحدة، خلال منتدى في واشنطن هذا الأسبوع: «لطالما كانت الشركات التجارية جسر التواصل بين بلدينا، ومحرّكاً للتعاون العملي. الكثير من الشركات الأميركية اختارت الصين، وهذا الخيار يخدم مصالح الطرفين». وفي ظل اشتداد التوتر التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، تسعى هذه الشركات إلى الحفاظ على توازن دقيق بين السياسات والربحية... فالصين تبقى سوقاً ضخمة لا يمكن تجاهلها، في حين تمثل الولايات المتحدة مركز الثقل السياسي والتقني لشركات التكنولوجيا العالمية. وبين بكين وواشنطن، تمضي «أبل» و«فوكسكون» و«إيه إس إم إل»، وغيرها من عمالقة التكنولوجيا على خيط دقيق... محاولة ألا تقع بين المطرقة والسندان.


مقالات ذات صلة

العقود الآجلة الأميركية تصعد مع تجدد الحماس للذكاء الاصطناعي

الاقتصاد متداول يراقب شاشات تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (إ.ب.أ)

العقود الآجلة الأميركية تصعد مع تجدد الحماس للذكاء الاصطناعي

افتتحت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية أسبوع التداول القصير بسبب عطلة عيد الميلاد على ارتفاع مدفوعة بصعود أسهم التكنولوجيا

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد صورة لمخطط مؤشر الأسهم الألماني «داكس» ببورصة فرنكفورت (رويترز)

قطاعا التكنولوجيا والسلع يدعمان ثبات الأسهم الأوروبية

استقرت الأسهم الأوروبية، يوم الاثنين، مدعومة بمكاسب أسهم التكنولوجيا والسلع، بينما بدأ المستثمرون أسبوعاً قصيراً بسبب العطلة بأداء ضعيف

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداول في بنك «هانا» بسيول يراقب مؤشر «كوسبي» وسعر صرف الدولار مقابل الوون (أ.ب)

الأسهم الآسيوية ترتفع مع صعود أسهم الذكاء الاصطناعي في «وول ستريت»

ارتفعت الأسهم الآسيوية، يوم الاثنين، في حين تراجع الين الياباني، متأثرةً بالمكاسب القوية التي حققتها أسهم شركات الذكاء الاصطناعي في «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا تبدأ العملية الاحتيالية برسالة من جهة اتصال موثوقة (رويترز)

ماذا نعرف عن «الاقتران الخفي» أحدث طرق الاحتيال عبر «واتساب»؟

تنتشر حالياً عملية احتيال جديدة ومتطورة تستهدف مستخدمي تطبيق «واتساب» تسمى «الاقتران الخفي»... ماذا نعرف عنها؟ وكيف نحمي أنفسنا؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تكنولوجيا يورينا نوغوتشي البالغة من العمر 32 عاماً تتحدث مع كلاوس شريكها في الذكاء الاصطناعي عبر تطبيق «شات جي بي تي» خلال تناول العشاء في منزلها بطوكيو (رويترز)

خبراء: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يقلل من نشاط الدماغ

أفاد تقرير بأن تفويض بعض المهام إلى الذكاء الاصطناعي يقلل من نشاط الدماغ؛ بل وقد يضر بمهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إيطاليا تغرّم «أبل» 115 مليون دولار لاستغلال هيمنتها على متجر التطبيقات

شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)
شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)
TT

إيطاليا تغرّم «أبل» 115 مليون دولار لاستغلال هيمنتها على متجر التطبيقات

شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)
شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)

أعلنت هيئة المنافسة الإيطالية، يوم الاثنين، أنها فرضت غرامة قدرها 98.6 مليون يورو (115.53 مليون دولار) على عملاق التكنولوجيا الأميركي «أبل» واثنين من فروعها، بتهمة إساءة استخدام موقعها المهيمن في سوق تطبيقات الهواتف المحمولة.

وقالت الهيئة إن المجموعة انتهكت، على ما يبدو، القواعد الأوروبية المنظمة لمتجر تطبيقات «أبل»؛ حيث تتمتع بهيمنة شبه مطلقة في تعاملها مع مطوري التطبيقات من الأطراف الثالثة. وكانت الهيئة قد فتحت تحقيقاً مع الشركة في مايو (أيار) 2023، متهمة إياها بمعاقبة مطوري تطبيقات الطرف الثالث من خلال فرض «سياسة خصوصية أكثر تقييداً» عليهم اعتباراً من أبريل (نيسان) 2021، وفق «رويترز».

وأفادت شركة «أبل»، في بيان رسمي، بأنها ترفض رفضاً قاطعاً قرار الهيئة، معتبرة أنه يتجاهل الضمانات الأساسية والجوهرية لحماية الخصوصية التي توفرها ميزة «شفافية تتبع التطبيقات (إيه تي تي)».

وقالت هيئة المنافسة الإيطالية إن «أبل» اشترطت على مطوري تطبيقات الطرف الثالث الحصول على موافقة صريحة من المستخدمين لجمع البيانات وربطها لأغراض إعلانية، وذلك عبر نافذة «إيه تي تي» التي فرضتها الشركة.

وأضافت الهيئة، في بيانها، أن «شروط سياسة (إيه تي تي) فُرضت بشكل أحادي، وأضرت بالمصالح التجارية لشركاء (أبل)، كما أنها لا تتناسب مع هدف حماية الخصوصية الذي تدعي الشركة تحقيقه»، مؤكدة أن هذه الممارسات لا تتوافق مع لوائح الخصوصية المعمول بها.

وأشارت الهيئة إلى أن المطورين أُجبروا كذلك على تكرار طلبات الموافقة من المستخدمين لنفس الأغراض، ما زاد من القيود المفروضة عليهم.

من جانبها، أوضحت «أبل» أن نظام «إيه تي تي» صُمم «لمنح المستخدمين وسيلة واضحة وبسيطة للتحكم فيما إذا كانت الشركات تستطيع تتبع أنشطتهم عبر التطبيقات والمواقع الإلكترونية الأخرى»، مؤكدة أن القواعد تُطبق بالتساوي على جميع المطورين، بمَن فيهم «أبل» نفسها.

وأكدت الشركة أنها ستطعن في قرار الهيئة التنظيمية، مجددة التزامها «بالدفاع عن حماية قوية وفعالة لخصوصية المستخدمين».

بدورها، أوضحت هيئة المنافسة وحماية المستهلك الإيطالية أن التحقيق كان معقداً، ونُفذ بالتنسيق مع المفوضية الأوروبية وهيئات دولية أخرى معنية بمكافحة الاحتكار.


ترمب يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية... والرسوم تتصدّر المشهد في 2026

دونالد ترمب يغادر المنصة بعد إلقاء كلمته في مركز فعاليات روكي ماونت بمدينة روكي ماونت في كارولاينا الشمالية 19 ديسمبر 2025 (أ.ب)
دونالد ترمب يغادر المنصة بعد إلقاء كلمته في مركز فعاليات روكي ماونت بمدينة روكي ماونت في كارولاينا الشمالية 19 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

ترمب يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية... والرسوم تتصدّر المشهد في 2026

دونالد ترمب يغادر المنصة بعد إلقاء كلمته في مركز فعاليات روكي ماونت بمدينة روكي ماونت في كارولاينا الشمالية 19 ديسمبر 2025 (أ.ب)
دونالد ترمب يغادر المنصة بعد إلقاء كلمته في مركز فعاليات روكي ماونت بمدينة روكي ماونت في كارولاينا الشمالية 19 ديسمبر 2025 (أ.ب)

أدت عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 2025 إلى سنة صاخبة للتجارة العالمية، مع موجات من الرسوم الجمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، رفعت الضرائب على الواردات إلى أعلى مستوياتها منذ الكساد الكبير، وأثارت اضطرابات في الأسواق المالية، وأطلقت جولات من المفاوضات حول الصفقات التجارية والاستثمارية.

سيظل تأثير سياسات ترمب التجارية -وردود الفعل العالمية عليها- محور الاهتمام في 2026، لكنها تواجه بعض التحديات الكبيرة.

ما حدث في 2025

أسهمت إجراءات ترمب التي هدفت بشكل عام إلى إنعاش قاعدة التصنيع المتراجعة، في رفع متوسط معدل الرسوم الجمركية إلى نحو 17 في المائة مقارنة بأقل من 3 في المائة نهاية 2024، وفقاً لمختبر «موازنة ييل»، وتدر الرسوم الآن نحو 30 مليار دولار شهرياً إلى خزينة الولايات المتحدة.

ودفعت هذه الإجراءات زعماء العالم للتوجه إلى واشنطن بحثاً عن صفقات لخفض المعدلات، غالباً مقابل التزامات بمليارات الدولارات من الاستثمارات الأميركية. وقد تم التوصل إلى صفقات إطار عمل مع عدد من الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وغيرهم، لكن الاتفاق النهائي مع الصين لا يزال غير مكتمل على الرغم من جولات متعددة من المفاوضات واجتماع وجهاً لوجه بين ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ.

وتعرّض الاتحاد الأوروبي لانتقادات عديدة، بسبب اتفاقه الذي فرض رسوماً بنسبة 15 في المائة على صادراته والتزاماً غامضاً باستثمارات أميركية ضخمة. ووصف رئيس وزراء فرنسا، آنذاك، فرنسوا بايرو، ذلك بأنه عمل استسلام ويوم «مظلم» للكتلة، فيما عدّه آخرون «الصفقة الأقل سوءاً» المتاحة.

منذ ذلك الحين، تكيّف المصدرون والاقتصادات الأوروبية بصفة عامة مع معدل الرسوم الجديد، بفضل الإعفاءات المختلفة وقدرتهم على إيجاد أسواق بديلة. وقدَّر بنك «سوسيتيه جنرال» الفرنسي أن التأثير المباشر الإجمالي للرسوم يعادل فقط 0.37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة.

في الوقت نفسه، تجاوز فائض الصين التجاري توقعات ترمب، ليصل إلى أكثر من تريليون دولار؛ إذ نجحت البلاد في التنويع بعيداً عن الولايات المتحدة، وتحريك قطاع التصنيع إلى مراحل أعلى من القيمة المضافة، واستخدام النفوذ الذي اكتسبته في المعادن النادرة -وهي مدخلات حاسمة للأمن الغربي- للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا للحد من فائضها.

ما لم يحدث بشكل ملحوظ هو الكارثة الاقتصادية أو التضخم المرتفع الذي توقعه العديد من الاقتصاديين نتيجة رسوم ترمب الجمركية.

عانى الاقتصاد الأميركي من انكماش طفيف في الربع الأول نتيجة السباق لاستيراد البضائع قبل سريان الرسوم، لكنه تعافى سريعاً واستمر في النمو بوتيرة أعلى من الاتجاه الطبيعي بفضل طفرة ضخمة في استثمارات الذكاء الاصطناعي وإنفاق المستهلكين القوي. في الواقع، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي مرتَين بعد إعلان ترمب الرسوم الجمركية يوم «التحرير» في أبريل (نيسان)، مع تراجع حالة عدم اليقين وإبرام صفقات لتقليل المعدلات المعلنة أصلاً.

تُظهر هذه الصورة التوضيحية علم الولايات المتحدة وملصقاً مكتوباً عليه «رسوم جمركية» (رويترز)

ما الذي تجب مراقبته في 2026 ولماذا يهم؟

من أبرز المجهولات لعام 2026 هو ما إذا كان سيُسمح بالاحتفاظ بالعديد من رسوم ترمب الجمركية. وقد طُعن في الأساس القانوني الجديد لما أطلق عليه «الرسوم المتبادلة» على سلع من دول محددة، وكذلك على الرسوم المفروضة على الصين وكندا والمكسيك المتعلقة بتدفق «الفينتانيل» إلى الولايات المتحدة، أمام المحكمة العليا الأميركية في أواخر 2025، ومن المتوقع صدور قرار في أوائل 2026.

تصر إدارة ترمب على أنه يمكنها الانتقال إلى سلطات قانونية أخرى أكثر رسوخاً للحفاظ على الرسوم إذا خسرت، لكنها أكثر تعقيداً وغالباً محدودة النطاق، لذا فإن خسارة الإدارة في المحكمة العليا قد تدفع إلى إعادة التفاوض على الصفقات التي أُبرمت حتى الآن، أو تفتح حقبة جديدة من عدم اليقين حول مصير الرسوم.

ومن المهم بالقدر نفسه لأوروبا ما يحدث في علاقتها التجارية مع الصين التي كانت لسنوات وجهة موثوقة لمصدريها؛ فقد ساعد خفض قيمة اليوان والتحرك التدريجي لشركات الصين نحو مستويات أعلى في سلسلة القيمة على تعزيز صادراتها، في حين كافحت الشركات الأوروبية لاختراق السوق المحلية الصينية المتباطئة. ومن الأسئلة الرئيسية لعام 2026 ما إذا كانت أوروبا ستستخدم أخيراً الرسوم الجمركية أو تدابير أخرى، لمعالجة ما بدأ بعض المسؤولين يسمونه «عدم التوازن» في العلاقات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي.

كما تبرز الجهود لإنهاء صفقة أميركية-صينية بشكل نهائي. الاتفاق الهش الذي تم التوصل إليه في محادثات هذا العام سينتهي في النصف الثاني من 2026، ومن المقرر أن يلتقي ترمب وشي مرتَين على مدار العام.

وأخيراً، ستخضع اتفاقية التجارة الحرة مع أكبر شريكَين تجاريَّين للولايات المتحدة -كندا والمكسيك- للمراجعة في 2026، وسط حالة من عدم اليقين حول ما إذا كان ترمب سيترك الاتفاقية تنتهي أو سيحاول تعديلها بما يتوافق مع تفضيلاته.

لقطة من الجو لمحطة حاويات في شنغهاي الصين (أ.ب)

ما يقوله المحللون

قال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «كور إنفستمنتس»، رئيس معهد الاستثمار في شركة «أكسا» لإدارة الاستثمارات، كريس إيغو، خلال مكالمة هاتفية لمناقشة توقعات عام 2026: «يبدو أن الإدارة تتراجع عن موقفها المتشدد بشأن الرسوم الجمركية، بهدف التخفيف من حدة بعض مشكلات التضخم والأسعار. لذا، فإن هذا الأمر أقل إثارة للقلق بالنسبة إلى الأسواق. وقد يكون له أثر إيجابي طفيف على توقعات التضخم إذا خُفّضت الرسوم الجمركية أو على الأقل عدم زيادتها».

وأضاف، قبيل الانتخابات النصفية في وقت لاحق من هذا العام: «لن تكون الحرب التجارية مع الصين في صالح الولايات المتحدة، بل سيكون التوصل إلى اتفاق أفضل سياسياً واقتصادياً بالنسبة إلى توقعاتها».


برلمان تركيا يقرّ مشروع موازنة 2026 مع توقعات بتراجع كبير للتضخم

البرلمان التركي وافق على مشروع موزانة العام 2026 في خلسة عاصفة (الموقع الرسمي للبرلمان)
البرلمان التركي وافق على مشروع موزانة العام 2026 في خلسة عاصفة (الموقع الرسمي للبرلمان)
TT

برلمان تركيا يقرّ مشروع موازنة 2026 مع توقعات بتراجع كبير للتضخم

البرلمان التركي وافق على مشروع موزانة العام 2026 في خلسة عاصفة (الموقع الرسمي للبرلمان)
البرلمان التركي وافق على مشروع موزانة العام 2026 في خلسة عاصفة (الموقع الرسمي للبرلمان)

توقعت الحكومة التركية انخفاض معدل التضخم السنوي خلال العام 2026 إلى ما دون الـ20 في المائة وإعادته إلى خانة الآحاد في عام 2027.

وقال نائب الرئيس التركي، جودت يلماظ، إن الحكومة تتحرك من خلال برنامجها الاقتصادي متوسط المدى بخطوات تعزز جانب العرض مع العمل على إدارة الطلب، و«نهدف إلى خفض التضخم إلى أقل من 20 في المائة في عام 2026، والوصول إلى خانة الآحاد مجدداً في عام 2027».

وأضاف يلماظ، في كلمة خلال الجلسة الختامية للبرلمان التركي لإقرار مشروع موازنة عام 2026، أن نجاح البرنامج تجلى بوضوح في بيانات شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث انخفض التضخم السنوي في أسعار المستهلكين إلى 31.1 في المائة، وتضخم أسعار السلع إلى 18.6 في المائة.

توقعات التضخم

وتابع يلماظ: «نتوقع استمرار اتجاه هبوط التضخم في ديسمبر (كانون الأول)، وأن نُنهي عام 2025 بنسبة تزيد قليلاً على 30 في المائة. كما نتوقع أن تُظهر أرقام التضخم في يناير (كانون الثاني) معدلات تضخم في حدود العشرينات».

كان البنك المركزي التركي توقع أن يتراجع التضخم في نهاية العام الحالي إلى 24 في المائة، لكنه ظل هدفاً بعيداً عن الأرقام التي سجلت في شهر نوفمبر، والتي تشير إلى أن التضخم في نهاية العام قد يواصل بمعدل يدور حول 30 في المائة.

شهدت الجلسة الختامية لمناقشة مشروع موازنة 2026 اشتباكات بالأيدي بين نواب من الحكومة والمعارضة (إعلام تركي)

ووافق البرلمان التركي، ليل الأحد – الاثنين، بعد جلسة عاصفة شهدت اشتباكات بالأيدي بين نواب حزبَي «العدالة والتنمية»، الحاكم، و«الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، على خلفية هجوم نائب الحزب الحاكم عن مدينة بورصة (غرب) وزير الصناعة والتكنولوجيا السابق، مصطفى فارانك، على رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، في موضوعات لا تتعلق بمناقشات مشروع الموازنة.

كما وافق البرلمان على مشروع قانون الحسابات الختامية للحكومة لعام 2024.

ملامح الموازنة

وحسب مشروع الموازنة ستبلغ المصروفات 18 تريليوناً و929 مليار ليرة، والإيرادات 16 تريليوناً و216 مليار ليرة (الدولار يساوي 42.80 ليرة تركية)، ومن المتوقع أن يبلغ نمو الاقتصادي 3.3 في المائة في نهاية العام الحالي، وهو المعدل الذي تحقق عام 2024، وأن يبلغ 3.8 في المائة في عام 2026، وأن يبلغ حجم الصادرات 282 مليار دولار، مع هدف 16 في المائة للتضخم.

نائب الرئيس التركي، جودت بلماظ، متحدثا خلال الخلسة الختامية لمناقشة مشروع الموازنة (من حسابه في إكس)

وقال يلماظ إن توجه الحكومة يقوم على اقتصاد أكثر استقراراً، وأسس اقتصادية كلية أقوى، ونمو شامل، وأن هذا المسعى سيستمر بحزم من خلال إصلاحات هيكلية تدعم الاستثمار والتوظيف والإنتاج والصادرات حتى الوصول إلى هدف التضخم ذي الرقم الأحادي.

وأضاف أن اقتصاد تركيا سيصبح في المرتبة الـ16 عالمياً من حيث القيمة الاسمية، والـ11 من حيث تعادل القوة الشرائية في نهاية العام الحالي، بحجم يتجاوز 1.5 تريليون دولار.

وأشار إلى أن الاحتياطيات الإجمالية للبنك المركزي بلغت 190.8 مليار دولار حتى 12 ديسمبر الحالي، بزيادة 27.3 مليار دولار مقارنة بالعام الماضي.

واستنكر يلماظ تصريحات نائب رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري، مراد أمير، بشأن أرقام النمو، قائلاً: «لقد زعم أننا كذبنا في الإحصاءات... يمكنك القول إنها غير مكتملة، ويمكنك الانتقاد، لكن أن تقول إننا كذبنا، فهذا أمر لا يليق بكم».

عوامل خارجية إيجابية

وأكد يلماظ أن الاقتصاد التركي واصل نموه بثبات على أسس متوازنة ومستدامة في عام 2025، وهو عام هيمنت عليه المخاطر والشكوك على مستوى العالم، مضيفاً: «نتوقع أن يكون الوضع الخارجي أكثر إيجابية نسبياً من حيث النمو ومكافحة التضخم في عام 2026».

تركيا تتوقع زيادة حجم التجارة الصادرات في 2026 مع عوامل خارجية مواتية (إكس)

وأشار يلماظ إلى أن التحول الرقمي الذي يركز على الرقمنة في العالم قد خلق «وضعاً طبيعياً جديداً» تهيمن عليه الخلافات السياسية المتزايدة والصراعات والقيود المفروضة على التجارة، وأن العالم يواجه الكثير من التحديات، مثل الأوبئة، وتغير المناخ، والهجرة، والطاقة، والمعادن الحيوية والتحول الديموغرافي.

وقال يلماظ إنه في هذه الفترة العصيبة ستكون الدول التي تتبع سياسات متوازنة وقابلة للتنبؤ أكثر قدرة على الصمود في وجه الصدمات الخارجية، وأنه في بيئة تتسم بتقلبات اقتصادية حادة، أصبح الانضباط المالي والبنية المالية المتينة أهم درع يحمي الاقتصاد والبنية الاجتماعية.

وشدد على أنه يتم اعتماد نهج أكثر حذراً واستراتيجية عند وضع الخطط المالية، مع مراعاة المخاطر الحالية والمستقبلية على حد سواء.