الوسطاء أمام اختبار صعب بشأن المراحل المقبلة من «اتفاق غزة»

السيسي يطالب بتنفيذه كاملاً... و«حماس» تتهم إسرائيل بارتكاب خروقات

يجلس طفل فوق مركبة محملة بالأمتعة بينما يعود الفلسطينيون النازحون إلى منازلهم في منطقة الزهراء شمال مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يجلس طفل فوق مركبة محملة بالأمتعة بينما يعود الفلسطينيون النازحون إلى منازلهم في منطقة الزهراء شمال مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

الوسطاء أمام اختبار صعب بشأن المراحل المقبلة من «اتفاق غزة»

يجلس طفل فوق مركبة محملة بالأمتعة بينما يعود الفلسطينيون النازحون إلى منازلهم في منطقة الزهراء شمال مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يجلس طفل فوق مركبة محملة بالأمتعة بينما يعود الفلسطينيون النازحون إلى منازلهم في منطقة الزهراء شمال مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

بدأ الوسطاء مفاوضات المراحل التالية من اتفاق الحرب في قطاع غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية، بعد إنجاز أولى المراحل بتسليم الرهائن الإسرائيليين الأحياء الـ20، ونحو ألفَي أسير فلسطيني، وانسحابات إسرائيلية تدريجية.

المراحل التالية التي وُصفت من جانب الوسيط القطري بأنها «صعبة»، تستهدف إنشاء إدارة لغزة، وضم عناصر شرطية فلسطينية جديد للقطاع ونزع سلاح «حماس». وهي قضايا يرى خبراء تحدَّثوا لـ«الشرق الأوسط»، أنها «ستُشكِّل اختباراً صعباً للغاية أمام الوسطاء، لا سيما في ظل مواقف الحركة حول رفض تسليم السلاح، والجدل بشأن الإشراف الدولي على الإدارة الفلسطينية المستقلة».

ويستبعد الخبراء، «أن تُحسَم كل تلك الملفات وغيرها كإعمار غزة، بنهاية العام الحالي، باستثناء ملف إدارة القطاع في ظل خروقات إسرائيلية متوقعة وجهود أكبر من الوسطاء والإدارة الأميركية لتجاوز أي تداعيات محتملة».

وكشف المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، الثلاثاء، عن أن «الخطوات التالية بعد اتفاق وقف الحرب، ستكون صعبةً للغاية، وأنه تم إرجاء كثير من مناقشات المرحلة الثانية لضمان إنجاز المرحلة الأولى التي استضافتها شرم الشيخ قبل أيام، وتُوِّجت باتفاق الخميس»، وفق مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الإخبارية الأميركية.

وأكد الأنصاري، «بدء مناقشات صعبة حول كيفية تأمين الوضع وإدارته، وضمان عدم العودة إلى الحرب في غزة مجدداً»، لافتاً إلى أن المحادثات «بدأت بالفعل في شرم الشيخ، وأن هناك فرقاً تعمل على مدار الساعة؛ لضمان عدم وجود أي فاصل زمني بين المرحلتين الأولى والثانية».

وجاءت تصريحات الأنصاري التي نقلتها قناة «الجزيرة» القطرية الثلاثاء، غداة توقيع قادة الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا، خلال قمة في مدينة شرم الشيخ المصرية، وثيقة اتفاق غزة لضمان إنهاء الحرب.

وأفادت الرئاسة المصرية، في بيان صحافي مساء الاثنين، بأن «القمة تناولت أهمية التعاون بين أطراف المجتمع الدولي لتوفير كل السبل من أجل متابعة تنفيذ بنود الاتفاق، وضرورة البدء في التشاور حول سُبل وآليات تنفيذ المراحل المقبلة لخطة الرئيس ترمب للتسوية، بدءاً من المسائل المتعلقة بالحوكمة وتوفير الأمن، وإعادة إعمار قطاع غزة، وانتهاءً بالمسار السياسي للتسوية».

قادة الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا يوقّعون خلال قمة دولية في مدينة شرم الشيخ المصرية وثيقة اتفاق غزة لضمان إنهاء الحرب (الرئاسة المصرية)

في ضوء تلك التطورات، يرى الخبير السياسي المصري عمرو الشوبكي، أن «الوسطاء أمام اختبار صعب في المراحل المقبلة، لا سيما المرحلة الثانية المتعلقة بتسليم سلاح (حماس) وهذا موضوع شائك، والإدارة المستقلة للقطاع وعلاقاتها بمجلس السلام الدولي الذي يرأسه ترمب، وكذلك قوات الشرطة التي جرى تدريبها في مصر والأردن مؤخراً في ظل وجود عناصر (حماس) الحاليين، بخلاف الجزء الثالث المتعلق بالإعمار و(حل الدولتين)».

ويعتقد، أن «دور الوسطاء سيكون مهماً رغم صعوبته في المرحلة الثانية، ويحتاجون لدعم المجتمع الدولي في المرحلة الثالثة؛ للتغلب على أي عقبات».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أيمن الرقب، أن المرحلة الأولى التي انتهت بعد ساعات من انطلاقها، وشملت إطلاق سراح الرهائن والأسرى، «كانت سهلةً مقارنة بمراحل تالية هي الأصعب، وقد تأخذ وقتاً أكبر، خصوصاً في المرحلة الثانية المتعلقة بتشكيل لجنة لإدارة غزة ونزع سلاح حركة (حماس)، ودخول قوات شرطية لأداء مهام أمنية مع انسحابات إسرائيلية تدريجية»، مشيراً إلى أن «الضوء الأخضر الأميركي، لوجود عناصر الحركة بسلاح خفيف بالقطاع، يمكن البناء عليه لاحقاً للذهاب لأي حلول وسطية».

ويعتقد الرقب، أن المعوقات ستستمر في أي مفاوضات، لا سيما في إعادة الإعمار، مستدركاً: «لكن نعتقد أن الجهود، لا سيما المصرية، ستعجِّل بخطوات أكبر في هذا المسار».

طفل يحمل طبقاً بلاستيكياً بينما يعود الفلسطينيون النازحون إلى منازلهم في منطقة الزهراء شمال مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

أول خلاف

ميدانياً، نقلت وسائل إعلام فلسطينية عن الناطق باسم حركة «حماس»، حازم قاسم، قوله: «إن قَتْلَ جيش الاحتلال عدداً من أهالي قطاع غزة، صباح الثلاثاء، في حي الشجاعية شرق مدينة غزة عبر القصف وإطلاق النار، انتهاكٌ لاتفاق وقف إطلاق النار»، داعياً الوسطاء لإلزام إسرائيل بالاتفاق.

ومن جانبه، تحدَّث الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر حسابه الرسمي في «إكس»، عن «رصد عدد من المشتبه بهم، عبروا الخط الأصفر، واقتربوا من القوات المشارِكة في عمليات بشمال قطاع غزة».

وجاء تبادل الاتهام، غداة كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عن أن حركة «حماس» حصلت على «ضوء أخضر» للقيام بالعمليات الأمنية الداخلية التي تقوم بها في قطاع غزة، قائلاً إن الحركة تريد «وقف المشكلات» و«أعطيناهم الموافقة لفترة من الوقت».

في حين كشفت هيئة البث الإسرائيلية، عن أن إسرائيل قرَّرت عدم فتح الجانب الفلسطيني من «معبر رفح» الحدودي الأربعاء، وتقليص المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة، حتى يتم نقل جثث جميع القتلى الذين تحتجزهم «حماس»... وذلك أول خلاف بينهما في تطبيق خطة ترمب الذي قال بقمة شرم الشيخ، إن مسألة إعادة الجثامين ستواجه صعوبات ولكنها لن تحبط الاتفاق، بحسب ما نقلته «رويترز».

وأشارت هيئة البث إلى أنه «بعد أن أعادت (حماس) 4 جثث فقط من أصل 28، أبلغت مصر إسرائيل أنها تعتزم تشكيل فريق من ممثلين مصريين وقطريين وأتراك لدخول قطاع غزة من أجل إيجاد حلول مع (حماس) لإعادة القتلى».

ورغم الخلافات، لا يستبعد الشوبكي حدوث نجاح لتنفيذ المرحلة الثانية رغم العقبات، مع إيجاد حلول بشأن إدارة غزة، على أن يكون ذلك قبل نهاية 2025، في حين تُرحَّل باقي القضايا لعام 2026.

ويستبعد الرقب، الانتهاء من تنفيذ اتفاق غزة بنهاية العام الحالي، مشدداً على «أن الخروقات ومنع المساعدات وتوقيف خطوات إسرائيلية، مسائل متوقعة لكنها من باب الضغط، ولن تستمر طويلاً في ظل رغبة الرئيس الأميركي في وقف الحرب، وهذا سيمنع إسرائيل من التلاعب كثيراً».


مقالات ذات صلة

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

العالم العربي الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي دخان يتصاعد بعد الغارات الإسرائيلية شرق مدينة غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:36

مقتل 6 فلسطينيين في غارات إسرائيلية على جنوب غزة

قتل 6 فلسطينيين وأصيب آخرون مساء أمس الأربعاء، في غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية آليات تابعة للاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس بالضفة الغربية يوم الثلاثاء (إ.ب.أ) play-circle

إسرائيل تتأهب لتصعيد من الضفة... وتمدد عملياتها لأسبوعين

تستعد إسرائيل لتصعيد أكبر في الضفة الغربية يشمل هجمات فلسطينية محتملة على خلفية العملية العسكرية المتواصلة في شمال الضفة التي تم تمديدها لأسبوعين إضافيين

كفاح زبون (رام الله)
العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle

مصر تُكذّب مزاعم إسرائيل حول فتح معبر رفح للخروج فقط

كذّبت مصر مزاعم إسرائيلية حول الاتفاق على فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان غزة فقط، في وقت هاجم فيه مقاتلو «حماس» جيش الاحتلال جنوب القطاع.

محمد محمود (القاهرة) «الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري طفل فلسطيني نازح يقف على أنقاض المباني المدمرة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري مؤتمر «إعمار غزة»... مصر تتجه لـ«رئاسة مشتركة» مع أميركا لإحداث «اختراق»

تحركات مصرية جديدة للدفع نحو عقد مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار» في قطاع غزة، مع تصريحات رسمية من القاهرة عن مشاورات لـ«رئاسة مشتركة» للمؤتمر مع واشنطن

محمد محمود (القاهرة )

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.