اشتعلت فصول جديدة من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مع انتقال المواجهة إلى المواني العالمية وقطاع بناء السفن، فيما وصفه مراقبون بأنه أوسع تصعيد متبادل منذ أشهر.
فقد أعلنت بكين، الثلاثاء، فرض عقوبات على خمس شركات تابعة لشركة «هانوا أوشن» الكورية الجنوبية المرتبطة بأنشطة في الولايات المتحدة؛ وذلك في رد مباشر على تحقيقات أميركية تستهدف الصناعة البحرية الصينية.
وقالت وزارة التجارة الصينية في بيان إن الشركات الخمس «قدّمت المساعدة والدعم لتحقيقات أجرتها الحكومة الأميركية؛ ما ألحق الضرر بسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية»، مؤكدة أن «كل الكيانات والأفراد داخل الصين ممنوعون من التعامل أو التعاون مع هذه الشركات بأي شكل».
ولم تصدر شركة «هانوا أوشن» تعليقاً رسمياً على العقوبات، بينما تراجع سهمها في بورصة سيول بنسبة 5.3 في المائة صباح الثلاثاء، وتراجعت أسهم منافستها «هيونداي للصناعات الثقيلة» بنسبة 4.4 في المائة تأثراً بالأجواء السلبية في القطاع.
* استثمارات ضخمة في أميركا
وتأتي الخطوة الصينية بعد أقل من شهرين من إعلان «هانوا أوشن» عن استثمار إضافي بقيمة 5 مليارات دولار في حوض بناء السفن بفيلادلفيا، الذي استحوذت عليه عام 2024 مقابل 100 مليون دولار، ضمن خطة مشتركة بين سيول وواشنطن لإحياء صناعة بناء السفن الأميركية.
وتعهدت الحكومة الكورية الجنوبية حينها بتوفير تمويل يصل إلى 150 مليار دولار لدعم القطاع البحري الأميركي، في وقت تعمل فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تقليص اعتماد واشنطن على أحواض السفن الصينية وتعزيز قدرات التصنيع الدفاعي.
وأفادت وكالة «رويترز» بأن إدارة ترمب تعدّ التعاون مع كوريا الجنوبية واليابان «حيوياً» لإنعاش القطاع، في حين كشفت مصادر عن أن شركة «هيونداي» تجري مفاوضات منفصلة للاستحواذ على أحواض أميركية إضافية.

* مواني تتحول جبهات صراع
وبالتزامن مع هذه التطورات، أعلنت الصين رسمياً بدء فرض رسوم مواني جديدة على السفن الأميركية ابتداءً من الثلاثاء، في خطوة وصفتها بأنها «إجراءات مضادة عادلة» للرسوم التي فرضتها واشنطن على السفن المرتبطة بالصين، وتبدأ في اليوم نفسه.
ونقلت قناة «سي سي تي في» الرسمية عن وزارة النقل الصينية قولها إن الرسوم تشمل السفن «المملوكة أو المشغّلة من جهات أميركية، أو تلك التي ترفع العَلم الأميركي أو بُنيت في الولايات المتحدة»، لكنها استثنت السفن التي بُنيت في الصين من هذه الرسوم. كما تشمل قائمة الإعفاءات السفن الفارغة التي تدخل أحواض بناء السفن الصينية لأعمال الإصلاح.
وحسب الوزارة، سيُفرض رسم الميناء عند أول محطة دخول في كل رحلة، أو على أول خمس رحلات سنوياً، مع بدء دورة الفوترة في 17 أبريل (نيسان) من كل عام، في حين سيُمنع دخول السفن المخالفة إلى المواني الصينية حتى سداد الرسوم المستحقة.

* تحذيرات من «حرب بحرية اقتصادية»
وجاء القرار الصيني بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة الماضي، أنه سيرفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 100 في المائة ابتداءً من الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كما سيُفعّل قيوداً جديدة على تصدير البرمجيات الحيوية، رداً على تشديد بكين ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في التكنولوجيا والطاقة المتقدمة.
وقالت وزارة التجارة الصينية إنها أبلغت واشنطن مسبقاً بهذه الضوابط من خلال قنوات الحوار الاقتصادي الثنائي، لكنها حذَّرت من أن «الولايات المتحدة لا يمكنها الدعوة إلى محادثات وفي الوقت نفسه التهديد بإجراءات تقييدية جديدة»، مؤكدة أن هذه السياسة «ليست الطريقة الصحيحة للتعامل مع الصين».
وأكد متحدث باسم الوزارة أن الإجراءات الجديدة «تهدف إلى حماية الأمن القومي الصيني وضمان استقرار سلاسل الإنتاج والتوريد العالمية»، نافياً أن تكون هذه الضوابط بمثابة «حظر للتصدير».
* كوريا الجنوبية في مرمى النار
وبينما تستهدف المواجهة المباشرة بين واشنطن وبكين تعزيز النفوذ في الصناعات الاستراتيجية، فإن كوريا الجنوبية وجدت نفسها فجأة في قلب المعركة. إذ تُدير «هانوا أوشن» منشأة إنتاج في مقاطعة شاندونغ الصينية تُصنّع وحدات لمكونات السفن، تُنقل لاحقاً إلى كوريا للتجميع النهائي؛ ما يجعلها في وضع حساس بين شريكيها التجاريين الرئيسيين.
ورأى محللون أن العقوبات الصينية ضد الشركة تمثل «رسالة مزدوجة» إلى كل من واشنطن وسيول، مفادها أن بكين لن تتسامح مع انخراط الشركات الآسيوية في مشاريع تدعم الاستراتيجية الأميركية لكبح النفوذ الصناعي الصيني.
* فصل جديد من النزاع
ويرى خبراء في التجارة الدولية أن حرب الرسوم البحرية تمثل تطوراً نوعياً في الصراع الاقتصادي بين القوتين العظميين، بعد أن كانت المعركة تتركز سابقاً على الإلكترونيات والمعادن والتكنولوجيا.
ويحذر هؤلاء من أن استمرار تبادل العقوبات قد يؤدي إلى شلل في سلاسل الإمداد البحرية العالمية، ويؤثر على أسعار الشحن والطاقة والتجارة الدولية، في وقت لا تزال فيه الأسواق تتعافى من تبعات الحرب في أوكرانيا واضطرابات البحر الأحمر.
وقال أحد المحللين في بكين إن «المواني أصبحت الآن خطوط تماس اقتصادية بين واشنطن وبكين... وما بدأ حربَ تعريفاتٍ يتحول تدريجياً مواجهة شاملة على السيطرة اللوجيستية العالمية».
