صادرات الصين تتفوق على التوقعات... وتجدد حرب التجارة يهدد المكاسب

تغيرات في تحركات المعادن النادرة... وفول الصويا يثير قلق الأسواق

آلاف الحاويات في ميناء شنغهاي الصيني (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات في ميناء شنغهاي الصيني (أ.ف.ب)
TT

صادرات الصين تتفوق على التوقعات... وتجدد حرب التجارة يهدد المكاسب

آلاف الحاويات في ميناء شنغهاي الصيني (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات في ميناء شنغهاي الصيني (أ.ف.ب)

سجّلت صادرات الصين في سبتمبر (أيلول) الماضي قفزة تفوق التوقعات، مما أنعش الآمال بمرونة الاقتصاد الثاني عالمياً رغم تباطؤ الطلب المحلي. لكن التفاؤل لم يدم؛ إذ سرعان ما أعادت التهديدات الجمركية المتبادلة بين بكين وواشنطن المخاوف إلى الواجهة، في أحدث فصول حرب تجارية تتجدد مع كل شهر.

وأظهرت بيانات الجمارك الصادرة يوم الاثنين أن صادرات الصين ارتفعت بنسبة 8.3 في المائة على أساس سنوي، مسجلة أسرع وتيرة نمو منذ مارس (آذار) الماضي، مقابل 4.4 في المائة في أغسطس (آب)، ومتجاوزة توقعات المحللين عند 6 في المائة. أما الواردات فارتفعت بنسبة 7.4 في المائة، في أفضل أداء منذ أبريل (نيسان) 2024؛ ما يعكس انتعاشاً في نشاط الاستيراد الصناعي.

لكن هذه الأرقام الإيجابية طغت عليها الاضطرابات المتصاعدة في العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الجمعة الماضية فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100 في المائة على السلع الصينية بدءاً من الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، رداً على توسّع بكين في قيود تصدير المعادن النادرة الحيوية لصناعات التكنولوجيا والطاقة.

• تصدير قوي للأسواق الناشئة... وتراجع حاد نحو أميركا

وتُظهر البيانات أن النمو الصيني تحقق بفضل الأسواق غير الأميركية. فقد تراجعت الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 27 في المائة على أساس سنوي، للشهر السادس على التوالي، في حين قفزت الشحنات إلى الاتحاد الأوروبي وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا بنسب 14 و15.6 و56 في المائة على التوالي. وقال شو تيانشن، كبير الاقتصاديين في وحدة «إيكونوميست إنتليجينس» ببكين، إن «الولايات المتحدة تمثل الآن أقل من 10 في المائة من الصادرات الصينية المباشرة، لكن أي رسوم جديدة بنسبة 100 في المائة ستُضاعف الضغط على قطاع التصدير». ومع ذلك، يحذر محللون من أن هذا التحول في الأسواق الخارجية لا يعني نهاية الخطر؛ إذ يواجه المصنعون الصينيون سباقاً لتأمين حصصهم في أسواق بديلة، مما يضغط على هوامش أرباحهم ويدفعهم إلى خفض التكاليف والأجور وتسريح العمال.

• المعادن النادرة... سلاح اقتصادي

وتزامن صعود الصادرات مع انخفاض حاد في صادرات المعادن النادرة الصينية بنسبة 31 في المائة في سبتمبر مقارنة بشهر أغسطس، لتسجل أدنى مستوى منذ فبراير (شباط). ويرى محللون أن بكين تستخدم هذه القيود كورقة ضغط في المواجهة التجارية؛ إذ تُعدّ الصين المنتج والمصدّر الأكبر لأكثر من 90 في المائة من المعادن الأرضية النادرة التي تدخل في صناعة السيارات الكهربائية والطائرات والرادارات وأنظمة الطاقة المتجددة.

وقال كوري كومبس، رئيس أبحاث المعادن في شركة «تريفيوم تشاينا»، إن «تراجع الشحنات لا يعود لعامل واحد، بل لمجموعة من السياسات والتشديدات المتعمدة في تراخيص التصدير؛ ما يثير تساؤلات حول مدى تأثيرها على الولايات المتحدة وأوروبا في المدى القريب».

• فول الصويا... حرب غذائية موازية

وفي موازاة تصاعد النزاع، أظهرت بيانات الجمارك أن واردات الصين من فول الصويا بلغت 12.87 مليون طن في سبتمبر، ثاني أعلى مستوى على الإطلاق، بزيادة 13 في المائة عن العام الماضي، مدفوعة بمشتريات قوية من البرازيل والأرجنتين، في حين واصلت الصين تجنب شراء فول الصويا الأميركي. وقالت روزا وانغ، المحللة في شركة «جيه سي آي» للاستشارات الزراعية في شنغهاي، إن «بكين باتت تعتمد أكثر على أميركا الجنوبية لتأمين إمداداتها، وهو ما يضعف المزارعين الأميركيين الذين خسروا مليارات الدولارات بسبب توقف الطلب الصيني». وكان ترمب قد لمّح إلى أنه يأمل مناقشة ملف فول الصويا مع الرئيس شي جينبينغ خلال اجتماع محتمل على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في كوريا الجنوبية نهاية الشهر، لكنه لاحقاً شكّك في عقد اللقاء، مما زاد من ضبابية المشهد التجاري.

• تراجع الفائض التجاري وتحديات داخلية

وتراجَع الفائض التجاري الصيني إلى 90.4 مليار دولار في سبتمبر، مقارنة بـ102 مليار في أغسطس، دون التوقعات التي بلغت 98.9 مليار. ويرى الاقتصاديون أن ضعف الاستهلاك المحلي وعدم ثقة الأسر بالإنفاق لا يزالان يمثلان عقبة رئيسية أمام التعافي المستدام. وقالت لين سونغ، كبيرة الاقتصاديين في بنك «آي إن جي»: «من غير المرجح أن يرغب أي من الجانبين في العودة إلى حرب الرسوم الانتقامية الكاملة، لكن تصاعد اللهجة العدائية في الأسابيع الأخيرة يُظهر أن خطر سوء التقدير قائم دائماً».

• روسيا في المشهد

وفي خضم المواجهة مع واشنطن أظهرت البيانات أن صادرات الصين إلى روسيا انخفضت بنسبة 21 في المائة في سبتمبر، في أكبر تراجع منذ فبراير، في حين زادت واردات بكين من الغاز والفحم الروسيين بنسبة 3.8 في المائة. ويرى محللون أن موسكو وبكين تسعيان لتعزيز شراكتهما عبر اتفاقات طويلة الأجل، أبرزها مشروع خط أنابيب «قوة سيبيريا 2»، لكن التنفيذ الكامل قد يستغرق عقداً على الأقل.

• الأسواق في حالة تأهب

وتراجعت الأسهم الصينية والآسيوية بشكل حاد عقب الإعلان عن الرسوم الأميركية الجديدة، في حين شهدت أسواق المعادن والطاقة تقلبات حادة. ويرى محللون أن هذا النمط من التصعيد، ثم الهدوء، ثم التصعيد مجدداً، بات «الوضع الطبيعي الجديد» في العلاقات التجارية بين البلدين. وقال جوليان إيفانز بريتشارد من «كابيتال إيكونوميكس»: «أثبت الاقتصاد الصيني قدراً من الصلابة، لكن أي تصعيد جديد سيضرّ بالصادرات ويزيد ضغوط الانكماش، وهو ما يجعل الأسابيع المقبلة حاسمة قبل لقاء ترمب وشي المحتمل».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)

إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

انخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز بنسبة 6 في المائة في أول يومين من شهر ديسمبر، وفقاً لما ذكره مصدر في قطاع النفط والغاز يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد قادة دول الخليج وممثلوهم المشاركون في «القمة الخليجية 46» التي انعقدت في العاصمة البحرينية الأربعاء (بنا)

البنك الدولي يرفع توقعاته لاقتصادات الخليج ويؤكد صمودها في مواجهة التحديات

رفع البنك الدولي توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2026 إلى 4.5 في المائة، من توقعاته السابقة في أكتوبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
الاقتصاد د. عبد القادر حصرية حاكم «مصرف سوريا المركزي» ورائد هرجلي وليلى سرحان وماريو مكاري من شركة «فيزا» (الشرق الأوسط)

شراكة استراتيجية بين «مصرف سوريا المركزي» و«فيزا» لتحديث منظومة المدفوعات

أعلن «مصرف سوريا المركزي» وشركة «فيزا» العالمية عن اتفاق على خريطة طريق استراتيجية لبناء منظومة متكاملة للمدفوعات الرقمية في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد ركاب بانتظار القطار في محطة بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

توافق حذر بين الحكومة وبنك اليابان على رفع الفائدة

أكدت ثلاثة مصادر حكومية مطلعة لـ«رويترز» أن رفع بنك اليابان لسعر الفائدة بات «مرجّحاً بشدة» في اجتماع ديسمبر (كانون الأول)

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
TT

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، تعليق بعض العقوبات التي فرضتها على شركة النفط الروسية العملاقة «لوك أويل»، للسماح لمحطات الوقود في خارج روسيا بمواصلة العمل.

وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن التعامل مع هذه المحطات مجاز به «لتفادي معاقبة» زبائنها ومورّديها، وبشرط ألا يتم تحويل العائدات إلى روسيا. يسري هذا الإعفاء حتى 29 أبريل (نيسان) 2026، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت الولايات المتحدة أضافت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أكبر شركتين لإنتاج النفط في روسيا، «لوك أويل» و«روسنفت»، إلى اللائحة السوداء للكيانات الخاضعة للعقوبات، وهو سجل تتابعه العديد من الدول والشركات.

وتواجه الشركات التي تتعامل مع كيانات روسية، خطر التعرض لعقوبات ثانوية، وهو ما قد يمنعها من التعامل مع البنوك والتجار وشركات النقل والتأمين الأميركية التي تشكل العمود الفقري لسوق السلع الأساسية.

ويأتي إعلان وزارة الخزانة بعد يومين من اجتماع في موسكو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف، في إطار مساعٍ تجريها واشنطن للتوصل إلى تسوية للحرب في أوكرانيا.


وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
TT

وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)

كشف وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، عن تفاصيل جديدة تتعلق بطلبات «صندوق النقد الدولي»، مؤكداً أن «الصندوق» طلب من لبنان تحقيق فائض في الموازنة العامة إلى جانب فرض مزيد من الضرائب.

وشدد جابر، وفق ما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية عقب اجتماع مجلس الوزراء، على أن وزارة المالية «لا نية لديها» لتلبية هذه المطالب؛ «تحديداً في هذا التوقيت»، عادّاً أن «الظرف صعب» وأنه لا يتحمل زيادة الأعباء على المواطنين.

وعلى صعيد آخر، قدّم وزير المالية لمحة إيجابية عن الوضع المالي العام في لبنان، وقال إن «الوضع المالي مستقر، وليس هناك عجز، وبدأنا تحقيق الفائض بالليرة اللبنانية».


إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
TT

إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)

انخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز بنسبة 6 في المائة في أول يومين من شهر ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً لما ذكره مصدر في قطاع النفط والغاز يوم الخميس، وذلك عقب هجوم أوكراني بطائرة مسيّرة على منشأة تحميل تابعة لاتحاد خط أنابيب بحر قزوين في البحر الأسود.

وكان خط أنابيب بحر قزوين، الذي ينقل أكثر من 80 في المائة من صادرات كازاخستان النفطية، ويتعامل مع أكثر من 1 في المائة من الإمدادات العالمية، قد علق عملياته يوم السبت بعد تعرض مرساة في المحطة الواقعة بالقرب من ميناء نوفوروسيسك الروسي لأضرار.

واستأنف لاحقاً عمليات الإمداد باستخدام مرساة واحدة (SPM) بدلاً من المرساتين اللتين يستخدمهما عادةً. وتعمل وحدة ثالثة، قيد الصيانة حالياً والتي بدأت قبل الإضرابات، كوحدة احتياطية. وانخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز في أول يومين من ديسمبر إلى 1.9 مليون برميل يومياً، مقارنةً بمتوسط ​​الإنتاج في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً للمصدر وحسابات «رويترز».

ويُظهر انخفاض إنتاج النفط تأثير هجوم طائرة من دون طيار تابعة لاتحاد خط أنابيب بحر قزوين على كازاخستان؛ العضو في «أوبك بلس»، والتي صدّرت نحو 68.6 مليون طن من النفط العام الماضي، وتحتل المرتبة الثانية عشرة بين أكبر منتجي النفط في العالم.

وينقل خط أنابيب بحر قزوين، الذي يبلغ طوله 1500 كيلومتر (930 ميلاً)، النفط الخام من حقول تنجيز وكاراتشاغاناك وكاشاغان في كازاخستان إلى محطة يوزنايا أوزيرييفكا في نوفوروسيسك. والموردون الرئيسيون هم حقول في كازاخستان، كما تحصل على النفط الخام من منتجين روس.

وصرح نائب وزير الطاقة الكازاخستاني، يرلان أكبروف، يوم الخميس، بأن إحدى مراسي شركة النفط والغاز الكازاخستانية (CPC) في محطة البحر الأسود تعمل بكامل طاقتها، ولا توجد أي قيود على نقل النفط.

وأفادت خمسة مصادر في قطاع الطاقة لـ«رويترز» يوم الأربعاء بأن كازاخستان ستُحوّل المزيد من النفط الخام عبر خط أنابيب «باكو-تبليسي-جيهان» في ديسمبر (كانون الأول) بسبب انخفاض طاقة خط أنابيب بحر قزوين.

كما يُصدر المنتجون الكازاخستانيون النفط الخام إلى مينائي نوفوروسيسك وأوست-لوغا الروسيين تحت علامة «كيبكو» التجارية، وإلى ألمانيا عبر خط أنابيب دروجبا، لكن هذه المسارات تُقدّم هوامش ربح أقل، وتعتمد على طاقة شركة «ترانسنفت» الروسية لتشغيل خطوط الأنابيب.

خيارات إعادة توجيه النفط من كازاخستان، وهي دولة غير ساحلية، محدودة نظراً لضغط شبكة خطوط الأنابيب الروسية بعد هجمات متكررة بطائرات من دون طيار على مصافيها ومنشآت التصدير.

وقدّر مصدر آخر في قطاع الطاقة فقدان طاقة تحميل خط أنابيب بحر قزوين عند استخدام خط أنابيب واحد فقط بـ900 ألف طن أسبوعياً.