تواجه الزراعة في أفريقيا ضغوطاً غير مسبوقة بفعل تغيّر المناخ، حيث يؤدي تزايد معدلات الجفاف وتدهور التربة إلى تراجع إنتاج المحاصيل وارتفاع معدلات سوء التغذية في القارة. وفي خضم هذه التحديات، بدأ العلماء والباحثون يسلطون الضوء على حل قديم لكنه لا يزال غير مستغل بالشكل الكافي، وهو الفحم الحيوي، أو «البيوشار» (Biochar)، وهي مادة غنية بالكربون تُنتَج من معالجة المخلفات الزراعية والعضوية في بيئة منخفضة الأكسجين.
تجارب ميدانية
وتُظهر التجارب الميدانية التي أجراها مجلس البحوث الزراعي في جنوب أفريقيا نتائج لافتة؛ إذ سجلت زيادة في إنتاج الفاصوليا بنسبة 40 في المائة، والفلفل الحار 55 في المائة، والباميا 10 في المائة، مقارنة بالزراعة التقليدية، وفق دراسة نُشرت في عدد 22 سبتمبر (أيلول) 2025 من دورية «نيتشر أفريكا».
ومع تفاقم آثار تغير المناخ، يمثل الفحم الحيوي أداة ثلاثية الفوائد بالنسبة للزراعة؛ فهو يعيد إحياء التربة المتدهورة، ويخزن كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في التربة، كما يحوّل النفايات الزراعية إلى مصدر للثروة. ويتميز الفحم الحيوي بقدرة فائقة على الاحتفاظ بالمياه والعناصر الغذائية، ما يجعله حلاً فعالاً للمناطق المعرضة للجفاف.
مكافحة التغيرات المناخية
إضافة إلى ذلك، يساهم الفحم الحيوي في مكافحة تغير المناخ من خلال قدرته على حجز ثاني أكسيد الكربون لفترات طويلة، وتحويل النفايات العضوية إلى مورد ذي قيمة. وتشير التقديرات إلى أن طناً واحداً منه يمكن أن يحبس ما بين نصف طن إلى ثلاثة أطنان من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ما يحوّل الأراضي الزراعية إلى مناطق تخزين للكربون.
وبحسب الباحثين، تُعد تجارب جنوب أفريقيا جزءاً من حركة قارية متنامية؛ ففي كينيا، يعمل مشروع «الفحم الحيوي من أجل تربة مستدامة» على تدريب المزارعين لإنتاج الفحم الحيوي من بقايا الذرة، ما يقلل تكاليف الأسمدة بنسبة 30 في المائة ويزيد إنتاج الكاكاو، بفضل قدرته على تحسين خصائص التربة وتعزيز احتفاظها بالماء والمواد المغذية، وهو ما ينعكس مباشرة على زيادة الغلة الزراعية.
وفي نيجيريا، ظهرت شركات ناشئة مثل «Biochar Africa» التي تعيد تدوير قشور الأرز إلى فحم حيوي يُستخدم بمثابة وقود بديل في مواقد الطهي، ما يفتح الباب أمام حلول مبتكرة تجمع بين الزراعة المستدامة والطاقة النظيفة.
فوائد تعزز خصوبة التربة
يقول الدكتور عادل البهنساوي، أستاذ ورئيس قسم هندسة النظم الزراعية والحيوية بكلية الزراعة جامعة بنها في مصر، إن الفحم الحيوي يُعد من الأدوات الواعدة في الزراعة الحديثة، لما يمتلكه من خصائص فريدة تعزز خصوبة التربة.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «تركيبة الفحم الحيوي المسامية تساعد على الاحتفاظ بالعناصر المغذية مثل النتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، وتمنع تسربها بعيداً عن جذور النباتات، إلى جانب تحسين قدرة التربة على تبادل الأيونات وتعديل درجة حموضتها، بما يسهّل امتصاص المغذيات».
وأوضح أن للفحم الحيوي دوراً بارزاً في تحسين الخصائص الفيزيائية للتربة، حيث يزيد قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، ويحسّن من تهويتها وبنيتها، ما يقلل من تعرضها للتعرية. كما يشكّل بيئة مناسبة للكائنات الدقيقة المفيدة، وهو ما يعزز النشاط الميكروبي ويسهم في تحلل المواد العضوية، وبالتالي يدعم تغذية النبات بشكل أفضل.
وفيما يتعلق بمكافحة تغير المناخ، نوه البهنساوي إلى أن أبرز مزايا الفحم الحيوي هي قدرته على حجز الكربون في التربة لفترات طويلة بدلاً من انبعاثه في صورة غازات دفيئة، إضافة إلى مساهمته في خفض انبعاثات الميثان وأكسيد النيتروز من التربة، وهما من أقوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
تحديات الاستخدام الواسع
رغم هذه الفوائد، لا تزال هناك تحديات أمام تبني الفحم الحيوي على نطاق واسع، وفق الدراسة، من أبرزها غياب التنسيق في السياسات؛ إذ إن الدعم الحكومي الموجه للأسمدة الكيماوية يقلل من جدوى سوق الفحم الحيوية.
كما أن وعي المزارعين محدود، حيث لا يعرف فوائده سوى أقل من 15 في المائة من المزارعين في جنوب أفريقيا. في المقابل، تُظهر تجربة تنزانيا، التي درّبت 600 مزارع صغير، كيف يمكن للتعليم أن يحفّز تبني هذه التقنية.
ووفق الباحثين، فإن التجارب الناشئة في جنوب أفريقيا تقدم نموذجاً يمكن تعميمه في أنحاء القارة، غير أن نشر هذه التقنية يتطلب دعماً سياسياً عاجلاً، وتدريباً شاملاً للمزارعين، وزيادة في الاستثمارات.
حقائق
%40 و10% و55%
الزيادة المسجلة في إنتاج الفاصوليا، والفلفل الحار، والباميا ، على التوالي، بعد توظيف الفحم الحيوي، مقارنة بالزراعة التقليدية

