حمّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إثيوبيا مسؤولية ما وصفه بـ«الإدارة غير المنضبطة» لـ«سد النهضة»، وقال، الأحد، إن «أديس أبابا أضرت بدولتي المصب (مصر والسودان)».
تحذيرات السيسي جاءت في وقت تصاعدت فيه المخاوف المصرية من مخاطر السد الإثيوبي، عقب الفيضان الذي أغرق أراضي عدد من القرى على ضفتي النيل بمصر والسودان، بسبب قيام أديس أبابا بفتح بوابات تصريف المياه من «السد» بكميات كبيرة أدت إلى ارتفاع مناسيب المياه في نهر النيل، وأعقب ذلك حدوث مجموعة زلزالية جديدة في الأخدود الإثيوبي.
وقال السيسي في كلمة مسجلة خلال الجلسة الافتتاحية لـ«أسبوع القاهرة الثامن للمياه»، الأحد: «مرت أيام قليلة على بدء تدشين السد الإثيوبي، وثبت بالدليل الفعلي، صحة مطالبتنا بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لأطرافه لتنظيم تشغيل هذا (السد)». وأضاف: «في الأيام القليلة الماضية، تسببت إثيوبيا من خلال (إدارتها غير المنضبطة للسد) في إحداث أضرار بدولتي المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة، التي تم تصريفها دون أي إخطار أو تنسيق مـع دولتي المصــب».
ودشّنت أديس أبابا مشروع «سد النهضة» في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط اعتراضات من مصر والسودان للمطالبة باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «تشغيل السد»، بما لا يضرّ بمصالحهما المائية، فيما أعلنت مصر في ديسمبر (كانون الأول) 2023، «فشل» آخر جولة للمفاوضات، وإغلاق المسار التفاوضي بعد جولات مختلفة لمدة 13 عاماً.
وشهد عدد من القرى المصرية، خصوصاً في محافظتَي البحيرة والمنوفية خلال الأسابيع الماضية، ارتفاع منسوب مياه نهر النيل بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى غمر مساحات من أراضي «طرح النهر» والأراضي الزراعية وعدد من المنازل.

في سياق ذلك، تعرّض شمال إثيوبيا لزلزال جديد بقوة 5.6 درجة على مقياس ريختر، مساء السبت، على بُعد حوالي 600 كلم شمال شرقي «سد النهضة»، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أكد عبر صفحته على «فيسبوك»، الأحد، أن الزلزال «تبعته مجموعة هزات بقوة أقل، وصل عددها إلى 7 هزات حتى صباح الأحد».
وكان الأخدود الإثيوبي، شهد موجة زلازل سابقة وصل عددها في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي حتى فبراير (شباط) الماضي إلى 262 زلزالاً، وفق شراقي.
وأدى الفيضان الأخير وتكرار الزلازل في إثيوبيا إلى ازدياد مخاوف مصرية من مخاطر «سد النهضة»، وقال شراقي لـ«الشرق الأوسط» إن «(فشل) إثيوبيا في إدارة وتشغيل (السد) وتسببها في حدوث فيضان على مصر والسودان، واضطرارها إلى تصريف كميات كبيرة من المياه بسبب عدم تشغيل التوربينات يزيد المخاوف من مخاطر (السد)».
وبحسب شراقي، فإن «العام المقبل قد يكون أسوأ ويتسبب في كارثة، خصوصاً في السودان إذا تزامن ملء (السد) مع كثافة في هطول الأمطار بالهضبة الإثيوبية»، مؤكداً أن «الفيضان أغرق عدداً من الأراضي والمنازل بقرى سودانية ودمّر محاصيل زراعية».
ودعا السيسي، الأحد، المجتمع الدولي بصفة عامة والقارة الأفريقية بصفة خاصة إلى مواجهة ما وصفه بـ«التصرفات المتهورة من الإدارة الإثيوبية»، و«ضمان تنظيم تصريف المياه من (السد) في حالتي الجفاف والفيضان، في إطار الاتفاق الذي تنشده دولتا المصب».
وأكد أن «مصر تعلن وبكل وضوح وحزم، رفضها القاطع لأي إجراءات أحادية تتخذ على نهر النيل، تتجاهل الأعراف والاتفاقات الدولية، وتهدد مصالح شعوب الحوض، وتقوض أسس العدالة والاستقرار».

ويرى المستشار الأسبق لوزير الري المصري، خبير المياه، ضياء الدين القوصي، أن «الأيام الأولى لتشغيل (سد النهضة) زادت المخاوف من خطورته»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ينبئ الفيضان الذي حدث نتيجة تصريف المياه الزائد، وتجدد مجموعات الزلازل بمخاطر كبيرة في السنوات المقبلة»، مؤكداً أن «إثيوبيا لم تقم بأي دراسات لميكانيكا التربة التي أنشئ عليها السد والظروف الجيولوجية بالمنطقة، وهو ما نتج عنه إقامة المشروع على (فالق زلزالي) وتربة رخوة متآكلة، وهو ما يزيد مخاطر تكرار الزلازل بمعدلات أعلى».
وتحدث الرئيس المصري في كلمته المسجلة، الأحد، عن المفاوضات السابقة مع الجانب الإثيوبي، وقال إن «بلاده انتهجت على مدار أربعة عشر عاماً من التفاوض المضني مع الجانب الإثيوبي، مساراً دبلوماسياً نزيهاً، اتسم بالحكمة والرصانة، وسعت فيه بكل جدية، إلى التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد الإثيوبي، يراعي مصالح الجميع، ويحقق التوازن بين الحقوق والواجبات»، لافتاً إلى أن مصر قدّمت خلال هذه السنوات «كثيراً من البدائل الفنية الرصينة، التي تلبي الأهداف المعلنة لإثيوبيا كما تحفظ مصالح دولتي المصب؛ إلا أن هذه الجهود قوبلت بتعنت لا يفسر إلا بغياب الإرادة السياسية، وسعي إلى فرض الأمر الواقع، ويأتي ذلك مدفوعاً باعتبارات سياسية ضيقة».
وأكد السيسي أن «مصر تواجه تحديات جسيمة في ملف المياه، حيث تعد المياه قضية وجودية، تمس حياة أكثر من مائة مليون مواطن يعتمدون بنسبة تفوق 98 في المائة على مصدر واحد ينبع من خارج الحدود، هو نهر النيل».



