قبل سنوات أعلنت دايان كيتون، التي رحلت يوم أول من أمس، عن 79 سنة، أنها شعرت بأنه أُسيء اختيارها لدورها في ثلاثية «العرّاب» و«العرّاب 2» و«العرّاب 3» (1972 و1974 و1990 على التوالي). هذا قد يعني، بكلمات أخرى، أنها وجدت الدور الذي أُسند إليها في رائعة فرنسيس فورد كوبولا لا يتساوى مع أدوارها في تلك المرحلة من مهنتها. أو قد يعني، يتوقف ذلك على ما قصدته دون إفصاح، أنها توقعت من الثلاثية أن تمنحها حجماً أكبر من البطولة، علماً بأن ذلك لم يكن في الأصل ممكناً؛ كون الثلاثية تدور أساساً حول رجال المافيا (دون تسميتهم) وليس نساءها.

بطل الثلاثية آل باتشينو الذي ارتبطت به كصديقة (في الفيلم الأول)، ثم كزوجة (في الفيلمين الآخرين)، هو من يمسك بمقاليد الحكم لعائلة دون كارليوني، ويبادر بالانتقام ممن قاموا بمحاولة الاقتناص من والده (مارلون براندو) واغتيال شقيقه (جيمس كان) لجانب من تعاون مع العائلات المافياوية الأخرى.
لم يكن مقصوداً لدورها أن يكون رئيسياً، لكن ما قامت به من مشاهد في هذه الثلاثية الرائعة كان لافتاً. «لم أعد أعرفك»، تقول لزوجها في مشهد مهم في الجزء الثاني وفي عينيها ارتياب واضح. هي المرأة غير المنتمية للعائلة الصقلية الكبيرة، ولا بد، حسب الدور، أن تشعر بالعزلة وعدم الانتماء. في مشهد آخر أكثر وقعاً تنظر إلى باتشينو وتعترف له بأنها تخلصت من جنينها. في فن التمثيل، تقفز لحظات تنوب عن مشاهد، وهذه اللحظات من بينها.
وودي ألن وآخرون
تُوفيت كيتون عن 79 سنة وتركت خلفها 58 فيلماً. بدأت بدور بطولة في «Lovers and Other Strangers» (عشّاق وغرباء آخرون، 1970). كان هذا الفيلم الكوميدي نقلة من تجربة مسرحية إلى الشاشة. بعده أمضت سنتين في أدوار تلفزيونية (من بينها سلسلتا «مانيكس» و«ذَ أف بي آي») قبل أن تستلم عرضاً من كوبولا للاشتراك في فيلمه الأول من تلك الثلاثية. ما بين الجزأين الأول والثاني، لعبت كيتون دورين أساسيين في فيلمين من بطولة وودي ألن هما «Play it Again, Sam (اعزفها مرّة ثانية، سام، 1972) وSleeper (سليبر،1983). الأول الذي أخرجه هربرت روس عن سيناريو لألن، مهّد للفيلم الثاني من حيث قيام ألن باعتمادها بطلة لأفلامه التالية التي شملت «حب وموت» (Love and Death) و«آني هول»، ثم «دواخل» (Interiors) و«أيام الراديو» (Radio Days) ثم «لغز جريمة قتل في مانهاتن» (Manhattan Murder Mystery) وذلك ما بين 1973 و1993.

علاقة ألن بكيتون كانت عاطفية أيضاً. تصاحبا منذ «اعزفها مرّة أخرى، سام» ولسنوات من بعدُ. لكنها لم تكن العلاقة الوحيدة؛ فهي ارتبطت في سنوات أخرى بآل باتشينو، ثم بوورن بيتي (عندما ظهرت أمامه في «حمر» سنة 1981). لكن أعمالها تحت مظلّة وودي ألن هي التي برزت أكثر من سواها عبر السنين، وذلك من قبل ومن بعد نيلها «أوسكار أفضل ممثلة» عن دورها في «آني هول» (1977). هناك حلاوة ووسامة ورقّة مدروسة في هذا الفيلم، وفي أفلامها الأخرى مع ألن عموماً. وحين تضحك عليه في أحد مشاهد «آني هول» وهو يحاول التعامل مع سراطين بحر ما زالت حيّة بخوف، تنوب عن الجمهور في الضحك. المشهد ذاته لا يُثير ضحك المشاهدين بالضرورة، لكن ضحكتها ساطعة وطبيعية في ظرف كهذا.
بين دراما وكوميديا
بعيداً عن ألن، ظهرت في عدة أفلام ناجحة بعضها درامي مثل Looking for Mr. Goodbar («البحث عن السيد غودبار»، 1977) وMrs. Soffel («مسز سوفل»، 1984) وبعضها الآخر كوميدي كـ Father of the Bride («والد العروس»، 1991) وLook Who’s Talking Now («انظر من يتكلم الآن»، 1993). لكن لا شيء من هذه الكوميديات بدا شبيهاً أو مساوياً لما حققته تحت إدارة وأمام وودي ألن. العديد من هذه الأفلام كان مجرد شحنات ترفيهية تستغل نجوميّتها.

واظبت كيتون على الأدوار الكوميدية في السنوات الأخيرة التي انتهت في العام الماضي بفيلم نسائي البطولة هو «Summer Camp» (مخيم صيفي)؛ إذ شاركتها كل من ألفرد وودارد وكاثي بايتس البطولة. وفي 2023، على النسق ذاته لعبت Book Club: The Next Chapter أمام جين فوندا وكانديس بيرغن وماري ستينبرغن اللواتي كنّ نجمات في السبعينات والثمانينات كحالها.
وإذ يُجمع الإعلام الآن على أن دايان كيتون خلفت وراءها فراغاً لن يُعوّض (وهي عبارة يمكن أن تُطلق على آخرين عديدين رحلوا قبلها وآخرين سيرحلون بعدها)، لا بد من الاعتراف بأن أفضل أدوارها كان في حقبة السبعينات، سواء تحت إدارة كوبولا أو ألن؛ الأول أدارها درامياً والثاني كوميدياً (غالباً). أما في معظم الأفلام الأخرى فحافظت على لون واحد من الأداء، نجح في أحيان، وفشل في أحيان أخرى.








