لم تصل الأمور إلى مرحلة الأزمة حتى الآن في ليفربول، لكنّ تعرض الفريق لثلاث هزائم متتالية يدعو إلى القلق، ويتطلب إعادة النظر فيما حدث. صحيح أن ليفربول خسر مباراتي الدوري ضمن هذه السلسلة السلبية نتيجة هدفين في اللحظات الأخيرة، وصحيح أنه يمكن إيجاد مبررات سهلة لهذه الهزائم الثلاث، فإن السياق الذي حدث فيه ذلك مهم للغاية، والحقيقة أنه على الرغم من تحقيق ليفربول الفوز في أول 5 مباريات له في الدوري هذا الموسم، فإنه لم يقدم أداءً جيداً فيها.
يعاني اللاعبون الجدد من أجل التكيف والتأقلم، ولم تقدم التشكيلة الجديدة التي يعتمد عليها سلوت الأداء المنتظر، بينما يبدو أن عدداً من اللاعبين الأساسيين يلعبون وهم لا يشعرون بالراحة اللازمة.
خلال الموسم الماضي، فاز ليفربول بالدوري وهو يلعب بأسلوب مُحكم للغاية، وفاز في معظم مبارياته بنتيجة هدفين مقابل لا شيء، وكان يتقدم في المباريات ثم يبحث بعد ذلك عن تعزيز النتيجة. أما هذا الموسم، فلم نرَ أي شيء من ذلك؛ بل يعاني الفريق من ضعف دفاعي واضح، وتوجد مساحات كبيرة في خط الوسط، كما حقق معظم انتصاراته نتيجة أهداف في الأوقات القاتلة. ويبدو الأمر الآن كأن سلوت يمر بمرحلة انتقالية تأخرت موسماً كاملاً!
ومن المؤكد أن ضم أي لاعب جديد إلى أي فريق يكون محفوفاً بالمخاطر، حيث يتعين على هذا اللاعب أن يتكيف مع بيئته الجديدة، كما يتعين عليه أن يعتاد على زملائه الجدد، والعكس صحيح أيضاً. وحتى في أفضل الأحوال، سيؤدي إقحام لاعب جديد في فريق فعال، إلى تراجع طفيف في الأداء على المدى القصير. وقد تجنب ليفربول ذلك الأمر خلال الصيف الماضي بتعاقده مع فيديريكو كييزا فقط. لكن التعاقد مع 5 لاعبين جدد، كما فعل هذا الموسم، يعني حدوث كثير من الاضطرابات، ناهيك بأن هذا الفريق يعاني من الرحيل المأساوي لديوغو جوتا.
وكانت دموع محمد صلاح على أرض الملعب بعد صافرة النهاية في المباراة الافتتاحية للموسم، بمثابة تذكير بأن هذا النادي لا يزال في حالة حداد على نجمه الراحل. كرة القدم لن تتوقف بالطبع، لكن تأثير رحيل جوتا لا يمكن التنبؤ به، وقد يستمر لفترة طويلة.
في البداية، بدا أن أكبر مشكلة تكتيكية كانت تتمثل في تغيير طريقة اللعب من 4 - 3 - 3 إلى 4 - 2 - 3 - 1 لاستيعاب فلوريان فيرتز بوصفه لاعباً مبدعاً في خط الوسط. لقد اختفى التوازن الذي قدمه ثلاثي خط الوسط المكون من رايان غرافينبيرتش وأليكسيس ماك أليستر ودومينيك سوبوسلاي، وربما أسهم في ذلك حقيقة أن ماك أليستر لم ينجح في العودة إلى أفضل مستوياته بعد تعرضه لإصابة عضلية، بينما لم يستقر فيرتز مع الفريق بشكل جيد حتى الآن. لكن في المباريات الأخيرة، عاد سلوت إلى الاعتماد على ثلاثي الموسم الماضي، وغير طريقة اللعب إلى 4 - 3 - 3، لكن كثيراً من المشكلات ظلت كما هي. ولا يزال خط الدفاع معزولاً عن باقي الفريق، وقد زاد الأمر سوءاً نتيجة تراجع مستوى إبراهيما كوناتي.
فما الذي تغير إذن؟ ولماذا لم يعُد ثنائي قلب الدفاع وخط الوسط الثلاثي الذين كانوا فعالين للغاية في الموسم الماضي، قادرين على تقديم المستويات نفسها فجأة؟ تتمثل الإجابة في شقين. أولاً، لم يعد ليفربول يمارس الضغط العالي على المنافس بالشكل نفسه الذي كان عليه الأمر في الماضي. يُقدّم موسم 2020 - 2021، الذي أنهى فيه ليفربول الموسم في المركز الثالث بفارق كبير عن مانشستر سيتي، تحذيراً شديداً لما يمكن أن يحدث عندما يفشل الفريق في ممارسة الضغط على المنافس كما ينبغي. ثانياً، والأكثر إثارة للاهتمام، أن الظهيرين الجديدين ميلوش كيركيز وجيريمي فريمبونغ يختلفان تماماً عن آندي روبرتسون وترينت ألكسندر أرنولد.
لقد واجهت كرة القدم الإنجليزية صعوبة في فهم ألكسندر أرنولد، الذي كان يمتلك قدرات وإمكانات هائلة تساعده حتى على التألق في خط الوسط وقت الحاجة. ويُمكن القول إنه أفضل مُمرّر للكرة يلعب حالياً مع منتخب إنجلترا، وهو ما دفع الكثيرين للقول إن إشراكه في مركز الظهير الأيمن، يعد إهداراً لقدراته وفنياته الكبيرة، وإنه يجب الاعتماد عليه في خط الوسط. ومع ذلك، لم تكن محاولات إشراكه في هذا المركز مُقنعة، كما لو أن السنوات التي لعبها في مركز الظهير الأيمن، جعلته بطريقة ما غير مناسب للقيام بدور أكثر مركزية.

ومع ذلك، لم يكن ألكسندر أرنولد متكاملاً في النواحي الدفاعية، على الأقل إذا تم النظر إلى المهام الدفاعية بالطريقة التقليدية. فلم يكن بارعاً في المراقبة، كما أنه من السهل نسبياً مراوغته، وفقاً لمعايير أفضل اللاعبين في مركز الظهير. إنه لاعب فريد من نوعه، وهذا أحد الأسباب التي جعلته لا يبدو مقنعاً أبداً أثناء اللعب مع منتخب إنجلترا. فكرة القدم على مستوى المنتخبات تفضل اللاعبين الذين يحفظون مهام مركزهم عن ظهر قلب، نظراً لقلة الوقت المتاح للمدربين لتجهيز اللاعبين.
لكن ألكسندر أرنولد لديه صفتان يفتقر إليهما ليفربول بشدة في الوقت الحالي. فقد كانت تمريراته السريعة والدقيقة من مسافة 30 و40 ياردة، هي التي غالباً ما كانت تساعد محمد صلاح في الانطلاق للأمام، كما أن تمريراته بشكل عام كانت محورية في بناء لعب ليفربول. وربما كانت النقطة الأهم تتمثل في قدرته على الدخول إلى خط الوسط، ليصبح لاعباً إضافياً إلى جانب غرافينبيرتش. لكن فريمبونغ، الذي كان يلعب ظهيراً بمهام هجومية مع باير ليفركوزن، يختلف تماماً عن ألكسندر أرنولد، فهو يركض بالكرة بدلاً من تمريرها، كما يميل بشكل طبيعي إلى التحرك على الأطراف، وليس إلى عمق الملعب. وبما أن صلاح يرغب في الاختراق إلى الداخل، فقد ينجح ذلك في النهاية، لكن في الوقت الحالي يفتقد ليفربول إلى التوازن الذي حققه ألكسندر أرنولد، وإلى قدرته على إطلاق العنان لصلاح، الذي بدأ الموسم بهدوء شديد، ولم يُكوّن علاقة جيدة مع أيٍّ من المهاجمين الجدد.
من المؤكد أن أي فريق يُجري هذا العدد الكبير من التغييرات، سيواجه حتماً بعض المشاكل في بداياته، لكن اللافت للنظر حالياً أن المشكلة لا تتعلق باللاعبين الحاليين؛ بل باللاعبين الذين رحلوا عن الفريق. ومن الواضح أن ليفربول لن ينجح بسهولة في تعويض مهارات وقدرات ألكسندر أرنولد الفريدة.
* خدمة «الغارديان»
