السلام في الشرق الأوسط... هل نجح ترمب فيما أخفق فيه أسلافه؟

«أشباح أوسلو» يمكن أن تقوّض المسار مع عقبات محتملة لتنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة

ترمب ونتنياهو يتصافحان في ختام مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض 29 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)
ترمب ونتنياهو يتصافحان في ختام مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض 29 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

السلام في الشرق الأوسط... هل نجح ترمب فيما أخفق فيه أسلافه؟

ترمب ونتنياهو يتصافحان في ختام مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض 29 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)
ترمب ونتنياهو يتصافحان في ختام مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض 29 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

بعد عامين من هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الذي أشعل فتيل حربٍ دمّرت غزة وأودت بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني، حفر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، اسمه في ذاكرة الشرق الأوسط بوقف إطلاق نار مؤقت استعصى على كل من سبقه، منذ انتصارات الرئيس الأسبق جيمي كارتر في كامب ديفيد عام 1978. فقد سعى كثير من الرؤساء الأميركيين إلى تحقيق انفراجة في الصراع المرير بين إسرائيل والفلسطينيين وحققوا نجاحات محدودة، وواجهوا عقبات وصعوبات وتحديات ضخمة.

ويقول الخبراء إن ما حققه ترمب من اتفاق مبدئي بين «حماس» وإسرائيل لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين قد يفتح آفاقاً جديدة للشرق الأوسط وفرصة لتحقيق سلام لأول مرة منذ اتفاقيات أوسلو.

سعت الإدارات السابقة وراء حلم إحلال السلام في الشرق الأوسط في كثير من الجولات والمحادثات، طمعاً في نتيجة تخلِّد أسماءهم في التاريخ، لكنَّ تلك الجهود باءت بالفشل رغم حسن النوايا وصدق الجهود. فقد انهارت محادثات كامب ديفيد في عهد بيل كلينتون (2000)، وفشل جورج بوش في أنابوليس (2007)، وفشل باراك أوباما في تجميد المستوطنات (2010)، وانهارت جهود جو بايدن تحت شعار نتنياهو «إنجاز المهمة».

إسرائيليان يتعانقان وسط صور الرهائن في تل أبيب بعد إعلان التوصل إلى اتفاق حول خطة ترمب الخميس (إ.ب.أ)

حتى اتفاقيات أوسلو 1993-1995، التي اعتمدت على مبدأ الأرض مقابل السلام، ولّدت «شبه دولة » منزوعة السيادة والصلاحية ومتهمة بالفساد، مما أدى إلى تآكل الثقة وعرقلة حل الدولتين.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها صباح الخميس، إن ترمب يقف على عتبة أكبر إنجاز دبلوماسي في ولايته الثانية، وهو وقف الحرب والتوجه إلى مصر وإسرائيل للإشراف على وقف إطلاق النار واستقبال الرهائن، مما يرسخ له صفة «صانع صفقات» و«صانع سلام» ويمهد الطريق نحو جائزة نويل للسلام التي لطالما طمح إليها. لكنَّ الصحيفة مع اعترافها بأن ترمب حقق خطوة استثنائية لم يستطع أسلافه بايدن وأوباما وكلينتون، تحقيقها، رأت أن التحدي الذي سيواجهه هو الحفاظ على تماسك هذه الصفقة.

ما الذي اختلف؟

يظل التساؤل عمَّا إذا كان ترمب أفضل في نهجه من الرؤساء السابقين؟

يشير المحللون إلى أن ترمب تبنَّى براغماتية «مختلفة جذرياً» اعتمدت على التخلي عن الخرائط واستبدال «خلاطات الأسمنت» بها -من منطلق تفكير رجل العقارات- مع إعادة بناء غزة دليلاً على جدوى التعايش، وتهميش «حماس»، وتمكين التكنوقراط تحت مظلة «مجلس السلام» في تشكيل اليوم التالي في حكم غزة.

وتقول مجلة «إيكونوميست» إن ترمب اعتمد على نهج مختلف عن سابقيه من الرؤساء الأميركيين، وابتعد عن المفاوضات التي لا نهاية لها حول الخرائط والترتيبات الافتراضية لحل الدولتين، واعتمد نهجاً عملياً قائماً على الصفقات والتهديد، ورسم خريطة واضحة حول كيفية إعادة بناء غزة ومَن سيحكها، ومزج ترمب بين أسلوب «تعاقدي مُتسلط» مع استراتيجية التقارب الشخصي، والتركيز على فوائد التعايش بدلاً من التدمير، والاحترام الكبير للقوى العربية والإقليمية لحل صراعٍ أربك كلينتون، وبوش، وأوباما، وبايدن.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يُطلع الرئيس دونالد ترمب على تطورات مقترح اتفاق غزة خلال فعالية في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن 8 أكتوبر 2025 (رويترز)

واعتمد ترمب على الثنائي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر -لديهما نفس الذهنية العقارية لترمب- وقد قاما بجولات مزجا فيها ما بين إحياء اتفاقات إبراهام وإغراءات بتعهدات أمنية واستجابة لمطالب القوى الإقليمية، وإجبار نتنياهو على الاعتذار للدوحة، مما حفَّز الجهود للضغط على «حماس» للموافقة بإيجابية، يوم الجمعة.

تغيير الديناميكيات الدبلوماسية

يقول مسؤول أميركي، رفض نشر اسمه، إن الظروف تضافرت لتحقيق انتصار ترمب، فإسرائيل في موقف قوي بعد القضاء على «حزب الله» في لبنان وعلى «حماس» في غزة وضرب إيران، لكنْ دبلوماسياً صارت إسرائيل معزولة بشكل غير مسبوق مع دعوات عدد كبير من القادة الأوربيين إلى قيام «دولة فلسطينية». وأضاف: «لقد حرص ترمب على صداقته بالدول الخليجية، وأجبر نتنياهو على الاعتذار للدوحة، وحثَّ جميع المسؤولين المصريين والسعوديين والقطريين على التفاعل مع (حماس) والموافقة على خطة السلام التي وضعها البيت الأبيض».

يرى أرون ديفيد ميللر، من معهد «كارنيغي للسلام»، والذي عمل على ملف السلام في الشرق الأوسط في عدة إدارات ديمقراطية وجمهورية، أن «وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن ما كان ليحدث لولا ضغط الرئيس ترمب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فلم يسبق لأي رئيس جمهوري أو ديمقراطي أن تعامل بقسوة مع رئيس وزراء إسرائيل في قضايا بالغة الأهمية لسياساته أو لمصالح بلاده الأمنية».

وأشار السيناتور ليندسي غراهام، الجمهوري من كارولاينا الجنوبية، إلى أن «أكبر إنجازات ترمب كان إشراك العالم العربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، وأنه حظيَ بتقدير كبير في المنطقة، كما تعتقد إسرائيل أن ترمب هو أفضل رئيس منذ زمن طويل، وهذا هو ما أوصلنا إلي ما نحن عليه اليوم».

ترمب يتحدث في مؤتمر صحافي مع نتنياهو في البيت الأبيض 29 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

في المقابل، رفض فيليب جوردون، مستشار الرئيس السابق جو بايدن، روايات الإدارة الأميركية عن أن ترمب وحده استطاع أن يلوي ذراع نتنياهو، مشيراً إلى أن ترمب لم يفعل شيئاً تجاه الحصار الإسرائيلي لغزة والانتهاكات والتجويع. وقال: «أحد الأسباب التي وفَّرت لترمب فرصة أفضل من الرؤساء السابقين هي المناورات مع إيران وسيطرته على الحزب الجمهوري، ونفوذه الفريد على إسرائيل، وقدرته على التفاوض مباشرةً مع (حماس) لإطلاق سراح رهينة أميركي، وهو أمر لم يكن الرؤساء الأميركيون السابقون ليفعلوه ولكانوا ترددوا في القيام به». وأضاف جوردون أن ترمب كان لديه هامش للمناورة مع الحوثيين ومع الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، والتفاوض مع إيران، وكانت لديه المساحة لفعل ذلك بطريقة لم تكن متاحة لأوباما وبايدن.

مجلس السلام برئاسة ترمب

وبموجب خطة ترمب، المكونة من عشرين نقطة، ستشكّل المرحلة التالية حكومة تكنوقراط تعيد بناء غزة مع إقصاء «حماس» من السلطة ونزع سلاحها وتوفير قوة حفظ سلام دولية. وسيرأس ترمب مجلس إشراف (مجلس السلام) إلى أن يتولى الفلسطينيون المسؤولية بعد إصلاحات للسلطة الفلسطينية.

وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى تفاؤل يبعث على الأمل في تحقيق انفراجات تؤدي إلى نهاية الحرب، مع تغيير في القيادة في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أو إجبارهم على التخلي عن أي أدوار رسمية في غزة مع إجراء انتخابات في إسرائيل خلال 12 شهراً، قد تُفضي إلى رحيل نتنياهو ونهاية ائتلافه الحاكم مع أحزاب اليمين المتطرف.

ويقول محللون إن استطلاعات الرأي تُظهر ترمب على أنه رجل لا يخشى الضغط على إسرائيل بقوة، واستطاع مواجهة وإذلال النظام الإيراني ووكلائه، وتمكَّن من كسب احترام الدول الخليجية والإقليمية، ونجح في حثها على دفع تكاليف إعادة الإعمار والمساعدة في توفير الأمن.

إسرائيليون يحتفلون بعد إعلان التوصل إلى اتفاق حول خطة ترمب في تل أبيب الخميس (رويترز)

العقبات

ورغم الإشادة والاحتفال والتفاؤل بما تحقق من اتفاق حول المرحلة الأولى، يُحذر المحللون من عقبات على الطريق، منها فقدان الثقة لدى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بإمكانية السلام، وعقبات نزع سلاح «حماس»، والتساؤلات حول إعادة الإعمار والثغرات التي قد تشوب أسلوب الحكم ومجلس التكنوقراط. وتلوح في الأفق «أشباح أوسلو» وندوب غزة الغائرة، مما يتطلب أكثر من مجرد حبر على الورق.

وتقول صحيفة «فاينانشال تايمز» إنه لحماية ما تحقق من اختراق، سيتعيَّن على جميع الأطراف كبح جماح المحاولات الهدامة لدى كلا الجانين، ومنع أعمال العنف، ومساندة السلطة الفلسطينية في الإصلاح، وإيجاد قادة جدد. ويتعين على الرئيس ترمب الحد من توسيع المستوطنات الإسرائيلية والعمل بجدية على تعزيز المؤسسات الفلسطينية.

ووسط شكوك فلسطينية في مدى التزام إسرائيل بعدم عرقلة خطة ترمب، وعرقلة تشكيل حكومة تكنوقراط، وشكوك إسرائيلية في قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم وتفكيك البنية التحتية للإرهاب وإصلاح المؤسسات، فإن الطريق سيكون طويلاً، ولن يكون سهلاً.


مقالات ذات صلة

مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

صرّح مساعد سابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه عقب هجوم «حماس» في أكتوبر 2023، الذي أشعل فتيل حرب غزة، كلّفه بإيجاد طريقة للتهرب من مسؤولية هذا الخرق الأمني

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)

نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

قال حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، إنه التقى، الثلاثاء، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وأجريا محادثات ركزت على جهود تثبيت وقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (عمان)
المشرق العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال استقباله نظيره التركي هاكان فيدان بالقاهرة أغسطس الماضي (الخارجية التركية)

وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره التركي أهمية الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة

قالت وزارة الخارجية المصرية، اليوم، إن الوزير بدر عبد العاطي أكد في اتصال هاتفي مع نظيره التركي هاكان فيدان، أهمية الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الناشطة السويدية غريتا تونبرغ بعد خروجها من مركز للشرطة في لندن (رويترز)

الشرطة تفرج عن غريتا تونبرغ بعد توقيفها في مظاهرة داعمة للفلسطينيين بلندن

أفادت شرطة مدينة لندن بأنها أطلقت سراح ​الناشطة السويدية غريتا تونبرغ بعد القبض عليها اليوم الثلاثاء خلال مظاهرة داعمة للفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

شنّ الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة على المناطق الشرقية من خان يونس، أي تلك الواقعة شرق الخط الأصفر، حيث يعيش عشرات آلاف الفلسطينيين في خيام أو منازل تضررت.

«الشرق الأوسط» (غزة)

400 شخصية نسائية عالمية تطالب إيران بإلغاء إعدام ناشطة

إيرانيون يتظاهرون لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام (أرشيفية-رويترز)
إيرانيون يتظاهرون لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام (أرشيفية-رويترز)
TT

400 شخصية نسائية عالمية تطالب إيران بإلغاء إعدام ناشطة

إيرانيون يتظاهرون لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام (أرشيفية-رويترز)
إيرانيون يتظاهرون لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام (أرشيفية-رويترز)

طالب أكثر من 400 شخصية نسائية عالمية، من بينها أربع حائزات جوائز نوبل وعدد من الرئيسات ورئيسات الحكومات السابقات، طهران بالإفراج فوراً عن المهندسة والناشطة الإيرانية زهراء طبري، مُعربين عن قلقهم من احتمال تنفيذ حكم الإعدام بحقّها قريباً.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حُكم على طبري، وهي أمّ تبلغ 67 عاماً، بالإعدام بعد «محاكمة صورية لم تستغرق سوى عشر دقائق، عُقدت عبر الفيديو دون حضور محاميها»، وفق ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الرسالة التي وقّعتها النساء.

وأشارت الرسالة إلى أن طبري تُواجه الإعدام «لرفعها لافتة عليها عبارة (امرأة، الحياة، حرية)»، والتي يُرجَّح أنها مُستوحاة من شعار «امرأة، حياة، حرية» الذي لقي رواجاً واسعاً خلال احتجاجات عام 2022.

ووقّعت الرسالة، التي صاغتها جمعية «العدالة لضحايا مَجزرة 1988 في إيران» التي تتخذ من لندن مقراً، رئيساتٌ سابقات لسويسرا والإكوادور، ورئيسات وزراء سابقات لفنلندا والبيرو وبولندا وأوكرانيا.

وجاء في الرسالة: «نطالب بالإفراج الفوري عن زهراء، وندعو الحكومات في مختلف أنحاء العالم إلى التضامن مع المرأة الإيرانية في نضالها من أجل الديمقراطية والمساواة والحرية».

ووقّع الرسالة أيضاً قضاة ودبلوماسيون وأعضاء في البرلمان وشخصيات عامة، مِن بينهم الفيلسوفة الفرنسية إليزابيث بادينتر.

وفي حين لم تتطرق وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية إلى قضية طبري، ولم تؤكد صدور حكم الإعدام بحقها، أكّدت مجموعة من ثمانية خبراء مستقلين من الأمم المتحدة، الثلاثاء، صدور الحكم، استناداً فقط إلى لافتة ورسالة صوتية لم تُنشر، وطالبوا إيران بـ«تعليق» تنفيذ الحكم فوراً.

وأكد هؤلاء الخبراء المفوَّضون من مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، أنّ الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي صادقت عليها إيران، يقتصر في المبدأ على تطبيق عقوبة الإعدام على «أخطر الجرائم».

وشددوا على أن «القضية لا تشمل أي جريمة قتل متعمَّدة وتشوبها عدة مخالفات إجرائية»، وخلصوا إلى أن «إعدام طبري في ظل هذه الظروف يُعدّ إعداماً تعسفياً».

وفق منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها أوسلو، أعدمت السلطات الإيرانية أكثر من 40 امرأة، هذا العام.


مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
TT

مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

صرّح مساعد سابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه عقب هجوم «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الذي أشعل فتيل الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت عامين، كلّفه الزعيم الإسرائيلي بإيجاد طريقة للتهرب من مسؤولية هذا الخرق الأمني.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، وجّه المتحدث السابق باسم نتنياهو، إيلي فيلدشتاين، الذي يواجه محاكمة بتهمة تسريب معلومات سرية إلى الصحافة، هذا الاتهام الخطير، خلال مقابلة مطولة مع قناة «كان» الإسرائيلية، مساء الاثنين.

وقد اتهم منتقدون نتنياهو مراراً وتكراراً برفض تحمّل مسؤولية الهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. لكن لا يُعرف الكثير عن سلوك نتنياهو في الأيام التي أعقبت الهجوم مباشرة، في حين قاوم رئيس الوزراء باستمرار إجراء تحقيق حكومي مستقل.

وفي حديثه لقناة «كان»، قال فيلدشتاين إن «المهمة الأولى» التي تلقاها من نتنياهو بعد 7 أكتوبر 2023، كانت إسكات المطالبات بالمساءلة. قال فيلدشتاين: «سألني: عمّ يتحدثون في الأخبار؟ هل ما زالوا يتحدثون عن المسؤولية؟». وأضاف: «أراد مني أن أفكر في شيء يُخفف من حدة العاصفة الإعلامية المحيطة بمسألة ما إذا كان رئيس الوزراء قد تحمل المسؤولية أم لا».

وأضاف أن نتنياهو بدا «مرتبكاً» عندما طلب منه ذلك. وقال فيلدشتاين إنه أُبلغ لاحقاً من قِبل أشخاص في الدائرة المقربة من نتنياهو بحذف كلمة «المسؤولية» من جميع التصريحات.

وصف مكتب نتنياهو المقابلة بأنها «سلسلة طويلة من الادعاءات الكاذبة والمكررة التي أدلى بها رجل ذو مصالح شخصية واضحة يحاول التهرب من المسؤولية»، حسبما أفادت وسائل إعلام عبرية.

وتأتي تصريحات فيلدشتاين بعد توجيه الاتهام إليه في قضية يُتهم فيها بتسريب معلومات عسكرية سرية إلى صحيفة شعبية ألمانية لتحسين الصورة العامة لرئيس الوزراء، عقب مقتل 6 رهائن في غزة في أغسطس (آب) من العام الماضي.

كما يُعدّ فيلدشتاين مشتبهاً به في فضيحة «قطر غيت»، وهو أحد اثنين من المقربين لنتنياهو متهمين بتلقي أموال من قطر أثناء عملهما لدى رئيس الوزراء.


«الأركان الإيرانية»: جاهزون لكل السيناريوهات

المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)
المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)
TT

«الأركان الإيرانية»: جاهزون لكل السيناريوهات

المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)
المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)

قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجي، إن القدرات البحرية والبرية والصاروخية لإيران «جاهزة لمواجهة أي سيناريو يفرضه العدو»، مشدداً على أن جزءاً كبيراً من هذه القدرات «لم يستخدم بعد»، في رسالة تحذير مباشرة لإسرائيل وسط تصاعد التوتر الإقليمي عقب حرب يونيو (حزيران) الماضي.

وحذر شكارجي من أن «الرد سيكون قاطعاً» إذا فُرضت مواجهة على إيران، مؤكداً في الوقت نفسه أن أي تحرك هجومي من جانب طهران «سيكون بهدف معاقبة المعتدي»، وليس بدء حرب جديدة.

ونقلت وكالة «دانشجو» التابعة لـ«الباسيج الطلابي» عنه قوله إن إيران «لم تكن يوماً البادئة بالحرب»، لكنها «ستقف بحزم أمام أي عدوان»، مشدداً على أن العقيدة الدفاعية الإيرانية تقوم على الردع والاستعداد المستمر.

وتطرق شكارجي إلى الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، واصفاً إياها بأنها «حرب مركّبة شاملة»، حشد فيها الخصوم «كل قدراتهم أملاً في توجيه ضربة قاضية»، لكنه قال إنهم «فشلوا في تحقيق أهدافهم». وأضاف أن القدرات الإيرانية «لم تُستنزف» خلال تلك المواجهة، وأن ما لم يستخدم بعد «يشكل جزءاً أساسياً من معادلة الردع»، مشيراً إلى أن الضغوط والتهديدات «لن تغيّر مسار إيران، بل ستعزز تماسكها».

وشنّت إسرائيل في 13 يونيو، هجوماً واسعاً على منشآت استراتيجية داخل إيران، أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري» ومسؤولين وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي، مما أشعل حرباً استمرت 12 يوماً بين الجانبين. وانضمت الولايات المتحدة لاحقاً إلى المواجهة عبر قصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

وفي إشارة ضمنية إلى تقارير غربية وإسرائيلية تحدثت عن مساعٍ إيرانية لإعادة بناء وتعزيز القدرات الصاروخية، قال شكارجي إن طهران «لم تتوقف عن العمل حتى في ذروة التوتر»، موضحاً أن الحرب التي استمرت 12 يوماً «شهدت تعزيزاً للقدرات وتحقيق نتائج ملموسة». وأضاف أن الصاروخ الإيراني «فتاح» تمكن من اختراق منظومات دفاعية «تقدَّر تكلفتها بملايين الدولارات»، في إشارةٍ إلى فاعلية القدرات الصاروخية الإيرانية في مواجهة أنظمة دفاع متطورة.

لوحة إعلانية تحمل صوراً لقادة في «الحرس الثوري» قُتلوا خلال القصف الإسرائيلي معلَّقة على جسر على طريق سريع في طهران 14 يونيو الماضي (إ.ب.أ)

وفي جانب آخر من تصريحاته، ركز شكارجي على ما وصفها بـ«الحرب الناعمة»، معتبراً أنها «ميدان الصراع الأشد خطورة»، لأن «الخسائر الحقيقية تقع فيها». وقال إن مسار المواجهة «تحول جزئياً نحو الحرب الناعمة والإعلامية بهدف ضرب معنويات المجتمع»، مشيراً إلى أن الخصوم راهنوا على أدوات إعلامية ونفسية لتقويض المعنويات الداخلية. وأضاف أن «تماسك الجبهة الداخلية» والتنسيق بين الإعلام والقوات المسلحة والمجتمع «أفشل هذا الرهان وقلب المعادلة».

وعلى الصعيد الأمني الداخلي، كشف شكارجي عن تفكيك شبكة واسعة من الجواسيس والعناصر المرتبطة بـ«العدو»، موضحاً أنه جرى اعتقال نحو 2000 شخص خلال الفترة الممتدة من أشهر قبل اندلاع الحرب حتى نهايتها. وقال إن هذه الشبكة «أُنشئت على مدى سنوات»، وصُرفت «أموال طائلة لتدريبها وتنظيمها»، لافتاً إلى أن الجاهزية المسبقة للأجهزة المعنية أسهمت في إحباط نشاطها، مؤكداً أن «إعادة بناء مثل هذه الشبكات ليست سهلة».

تأتي تصريحات شكارجي في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الأميركية والإسرائيلية من عودة طهران إلى إعادة بناء قدراتها الصاروخية والنووية بعد الحرب التي اندلعت بين الجانبين في يونيو (حزيران) الماضي، وسط مخاوف متزايدة من سوء تقدير قد يقود إلى مواجهة جديدة غير مقصودة.

في هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، إن إسرائيل «على علم» بأن إيران تُجري «تدريبات» في الآونة الأخيرة، مضيفاً أن الأنشطة النووية الإيرانية ستُبحث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة مرتقبة في وقت لاحق من هذا الشهر. ولم يقدم نتنياهو تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه التدريبات، لكنه حذّر من أن أي تحرك إيراني سيقابَل برد «قاسٍ للغاية».

وتعكس تصريحات نتنياهو قلقاً متزايداً في تل أبيب من أن التحركات الصاروخية الإيرانية الجديدة قد لا تكون مجرد تدريبات اعتيادية، بل جزء من جهود أوسع لإعادة ترميم الترسانة الباليستية التي تضررت خلال الحرب الأخيرة.

وفي واشنطن، قال السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي إن إيران «لم تستوعب الرسالة كاملة» بعد القصف الأميركي لمنشأة فوردو النووية خلال الحرب، مشيراً إلى تقارير عن محاولات لإعادة بناء الموقع وتعزيز تحصيناته. وأضاف أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب شدد مراراً على أن إيران «لن تخصب اليورانيوم ولن تمتلك سلاحاً نووياً».

وفي الإطار نفسه، أعلن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، خلال زيارة لإسرائيل، تأييده توجيه ضربات إلى إيران، محذراً من أن إعادة بناء القدرات الصاروخية الباليستية باتت تشكل تهديداً لا يقل خطورة عن البرنامج النووي، وداعياً إلى استهداف هذه القدرات في أي ضربة محتملة.

في المقابل، شددت إيران على أن برنامجها الصاروخي «دفاعي بحت» وخارج أي مسار تفاوضي. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، إن القدرات العسكرية الإيرانية طُورت لأغراض الردع، محذراً من الرد على أي اعتداء يستهدف البلاد.

رجل يمر أمام لافتة بمكتب صرافة مع تراجع قيمة الريال الإيراني في طهران (رويترز)

وعلى الصعيد الداخلي، شهدت الساحة الإيرانية تبايناً في الروايات بشأن مناورات صاروخية محتملة، بعدما تحدثت وسائل إعلام قريبة من «الحرس الثوري» عن اختبارات في عدة محافظات، قبل أن ينفي التلفزيون الرسمي إجراء أي مناورات أو تجارب صاروخية.

وحذر مسؤولون إسرائيليون وأميركيون من أن هذا التضارب في المعطيات، إلى جانب ارتفاع منسوب الخطاب العسكري، قد يزيد من مخاطر الانزلاق إلى مواجهة أوسع في المنطقة، في ظل غياب قنوات تواصل واضحة قادرة على ضبط إيقاع التصعيد.

ومع ذلك، تحدث مسؤول أميركي عن مقاربة واشنطن الحالية تجاه إيران، مؤكداً أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ترى سلوك طهران «مزعزعاً للاستقرار»، لكنها تعتمد في هذه المرحلة أدوات دبلوماسية واقتصادية وليست عسكرية.

وقال المسؤول، وفق ما نقلت «جيروزاليم بوست» عن موقع «والا»، إن الولايات المتحدة أعادت تفعيل استراتيجية «الضغط الأقصى» بهدف إنهاء التهديد النووي الإيراني، وكبح برنامج الصواريخ الباليستية، ومنع دعم طهران لما تصفها واشنطن بـ«المنظمات الإرهابية».

وأضاف أن هذه المقاربة تقوم على تضييق الخناق على إيران عبر العقوبات والعزلة الدولية والضغط الدبلوماسي، بدلاً من فتح جبهة عسكرية جديدة قد تقود إلى تصعيد واسع في المنطقة، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية تفضّل إدارة التهديد الإيراني تدريجياً، مع إبقاء جميع الخيارات مطروحة، من دون التسرع في اللجوء إلى القوة.