قال المخرج السوري أمير ظاظا إن فيلمه القصير «أغمضي عينيكِ يا هند» خرج من تجربة إنسانية صادقة مرتبطة بقصة الطفلة الفلسطينية هند رجب، مشيراً إلى أن متابعته لتفاصيل ما جرى منذ لحظة فقدانها وحتى استشهادها شكّلت الشرارة الأولى التي قادته نحو تحويل القصة إلى عمل سينمائي.
وأضاف ظاظا لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتابع التسجيلات الصوتية التي نُشرت لهند قبل استشهادها، ومثل كثيرين تأثرت بشدة بما كان يُنشر في تلك الساعات العصيبة، لكن المشهد الذي هزّني بالفعل كان لحظة تعرف والدتها على جثمانها، وهو الموقف الذي شعرت من خلاله بأنه يلخص قسوة الحرب بأكملها».
وحصد الفيلم جائزة «أفضل فيلم قصير» في الدورة الخامسة والأربعين من مهرجان هولندا السينمائي الذي اختتمت فعالياته يوم الجمعة الماضي.
وقال ظاظا إن تجربته بوصف أنه سوري عاش الحرب جعلته أكثر قرباً من تفاصيل القصة، وأكثر قدرة على فهم مشاعر الأم في ذلك الموقف، متابعاً: «وجدت نفسي أمام حكاية لا يمكن أن تمر مرور الكرام، وعندما شاهدت لاحقاً مقابلة مع رنا المسؤولة في الهلال الأحمر الفلسطيني التي تحدثت عن التواصل الأخير مع الطفلة، تأثرت جداً، وبدأت في جمع خيوط القصة، لما تحمله من مشاعر إنسانية فياضة».
وأوضح أن «استشهاد هند، وفريق الإسعاف، ووصف المسؤولة الفلسطينية ما حدث جعله يشعر بضرورة أن يقدم ما حدث في عمل فني، ليحمل رسالتها إلى العالم»، على حد تعبيره، مؤكداً أنه في تلك اللحظة أدرك أن مسؤوليته باعتباره صانع أفلام تفرض عليه التقاط هذه الحكاية، ومنحها مساحة بصرية ودرامية تحفظها من النسيان.

وتابع المخرج السوري: «خلال تلك الفترة شعرت مثل ملايين الناس بالعجز أمام ما يجري في غزة، لكنني قررت تحويل هذا الشعور إلى فعل، فكانت السينما هي وسيلتي الوحيدة»، مؤكداً أن الفيلم لم يكن مجرد تجربة فنية بقدر ما كان محاولة لنقل صوت طفلة لم تُمنح فرصة النجاة، وأن ما يهمه بالأساس هو أن يشعر المشاهد بأنه يجلس بجوارها داخل السيارة، ويعيش لحظاتها الأخيرة.
وقال ظاظا إن «طريق إنجاز الفيلم لم يكن سهلاً على الإطلاق، فقد واجه في البداية رفضاً قاطعاً من شركات الإنتاج التي لم توافق على تبني المشروع، حتى بعدما وجدت تجاوباً أولياً من إحدى الشركات عادت وانسحبت قبل أسبوع فقط من بدء التصوير»، موضحاً أن «هذه اللحظة كانت الأصعب، لأنني وجدت نفسي بين خيارين، إما أن أتخلى عن الفيلم، أو أن أخوض التجربة بنفسي مهما كانت الصعوبات، فاخترت استكمال المسيرة».
استعان أمير ظاظا بزملائه الذين تخرجوا معه من أكاديمية الأفلام في أمستردام عام 2022، فاتصل بمدير تصوير، ومهندس ديكور، وفنان مؤثرات بصرية، ثم شكّل فريق عمل من عشرين إلى ثلاثين شخصاً، وفق تصريحاته، مؤكداً أن «الفريق عمل بحماس شديد رغم شح الإمكانيات، لأن الجميع كان يشعر بأن القصة أكبر من مجرد مشروع تخرج، أو تجربة فردية، وإنما قضية إنسانية مشتركة تستحق أن تُروى بجانب العمل التطوعي لعدد ليس بالقليل».

وأوضح أن «بعض التسهيلات التي حصلوا عليها ساعدت في خروج الفيلم للنور، من بينها الاستوديو، ومعدات التصوير»، ولفت إلى أن الممثلين الذين ظهروا في الفيلم ليسوا من المحترفين، وإنما هم أشخاص عاديون، فقد كان يبحث عن وجوه تحمل صدقاً داخلياً أكثر من امتلاكها مهارات تمثيلية.
وأوضح أن اختياره للطفلة البطلة كان قائماً على الروح أكثر من الشكل، وأنها أظهرت قدرة على تحمل ظروف التصوير الصعبة التي استغرقت خمسة أيام فقط، مشيراً إلى أن جميع أحداث الفيلم تدور داخل السيارة التي كانت محاصرة بالدبابات، لذلك كان لا بد من بناء الموقع بالكامل داخل الاستوديو حتى يبدو حقيقياً، ومقنعاً.
وأضاف: «هذا الخيار الفني كان مرهقاً من الناحية الإنتاجية، لكنه ضروري للحفاظ على المصداقية، خصوصاً أن الفيلم يتعامل مع قصة يعرفها الجمهور جيداً، وتابع تفاصيلها».
وأوضح أن السيناريو الأول للفيلم كان في حدود خمس وأربعين صفحة، وهو ما كان يقارب فيلماً طويلاً، لكنه اضطر لاختصاره إلى ثلاثين دقيقة، حتى يحتفظ الفيلم بتكثيف درامي قوي يضمن أن تظل التجربة مشحونة بالعاطفة دون أن تفقد تماسكها.
وقال ظاظا إنه حرص على أن يكون الفيلم إنسانياً في المقام الأول قبل أن يكون فنياً، فاختار أن يتجنب الزوايا المعقدة، أو المبالغات البصرية، وركز على بناء تجربة بسيطة، وعميقة في الوقت نفسه، بحيث تكون قادرة على الوصول إلى أي مشاهد مهما كانت خلفيته.

وعن التشابه بين فيلمه وفيلم «صوت هند رجب» للمخرجة كوثر بن هنية الذي عرض في مهرجان فينيسيا، أوضح ظاظا أنه شعر ببعض القلق في البداية، واستدرك: «لكنني سرعان ما تأكدت أن الفيلمين مختلفان تماماً، فالأول قصير، والثاني طويل، ولكل منهما مساحة فنية، ورسالة خاصة». وأضاف أن ما أزعجه فعلاً كان التباس الجمهور عندما اعتقد البعض أن الإعلان الترويجي لفيلمه يخص فيلم كوثر بن هنية، لكنه شدد على أن المهم هو أن يظل اسم الطفلة حاضراً، وأن تصل رسالتها إلى أكبر عدد من الناس.

وقال المخرج السوري إن فيلمه كان جاهزاً منذ فترة، لكن لم ينل الصدى الكبير إلا بعد عرضه في مهرجان هولندا السينمائي، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم قصير، وهي الجائزة التي اعتبرها نقطة تحول مهمة للعمل، لأنها فتحت أمامه أفقاً عالمياً جديداً.
ومن المقرر عرض الفيلم القصير «أغمضي عينيك يا هند» للمرة الأولى بالعالم العربي ضمن فعاليات النسخة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي الذي ينطلق يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.


