ترمب يتريّث في تسليم «توماهوك» لأوكرانيا: حذر أم تكرار لسياسات المهادنة مع موسكو

يطلب توضيحاً من كييف حول استخدامها... والكرملين يعد تسليمها إلى كييف تصعيداً خطيراً

صورة مأخوذة من مقطع فيديو وزعته دائرة الصحافة التابعة لوزارة الدفاع الروسية 6 أكتوبر 2025 خلال إطلاق صواريخ باتجاه مواقع أوكرانية في مكان غير معلن عنه بأوكرانيا (أ.ب)
صورة مأخوذة من مقطع فيديو وزعته دائرة الصحافة التابعة لوزارة الدفاع الروسية 6 أكتوبر 2025 خلال إطلاق صواريخ باتجاه مواقع أوكرانية في مكان غير معلن عنه بأوكرانيا (أ.ب)
TT

ترمب يتريّث في تسليم «توماهوك» لأوكرانيا: حذر أم تكرار لسياسات المهادنة مع موسكو

صورة مأخوذة من مقطع فيديو وزعته دائرة الصحافة التابعة لوزارة الدفاع الروسية 6 أكتوبر 2025 خلال إطلاق صواريخ باتجاه مواقع أوكرانية في مكان غير معلن عنه بأوكرانيا (أ.ب)
صورة مأخوذة من مقطع فيديو وزعته دائرة الصحافة التابعة لوزارة الدفاع الروسية 6 أكتوبر 2025 خلال إطلاق صواريخ باتجاه مواقع أوكرانية في مكان غير معلن عنه بأوكرانيا (أ.ب)

في خطوة أثارت الجدل مجدداً حول حدود دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، إنه يريد أن يعرف ما الذي تخطط أوكرانيا لفعله بصواريخ «توماهوك» قبل أن يوافق على تسليمها، مؤكداً أنه «لا يسعى إلى تصعيد الحرب مع روسيا».

A Tomahawk Land Attack Missile (TLAM) is launched from the guided missile cruiser USS Cape St. George, arch 23, 2003. (Reuters/US Navy/Intelligence Specialist 1st Class Kenneth Moll/File Photo/File Photo)

وهو ما أعاد إلى الواجهة النقاش القديم حول مقاربته للعلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحول ما إذا كانت مواقفه الأخيرة تكراراً لنمط الحذر المفرط أو الميل السياسي الذي اتُّهم به منذ ولايته الأولى.

ترمب، كان قد صرح، يوم الاثنين، خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، في رده على سؤال عن قراره بشأن توريد الصواريخ الأميركية الصنع لأوكرانيا، بأنه «اتخذ قراراً نوعاً ما»، مضيفاً: «أعتقد أنني أريد أن أعرف ماذا سيفعلون بها، وإلى أين سيرسلونها، لا أريد تصعيد تلك الحرب». وجاءت تصريحاته بعد أيام من تحذير بوتين من أن تزويد كييف بصواريخ «توماهوك»، التي يبلغ مداها نحو 2500 كيلومتر، سيقوّض أي توجهات إيجابية في العلاقات الأميركية الروسية، وسيفتح الباب أمام «تدهور غير قابل للعودة» بين البلدين.

تحذيرات روسية وريبة متبادلة

وفي تصريحات جديدة من موسكو، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن موقف روسيا «أوضحه الرئيس بوتين بشكل لا يقبل التأويل»، عادّاً أن تسليم هذه الصواريخ سيمثل «جولة تصعيد خطيرة»، لكنها «لن تغيّر الوضع الميداني بالنسبة لكييف». وأضاف بيسكوف أن بلاده «تنتظر تصريحات أوضح من الرئيس الأميركي»، في إشارة إلى أن الكرملين لا يزال يتعامل بحذر مع التصريحات المترددة لترمب.

ويُنظر في موسكو إلى تصريحات ترمب على أنها إشارة إلى احتمال احتفاظ واشنطن بخيار المساومة الدبلوماسية مع روسيا، في لحظة تعاني فيها الحرب الأوكرانية من جمود عسكري، ومخاوف من تراجع الدعم الأوروبي.

في المقابل، تعد كييف أن أي تردد أميركي إضافي في تسليحها سيُقوّض قدرتها على ردع موسكو، خصوصاً بعد فشل مفاوضات الربيع الماضي بشأن إدخال أنظمة الصواريخ بعيدة المدى ضمن حزمة المساعدات الدفاعية الغربية.

حتى الآن، لم تُصدر إدارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي رداً رسمياً على تصريحات ترمب، لكنها، وفق مصادر أوكرانية، تخشى أن يكون هذا الموقف مقدمة لتراجع جديد في التزامات واشنطن العسكرية، خصوصاً بعدما كانت كييف تراهن على استخدام «توماهوك» في توجيه ضربات دقيقة ضد البنية التحتية الروسية التي تُستخدم لدعم العمليات في الشرق والجنوب.

الرئيس الأميركي ونظيره الروسي خلال مؤتمر صحافي بقاعدة «إلمندورف ريتشاردسون» المشتركة في أنكوريج بألاسكا يوم 15 أغسطس (أ.ف.ب)

توازن حذر أم تكرار للنهج القديم؟

موقف ترمب الأخير ليس جديداً تماماً في سياق مقاربته للعلاقات مع موسكو. فمنذ توليه الرئاسة أول مرة عام 2017، واجه اتهامات متكررة بأنه يُظهر ميلاً إلى تجنّب الصدام مع بوتين، حتى عندما كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية تؤكد تدخل روسيا في الانتخابات أو تورطها في عمليات قرصنة واستهداف سياسي. ويقول محللون في واشنطن إن ما يقدمه ترمب اليوم هو استمرار لنهج «الحذر المصلحي» الذي يميّز مقاربته للسياسة الخارجية: فهو لا يمانع في استخدام القوة الأميركية كورقة ضغط، لكنه يتردد في تحمل تكلفتها السياسية والاقتصادية.

نيران تلتهم مبنى سكنياً في زابوريجيا عقب قصف روسي يوم 5 أكتوبر (إ.ب.أ)

وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن البيت الأبيض في عهد ترمب يرى أن تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى قد يُفسَّر كأنه خطوة أميركية مباشرة في الحرب، وهو ما يسعى ترمب إلى تجنبه في ظل حملات انتخابية داخلية تعيد إلى الأذهان شعاره القديم: «أميركا أولاً». ويقول خبير العلاقات الروسية الأميركية توماس غراهام، وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي، إن «ترمب يحاول الظهور بمظهر الزعيم الواقعي الذي لا يريد حرباً مفتوحة، لكنه في الوقت نفسه يمنح موسكو انطباعاً بأنه متردد، ما يضعف الردع الأميركي».

داخل الولايات المتحدة، تتباين المواقف حيال تصريحات ترمب الأخيرة، فقد عدّ الجمهوريون المقرّبون من تيار «أميركا أولاً» أن الرئيس على حق في طلب ضمانات واضحة من كييف حول استخدام الصواريخ، فيما انتقد الديمقراطيون ما وصفوه بأنه «رسالة ضعف وتشجيع لبوتين». وقالت السيناتورة الديمقراطية تامي داكويرث إن «الحديث عن الحذر في وقتٍ تتعرض فيه أوكرانيا لهجمات يومية بالصواريخ الإيرانية والروسية لا يُظهر حكمة، بل يظهر تردداً يضر بمصداقية أميركا».

جانب من الدمار جراء القصف الروسي على مدينة لفيف الأوكرانية (د.ب.أ)

أما في أوروبا، فهناك خشية من أن يؤدي موقف ترمب إلى إعادة خلط الأوراق داخل حلف شمال الأطلسي، خصوصاً أن دولاً مثل بريطانيا وبولندا كانت تستعد لتمويل جزء من صفقة «توماهوك» عبر وسطاء تجاريين أوروبيين. وبحسب دبلوماسي غربي، فإن «أي تراجع أميركي يعني فعلياً تجميد المشروع»، لأن معظم الدول الأوروبية لا تملك صلاحيات تصدير هذه الصواريخ من دون موافقة واشنطن.

تقاطع المصالح أم تشابه الطموحات؟

منذ سنوات، تتردد فرضية أن التقارب بين رؤيتي ترمب وبوتين للعالم لا يقتصر على المصالح، بل يمتد إلى الطريقة التي يرى بها كلٌّ منهما السلطة والنفوذ. فكلا الرجلين يميل إلى الخطاب الشعبوي، ويفضّل التعاملات الثنائية على الدبلوماسية المتعددة الأطراف، ويُظهر شكوكاً تجاه المؤسسات الدولية.

ويرى بعض المحللين أن هذا التشابه في السلوك السياسي يجعل ترمب أكثر حذراً في مواجهة بوتين، خشية أن يُتّهم بتأجيج صراع مع زعيم يرى فيه كثير من أنصاره نموذجاً للقوة القومية.

لكنّ آخرين يعتقدون أن ترمب يستخدم التريث تكتيكاً سياسياً، يتيح له إبقاء موسكو وكييف على طاولة تفاوض محتملة، مع الحفاظ على صورته بوصفه زعيماً لا يريد التورط في حروب خارجية طويلة. ومع ذلك، فإن أي تأخير إضافي في تسليم الأسلحة المطلوبة قد يُفسَّر داخل أوكرانيا والغرب كأنه «تراجع استراتيجي»، خصوصاً أن الحرب تقترب من إنهاء عامها الرابع من دون مؤشرات على تسوية قريبة.

وسواء كان تردد ترمب تعبيراً عن حسابات استراتيجية لتجنب التصعيد أو عن ميل قديم إلى مهادنة موسكو، فإن النتيجة واحدة: تعميق الغموض في موقف واشنطن تجاه واحدة من أخطر أزمات العالم. وبينما ينتظر الكرملين «بيانات أوضح»، كما قال بيسكوف، يجد حلفاء الولايات المتحدة أنفسهم أمام سؤال لا يقل إلحاحاً: هل سيبقى دعم أوكرانيا مرهوناً لتقلبات مزاج البيت الأبيض أم أن واشنطن لا تزال قادرة على قيادة تحالفٍ غربي موحّد في وجه التوسع الروسي؟

عاملو إنقاذ يعملون في موقع استهدفه قصف روسي على مدينة لفيف يوم 5 أكتوبر (إ.ب.أ)

مسيّرات تستهدف غرب سيبيريا

ميدانياً، أعلنت روسيا، الثلاثاء، أنها اعترضت خلال الليل 210 مسيّرات أوكرانية، فيما تواصل كييف ضرب الأراضي الروسية بالمسيرات لليوم الثاني على التوالي في واحدة من أشد الهجمات منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ثلاثة أعوام. وجاء في بيان لوزارة الدفاع الروسية أن قواتها أسقطت 62 طائرة مسيّرة فوق منطقة كورسك و31 فوق منطقة بيلغورود المحاذيتين للحدود مع أوكرانيا.

كما أعلنت السلطات الروسية، عبر تطبيق «تلغرام»، الثلاثاء، أن طائرات مسيّرة هاجمت منطقة تيومين الغنية بالنفط في غرب سيبيريا، وسط تضارب في التقارير حول حجم الأضرار الناجمة عن الهجوم. وقالت الإدارة الإقليمية إنه تم رصد ثلاث طائرات مسيّرة وتحييدها في مقر إحدى الشركات بمدينة تيومين، عاصمة المنطقة، موضحة أن الحادث وقع الاثنين. وتقع تيومين على بُعد أكثر من ألفي كيلومتر من خط الجبهة، في الجزء الآسيوي من روسيا.

جنديان أوكرانيان يطلقان طائرة استطلاع مُسيّرة قرب الجبهة في دونيتسك (أرشيفية - رويترز)

وإذا كانت الطائرات المسيّرة تم إطلاقها من أوكرانيا، فستكون هذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها طائرات مسيّرة أوكرانية بعيدة المدى جبال الأورال. وقال البيان إن «التدخل السريع لخدمات الطوارئ حال دون انفجار الطائرات المسيّرة». لكن قناة «إكسيلينوفا» الأوكرانية ذكرت، عبر تطبيق «تلغرام» أنه تم استهداف مصفاة نفط، إلا أن الصورة المرفقة، التي قدمت بوصفها دليلاً، لم تظهر سوى أضرار طفيفة في جدار واقٍ أمام خزانات النفط.


مقالات ذات صلة

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

أوروبا عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب) play-circle

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

كشف «المركز الروسي لدراسات الرأي العام» لاستطلاعات الرأي، اليوم (الأربعاء)، أن غالبية الروس يتوقعون انتهاء الحرب في أوكرانيا عام 2026.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي في كييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

أكّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، استعداده لسحب القوات من منطقة دونباس إذا سحبت روسيا قواتها أيضاً، وإذا تحوّلت إلى «منطقة منزوعة السلاح».

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصدر مطلع اليوم (الأربعاء) أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)

قضاء العراق «يجرم» المتورطين في الحرب الروسية - الأوكرانية

توعد القضاء العراقي من أسماهم المتورطين في حرب أوكرانيا بالسجن، مشدداً على مكافحة تجنيدهم للقتال على أراضٍ أجنبية.

فاضل النشمي (بغداد)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي يكشف البنود الـ20 للخطة الأميركية - الأوكرانية لإنهاء الحرب مع روسيا

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تفاصيل بنود أحدث خطة تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة سعيا لإنهاء الحرب مع روسيا، وتمّ رفعها إلى موسكو لإبداء موقفها

«الشرق الأوسط» (كييف)

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
TT

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)

كشف «المركز الروسي لدراسات الرأي العام» لاستطلاعات الرأي، اليوم (الأربعاء)، أن غالبية الروس يتوقعون انتهاء الحرب في أوكرانيا عام 2026، في إشارة إلى أن الكرملين ربما يجري اختباراً لقياس ردّ فعل الرأي العام على تسوية سلمية محتملة، مع تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، وفقاً لوكالة «رويترز».

وخلال عرض نهاية العام الذي قدّمه ‌المركز، قال ميخائيل ‌مامونوف، نائب رئيس المؤسسة، إن 70 في المائة ‌من ⁠المشاركين ​في الاستطلاع، ‌البالغ عددهم 1600 شخص، يرون أن عام 2026 سيكون «أكثر نجاحاً» لروسيا من هذا العام، بينما ربط 55 في المائة منهم هذا الأمل باحتمال نهاية ما تسميه روسيا «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا.

وقال مامونوف، في العرض التقديمي، إن «السبب الرئيسي للتفاؤل هو احتمال الانتهاء من العملية العسكرية الخاصة وتحقيق الأهداف المعلنة، بما يتماشى مع المصالح الوطنية التي حددها الرئيس».

وفي استطلاعات الرأي ⁠السابقة لنهاية العام، أكّد المركز على التفاف المجتمع الروسي حول الرئيس فلاديمير بوتين وأهدافه ‌العسكرية في أوكرانيا، لكنه لم يقدم أرقاماً لنسبة ‍السكان الذين يتوقعون انتهاء الحرب.

وتقترب الحرب ‍الأوكرانية، التي بدأت في فبراير (شباط) 2022، من دخول عامها الخامس، ‍لكن من الصعب قياس المستوى الحقيقي للضيق الشعبي بسبب الصراع نظراً للضوابط الصارمة التي تفرضها الدولة على المعارضة.

وأشار مامونوف إلى الهجوم المستمر للجيش الروسي في أوكرانيا، وتردد الولايات المتحدة في تمويل أوكرانيا، وعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على أن يحلّ ​محل الولايات المتحدة بالكامل مالياً وعسكرياً، باعتبارها عوامل رئيسية وراء احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام في نهاية المطاف.

وأضاف أن إعادة ⁠إدماج قدامى المحاربين الذين شاركوا في «العملية العسكرية الخاصة» في المجتمع وإعادة إعمار المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، وكذلك المناطق الحدودية الروسية، بعد انتهاء الأعمال العسكرية، تعتبر الأولويات الرئيسية.

ويؤيد نحو ثلثي الروس محادثات السلام، وهي أعلى نسبة منذ بداية الحرب، وفقاً لمؤسسة ليفادا المستقلة لاستطلاعات الرأي، التي توصف بأنها «عميل أجنبي» بموجب القانون الروسي خلال الصراع.

وقال الكرملين، اليوم (الأربعاء)، إنه تم إطلاع بوتين على الاتصالات التي أجراها مسؤولون روس مع مبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن المقترحات الأميركية لاتفاق سلام محتمل، وإن موسكو ستحدد موقفها الآن.

وأفاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في ‌22 ديسمبر (كانون الأول)، أن المفاوضات التي أجريت مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بهدف إنهاء الحرب مع روسيا «اقتربت جداً من نتيجة حقيقية».


زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)

في تطوّر لافت على مسار مفاوضات إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، أكّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، استعداده لسحب القوات من منطقة دونباس؛ القلب الصناعي شرق البلاد، «إذا سحبت روسيا قواتها أيضاً»، وإذا تحوّلت المنطقة إلى «منطقة منزوعة السلاح» و«اقتصادية حرة» تخضع لرقابة قوات دولية. وأضاف، وفق وكالة «أسوشييتد برس» أن هذا المقترح، الذي من شأنه معالجة إحدى العقبات الرئيسية أمام إنهاء الحرب، يجب أن يُطرح أيضاً على استفتاء شعبي. كما ذكر زيلينسكي أن ترتيباً مشابهاً قد يكون ممكناً للمنطقة المحيطة بمحطة زابوريجيا النووية، الخاضعة حالياً للسيطرة الروسية.

وكان زيلينسكي يتحدث إلى الصحافيين، الثلاثاء، لشرح خطة شاملة من 20 نقطة صاغها مفاوضون من أوكرانيا والولايات المتحدة خلال الأيام الماضية بولاية فلوريدا، مشيراً إلى أن كثيراً من التفاصيل لا يزال قيد البحث.

وانخرط مفاوضون أميركيون في سلسلة محادثات منفصلة مع أوكرانيا وروسيا منذ أن قدّم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الشهر الماضي، خطة لإنهاء الحرب؛ في مبادرة عُدّت على نطاق واسع أنّها تصُبّ في مصلحة موسكو التي غزت جارتها قبل نحو 4 سنوات. ومنذ ذلك الحين، عملت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون على تعديل الخطة لتكون أقرب إلى موقف كييف.

ويُعدّ تقرير مصير إقليم دونباس الأوكراني، الذي استولت روسيا على غالبيته العظمى، إضافة إلى كيفية إدارة أكبر محطة نووية في أوروبا، من أشد النقاط تعقيداً في المفاوضات.

تأنٍّ روسي

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الأربعاء، وفق وكالة أنباء «إنترفاكس»، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اطّلع على نتائج المحادثات التي جرت بين المفاوضين الأميركيين والروس في ميامي نهاية الأسبوع الماضي. وقال بيسكوف إن روسيا تصوغ الآن موقفها بينما تظل على تواصل مع المسؤولين الأميركيين، مؤكداً أن موسكو لن تعلق علانية على الجوانب التي لم تُحلّ بعدُ من الخطة. وأضاف أن موقف روسيا معروف للولايات المتحدة منذ مدة طويلة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدّث في سان بطرسبرغ يوم 21 ديسمبر 2025 (رويترز)

من جهتها، ذكرت وكالة «بلومبرغ» نقلاً عن مصدر مطلع، الأربعاء، أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف. وقال المصدر المُقرّب من الكرملين إن روسيا تَعدّ خطة السلام الأميركية المؤلفة من 20 بنداً «نقطةَ انطلاق» فقط لمزيد من المفاوضات؛ وذلك لافتقارها إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية، وعدم إجابتها عن كثير من التساؤلات.

وأضاف: «في حين أن روسيا تنظر إلى الوثيقة الحالية على أنها خطة أوكرانية إلى حد كبير، فإنها ستدرسها بهدوء».

ولم تُبدِ روسيا أي إشارة إلى استعدادها للموافقة على سحب قواتها من الأراضي التي استولت عليها. بل تُصرّ موسكو على أن تتخلى أوكرانيا عمّا تبقى لديها من أراضٍ في إقليم دونباس، وهو ما ترفضه كييف. وقد سيطرت روسيا على معظم إقليم لوغانسك، ونحو 70 في المائة من إقليم دونيتسك، وهما الإقليمان اللذان يشكلان معاً منطقة دونباس.

وأقرّ زيلينسكي بأن مسألة السيطرة على المنطقة تُمثّل «أصعب نقطة» في المفاوضات، وقال إن هذه القضايا تنبغي مناقشتها على مستوى القادة. وإضافة إلى تأكيده ضرورة طرح الخطة على استفتاء شعبي، قال زيلينسكي إن نشر قوة دولية في المنطقة سيكون أمراً جوهرياً.

وبشأن محطة زابوريجيا النووية، فقد اقترحت الولايات المتحدة إنشاء «كونسورتيوم» يضم أوكرانيا وروسيا، بحيث يمتلك كل طرف حصة متساوية مع غيرها. وردّ زيلينسكي باقتراح مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، يكون للأميركيين فيه حق تقرير كيفية توزيع حصتهم، بما في ذلك منح جزء منها لروسيا. وأكّد زيلينسكي أن الولايات المتحدة لم توافق بعد على المقترحات الأوكرانية المضادة.

وقال: «لم نتوصل إلى توافق مع الجانب الأميركي بشأن أراضي منطقة دونيتسك ومحطة زابوريجيا النووية». وأضاف: «لكننا قرّبنا بشكل كبير معظم المواقف بعضها من بعض. ومن حيث المبدأ، تم التوصل إلى توافق بشأن جميع البنود الأخرى في هذا الاتفاق بيننا وبينهم».

المنطقة الاقتصادية الحرة

قال زيلينسكي إن إنشاء منطقة اقتصادية حرة في دونباس سيتطلب مناقشات صعبة بشأن مدى تراجع القوات وأماكن تمركز القوات الدولية. وأكد أن الاستفتاء ضروري؛ «لأن الناس عند ذلك يمكنهم أن يختاروا ما إذا كان ذلك يناسبهم أم لا». وأضاف أن إجراء مثل هذا التصويت سيستغرق 60 يوماً، وأنه يجب أن تتوقف خلالها الأعمال القتالية.

زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي في كييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ويقترح «مشروع الصيغة الأميركية - الأوكرانية» أيضاً انسحاب القوات الروسية من مناطق دنيبروبتروفيسك وميكولايف وسومي وخاركيف. ويتصور زيلينسكي أن تتمركز قوات دولية على خط التماس داخل المنطقة الاقتصادية الحرة لمراقبة تنفيذ الاتفاق. وقال: «نظراً إلى غياب الثقة بالروس، ولأنهم خرقوا وعودهم مراراً، فإن خط التماس الحالي يتحول عملياً إلى خط منطقة اقتصادية حرة، ويجب أن تكون فيها قوات دولية لضمان ألا يدخلها أحد تحت أي ذريعة؛ لا (الرجال الخضر الصغار) ولا جنود روس متنكرون في زي مدني».

إدارة محطة زابوريجيا

اقترحت أوكرانيا أن تكون مدينة إنرهودار المحتلة، وهي أقرب مدينة إلى محطة زابوريجيا النووية، منطقة اقتصادية حرة منزوعة السلاح، وفق زيلينسكي. وقال إن هذه النقطة تطلّبت 15 ساعة من المناقشات مع الولايات المتحدة، من دون التوصل إلى اتفاق.

وفي الوقت الراهن، تقترح الولايات المتحدة أن تُدار المحطة بشكل مشترك من أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا، بحيث يسيطر كل طرف على 33 في المائة من المشروع؛ وهي خطة وصفها زيلينسكي بأنها «غير واقعية تماماً». وقال متسائلاً: «كيف يمكن إقامة تجارة مشتركة مع الروس بعد كل ما حدث؟».

واقترحت أوكرانيا بدلاً من ذلك أن تُدار المحطة عبر مشروع مشترك مع الولايات المتحدة، يتمكن فيه الأميركيون من تحديد كيفية توزيع الطاقة الناتجة عن حصتهم البالغة 50 في المائة. وأضاف زيلينسكي أن تشغيل المحطة مجدداً يتطلب استثمارات بمليارات الدولارات، بما في ذلك إعادة تأهيل السد المجاور.

الضمانات الأمنية

تتضمن الصيغة قيد الإعداد تأكيد حصول أوكرانيا على «ضمانات أمنية قوية»، تُلزم شركاءها بالتحرك في حال تجدّد العدوان الروسي، بما يحاكي «المادة الخامسة» من «ميثاق حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، التي تنص على أن أي هجوم عسكري على أحد أعضاء الحلف يُعدّ هجوماً على الجميع.

جانب من لقاء جمع الرئيس ترمب بنظيره الأوكراني وقادة أوروبيين في البيت الأبيض يوم 18 أغسطس 2025 (أ.ب)

وقال زيلينسكي إن وثيقة منفصلة مع الولايات المتحدة ستُحدّد هذه الضمانات بشكل واضح، وستُفصّل الشروط التي سيوفَّر بموجبها الأمن، لا سيما في حال شنّ هجوم روسي جديد، كما ستُنشِئ آلية لمراقبة أي وقفٍ لإطلاق النار. وأوضح أن هذه الوثيقة ستُوقَّع بالتزامن مع الاتفاق الرئيسي لإنهاء الحرب.

وتتضمن المسودة بنوداً أخرى، من بينها الإبقاء على قوام الجيش الأوكراني عند 800 ألف جندي في زمن السلم، وأن تصبح أوكرانيا عضواً في «الاتحاد الأوروبي» بحلول تاريخ محدد. وتقليص حجم الجيش الأوكراني أحد المطالب الرئيسية لروسيا.

الانتخابات ودعم الاقتصاد

تقترح الوثيقة تسريع اتفاقية تجارة حرة بين أوكرانيا والولايات المتحدة، فيما ذكر زيلينسكي أن واشنطن تسعى إلى إبرام اتفاق مماثل مع روسيا.

وترغب أوكرانيا في الحصول على وصول تفضيلي قصير الأمد إلى السوق الأوروبية، إضافة إلى حزمة مساعدات تشمل إنشاء صندوق تنمية للاستثمار في قطاعات عدة؛ من بينها التكنولوجيا، ومراكز البيانات، والذكاء الاصطناعي، وكذلك قطاع الغاز.

مواطن أوكراني يتفقد نتائج ضربة روسية في زابوريجيا جنوب شرقي أوكرانيا يوم 19 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وتشمل بنود أخرى توفير أموال لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب عبر وسائل مختلفة، من بينها المنح والقروض وصناديق الاستثمار. وقال زيلينسكي: «ستتاح لأوكرانيا فرصة تحديد أولويات توزيع حصتها من الأموال في الأراضي الخاضعة لسيطرتها». وسيكون الهدف جذب 800 مليار دولار من خلال رؤوس الأموال والمنح والقروض ومساهمات القطاع الخاص.

كما تنص مسودة المقترح على أن تُجري أوكرانيا انتخابات بعد توقيع الاتفاق. وكان من المقرر أن تنتهي ولاية زيلينسكي الممتدة 5 سنوات في مايو (أيار) 2024، لكن الانتخابات أُجّلت بسبب الحرب الروسية. وقد استغل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذا الأمر للتشكيك في شرعية الحكومة الأوكرانية - رغم أن التأجيل كان قانونياً - كما أصبح ذلك مصدر توتر مع ترمب.

وتطالب أوكرانيا أيضاً بالإفراج الفوري عن جميع الأسرى المحتجزين منذ عام 2014، وإعادة المحتجزين المدنيين والسجناء السياسيين والأطفال إلى أوكرانيا.


تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
TT

تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصدر مطلع اليوم (الأربعاء)، أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف.

وقال المصدر المقرب من الكرملين، إن روسيا تعتبر خطة السلام الأميركية المؤلفة من 20 بنداً «نقطة انطلاق» فقط لمزيد من المفاوضات، وذلك لافتقارها إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية، وعدم إجابتها عن كثير من التساؤلات.

وأضاف: «في حين أن روسيا تنظر إلى الوثيقة الحالية على أنها خطة أوكرانية إلى حد كبير، فإنها ستدرسها بهدوء».

وفي وقت سابق اليوم، قال الكرملين إن موسكو ستواصل اتصالاتها مع واشنطن عبر القنوات القائمة قريباً بشأن التسوية الأوكرانية، فيما أوصى مجلس الاتحاد الروسي وزارة الخارجية بالعمل على إقامة حوار مع الولايات المتحدة.

ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن الكرملين قوله إن المبعوث الرئاسي الروسي كيريل دميترييف، قدّم تقريراً مفصلاً إلى الرئيس فلاديمير بوتين، حول نتائج محادثاته في الولايات المتحدة، مضيفاً أن موسكو ستصوغ موقفها بشأن التسوية بناء على المعلومات الواردة من دميترييف.

وكان مسؤولون أميركيون قد عقدوا مطلع هذا الأسبوع، اجتماعات في مدينة ميامي حول الشروط الممكن تنفيذها لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية التي اندلعت في فبراير (شباط) 2022. وضمت المحادثات مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين، وشملت عقد اجتماعات منفصلة مع دميترييف.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس (الثلاثاء)، إن محادثات ميامي تمخضت عن عدة مسودات وثائق «تتضمن على وجه الخصوص ضمانات أمنية لأوكرانيا، وخططاً للتعافي وإطار عمل أساسياً لإنهاء هذه الحرب».

وفي سياق متصل، أوصى مجلس الاتحاد الروسي وزارة الخارجية اليوم، بالعمل على استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة بالكامل «مع مراعاة المصالح الروسية».

وأفادت قناة «آر تي» التلفزيونية بأن المجلس أوصى «الخارجية» الروسية أيضاً «بالعمل على إقامة حوار مع الولايات المتحدة مع مراعاة أهمية التوصل إلى تسوية دائمة في أوكرانيا».