الشارع السوداني يرحب بإدانة «الجنائية الدولية» أحد قادة «الجنجويد» في جرائم دارفور

في تجريم كوشيب قرائن تدين البشير ومساعديه

مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (رويترز)
مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (رويترز)
TT

الشارع السوداني يرحب بإدانة «الجنائية الدولية» أحد قادة «الجنجويد» في جرائم دارفور

مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (رويترز)
مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (رويترز)

استقبلت الأوساط السودانية بارتياح شديد إدانة المحكمة الجنائية الدولية، علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم «علي كوشيب»، أحد أبرز قادة ميليشيا «الجنجويد» إبان حرب دارفور 2003 - 2004.

وتوالت ردود الفعل من القوى السياسية والهيئات الحقوقية المدنية، التي رأت في تلك الإدانة «انتصاراً للعدالة وإنصافاً للضحايا، ومصيراً ينتظر بقية المطلوبين لدى «الجنائية» بالتهم ذاتها، أبرزهم الرئيس المعزول عمر البشير، واثنان من كبار مساعديه، هما عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد محمد هارون، وآخرين».

علي كوشيب في المحكمة (إ.ب.أ)

وأدين كوشيب، الاثنين الماضي، بـ27 تهمة من بينها: «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والاغتصاب والقتل الجماعي والتعذيب والترحيل القسري للسكان الأصليين».

وقال القانوني المحامي معزّ حضرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إدانة كوشيب تستند إلى المسؤولية الجنائية الشخصية ضده، وفقاً للبيانات التي توفرت للمحكمة، وهذه البيانات جزء من القرائن التي يمكن أن تشكل إدانة غير مباشرة للرئيس البشير وبقية المتهمين».

وأوضح أن «حكم الإدانة على الجهة المنفذة ينسحب على المسؤولية القيادية التي أصدرت الأوامر، وبالتالي يمهد لإدانة المتهمين المشاركين في هذه الجريمة، (البشير ومن معه)».

وأثبتت المحكمة في حيثيات الحكم، ضلوع عبد الرحيم حسين، وأحمد هارون «في تخطيط وتمويل وتوجيه تلك الجرائم، بتزويد كوشيب بالأسلحة والمال، وإعطائه الأوامر المباشرة لقيادة الهجمات ضد المدنيين في مناطق دارفور».

القاضية جوانا كورنر خلال جلسة المحكمة (رويترز)

ورأى حضرة أن إدانة علي كوشيب تمثل دافعاً أكبر للمحكمة «لمطالبة مجلس الأمن الدولي بالإسراع في القبض على المتهمين المطلوبين، وتقديمهم إلى المحاكمة في لاهاي».

وقال إن مجلس الأمن يمكن أن يصدر قرارات بالقبض على المتهمين، «كما أن لديه صلاحيات واسعة، وآليات ضغط لاتخاذ إجراءات أخرى، من بينها فرض عقوبات ضد الحكومة السودانية حال رفضت الالتزام بقراراته».

وأضاف أن «المسؤولين في بورتسودان، ظلوا على الدوام يماطلون، ويرفضون التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تسليم المتهمين المطلوبين».

الرئيس السوداني المعزول عمر البشير أثناء إلقائه خطاباً بولاية جنوب دارفور سبتمبر 2017 (أ.ف.ب)

ويواجه أحمد هارون، وزير الدولة بوزارة الداخلية في عهد البشير، 42 تهمة تتعلق بالقتل والترحيل القسري والاغتصاب والتعذيب، فيما يواجه عبد الرحيم حسين، وزير الدفاع الأسبق، 13 تهمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وعَدّ «محامو الطوارئ» (هيئة حقوقية طوعية)، قرار إدانة المتهم، أول حكم يصدر عن «الجنائية الدولية» في الجرائم المرتكبة في دارفور منذ إحالة ملف السودان إليها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1593 في عام 2009، كما أنه يشكل ضغطاً «غير مسبوق على السلطات السودانية، لتسليم البشير وهارون وحسين إلى لاهاي».

وسلم كوشيب نفسه طوعاً للمحكمة في دولة أفريقيا الوسطى في يونيو (حزيران) 2020؛ خوفاً من اعتقاله وتصفيته من جهات تخشى من مثوله أمام المحكمة.

عمر البشير في أثناء محاكمته بالخرطوم (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وقُتل على يد المدان كوشيب، مئات الرجال من «قبيلة الفور» الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب في منطقتي مكجر ودليج بوسط دارفور، بأوامر مباشرة من حكومة السودان التي كانت تقوم بتسليح ميليشيا «الجنجويد» لقمع تمرد الحركات المسلحة في الإقليم الواقع غرب السودان.

بدوره، قال: «المنسق العام لمخيمات اللاجئين والنازحين في إقليم دارفور»، يعقوب محمد عبد الله، إن «إدانة علي كوشيب بعد أكثر من عقدين من الزمان على ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، هي انتصار لحقوق الضحايا».

ووصف، في بيان الثلاثاء، هذه الإدانة «بأنها تمثل خطوة أولى لتحقيق العدالة الكاملة، وتفتح الباب واسعاً أمام تسريع مسار تسليم بقية المطلوبين للمحكمة».

وتحدث البيان عن «مسؤولية علي كوشيب المباشرة عن القتل الجماعي والاغتصاب والحرق والتدمير لقرى كاملة وتهجير أهاليها من السكان الأصليين»، وفقاً لروايات الشهود الذين أدلوا بها في المحكمة.

المحكمة الجنائية الدولية تتولى مهمة ملاحقة مرتكبي الجرائم الأشد خطورة في العالم (رويترز)

ومن بين المتهمين المطلوبين للمثول أمام «الجنائية الدولية» أيضاً عبد الله باندا، القيادي في حركة «العدل والمساواة»؛ لمشاركته في الهجوم على بلدة «حسكنيتة» بجنوب دارفور 2007، وظهر أخيراً ضمن القوة المشتركة التي تحارب إلى جانب الجيش السوداني ضد «قوات الدعم السريع».

من جانبه، دعا «تحالف السودان التأسيسي» (تأسيس) الموالي لـ«الدعم السريع»، المجتمع الدولي إلى «ضمان تسليم بقية المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، الذين يتمتعون بالحماية من الحكومة التي يقودها الجيش في مدينة بورتسودان».

ودرجت «المحكمة الجنائية» في تقريرها السنوي أمام مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، على تكرار مطالبتها للحكومة السودانية، بتسليم المتهمين، دون أي تجاوب يذكر.

رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك (رويترز)

وسبق أن وافقت الحكومة الانتقالية المقالة، بقيادة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، على تسليم المسؤولين في الحكومة المعزولة إلى «المحكمة الجنائية الدولية»، إلا أن الانقلاب الذي قاده الجيش في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 قطع الطريق أمام هذه الخطوة.

وخلّف النزاع في دارفور 2003 - 2010 أكثر من 300 ألف قتيل، إضافة إلى ملايين النازحين واللاجئين، ووُثّقت انتهاكات واسعة النطاق شملت القتل الجماعي، والاغتصاب، والتهجير القسري، وحرق القرى، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار اليوم الأحد إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز) play-circle

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

شددت مصر على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته الإنسانية لضمان توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية كافية في السودان لإيصال وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا نازحون سودانيون يقضون ليلة في مدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

«أطباء السودان»: «الدعم السريع» قتلت 200 شخص على أساس عرقي بشمال دارفور

أعلنت «شبكة أطباء السودان»، مقتل أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال ونساء على أساس عرقي من قبل «الدعم السريع» بمناطق أمبرو، وسربا، وأبوقمرة بولاية شمال دارفور.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، الجمعة، إن بلاده مستعدة للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (نيروبي)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
TT

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار، اليوم الأحد، إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن الوزيرة أطلعت خلال زيارة إلى العاصمة الخرطوم على «ترتيبات انتقال الوزارات إلى المقار التي تم تحديدها لاستئناف أعمالها مع بداية العام الجديد»، مؤكدة «تقديم الدعم الكامل لحكومة الولاية لاستكمال منظومة الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه».

وأوضحت الوكالة الرسمية أن والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، أطلع الوزيرة على «مجمل الأوضاع بالولاية ومدى الاستعداد لعودة الحكومة للخرطوم»، مشدداً على «استمرار العمل لمزيد من التهيئة في كافة النواحي من أجل العودة الكاملة للمواطنين والحكومة».

وأشارت الوكالة إلى أن وزيرة شؤون مجلس الوزراء ووالي الخرطوم تفقدا مطار الخرطوم ومنشآت أخرى استعداداً لعودة الحكومة للعمل من العاصمة.

وانتقلت الحكومة للعمل من مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر بشرق البلاد عقب اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع في أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
TT

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، وقد استجابت جامعة الدول العربية لطلبه بعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، اليوم.

وأكَّد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى الجامعة، علي عبدي أواري، لـ«الشرق الأوسط» أنَّ «بلاده تتحرَّك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل». وأشار إلى أنَّ «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية».

وحرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من السلطة الفلسطينية و«حماس» ومقديشو، من أنَّه يحمل احتمالاً لأن يكون هذا الإقليم موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت إليه إسرائيلُ منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

وأشار خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى مخاوفَ من أنَّ الخطوة الإسرائيلية ستُعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك، وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

وسط طوفان ردود فعل على الخطوة الإسرائيلية، وبخلاف الرفض العربي، جاء موقف لافت من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ طغى عليه «السخرية من ذلك الإقليم». فقد أعلن ترمب عن رفضه الاعترافَ باستقلال «أرض الصومال»، متسائلاً: «هل يعرف أحدٌ ما هي أرض الصومال، حقّاً؟».


بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

دخلت بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنَّ بعثة تقييم وصلت إلى مدينة الفاشر، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة، مضيفاً أنَّ البعثة تضمُّ وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية.

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، وقال في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول جاء عبر مسار يسَّرتْه الولايات المتحدة.