معرض الرياض للكتاب يُعيد «تاريخ الطبري» بعد ألف عام في 20 مجلّداً محققاً

دارة الملك عبد العزيز تكشف عن أضخم إنجاز علمي

راعى العمل المنهج النقدي في تحقيق النصوص التاريخية (دارة الملك عبد العزيز)
راعى العمل المنهج النقدي في تحقيق النصوص التاريخية (دارة الملك عبد العزيز)
TT

معرض الرياض للكتاب يُعيد «تاريخ الطبري» بعد ألف عام في 20 مجلّداً محققاً

راعى العمل المنهج النقدي في تحقيق النصوص التاريخية (دارة الملك عبد العزيز)
راعى العمل المنهج النقدي في تحقيق النصوص التاريخية (دارة الملك عبد العزيز)

بعد أكثر من 1000 عام، عاد «تاريخ الطبري» -وهو من أهم مدوّنات التاريخ العربي الذي كتبه محمد بن جرير الطبري- بحلّة جديدة، من خلال مشروع تحقيقي رصين تولّته دارة الملك عبد العزيز، وقدّمته للمرة الأولى في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025.

واحتفى جمهور القراء والمحقّقون بعودة «تاريخ الطبري» في حلّته الجديدة، والموزَّعة على 20 مجلّداً، بجهد تحقيقي قاده الدكتور بشار عواد معروف، وفق منهجية علمية دقيقة، واستناداً إلى أندر المخطوطات حول العالم، ليقدّم ضمن إصدارات المعرض الذي افتتح أبوابه، الخميس.

ودشَّن الأمير فيصل بن سلمان، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، الإصدار المحقق من الكتاب في حفل نظَّمته الدارة على المسرح الرئيسي للمعرض.

الأمير فيصل بن سلمان خلال تدشين الإصدار الجديد (واس)

الأمير فيصل بن سلمان والمحقق بشار معروف في حفل التدشين (واس)

وقال الدكتور بشار معروف، المُشرف على مشروع الإصدار، إن تحقيق الكتاب جاء نتيجة جهد علمي متكامل، استند إلى جمع النصوص التاريخية وترجيح الصواب وضبط الروايات، بما يوفر قراءة دقيقة لهذا السفر التاريخي المهم. وأشاد، في كلمته خلال التدشين، بالدور الرائد لدارة الملك عبد العزيز في توفير متطلّبات المشروع، وما تحظى به من تقدير واسع في الأوساط الأكاديمية، مؤكداً أنّ هذه الجهود تعكس رسالتها في حفظ التراث وتحقيق المعرفة.

وأشار إلى جهود تحقيق الطبري السابقة، موضحاً أن جميع المطبوعات كانت منسوخة عن تحقيق قديم رغم حذف كثير من الهوامش. وأضاف أنّ أعضاء فريقه عملوا على جمع كلّ النسخ المتوفرة عالمياً، ولم يُترك بلد إلا وبحثوا فيه عن مجلّد أو دراسة، واستحدثوا مصطلح «النسخ المستترة» لضمان الرجوع إلى أصول الكتاب وأسانيده، مع التعليق على كلّ ما تناولته النصوص.

وقال إنّ يوم تدشين العمل في الرياض هو يوم بهجة وفرح بإنجاز عمل علمي طالما تشوّفت له النفوس، مضيفاً: «يسعدني أن أقدّم لعشاق تاريخ الأمة خزين أمجادها وتجاربها، على أنحاء شتى من علوم هذه النشرة المتميّزة من تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم، لشيخ مؤرّخي الأمة أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، التي سعت دارة الملك عبد العزيز لإخراجها بحلّتها الجديدة».

ندوة الطبري والتاريخ ضمن فعاليات معرض الرياض للكتاب (هيئة الأدب)

قراءة جديدة لميراث الطبري

بدوره، قال الدكتور رضوان السيد إنّ هذا التحقيق يتيح قراءة جديدة وصادقة لميراث الإمام الطبري، موضحاً القيمة العلمية لمنهجه التاريخي الذي جمع بين دقة الرواية ورصانة التحليل، ما يجعل إعادة تحقيق هذا السفر إحياءً لجهود المؤرّخ الكبير وتقديراً لإسهاماته.

جاء ذلك خلال مشاركته في الندوة التي نظّمتها دارة الملك عبد العزيز عن الطبري والتاريخ، في قراءة معاصرة لكتاب «تاريخ الملوك وأخبارهم».

شارك في الندوة الدكتور بشار معروف، والدكتور رضوان السيد، والدكتور صالح جرار، والدكتور مضر الطلفاح، والدكتور عصام عقله، والدكتور سامي المخيزيم، فقدّموا تحليلات ومداخلات علمية حول الكتاب ومناهج الإمام الطبري في تدوين التاريخ. وخلالها، أضاء الدكتور صالح جرار على مصادر الطبري، مشيراً إلى اعتماده على أسماء يُعرف عنهم ضعف رواية الحديث، مع توضيح نَسْب كلّ مقولة لأصحابها، وإضافة إشارات تعكس رأيه وتعليقاته المقتضبة.

الدكتور بشار عواد معروف الباحث والمؤرّخ والمحقق خلال الندوة (هيئة الأدب)

ندوة الطبري والتاريخ ضمن فعاليات معرض الرياض للكتاب (هيئة الأدب)

من جانبه، أشار الدكتور مضر الطلفاح إلى شهرة الكتاب وتأثيره في كتب السير والتاريخ لاحقاً، مبيّناً أن تلامذة الطبري أسهموا في إيصال المعرفة إلى علماء متعدّدين، وكان له حضور في الشام والأندلس بعد شهرته في بغداد، مع تقديم ملاحظاته حول رواة الطبري.

أما الدكتور عصام مصطفى عقله، فأوضح أنّ الطبري أورد جميع الأحداث التاريخية، واعتماده على مصادر عراقية من دون الاستفادة من الموارد الشامية والحجازية يُعطي انطباعاً بأنّ الكتاب يركز على تاريخ العراق.

أما ورقة الدكتور سامي المخيزيم، فقد ركزت على أثر الطبري في التدوين الإسلامي، مشيراً إلى أنّ أسلوبه لم يكن اختياراً ذاتياً منه بل خطاً شائعاً في عصره، وأن استخدام «الإسناد» إطاراً شكلياً حماه من النقد، مضيفاً أنّ الطبري اعتمد على مصادر كبيرة استخدمها لضبط النص.

إعادة الحسبان لأهم مدوّنات التاريخ العربي

ويأتي التحقيق الجديد لأهم مدوّنات التاريخ العربي تلبية لحاجة مُلحّة لإعادة الحسبان إلى جهد محمد بن جرير الطبري، في مؤلّفه التاريخي الذي أنجزه قبل 1000 عام، وسجّل فيه الحوادث منذ بدء الخليقة حتى عصره (224– 310هـ).

ولم ترتقِ الطبعات السابقة، بدءاً من طبعة ليدن (1879–1890)، إلى مستوى قيمة الكتاب وجوهره، الذي يُعدّ مصدراً رئيسياً لبواكير حكاية الإسلام في مبتدئها ولتاريخ العرب عموماً، ولم تستوفِ الطبعات المتتالية شروط الدقة التامة والسلامة من الأخطاء.

وأمام هفوات الطبعات وتشتُّت المخطوطات، تولّت دارة الملك عبد العزيز مشروعاً رصيناً بقيادة الدكتور بشار عواد معروف، الذي بنى إرثاً استثنائياً في تحقيق التراث الإسلامي، لا سيما في التاريخ.

وشرع معروف وفريقه، الذي يضم الدكتور محمد بشار العبيدي والدكتور مهران محمود الزعبي، في العمل وفق منهجية تحقيق صارمة ورصينة، استناداً إلى جمع النسخ الخطية من مكتبات العالم، من المتحف البريطاني في لندن، ومكتبة برلين الوطنية، والمكتبة الوطنية في باريس، ومكتبة ليدن (هولندا)، ومكتبة بودليان (أوكسفورد)، ومكتبات إسطنبول الشهيرة مثل كوبريلي وأحمد الثالث، والمكتبة التيمورية في القاهرة، ومكتبة الزيتونة في تونس، ومكتبة خدابخش في الهند، إلى جانب نسخ وقفية مهمّة مثل المحمودية في المدينة المنورة، ونسخ من القاهرة، وأخرى متفرّقة في المغرب والجزائر واليمن.

صدر العمل بعد تحقيقه في 20 مجلداً (دار الحضارة)

وراعى المشروع التحقيقي الرصين المنهج النقدي في تحقيق النصوص التاريخية، ومقابلة النصوص بدقة، وإثبات القراءة الأنسب، مع توثيق القراءات الأخرى في الهوامش، فضلاً عن تخريج الأحاديث النبوية المرفوعة والحكم عليها، وترجمة رجالات أسانيد الكتاب، وكتابة دراسة إضافية عن منهج الطبري وموارده وأهمية مؤلّفه، إضافة إلى صناعة كشافات متنوّعة تيسّر الإفادة منه، وضبط الأسماء والروايات، مع إعادة النصّ إلى صورته الأصيلة.

وعاد للكتاب عنوانه الثابت الصحيح على نحو ما تواطأت عليه المخطوطات القديمة، وهو «تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم والكائن كان في زمان كل واحد منهم»، ليعود مجدّداً بين ملايين القرّاء ورعاة التاريخ في حلّته الجديدة، انطلاقاً من معرض الرياض للكتاب 2025.


مقالات ذات صلة

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الكاتبة خيرية المغربي مع إصداراتها الأدبية (الشرق الأوسط)

«فلمّا أفَلَت»... حين تدخل الرواية السعودية إلى فضاء السؤال الفكري

في مشهد ثقافي سعودي يتسع للأسئلة بقدر ما يحتفي بالحكايات، تبرز أعمال روائية لم تعد تكتفي برصد التحولات الاجتماعية، بل تمضي أبعد من ذلك، نحو مساءلة الفكر.

أسماء الغابري (جدة)
ثقافة وفنون «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

«مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة» لعماد فؤاد

عن دار «ديوان للنشر» بالقاهرة، صدر حديثاً العمل الشِّعري السابع للشَّاعر المصري عماد فؤاد تحت عنوان «مُعْجَمُ الحَواسِّ النَّاقِصَة».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إقبال واسع على كتب الفانتازيا العربية في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

كاتبان عربيان يُعيدان تعريف الفانتازيا من جدة إلى السويد

ما بين جدة واستوكهولم، تتشكّل ملامح فانتازيا عربية جديدة، لا تهرب من الواقع، بل تعود إليه مُحمّلة بالأسئلة...

أسماء الغابري (جدة)
كتب ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

في غضون خمسين عاماً من الاستقلال، شيّدت أميركا رؤيتين متناقضتين: النشوة، والحلم الأميركي.

أليكسس كو (نيويورك)

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.


آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
TT

آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

احتشد آلاف الأشخاص ورقصوا حول «ستونهنج» في إنجلترا، بينما ارتفعت الشمس فوق الدائرة الحجرية ما قبل التاريخ، اليوم (الأحد)، في الانقلاب الشتوي.

وتجمعت الحشود، العديد منهم مرتدون زي الدرويد والمشعوذين الوثنيين، قبل الفجر، منتظرين بصبر في الحقل البارد والمظلم في جنوب غربي إنجلترا. وغنى بعضهم، وضربوا الطبول، بينما أخذ آخرون وقتهم للتأمل بين الأعمدة الحجرية الضخمة.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

يقوم كثيرون بزيارة هذه الدائرة الحجرية كل صيف وشتاء، معتبرين ذلك تجربة روحية. ويعد النصب القديم، الذي بني بين 5000 و3500 سنة مضت، مصمماً ليتوافق مع حركة الشمس خلال الانقلابات، وهي تواريخ رئيسية في التقويم بالنسبة للمزارعين القدماء.

وقالت منظمة إنجلش هيريتاج، المسؤولة عن إدارة «ستونهنج»، إن نحو 8500 شخص احتفلوا يوم السبت بالموقع في سالزبوري بلين، على بعد نحو 75 ميلاً (120 كيلومتراً) جنوب غربي لندن. وأضافت أن البثّ المباشر للاحتفالات جذب أكثر من 242 ألف مشاهدة من جميع أنحاء العالم.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

واليوم (الأحد)، هو أقصر يوم في السنة شمال خط الاستواء، حيث يشير الانقلاب الشتوي إلى بداية الشتاء الفلكي. أما في نصف الكرة الجنوبي، فهو أطول يوم في السنة ويبدأ الصيف.

ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تصنع الشمس أقصر وأدنى قوس لها، لكن العديد من الأشخاص يحتفلون به كوقت للتجديد، لأن الشمس بعد يوم الأحد ستبدأ بالارتفاع مجدداً، وستزداد مدة النهار يوماً بعد يوم حتى أواخر يونيو (حزيران).


«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
TT

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

يقدّم الفيلم العراقي «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل، مدينة الجراح المفتوحة، بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن العراق وصراعاته، فبعد نجاح فيلمه السابق «لا مكان للاختباء» وما تركه من أثر عاطفي ثقيل عليه، كان المخرج يؤكد لنفسه أنه لن يصوّر في المنطقة مرة أخرى.

لكن المُوصل كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أعادت جذبه ببطء حين رأى الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب مع تنظيم «داعش»، وواجه أسئلة لم يتمكن من تجاهلها حول كيفية سقوط مدينة بهذا التاريخ أمام 800 مقاتل فقط، وكيف يحاول سكانها اليوم النهوض من جديد.

الفيلم الذي حصد التانيت الفضي للفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، بتونس، بدأت رحلة مخرجه من فكرة مختلفة تماماً، إذ كان يبحث عن تحفة أثرية، تُعرف باسم «بطارية بغداد»، ظنّ أنها سُرقت بعد عام 2003، قبل أن يكتشف وجودها في قبو المتحف الوطني.

وثّق الفيلم جانباً من الأضرار التي لحقت بالموصل (الشركة المنتجة)

لكن زيارة إلى الموصل بدّلت مسار الفيلم، ففي أحد الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، وقف أمام منزل دُمر بالكامل، ولم يبقَ منه سوى بوابة رخامية، يعلوها أسدان منحوتان، كأنهما الحارسان الأخيران لزمنٍ مضى، هذا المشهد كان كافياً ليقرر أنه أمام قصة أكبر من مجرد بحث أثري، بل أمام ذاكرة مدينة بأكملها.

تعرف أحمد خلال تلك الرحلات إلى بشّار، الصياد ابن الموصل وصاحب المنزل المدمر، 4 أجيال من عائلته عاشت في ذلك البيت، واليوم لم يبقَ لهم سوى هذين الأسدين، في نظر بشّار لم يكونا حجارة، بل كانا امتداداً لعائلته، لذكرياته، لروحه كلها، يذهب يومياً إلى الأطلال ليحرسهما، ويواجه محاولات سرقة متكررة، ويقاوم شعوراً لا ينتهي بأن الدولة تخلّت عنه، وأن مدينته فقدت القدرة على ضمّه، مأساته في الفيلم ليست فقدان منزل فقط، بل فقدان هوية، وفشل محاولات الإقناع بأن الوقت قد حان للبدء من جديد.

رصد الفيلم جوانب مختلفة من الحياة في الموصل (الشركة المنتجة)

وفي مقابل بشار، يظهر فخري، الشخصية التي تضيف بعداً مختلفاً للفيلم، رجلاً ستينياً، جمع على مدى سنوات أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية أنقذها من بيوت مهجورة وبقايا خراب الحرب، وحوّل منزله إلى متحف مفتوح للناس، باع سيارته، ومقتنيات زوجته، ومدخراته كلها ليحافظ على جزء من هوية الموصل. في البداية، كان يحلم بأن يضم باب منزل بشّار إلى مجموعته، معتقداً أنه يحمي تاريخ المدينة من الضياع.

لكن مع الوقت تبدأ تحولات داخلية عميقة تظهر في شخصيته، خصوصاً حين يواجهه صديقه الموسيقار فاضل بأن التاريخ ليس سلعة، وأن ما تبقى لبشّار ليس حجراً بل حياته نفسها، فيصبح هذا الصراع الإنساني بين رجلين يحبان مدينتهما على طريقتين مختلفتين محوراً أساسياً ينبني عليه الفيلم.

أما فاضل، الموسيقار الذي عاش 3 سنوات من الرعب تحت حكم «داعش»، فكان يخفي آلته الموسيقية خشية إعدامه. يخرج اليوم إلى الشارع، يعزف وسط الأنقاض، يعلّم جيلاً جديداً من الشباب ومعظمهم من الفتيات ويعيد الموسيقى إلى مدينة حاول التطرف أن يخنق صوتها، وجوده في الفيلم لا يقدّم بعداً موسيقياً جمالياً فقط، بل يعكس التغيّر الأعمق الذي عاشته الموصل بعد التحرير، انفتاحاً ثقافياً مفاجئاً وغير متوقع، وعودة للحياة المدنية من خلال الفن، لا السياسة.

التصوير كان رحلة محفوفة بالمخاطر كما يؤكد المخرج، فالكاميرا في العراق ليست موضع ترحيب، الناس يخشونها، السلطات تشك فيها، والمخابئ والممرات تحت الأرض كانت لا تزال مليئة بالألغام وبقايا العبوات، كثيراً ما أوقفته الشرطة أو اتهمه البعض بالتجسس، بينما كان يحاول الحفاظ على سلامة فريقه وسلامة الشخصيات التي ترافقه داخل أحياء مهدمة. ومع ذلك، كان الإحساس بأن الوقت ضيق والمدينة تتغير بسرعة دافعاً له للاستمرار، كما لو أنه يصوّر آخر فرصة لتوثيق ما تبقى من ذاكرة شفافة قبل أن تذوب.

خلال 5 سنوات من العمل، جمع المخرج أكثر من 600 ساعة تصوير، لم يكن يعتمد على سيناريو ثابت، بل على تطور القصة من قلب الواقع، وعلى اللحظة التي يلتقطها بعفوية، وعلى مشاهد تنشأ من الصمت أو من جملة يقولها بشّار أو فخري أو فاضل. ولهذا يبدو الفيلم حياً، غير مشكَّل مسبقاً، أقرب إلى تسجيل نبض مدينة تبحث عن روحها.

عودة الروح والموسيقى إلى الموصل بعد تحريرها من أيدي «داعش» (الشركة المنتجة)

يمتد أثر الفيلم إلى ما يتجاوز الشخصيات، فالموصل التي يظهرها أحمد ليست مجرد مدينة مدمرة، بل مدينة تحاول استعادة معمارها وروحها وذاكرتها، حيث نساء يخرجن إلى الساحات من جديد، فنانون يعيدون افتتاح المسرح، موسيقيون يدرّبون أطفالاً صغاراً، ومتحف وطني يُرمَّم بعد أن دمّره «داعش»، كل تفصيلة تتحرك داخل الفيلم باعتبارها جزءاً من سؤال أكبر؛ هل يمكن لمدينة فقدت كل شيء أن تستعيد هويتها؟ وهل يستطيع الإنسان أن يشفى من ذاكرة الحرب؟

ورغم أن الموصل اليوم أكثر أماناً، فإن المخرج يذكّر بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، ويرى أن المدينة مثل مرآة للمنطقة كلها، وأن ما يحدث فيها يعكس ما يمكن أن يحدث في مدن أخرى إذا تُركت بلا دعم حقيقي أو دون إعادة بناء للثقة والوعي والانتماء.