عصافير على خط النار من لبنان إلى غزة والسودان... حتى الطيور تدفع ثمن الحرب

بعضها غيّر مسار هجرته الموسمية وأخرى مهدّدة بالانقراض بسبب القصف الإسرائيلي

TT

عصافير على خط النار من لبنان إلى غزة والسودان... حتى الطيور تدفع ثمن الحرب

طائر ميت بين ركام مدينة غزة بعد سلسلة غارات إسرائيلية في أكتوبر 2023 (غيتي)
طائر ميت بين ركام مدينة غزة بعد سلسلة غارات إسرائيلية في أكتوبر 2023 (غيتي)

كان خريف 2023 قد حلّ ببَرده على أوروبا، فظنّت الطيور أن مسار الهجرة الذي تعبره سنوياً من شمال الكوكب إلى جنوبه الدافئ، سالكٌ وآمن كما في كل عامٍ تقريباً. إلا أن الحرب كانت بالمرصاد فقضى عددٌ منها.

في حمأةِ الصواريخ والمضادات الجويّة التي كانت تشعل سماء فلسطين وإسرائيل مطلع الحرب على غزة (أكتوبر/تشرين الأول 2023)، قُتل كثير من طيور البجع والكركي. لم يميّز الجنود الإسرائيليون بينها وبين المسيّرات، خصوصاً أنها تحلّق على الارتفاع ذاته وبالسرعة نفسها، فأطلقوا النار عليها.

أسراب من طيور البجع في سماء إسرائيل (رويترز)

يشرح مراقب الطيور شادي سعد لـ«الشرق الأوسط»، أنّ خطّ لبنان - فلسطين هو الممر الأساسي لمئات أصناف الطيور المهاجرة من أوروبا باتّجاه أفريقيا لقضاء فصل الشتاء هناك. وهو الممر ذاته الذي تعبره ربيعاً لدى عودتها إلى مواطنها الأوروبية. لكنّ هذا الممر يعاني اهتزازاً منذ سنتَين، ما انعكس تراجعاً في أعداد الطيور المهاجرة. قبل 2023، كان يُرصَد عبور 50 ألف طائر كركي في سماء المنطقة خلال موسم الهجرة، وقد تضاءل إلى 15 ألفاً في العامَين الأخيرين.

تراجع عدد طيور الكركي المهاجرة عبر لبنان وفلسطين بشكل ملحوظ منذ اندلاع حرب غزة (رويترز)

«مثلُها مثلُ البشر، تتأثر الطيور بكل ما يدور من حولها»، يقول سعد. فكيف إذا كان ما يدور هو حربٌ بما فيها من انفجاراتٍ تؤذي سمعها وقلبها وجهازها العصبي والتنفسي، ومن نيرانٍ تقضي على موائلها أي الأماكن التي تقطن وتأكل وتتكاثر فيها.

عصافير نازحة

فور استشعارها بالخطر، تغادر الطيور أعشاشها وموائلها الأصلية وتطير بحثاً عن مأوى جديد. هذه الظاهرة المرافقة للحروب هي أشبه بالنزوح، فحال العصافير من حال البشر.

خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على جنوب لبنان، التهمت نيران القصف عشرات آلاف الأشجار، وقضت على غاباتٍ ومساحاتٍ خضراء كانت تُعدّ ملاذاً آمناً للطيور المهاجرة وتلك المقيمة. كما أدّى استخدام الأسلحة الفوسفورية، وفق سعد، إلى تضرّر التربة والحشرات والبذور التي تقتاتها الطيور. ما كان من عصافير الجنوب سوى البحث عن مكان إقامة جديد، فاتجهت صوب جبل لبنان وشماله.

إلا أنّ هذا النزوح دونه عقبات، إذ يحدث أن «يدور نزاع بين الطيور النازحة وتلك الموجودة أصلاً في الأماكن التي تحاول الإيواء إليها». ويضيف سعد أن المعاناة في إيجاد موئل جديد يضاعف أخطار الجوع والوفاة لدى الطيور.

مراقب الطيور شادي سعد راصداً حركة الطيور المهاجرة في منطقة حمّانا - جبل لبنان (الشرق الأوسط)

عصفور الشمس الفلسطيني بخطَر

مثلما قضت الحرب الإسرائيلية على عائلاتٍ فلسطينية بأكملها في قطاع غزة، فهي تهدّد كذلك بالقضاء على نحو 200 صنفٍ من الطيور، واضعةً سلالاتها تحت خطر الانقراض.

وسط أخبار المجازر والدمار والمجاعة، ربما غاب عن بال كثيرين أنّ منطقة وادي غزّة كانت بمثابة واحة خضراء، ومحطّة حيويّة بالنسبة إلى الطيور المقيمة وتلك المهاجرة من وإلى القارة الأفريقية. أما اليوم، وبفعل استخدام إسرائيل للأسلحة المحرّمة دولياً، فقد خسر الوادي أشجاره واخضراره وهجرته الطيور التي نزح بعضها، فيما مات بعضها الآخر.

كانت منطقة وادي غزة تشكّل محطة حيوية للطيور المهاجرة قبل الحرب (رويترز)

زينةُ ذلك الوادي وسائر الأراضي الفلسطينية، طائرٌ صغير يتميّز بلون ريشه الذي يمزج ما بين الأخضر والأزرق والأسود. إنه التَّمير الفلسطيني أو عصفور الشمس، وهو رمز البلاد. غادرت أسرابٌ كثيرة منه موطنها الأصلي، ولجأت إلى الأردن ولبنان وعُمان وغيرها من دول المنطقة، إلا أنّ ذلك لم يَحُل دون اعتبار الخبراء أنّ أعداد عصفور الشمس الفلسطيني في تناقصٍ مقلق.

ومن بين الطيور التي كانت تجد لها موطناً في وادي غزة وفلسطين عموماً، الهدهد والحمام القمري. إلا أنّ تلك الأصناف أيضاً هي على قائمة الطيور المهددة حالياً، بسبب دمار موائلها والتدهور البيئي.

التمير أو عصفور الشمس الفلسطيني هجر البلاد بسبب الحرب (بكسلز)

يلفت شادي سعد إلى أنه «في مقابل رحيل الطيور الأصلية وابتعاد تلك المهاجرة عن مناطق الحروب، تتكاثر الطيور الجارحة التي تأكل الجيَف». من أبرز تلك الطيور التي تحوم فوق الجثث والأشلاء لتقتات منها، الغراب والنسر والصقر.

 

طيور في مواجهة مطبّات ناريّة

تستشعر الطيور الاضطرابات المحيطة بها، فتحاول قدر المستطاع تجنّب المطبّات النارية التي تصادفها فوق المنطقة الممتدة من جنوب لبنان إلى جنوب فلسطين.

يخبر سعد كيف أنّ الطيور المهاجرة التي اصطدمت بخط النار في سماء الجنوب اللبناني الخريف الماضي، «اضطرّت للانحراف صوب البحر». وهو يصف تلك الرحلة بالخطرة بما أن كل الطيور ليست قادرة على أن تحطّ في المياه. يُضاف إلى مخاطرها التأخير الذي تتسبب به والذي يؤثّر على حياة الطيور، فهي قد تموت إذا طال الطيران من دون استراحةٍ ولا طعام.

طيور مهاجرة عابرة في سماء لبنان (رويترز)

في مايو (أيار) 2024، لوحظ أن مجموعة كبيرة من النسور المهاجرة عبر أوكرانيا، غيّرت مسارها المعهود من أجل تجنّب مناطق القتال. وقد وجد باحثون في «جامعة إستونيا لعلوم الحياة»، أن تلك الانحرافات الكبيرة أدّت إلى سفر أطول بـ85 كيلومتراً.

وتُعدّ الحروب سبباً أساسياً في تغيير الطيور مسار هجرتها الموسمية. ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وهي تحيد عن سماء فلسطين المشتعلة وموائلها المدمّرة لتسلك مساراً أكثر أماناً هو خليج السويس، وصولاً إلى مصر ومنها إلى أفريقيا. فأولوية الطير المهاجر هي إيجاد مسار آمن لهجرته، بما في ذلك من استراحات يتوافر فيها الغذاء والماء. أما الشرود عن المسار الآمن لأسباب خارجة عن إرادته كما الحرب، فيقلّل من فرص وصول الطير سالماً.

باتت الطيور المهاجرة من أوروبا تحيد عن الأراضي الفلسطينية وتمر عبر خليج السويس باتجاه أفريقيا (الشرق الأوسط)

من نيل مصر إلى نار السودان

مطبّ ناري آخر تصطدم به الطيور المهاجرة إذا أكملت رحلتها من مصر إلى أفريقيا عبر السودان. لذلك، فمن الملاحظ مؤخراً، أنه وبسبب القتال الدائر داخل الأراضي السودانية، ما عادت الطيور تهبط للاستراحة هناك. تفاجئها النيران المتبادلة بين الفصائل المتقاتلة، وتستنتج أن الموائل التي اعتادت الإيواء إليها تدمّرت وفقدت أمانها، وبالتالي فهي تغيّر مسارها.

غالباً ما تكون تلك المسارات المستجدّة أطول وأكثر استهلاكاً للطاقة، وهذا يؤثّر على دورة التكاثر الطبيعية للطيور، وبالتالي تتعرّض أعدادها للتناقص.

هجرة الطيور عبر السودان تأثرت بسبب الحرب الدائرة هناك (أ.ب)

يحذّر سعد من أن هذا الخلل في مسار الهجرة «سيؤثّر حكماً على النظام البيئي العالمي. فبعض الطيور يأكل الحشرات والقوارض التي تؤذي الزرع، وفي حال فقدنا تلك الطيور تتفشى الأوبئة، ولا يمكن معالجتها سوى بالمبيدات السامة التي تؤذي التربة والبشر».


مقالات ذات صلة

بعوض فلوريدا يستعيد مشهداً من «جوراسيك بارك» لكن بلا ديناصورات

يوميات الشرق «جوراسيك بارك» يعود بصيغة علمية (جامعة فلوريدا)

بعوض فلوريدا يستعيد مشهداً من «جوراسيك بارك» لكن بلا ديناصورات

اليوم، يقول باحثون في ولاية فلوريدا إنهم أنجزوا أمراً مُشابهاً لما حدث في فيلم «حديقة الديناصورات» (جوراسيك بارك) الشهير الذي عُرض عام 1993...

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)
يوميات الشرق من أصغر الحيوانات رباعية الأرجل في العالم (إنستغرام)

ضفدع برتقالي بحجم رأس قلم... اكتشاف نادر في غابات البرازيل

اكتشف العلماء نوعاً جديداً من الضفادع البرتقالية في البرازيل، وهو صغير جداً لدرجة أنه يتّسع على طرف قلم رصاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لجنة الإنقاذ بعد اصطياد التمساح بالشرقية (محافظة الشرقية)

مصر: العثور على تمساح حيّر فِرق الإنقاذ 6 أيام في الدلتا

عثرت فِرق صيد التماسيح بالإدارة العامة للمحميات الطبيعية في مصر على تمساح أثار الرعب والفزع بين أهالي قرية بمنطقة الزوامل بمحافظة الشرقية بدلتا مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «ضمير الأفيال» يرحل (إنستغرام)

العالم يودّع «حارس الأفيال» وأشرس مُحاربي تجارة العاج

قضى حياته في الدراسة وبذل الجهود من أجل حماية الأفيال الأفريقية...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.


مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة، عقب ظهور فيديو يصور عمليات تجهيز مسجد محمد علي بالقلعة لاستقبال حفل زفاف، مساء السبت، وطالب خبراء آثار بالتوقف عن تلك النشاطات، لما تمثله من خطورة بالغة على الأثر، فيما دعا آخرون لفرض مزيد من الإجراءات والضوابط حتى لا تتضرر المواقع وتتعرض للتشويه.

وذكر خبراء آثار أن استضافة المواقع الآثارية حفلات الزفاف وعقد القران، وغير ذلك مما تسمح به وزارة الآثار والسياحة المصرية داخل ساحاتها، يمثل خطراً كبيراً على الأثر، وقال الدكتور فاروق شرف، استشاري ترميم الآثار، ومدير عام إدارة ترميم الآثار الإسلامية والقبطية السابق، إن مسجد محمد علي مبني على أطلال قصر الأبلق، وأغلب الظن أن هناك أسفل المسجد فراغات كثيرة أقيمت فوقها أساساته، وهي على هذه الحال يمكن أن تتأثر سلبياً في حالة تسرب المياه إليها من الأمطار، أو حتى من مخلفات تلك الاحتفالات، مما يؤدي لخلخلة في التربة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مخاوف من حدوث أي انهيار في بعض أجزاء المسجد»، مشيراً إلى أن «وجود أعداد ضخمة من الحضور والمعازيم يمكن أن يؤدي لكارثة، يجب أن يوضع كل هذا في الحسبان، من أجل تلافي أي أضرار قد تلحق بالمسجد، ناهيك عن عمليات تجهيز مسرح في صحن المسجد ووضع المقاعد، وما يصاحب كل هذا من عمليات طرق بأدوات شديدة الخطورة على المسجد، تتسم بالاستهتار واللامبالاة في التعامل مع أرضياته الرخامية الأصلية المصنوعة من الألبستر المصري»، على حد تعبيره.

جانب من تنظيم الحفلات بمسجد محمد علي (صورة من فيديو نشرته المرشدة السياحية هدى راضي)

وأظهر فيديو بثته هدى راضي، وهي مرشدة سياحية كانت توجد في المسجد أثناء عمليات تجهيزه لاستقبال عقد قران، عدداً من الأفراد يستخدمون مطارق حديدية ثقيلة، ويقومون برص قوائم من الحديد على أرضيات صحن المسجد، فضلاً عن تجهيزات مسرح، وقالت المرشدة السياحية وهي تستعرض حجم الضجيج الحادث في المكان: «هذا لا يليق بأثر مهم مثل مسجد محمد علي، ناهيك عن حرمة المسجد أصلاً، الرخام معظمه تضرر، وحين تحدثنا مع المسؤولين قالوا إنه غير أصلي، ويمكن استبداله». وأضافت أن «التعامل مع الأثر غير حذر ولا يحترم قيمته، ناهيك عن قدسية المكان بصفته مسجداً تقام فيه الصلاة، ولا يجب أن يشهد مثل هذه الممارسات».

ويتضمن المسجد مئذنتين، ارتفاع كل واحدة منهما 83 متراً، وهما وفق الدكتور فاروق شرف «معرضتان للسقوط حال حدوث أي هبوط أرضي للمسجد». والمئذنتان مصممتان على الطراز العثماني، وتتميزان بانسيابية ورشاقة كبيرة، وتشبهان القلم الرصاص، وعن المردود المالي المتحصل من تأجير المناطق الأثرية في غير ما خُصصت له، يقول شرف: «لا قيمة له، فلن تعوض النقود ضياع أثر يشكل جزءاً من التراث المصري الذي لا يُقدر بثمن».

وأشار إلى أنه مقتنع تماماً بتوظيف الأثر، وليس ضد السعي لتحقيق أي مردود اقتصادي منه، لكن يجب أن يكون هذا وفقاً لشروط تحمي المواقع من أي ضرر، وأضاف: «في أوروبا يفعلون هذا عندما يكون لديهم مكان ذو قيمة تاريخية، لكنهم يمنعون بتاتاً استخدام النار، والمياه، ويوفرون إجراءات تأمين قوية حال حدوث أي طارئ».

من جهته، قال الباحث الآثاري إبراهيم طايع إن «السماح باستخدام المساجد والمواقع الأثرية في الحفلات والفعاليات غير المنضبطة يمثل خطراً داهماً على الآثار»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «طالبنا كثيراً بمنع تلك الممارسات، لكن دون جدوى، وصار مسجد محمد علي مقصداً لحفلات الزفاف، بما فيها من ضجيج وتجهيزات يراها الجميع، ويدركون مخاطرها، ناهيك عما فيها من انتهاك لحرمة المسجد، بصفته مكاناً للصلاة».

بدأ تشييد مسجد محمد علي عام 1830 ميلادياً، واستمر بناؤه 19 عاماً على مساحة 5 آلاف متر، ويتضمن المقبرة التي دفن فيها الملك عام 1849، ويتميز المسجد الذي يحاكي مسجد «السلطان أحمد» بإسطنبول باستخدام المرمر أو الألبستر في تكسية أرضياته وجدرانه، كما يتميز بقباب المآذن المتعددة، وهو المبنى الأكثر بروزاً في القلعة، وبه منبران أحدهما من الخشب المطليّ بالأخضر والذهبي، وهو المنبر الأصلي، بالإضافة إلى منبر آخر من الرخام أضيف إلى المسجد لاحقاً، وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.​

من جهتها، قالت أماني توفيق مدير عام قلعة محمد علي لـ«الشرق الأوسط » إن «أي يوم يشهد احتفالاً بالمسجد، تكون هناك مجموعة كاملة تعمل طوال اليوم تتكون من خبراء آثار، وحماية مدنية وفنيين، ورجال أمن يعملون جميعاً على صون المسجد، وتطبيق البروتوكول الموقّع مع شركة (كنوز) المسؤولة عن تنظيم الاحتفالات للحفاظ على المسجد، وفي حالة المخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية الكاملة».