قصفٌ إسرائيلي على «التوقيت» من النبطية إلى الضاحية... حرب تتخطّى الدمار المادي

تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على جنوب لبنان (د.ب.أ)
تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على جنوب لبنان (د.ب.أ)
TT

قصفٌ إسرائيلي على «التوقيت» من النبطية إلى الضاحية... حرب تتخطّى الدمار المادي

تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على جنوب لبنان (د.ب.أ)
تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على جنوب لبنان (د.ب.أ)

لم تعد الهجمات الإسرائيلية على لبنان تُقاس بحجم الركام أو عدد المباني المهدّمة، فالواقع اليوم أبعد من الغارة العسكرية بعد تحوله لمشهدية رعب متكاملة، من طائرات مسيّرة تحلّق باستمرار، مروراً بإنذارات ومنشورات ترمى فوق القرى الحدودية، وصولاً إلى ضربات مفاجئة في ساعات النوم أو على أبواب الأعياد. فالهدف لا يقتصر على إصابة مواقع محددة، بل يمتد إلى تحويل الزمن نفسه إلى أداة قصف نفسي يعيشه المواطن في حالة انتظار خانق.

زنار النبطية... فجر يشتعل

وفي سياق السياسية الإسرائيلية نفسها، تحوّلت أحراج «علي الطاهر» قرب النبطية الفوقا إلى زنار ناري، فجر الجمعة. غارات إسرائيلية استهدفت مواقع قرب جبل الشقيف، أحدثت انفجارات ضخمة أشعلت الحرائق وألحقت أضراراً بمنازل ومحال تجارية. تحليق المسيّرات على علو منخفض وإلقاء قنابل صوتية زاد منسوب الهلع، لتتكرر النتيجة المتمثلة، بالإرباك، وتوسّع دائرة الخوف لتشمل تفاصيل الحياة اليومية.

وتتحدث رشا، ابنة كفررمان في قضاء النبطية، عن خوفها في هذا الصباح، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «صوت الطيران مرعب، وحين يبدأ بالقصف تدرك فوراً أنّ الضربة قادمة. فالصوت وحده كفيل بزرع الخوف». وشدّدت على أنّ «هذه الضربات تجعل السكان يعيشون حالة رعب دائم حتى بعد توقفها». وأضافت: «شعور النقزة لا يفارقنا، فكل ضربة تترك أثرها في داخلنا وتزيد شعورنا بعدم الأمان».

18 سبتمبر... إنذار يسبق الانفجار

شكلت ليلة الثامن عشر من سبتمبر ( أيلول) الماضي نموذجاً مكثفاً لآلية الضغط؛ إذ وجهت إسرائيل إنذارات عاجلة لبلدات ميس الجبل وكفرتبنيت ودبين، وأرفقتها بخرائط للمباني المهددة. دقائق فقط فصلت بين التحذير والغارات التي استهدفت المنازل، ودفعت آلاف الأهالي إلى نزوح جماعي. هنا لم يعد القصف وحده أداة العقاب، بل الإنذار نفسه صار وسيلة لتكريس الرعب في الوعي الجماعي.

تصاعد الدخان إثر غارة جوية إسرائيلية على أطراف قرية جرمق جنوب لبنان في 28 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

الأعياد هدفٌ مباشر: الضاحية نموذجاً

وتجلّى استخدام التوقيت سلاحاً بأوضح صوره في الضاحية الجنوبية لبيروت. ففي فجر عيد الفطر، استهدفت غارة إسرائيلية مسؤولاً في «حزب الله» داخل أحد أحياء الضاحية، لتتحوّل لحظة العيد إلى مشهد دموي زرع الخوف في قلوب الأهالي. وبعد أسابيع قليلة، جاء عيد الأضحى ليحمل بدوره إنذارات عاجلة سبقت قصفاً استهدف ثمانية مبانٍ دفعة واحدة. أصوات التكبير اختلطت بصوت الانفجارات، وتحولت المناسبة الدينية إلى مناسبة رعب ونزوح داخل أحياء مكتظة. بهذه الضربات المتعمدة في الأعياد، لم يعد القصف يستهدف موقعاً عسكرياً فحسب، بل استهدف اللحظة الجماعية ذاتها، بما تحمله من رمزية روحية وعائلية.

البعد النفسي للمشهدية

بحسب الاختصاصي النفسي الدكتور داود فرج، فإنّ المشهدية التي يفرضها الإسرائيلي اليوم ليست جديدة على وعي أبناء الجنوب، لكنها تتخذ شكلاً مختلفاً يقوم على الرعب المبرمج عبر الطائرات المسيّرة والضربات الجوية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في التسعينات عشنا تحت الاحتلال المباشر، حيث كانت الآليات العسكرية منتشرة في القرى. اليوم غاب الوجود العسكري الميداني، وحلّت مكانه آلة الحرب التكنولوجية، الطائرات المسيّرة والدرون، التي لا تغيب عن سماء الجنوب وتحوّلت إلى مصدر دائم للقلق والاضطراب».

وأشار فرج إلى أن «التوقيت المتعمّد للضربات، سواء عشية الأعياد، أو في ساعات الفجر حين يكون الناس نياماً، يعكس رغبة في صناعة هزّة نفسية جماعية». فالهدف ليس عسكرياً فحسب، بل هو بحسب فرج: «استراتيجي على المستوى النفسي لخلق شعور بأن الموت قد يأتي في أي لحظة، وأن الحياة اليومية يمكن أن تنهار في ثانية واحدة».

وأضاف: «هذه السياسة تنتج ما يمكن وصفه بحالة التسليم القدري. فالناس لم يعودوا يعيشون الخوف بمعناه الغريزي الطبيعي الذي يدفع إلى الهرب، بل تجاوزوا عتبة الإحساس بالرعب إلى مرحلة الانتظار المستسلم، كانتظار الموت أو الكارثة، وهذا أخطر ما يمكن أن تخلّفه الحروب، لأنّه يكرّس العجز النفسي ويفقد الفرد قدرته على التفكير العقلاني واتخاذ القرار».

وإذ لفت إلى أنّ «البيئة الشيعية، بحكم الاستهداف المستمر، تواجه هذه المشهدية بشكل مباشر». رأى أنّ «من يملك القدرة المادية ينتقل إلى أماكن أكثر أماناً، بينما الغالبية الفقيرة مضطرة للبقاء في مناطق الخطر، ما يجعلها تواجه مصيرها يومياً بوعي مشلول».

عناصر الدفاع المدني في موقع استهداف السيارة على طريق الجرمق - الخردلي جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وتابع فرج: «على المستوى السياسي النفسي، ما نراه هو سلوك عنادي متبادل بين إسرائيل و(حزب الله)، يشبه عناد الأطفال. فكل طرف يصرّ على إثبات نفسه، حتى لو كان الانتصار وهمياً أو رمزياً». ورأى أن «هذا العناد يغذّيه شعور عميق بالنقص يسعى أصحابه إلى تغطيته عبر صناعة صورة القوي الذي لا يُهزم. وفي علم النفس، هذه دينامية مرتبطة بالنرجسية والبارانويا السياسية، حيث تتحول القيادة إلى انعكاس لأزمات شخصية أكثر مما هي استجابة عقلانية لمتطلبات الواقع».

البعد العسكري

وفي ظل الخوف المستمر من توسع الحرب، «فإنّ ما يجري ليس مجرد اختيار توقيت»، بحسب العميد المتقاعد خالد حمادة، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «التصعيد مرتبط بوجود أهداف تُرصد وتُستهدف، ومتصل أيضاً بعدم قيام الدولة بما التزمت به»، معتبراً «أن التصعيد ليس إلا أداة ضغط كي تنفذ خطة حصرية السلاح».


مقالات ذات صلة

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

المشرق العربي انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

تمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وتفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - لندن)
خاص عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز) play-circle 01:50

خاص شقيق الضباط اللبناني يروي تفاصيل استدراجه واختفائه

لم تتبدد الصدمة عن وجوه أفراد عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني أحمد شكر، وذلك بعد ترجيحات أمنية وقضائية لبنانية بأن إسرائيل خطفته

حسين درويش (بعلبك (شرق لبنان))
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)

عون: عودة سكان جنوب لبنان إلى ديارهم أولوية

أكّد الرئيس جوزيف عون أن «عودة الجنوبيين إلى بلداتهم وقراهم هي الأولوية بالنسبة إلى لبنان، للمحافظة على كرامتهم ووضع حد لمعاناتهم المستمرة حتى اليوم».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

دشّنت إسرائيل مرحلة جديدة من القصف في جنوب لبنان، تتركز بمنطقة شمال الليطاني، قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني الانتهاء من المرحلة الأولى لـ«حصرية السلاح»

«الشرق الأوسط» (لبنان)
المشرق العربي نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الأسبوع الماضي (رئاسة الحكومة)

«مصرف لبنان» ينسف المشروع الحكومي لرد الودائع قبل إقراره

اختزل حاكم مصرف لبنان المركزي كريم سعيد النزاع المرافق لمناقشات مجلس الوزراء الخاصة بمشروع قانون استرداد الودائع (الفجوة المالية)

علي زين الدين (بيروت)

سوريا تعتقل خلية تابعة لمسؤول في النظام السابق خططت لاستهداف احتفالات رأس السنة

جنود موالون لقوات الرئيس السوري السابق بشار الأسد ينتشرون في منطقة قرب مخيم اليرموك بدمشق عام 2018 (أرشيفية - رويترز)
جنود موالون لقوات الرئيس السوري السابق بشار الأسد ينتشرون في منطقة قرب مخيم اليرموك بدمشق عام 2018 (أرشيفية - رويترز)
TT

سوريا تعتقل خلية تابعة لمسؤول في النظام السابق خططت لاستهداف احتفالات رأس السنة

جنود موالون لقوات الرئيس السوري السابق بشار الأسد ينتشرون في منطقة قرب مخيم اليرموك بدمشق عام 2018 (أرشيفية - رويترز)
جنود موالون لقوات الرئيس السوري السابق بشار الأسد ينتشرون في منطقة قرب مخيم اليرموك بدمشق عام 2018 (أرشيفية - رويترز)

كشف قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية بشمال غربي سوريا، عبد العزيز هلال الأحمد، عن أن قوات المهام الخاصة التابعة للقيادة نفذت، بالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب ووحدة من الجيش، عملية أمنية نوعية، صباح اليوم الأربعاء، في ريف جبلة، استهدفت مجموعة من خلية تابعة لما تسمى «سرايا الجواد».

وأضاف، في بيان، أن الخلية التابعة للمسؤول البارز في النظام السابق سهيل الحسن، «متورطة في تنفيذ عمليات اغتيال وتصفيات ميدانية وتفجير عبوات ناسفة، إضافة إلى استهداف نقاط تابعة للأمن الداخلي والجيش، كما كانت تعمل على التحضير لاستهداف احتفالات رأس السنة الجديدة».

وتابع قائلاً إن اشتباكاً اندلع واستمر قرابة ساعة، وأسفر عن «إلقاء القبض على أحد أفراد الخلية، وتحييد ثلاثة آخرين».

وذكر البيان أن أربعة من عناصر قوات الأمن أصيبوا بإصابات خفيفة، وأنه «لا يزال العمل مستمراً حتى القضاء على الخلية بشكل كامل».


غارات أردنية على شبكات لتهريب المخدرات في جنوب سوريا

آليات تابعة للجيش الأردني (القوات المسلحة الأردنية)
آليات تابعة للجيش الأردني (القوات المسلحة الأردنية)
TT

غارات أردنية على شبكات لتهريب المخدرات في جنوب سوريا

آليات تابعة للجيش الأردني (القوات المسلحة الأردنية)
آليات تابعة للجيش الأردني (القوات المسلحة الأردنية)

شنّ الجيش الأردني، مساء الأربعاء، غارات استهدفت شبكات لتهريب المخدرات في جنوب سوريا، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي.

وقالت قناة «الإخبارية» الرسمية على تطبيق «تلغرام» إن الجيش الأردني استهدف بغارات «شبكات لتهريب المخدرات ومزارع تخزينها في ريف السويداء الجنوبي والشرقي».

وقال مراسل «الإخبارية» إن الجيش الأردني أطلق قنابل مضيئة على الحدود مع سوريا من جهة محافظة السويداء، بعد تنفيذه عدة غارات استهدفت شبكات لتهريب المخدرات ومزارع التخزين.

بدوره، أعلن الجيش الأردني، في بيان، أنه «حيّد عدداً» من تجار الأسلحة والمخدرات الذين ينظمون عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات على الواجهة الحدودية الشمالية للأردن.

وأوضح أن «القوات المسلحة استهدفت عدداً من المصانع والمعامل التي تتخذها هذه الجماعات أوكاراً لانطلاق عملياتهم تجاه الأراضي الأردنية»، مشيراً إلى أنه «تم تدمير المواقع المحددة بناءً على معلومات استخبارية دقيقة، وبالتنسيق مع الشركاء الإقليميين».


14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

ندّدت 14 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا واليابان، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلّة، داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن القرار، وإلى الكفّ عن توسيع المستوطنات.

وجاء في بيان مشترك، نشرته وزارة الخارجية الفرنسية: «نحن، ممثلي ألمانيا وبلجيكا وكندا والدنمارك وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وآيرلندا وإيسلندا واليابان ومالطا وهولندا والنرويج وبريطانيا، نندد بإقرار المجلس الوزاري الأمني للحكومة الإسرائيلية إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة».

وأضاف البيان: «نؤكد مجدداً معارضتنا أي شكل من أشكال الضم، وأي توسيع لسياسة الاستيطان»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ودعت الدول إسرائيل إلى «العدول عن هذا القرار، بالإضافة إلى ⁠إلغاء التوسع في ‌المستوطنات».

وأضاف ​البيان: «نذكر أن مثل هذه التحركات ⁠أحادية الجانب، في إطار تكثيف أشمل لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية، لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل يؤجج أيضاً انعدام الاستقرار».