​حرب السودان... بين الضغط الدولي و«النفوذ الإسلامي»

«الرباعية الدولية» اشترطت ألا يُرسم المستقبل «وفق رغبات الجماعات المتطرفة»

البرهان وحميدتي خلال تعاونهما للإطاحة بنظام البشير وقبل أن يتقاتلا في الحرب الحالية (أرشيفية - أ.ف.ب)
البرهان وحميدتي خلال تعاونهما للإطاحة بنظام البشير وقبل أن يتقاتلا في الحرب الحالية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

​حرب السودان... بين الضغط الدولي و«النفوذ الإسلامي»

البرهان وحميدتي خلال تعاونهما للإطاحة بنظام البشير وقبل أن يتقاتلا في الحرب الحالية (أرشيفية - أ.ف.ب)
البرهان وحميدتي خلال تعاونهما للإطاحة بنظام البشير وقبل أن يتقاتلا في الحرب الحالية (أرشيفية - أ.ف.ب)

تمكنت «الحركة الإسلامية» السودانية (تنظيم الإخوان المسلمين) من زيادة نفوذها داخل الجيش، منذ انقلاب 30 يونيو (حزيران) 1989 الذي قاده الرئيس السابق عمر البشير، لكنها اليوم تواجه ضغوطاً لإبعادها عنه. ورغم أن البشير أنكر في بداية انقلابه أن للحركة الإسلامية دوراً في استيلائه على السلطة، فإنه عاد لاحقاً واعترف بأن الحركة الإسلامية كانت جزءاً أصيلاً في ذلك الانقلاب.

كما أكدت هذه العلاقة تصريحات علنية كثيرة من كبار القادة الإسلاميين بعد سنوات من توليهم السلطة في البلاد.

ووفق كثير من الإفادات والتصريحات العلنية والمسربة لاجتماعات الحركة الإسلامية، فقد عمد الإسلاميون منذ الأشهر الأولى لانقلاب البشير، إلى إقصاء أعداد كبيرة من الضباط المستقلين واستبدالهم بواسطة عناصر إسلامية بشكل ممنهج، ثم استيعابهم عبر الكليات العسكرية لسنوات كثيرة.

ويرى كثيرٌ من السودانيين أنه مع مرور الوقت، باتت غالبية القيادات العسكرية والأمنية تدين بالولاء لتنظيم الحركة الإسلامية، إن لم تكن أصلاً من كوادره. وفي هذا الصدد قال عسكريون متقاعدون لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش أصبح خلال فترة حكم عمر البشير، التي امتدت لثلاثين عاماً، انعكاساً لمشروع الحركة الإسلامية، أكثر من كونه مؤسسة وطنية جامعة، مثلما كانت عليه الحال حتى إبان الأنظمة العسكرية السابقة التي احتفظت بهوية الجيش القومية».

وأضافوا أن «نفوذ الإسلاميين لم يقتصر على الجيش، بل امتد ليشمل الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات، حيث تم تفكيك مؤسسات الدولة القومية وإعادة أدلجتها شبه الكاملة لصالح الحركة الإسلامية».

الإسلاميون والحرب

قائد «كتائب البراء بن مالك» الإسلامية المصباح طلحة (وسط) يقف على يمين مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا (متداولة)

ومن بين الميليشيات التي أنشأها نظام البشير كانت «قوات الدعم السريع» التي دخلت لاحقاً في حرب ضد الجيش في منتصف أبريل (نيسان) 2023 بعد سقوط نظام البشير والإسلاميين بحراك شعبي واسع أدى إلى إزالته عن الحكم في أبريل 2019.

ومنذ الإطاحة بالبشير ظلت العلاقة متوترة بين «قوات الدعم السريع» من جهة، والجيش وداعميه من الحركة الإسلامية من الجهة الأخرى. وفي هذا الصدد قال سياسيون وعسكريون سابقون إن «الإسلاميين الذين فقدوا السلطة بسقوط نظام البشير، شعروا بأن الحرب فرصة مواتية لإعادتهم للحكم مجدداً بواجهة جديدة بعد التخلص من (الدعم السريع)».

وقد وثقت تقارير وتصريحات إعلامية من مسؤولين سابقين سودانيين وأجانب، دور الحركة الإسلامية في إشعال الحرب، وتأجيج الصراع، فيما يؤكد قادة الجيش على أنهم «لا ينسقون مع أي حزب» في حربهم الحالية. لكن مصادر عدة أشارت إلى استعانة الجيش بكتائب من الإسلاميين، مثل «كتيبة البراء بن مالك» وغيرها للقتال بجانبه.

بيان «الرباعية الدولية»

ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 لوقف الحرب (رويترز)

كما أن «الآلية الرباعية الدولية»، التي تضم الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، ومصر، أصدرت بياناً في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي، أشارت فيه بشكل واضح وصريح إلى دور الحركة الإسلامية في الوضع الراهن بالسودان قائلة إن «مستقبل السودان، لا يمكن أن يُرسم وفق رغبات الجماعات المتطرفة العنيفة المرتبطة بجماعة (الإخوان المسلمين)، التي أشعل نفوذها حالة من عدم الاستقرار والعنف في السودان والمنطقة بأسرها».

وبالتزامن مع صدور هذا البيان، فرضت واشنطن عقوبات على وزير المالية جبريل إبراهيم، وكتائب «البراء بن مالك» الإسلامية المقاتلة إلى جانب الجيش، في رسالة مباشرة بأن استمرار التحالف مع الإسلاميين سيكلف الجيش عزلة دولية، وعقوبات سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وفق ما ذكر محللون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

وقال اللواء المتقاعد بالجيش كمال إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» إن مطالب «الرباعية» أصبحت مطلباً دولياً وإقليمياً، ومطلباً داخلياً من الشعب السوداني الذي يعاني من الحرب وينشد السلام. وأوضح أن «(الإخوان المسلمين)، بطبيعة تفكيرهم، مستفيدون وحدهم من الحرب، لأنهم تاريخياً اعتمدوا على العنف والقمع لفرض أجندتهم. فعندما جاءوا للسلطة بانقلاب 30 يونيو 1989 فككوا القوات المسلحة وكثيراً من أجهزة الدولة لصالحهم، وأعادوا أدلجتها وفق معتقداتهم المتطرفة».

«الضباط الوطنيون»

عناصر من الجيش السوداني في شوارع الخرطوم (أ.ف.ب)

لكن اللواء إسماعيل، يراهن على «الضباط الوطنيين» الذين ما زالوا في الخدمة داخل الجيش، بأن يقوموا بدور وطني ومهني، يعيد للمؤسسة العسكرية طبيعتها القومية لتوفي بالمهام الموكلة إليها. وقطع بأن الجيش أو أي قوة أخرى، لن يستطيع الوقوف ضد الرغبة الدولية والإقليمية والشعبية، قائلاً: «لم تعد مبادرة الرباعية مقتصرة على دولها، فقد انضم إليها الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ودول أخرى، وكلها ترغب في وقف الحرب، وإنصاف الشعب، وإنقاذه من مأساته».

وتابع إسماعيل أن «(تنظيم الإخوان) اليوم يدير ويتحكم في الحرب بشكل كامل، وهذا أمر معروف، لأنه الوحيد المستفيد من استمرار الحرب». وتوقع الضابط المتقاعد نهاية حركة «الإخوان» بقوله: «أستطيع أن أقول إنه لا مستقبل لهم في الحكم، فالجيش لا يزال يضم ضباطاً وطنيين».

من جهته، عزّز بابكر فيصل، رئيس «التجمع الاتحادي»، وهو أيضاً قيادي في تحالف «صمود» الذي يتزعمه رئيس الوزراء المدني السابق عبد الله حمدوك، ما ذهب إليه اللواء إسماعيل، بأن «(الإخوان المسلمين) يتغلغلون في مفاصل الجيش، لأنهم كانوا قد احتكروا الدخول إلى الكلية الحربية، منذ عام 1990 بعد أشهر قليلة من انقلابهم العسكري الذي نفذوه عبر البشير».

وأشار فيصل إلى ما ذكرته، في لقاء علني، القيادية في الحركة الإسلامية سناء حمد، بأنها «حققت مع قيادة الجيش حول أسباب سقوط نظامهم، واعتراف رئيس هيئة الأركان الأسبق هاشم عبد المطلب لها بانتمائه للتنظيم وتلقي أوامره من قيادته، ويعد هذا تأكيداً لسيطرتهم على الأجهزة العسكرية والأمنية والشرطية بشكل لا يقبل الجدال».

ورأى فيصل أن «خيارات الجيش أصبحت محدودة للغاية، فإما يذهب مع الحركة الإسلامية في هدفه المعلن المتمثل في مواصلة الحرب حتى القضاء على (الدعم السريع)، وإما يمضي في خطة (الآلية الرباعية) التي تقضي بالتفاوض من أجل وقف إطلاق النار».

خيارات الجيش

عناصر في الجيش يحتفلون بعد استعادتهم القصر الجمهوري في الخرطوم 21 مارس 2025 (أ.ب)

وبين الخيارين، قال فيصل لـ«الشرق الأوسط»: «إذا اختار الجيش التحالف مع الحركة الإسلامية، فسوف يعرضه ذلك لعواقب دولية كثيرة، سياسية واقتصادية وعسكرية، فضلاً عن العزلة الإقليمية والدولية، وهذا لا يسمح له بتحقيق النصر العسكري الحاسم الذي يأمل فيه». وتابع: «أما إذا اختار الجيش خريطة طريق (الرباعية) فسوف يدخله ذلك في مواجهة مباشرة مع الحركة الإسلامية وجماعاتها المسلحة وضباطها داخل الجيش نفسه، مما يهدد بإطاحة قيادة الجيش، وربما بداية حرب داخلية جديدة».

وتوقع فيصل أن تمسك قيادة الجيش العصا من منتصفها، بقوله: «تجربتنا (يعني المدنيين والسياسيين) معهم أنهم سيعملون على مسك العصا من المنتصف، بمعنى المضي في التفاوض، بغرض المماطلة وكسب الوقت، في الوقت نفسه سيعملون فيه على إرضاء الحركة الإسلامية بمواصلة الحرب». وأضاف: «لكن هذا خيار لن يستمر طويلاً لأن الوضع العام في البلاد ينهار في نواحي الحياة كافة، والتحولات في الإقليم تسير في مجملها ضد تيار الإسلام السياسي».


مقالات ذات صلة

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا 
صورة متداولة تبيّن جانباً من الدمار الذي ألحقته مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان play-circle

بعد بابنوسة «النفطية»... ما الهدف التالي لـ«الدعم السريع»؟

بعد قتال شرس استمر لأكثر من عامين، أعلنت «قوات الدعم السريع» الاثنين الماضي، سيطرتها «بشكل كامل» على مدينة بابنوسة... فما الهدف التالي؟

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار يناقش في لقاء سابق مع نظيره السوداني هيثم إبراهيم عوض الله تقديم الدعم اللازم (وزارة الصحة المصرية)

مرضى سودانيون في مصر رهن مبادرات الإغاثة

يعيش عشرات الآلاف من المرضى السودانيين في مصر، بعد فرارهم من الحرب السودانية، رهن مبادرات إغاثة دولية «محدودة»، وجهود حكومية مصرية لرعايتهم، في ظل ظروف صعبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع أعضاء بلجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الألماني في برلين الأربعاء (الخارجية المصرية)

مصر تدعو لـ«ممرات آمنة» من أجل نفاذ المساعدات إلى السودانيين

دعت مصر إلى «ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لخلق (ممرات آمنة) لنفاذ المساعدات الإنسانية لدعم الشعب السوداني ولمساندة مؤسساته الوطنية» 

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (يسار) خلال اجتماع مجلس الوزراء وإلى يساره الرئيس دونالد ترمب في غرفة مجلس الوزراء في البيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 2 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

روبيو: ترمب يتولى شخصياً ملف الحرب في السودان

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، إن الرئيس دونالد ترمب يتولى ملف الحرب في السودان شخصياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».


عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
TT

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

تلاحق عشرات الطعون القضائية نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة الطعون التي رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات في عدة دوائر، وسط جدل سياسي حول إجراءات الاستحقاق البرلماني.

وصوت المصريون، الخميس، في اليوم الثاني (الأخير) للانتخابات في الدوائر الـ19 الملغاة، بالإضافة إلى دائرة إعادة بالفيوم، ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.

وجرت عمليات التصويت في 1775 لجنة فرعية على مستوى الـ20 دائرة في 7 محافظات، والتي يتنافس فيها 455 مرشحاً على 43 مقعداً.

وتوالت الطعون على المحكمة الإدارية العليا ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتائج الجولة الأولى للمرحلة الثانية، حيث بلغ عددها حتى منتصف اليوم 200 طعن من مختلف المحافظات المشمولة بالمرحلة، وفق وسائل إعلام محلية.

وتحفظت الهيئة الوطنية للانتخابات عن التعليق على هذا العدد من الطعون، فيما قال المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهيئة ما زالت تنتظر نهاية يوم الخميس، وهو آخر موعد قانوني لتقديم الطعون، وفق الجدول الزمني المعتمد».

وأوضح مصدر قضائي مصري أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا ستبدأ فحص ملفات الطعون، وحددت الجلسة الأولى لنظرها في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما يحق للمرشحين غير الفائزين التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة من إعلان النتيجة.

لقطة من أمام إحدى اللجان الانتخابية بمحافظة الجيزة (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

ونظراً لتزايُد الطعون المرتبطة بالمرحلة الثانية للانتخابات، يرجح أستاذ القانون الدستوري عبد الله المغازي احتمال إعادة الانتخابات في عدد من دوائر المرحلة الثانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الاحتمال «يتوقف على طبيعة الأسباب التي يستند إليها المرشحون في طعونهم، ومدى اقتناع المحكمة بصلابة الحجج القانونية المقدَّمة».

وشدّد المغازي على أن المحكمة تعتمد معياراً رئيسياً يتمثل في التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وضمان الالتزام الصارم بالأطر القانونية المنظمة لها قبل إصدار أي قرار بإعادة الاقتراع.

وتوزعت الطعون على المرحلة الثانية للانتخابات على 10 محافظات هي: القاهرة، والدقهلية، والقليوبية، والشرقية، وكفر الشيخ، والغربية، وشمال سيناء، والمنوفية، والإسماعيلية، ودمياط، بحسب وسائل إعلام محلية.

يأتي هذا وسط حالة من الجدل السياسي والقانوني، عقب سلسلة المخالفات التي رافقت التصويت في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، ودفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة التجاوزات.

وبعد إلغاء نتائج 19 دائرة في سبع محافظات دفعة واحدة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارات أبطلت فيها نتائج 30 دائرة أخرى؛ لتقفز نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى ما يتجاوز 60 في المائة.

وتؤكد الهيئة الوطنية للانتخابات أن الإجراءات المتخذة لتصحيح المسار «تعكس قوة مجلس النواب المقبل»، وفقاً للمستشار بنداري الذي قال في تصريحات متلفزة إن كل الإجراءات القانونية والرقابة القضائية اتُّخذت لضمان أن يكون المجلس منتخباً بإرادة الناخبين.

لكن الكاتب الصحافي عبد الله السناوي يرى أن حجم الدوائر الملغاة والأحكام القضائية التي انتقدت امتناع الجهة المشرفة عن تقديم محاضر الفرز في المرحلة الأولى، «لا يمكن اعتبارهما مجرد خلل إجرائي عابر».

وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الطعون المتزايدة وإعادة الانتخابات في هذا العدد الكبير من الدوائر «ليستا دليلاً على تصحيح المسار، بل هما مؤشر على اضطراب أعمق في البيئة القانونية والتنظيمية»، مشدداً على أن أنصاف الحلول «لا تبني شرعية مستقرة للبرلمان»، ودعا إلى «إصلاح عميق للبنية القانونية للانتخابات، وفتح المجال العام، وإطلاق الحريات السياسية؛ كخطوة أولى لإصلاح هذا المشهد».

ومن المقرر إعادة التصويت في الدوائر الثلاثين الملغاة بحكم «الإدارية العليا» للمرحلة الأولى، بحيث تُجرى الجولة الأولى يومي 8 و9 ديسمبر الحالي للمصريين بالخارج، ويومي 10 و11 ديسمبر للداخل، على أن تعلن النتيجة يوم 18 من الشهر.

وفي حالة الإعادة، تُجرى الانتخابات في الخارج يومي 31 ديسمبر و1 يناير (كانون الثاني)، وفي الداخل يومي 3 و4 يناير، وتُعلن النتيجة النهائية يوم 10 يناير.


تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة»، متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «الحقبة الاستعمارية»، وعرقلة المفاوضات بين البلدين، وهو ما عدَّه خبراء ومحللون «لغة تصعيدية» قد تضاعف الخلافات القائمة.

وفي بيان صدر، الأربعاء، قالت الخارجية الإثيوبية إن المسؤولين المصريين «يدَّعون احتكار مياه النيل تحت ذريعة معاهدات تم إبرامها خلال الحقبة الاستعمارية». وأثار البيان حفيظة المصريين.

ورغم استمرار المفاوضات بين البلدين بمشاركة السودان لأكثر من 12 عاماً بحثاً عن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن بناء «سد النهضة» وتشغيله، اتهم البيان الإثيوبي مصر بـ«عرقلة المفاوضات»، ودعت أديس أبابا الجهات المعنية إلى إدانة ما وصفته بـ«السلوك غير المسؤول من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى».

وصدر البيان بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من «الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي في برلين مع وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الثلاثاء، أنها «تُشكل خطراً داهماً على مصالح مصر المائية وأمنها القومي».

مؤتمر صحافي بين وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والألماني يوهان فاديفول الثلاثاء تحدث فيه عن موقف مصر من سد النهضة (الخارجية المصرية)

وكانت إثيوبيا قد افتتحت سد النهضة رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد 14 عاماً من بدء أعمال البناء، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

واتفق خبراء مصريون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن بيان إثيوبيا «حمل لغة تصعيدية» قد تضاعف من خلافات البلدين فيما يتعلق بالتعامل مع الملف المائي، ويفتح الباب أمام إقدام القاهرة على اتخاذ إجراءات قانونية إزاء ما تراه عدم التزام بالقوانين المنظمة لاستخدامات المياه في الأنهار الدولية، دون استبعاد أي حلول حال تعرض مصالحها للضرر.

وأبدت إثيوبيا من خلال البيان تمسكها بما تعده حقها في «استخدام مواردها المائية»، مؤكدة أنها «غير ملتزمة مطلقاً بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها».

والنيل الأزرق الذي بنت عليه إثيوبيا «سد النهضة» هو المنبع الرئيسي لنهر النيل في مصر.

القانون الدولي

وقال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، شريف الجبلي، إن البيان «تجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويزيد صعوبة العودة إلى الحوار البناء بين إثيوبيا ومصر والسودان».

وأضاف: «البيان لا يعترف بالاتفاقيات المعمول بها سابقاً بشأن الحقوق المائية التاريخية لدولتي المصب، ويتجاوز قوانين إدارة الأنهار الدولية التي تنص على الاستخدام العادل والمعقول للمياه».

وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البيان «يتجاهل مسألة عدم الإضرار بالدول الأخرى، وهو ما يشير إلى إصرار إثيوبيا على اتخاذ موقف أحادي بشأن استخدامات مياه النهر، ما يفتح الباب أمام إقدام مصر على اتخاذ إجراءات قانونية لمواجهة انتهاكات القانون الدولي».

وتابع قائلاً: «لدى مصر حقوق تاريخية وقانونية لا يمكن تجاهلها»، مشيراً إلى أن البيان الإثيوبي «يهدد الأمن المائي، ويتطلب خططاً استراتيجية تعمل على مواجهة أي تصعيد غير محسوب في قضية المياه قد يضر بالأمن في منطقة القرن الأفريقي».

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لدى افتتاحه سد النهضة (الخارجية الإثيوبية)

وتتمسَّك القاهرة بما تعده «الحق التاريخي» لها في مياه النيل وفقاً لاتفاقيات دولية تضمن لها حصة تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه.

وأكد الجبلي أهمية استمرار المطالبات المصرية بتطبيق القانون الدولي والتوصل إلى اتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» بإشراف جميع الأطراف الدولية بما فيها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، «لضمان إدارة الموارد المائية بشفافية واستحداث آلية مراقبة مشتركة تتضمن الرقابة التقنية الدقيقة لتتبع تدفقات مياه النيل ومنع الإجراءات الأحادية».

الخيارات المتاحة

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان السابق، حسام عيسى، قال إن البيان الإثيوبي جاء رداً على النشاط الدبلوماسي المصري الرافض لتصرفات أديس أبابا «الأحادية» بشأن تشغيل السد، «التي أدت إلى فيضانات في السودان وصلت تأثيراتها إلى مصر».

وقبل أيام فندت وزارة الري المصرية إجراءات إثيوبيا التي أدت إلى «عدم انتظام تصريف المياه»، ما دفعها إلى إعلان إجراءات حمائية لاستيعاب المياه الزائدة.

وقال عيسى لـ«الشرق الأوسط»: «مصر تضع الآن جميع أوراقها على الطاولة، ولديها الوسائل المتاحة كافة لحماية مصالحها وأمنها المائي، ولن تقبل بنقص قطرة مياه واحدة، وسعيها إلى تجنب المشاكل والصراعات لا يعني عدم سلكها الطرق كافة التي تضمن أمنها».

وأضاف: «الخلاف المصري مع إثيوبيا يتركز في نهجها القائم على عدم وضع اعتبار للأضرار التي قد يتعرض لها جيرانها، سواء كان ذلك بشأن سد النهضة أو سعيها إلى الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر».

ويرى الخبير في الشأن الأفريقي، رامي زهدي، أن مصر يمكنها التحرك لحفظ الحقوق المائية عبر استخدام «الوسائل الدبلوماسية، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية، أو استخدام وسائل خشنة حالة الضرورة».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن حالات الضرورة تتمثل في «وجود مهددات لاستقرار الدولة المصرية، أو التأثير سلباً على الأمن في منطقة البحر الأحمر، أو الاستمرار في إجراءات تهديد الأمن المائي عبر تصريف كميات هائلة من المياه بما يشكل خطراً داهماً أو شح المياه».

وسبق أن أعلنت مصر انتهاء مسار التفاوض بشأن السد، متهمة إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في الحفاظ على مصالحها الوجودية وفقاً للقانون الدولي، على أساس أن نهر النيل شريان الحياة في البلاد ومصدرها الوحيد للمياه.