«المصالحة الليبية» بعد القذافي... فصول من مداواة «جراح لم تلتئم»

رئيس «مجلس الأعيان» يرصد في كتابه «بين الرمال والملح» تفكيك «خصومات قديمة» عمّقتها السياسة

محمد المبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة» (الشرق الأوسط)
محمد المبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة» (الشرق الأوسط)
TT

«المصالحة الليبية» بعد القذافي... فصول من مداواة «جراح لم تلتئم»

محمد المبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة» (الشرق الأوسط)
محمد المبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة» (الشرق الأوسط)

«الهواء كان حينها معبأً برائحة الجثث المتروكة للعناد، وقد سبقتنا إليها الكلاب، جثا حسن عتيق موسى، (أحد أعضاء فريق المصالحة إلى سبها بالجنوب الليبي) قرب إحداها، مضيفاً بصوت يشبه البكاء: «هذه ليست حرباً، إنها خيانة لأبسط شروط الإنسانية».

في تلك الأثناء من سنوات تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، كانت ليبيا لا تزال مثخنة بالجراح، الرصاص فوق الرؤوس، والشك لغة متبادلة لدى قطاعات واسعة، وجُل المدن من سبها جنوباً وحتى البيضاء شرقاً، خائفة من مصير مجهول. وسبها المعروفة بـ«عروس الجنوب» لم تكن حينها مدينة، «بل حنجرة مذبوحة تصرخ في صمت. النهار يسحب من الشوارع كما تسحب الروح من جسد يحتضر. والمنازل مغلقة، لا رغيف يخبز، ولا ضحكة تولد، فقط الكلاب تنبح، والرصاص يوزع أقدار الموت بعدالة باردة».

كانت هذه إحدى محطات فرق «المصالحة الوطنية»، التي عملت فور سقوط النظام السابق، على عصمة دماء المواطنين، كما رواها الشيخ محمد المبشِّر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»، بوصفه شاهد عيان على وطن مزّقه النزاع: «يموت كل يوم، ويسحق حاضره» تحت عجلات الكره.

«بين الرمال والملح»

جمع المبشر في فصول كتابه «بين الرمال والملح» حكايات عن ليالٍ حالكات مرّت على بلده، وكيف جاب مع رفاقه مدناً عديدة يضمّدون الجراح، التي لم يندمل بعضها حتى الآن، في رحلة استهلّوها من زوارة والجميل اللتين فرقتهما التباينات السياسية، منطلقاً من «الوقوف على المسافة الصعبة بين الحياد الإيجابي، ورفض الانحياز إلى الباطل مهما تعددت وجوهه».

قدم المبشر في كتابه تشريحاً للوطن والمواطن (الشرق الأوسط)

يقول المبشر: «في شتاء لا يشبه الشتاءات، كانت ليبيا تمضي في يومها الثلاثمائة من عام لم ينته؛ كأن عام 2011 علّق نفسه في عنق البلاد، ويأبى أن يُطوى، كانت المدن كالعجائز تنام وتستفيق على كوابيس قديمة، وكل باب يُفتح أو يُطرق يثير رعب السؤال: هل عادت الحرب؟».

ويضيف المبشر: «كنا أول لجنة وساطة ومصالحة في غرب ليبيا، نتحرك بين المدن، وفي الجميل، كان اللقاء الأول في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، حيث الشتاء قاسياً والقلوب أكثر برودة من الهواء؛ ما بين المدينتين خلاف لم تصنعه البنادق، بل موقف سياسي تراكم منذ بداية العام».

ويتابع المبشّر موضحاً: «حين وصلنا الجميل، كانت الأخبار تسبقنا؛ وفد من الجبل الأخضر يضم قرابة 150 شخصاً حضروا ليشاركوا في تضميد الجراح، حينها نهض الشيخ علي بشير الشيباني من (المطرد)، رجل يشبه شجرة الزيتون. كان لا يحمل ورقة، وقال: (جئنا لا نعاتب بل لنعانق، فإن لم نصلح بين الجيران فمن يصلح؟».

ليبيون يقفون على قبور ضحايا سقطوا في صراعات سابقة منتصف سبتمبر 2021 (أرشيفية من رويترز)

وتلا الشيباني إدريس يحيى البرعصي من (الجبل الأخضر)، وقال: «سلام الجيرة أغلى من النصر الذي يزرع الكراهية»، ثم أعقبه الشيخ محمد الكيلاني البوسيفي من (نسمة) بحديث عن الصلح، قبل أن نشد الرحال إلى زوارة في اليوم التالي.

زوارة «جريحة لا غاضبة»

يعكس حديث المبشّر وضعية زوارة، التي قال إنها كانت «جريحة لا غاضبة؛ وكأن أهلها ينتظرون سماع الحقيقة لا المزايدات». يقول: «بدأنا من هناك سلسلة جلسات طويلة مرهقة ومتقطعة لم تنته في ذلك العام، ولا في الذي بعده؛ لكن أول جسر وُضع في الجميل بدأت تسير عليه عروق الجيرة».

دبابة في ساحة رئيسية في مدينة بني وليد في ليبيا يوم 29 أكتوبر 2017 (أرشيفية من رويترز)

تقع الجميل جنوب مدينة زوارة، وتبعد عن العاصمة طرابلس 100 كيلومتر غرباً، وما بين المدينتين كان نتاج «خصومة قديمة» جددتها الانقسامات السياسية حيال «ثورة 17 فبراير (شباط)». حينذاك انخرط أبناء زوارة في صفوف «ثورة 17 فبراير»، فيما ظل قطاع واسع من الجميل على ولائهم لنظام القذافي، ما فجّر مواجهات مسلّحة بين مدنيين ومجموعات محلية، عقب انتصار «الثورة».

ما دوّنه المبشر في أسفاره بين المدن، لم يخلُ من رمزية ورسائل وطرح أسئلة عن الشخصية الليبية، وبشأن مدى صواب هذه التحركات. وملف الأزمة الليبية الذي تجوّل بين عواصم عربية وغربية، برعاية أممية بحثاً عن حل، ها هو يسافر في أوراق المبشِّر مع أحد أبناء الليبيين المهاجرين إلى «المريخ» لذات السبب، قبل أن يعود ثانية إلى الأرض.

النزاعات التي تفجرت عقب سقوط نظام القذافي عديدة، من بينها ما شهدته العلاقة بين مدينتي الأصابعة وغريان. وفي هذا السياق يقول المبشر: «ذهبنا لنطفئ حريقاً بين قبيلتين يطل من نوافذ البيوت. وفي الطريق عند بوابة الكليبة أوقفنا التوتر لا الحواجز، شباب من غريان عيونهم تتقد كأنها لم تُغمض منذ خريف 2011، وبنادق تتجه غرباً نحو الأصابعة، كان المكان يغلي دون نار، وكنا حينها ثمانية».

محتجون من طبرق خرجوا لساحات المدينة خلال التورة التي أطاحت بنظام القذافي (رويترز)

وتابع المبشّر قائلاً: «القذائف كانت تسقط قرب سيارتنا، لا تفرق بين من يحمل نية الإصلاح ومن يجرّ حقيبة الذخيرة، فنعود ونحتمي بالمسجد، لنشعر أننا عدنا أحياءً مؤقتين، نلتقط الأنفاس... وعند المغرب في غريان، وقفنا على قارعة الطريق أنا وأحمد المبروك، وشعبان العمياني، وبلا إنذار جاء الرصاص، ومرت قريباً من رؤوسنا طلقات مدافع الرشاشات (14.5)، وتحول الهواء إلى شظايا. ارتمينا في المسجد لا خوفاً بل لنعيد تعريف معنى البقاء... ومع بزوغ الفجر توقف الرصاص، لكن الثمن كان حاضراً؛ خسائر بشرية ومادية، ووجوه لم تعد كما كانت».

حرب ليست ككل الحروب

يروي المبشِّر أنه «منذ ذلك اليوم، لم تعد الحرب في ليبيا تشبه الحروب، بل كانت تنتقل كالمرض الجلدي، تبدّل مكانها، تغير شكلها، وكان فريق المصالحة - وأنا منهم - كمن يتعقب الجدري في زمن بلا أمصال».

مُنيت بعض جولات فرق المصالحة ببعض الخذلان أمام النار، التي اعتملت في القلوب، وكانت هذه فرصة ليسمع المبشِّر صوتاً من داخله يلومه، مدفوعاً بكثرة الإحباطات، إنه «المبشِّر الثاني» الذي رافقه كظله من سبها وحتى البيضاء يشير له باستحالة الحل.

لكن في لحظة ما بعد «ديالوج» طويل، يتوحد الراوي مع «قرينه»، يقول المبشر: «حين لم أعد من المبشر الثاني، بدأت أسمع ليبيا بصوتها الحقيقي. لا تطلب الإنقاذ ولكن تقول: افتح قلبك وسأبقى. ليبيا ليست للذين لا يخطئون، بل للذين رغم الأخطاء لا يقطعون الحبل».

الاحتجاجات التي أعقبت سقوط نظام القذافي جرت وراءها خصومات وخلافات سياسية بين مؤيدين ومعارضين للنظام البائد (رويترز)

في سبها، تجدد الاقتتال عام 2014 في ظل شتاء قاسٍ، يروي المبشر: «حينها كلفت الحكومة حاكماً عسكرياً على المدينة؛ كلفته لا لينقذ؛ بل ليقال إنها فعلت شيئاً؛ الوطن حينها كان يشبه حكومته، منهكاً بلا كهرباء... بلا وقود بلا لغة... القبيلة وحدها كانت تتكلم، وكلما خرس الوطن ازدادت فصاحتها».

ويضيف: «كنا خمسة، أنا، وزيدان قلاش وعبد الحفيظ اللطيف، وأيوب الشرع والراحل إمحمد الشرع، دخلنا مقر الحاكم العسكري، كان المكان أقرب إلى خيمة عزاء لا تزال تهرب من إعلان الحداد، جلسنا مع أطراف ثلاثة، كل طرف يتهم الآخر، وكل عين تحمل في بياضها تاريخاً من الدم».

ثم، وسط حالة من الصمت، قال أحد شيوخ سبها: «هناك جثتان مرميتان منذ أربعة أيام، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب، القناص يقترب»... يقول المبشِّر، «دون تفكير واستجابة للإنسانية ذهبنا بعد تنسيق أنا وحسن العياط، وثلاثة رجال بسيارة إسعاف، دخلنا شارع الموت بصمت، وحين وصلنا كان الهواء برائحة الجثث المتروكة؛ وقد سبقتنا إليها الكلاب، ركع العياط قرب إحداها وقال بصوت مجهوش بالبكاء: (هذه ليست حرباً، هذه خيانة لأبسط شروط الإنسانية)».

«لم يطلق القناص رصاصته. ربما اختنق خلف منظاره، ربما تذكر أن له أماً تنتظر عشاءه، أو ربما أدرك أن الرصاصة الأخيرة لا تقتل... بل تدين»، هكذا يقول المبشِّر.

باتساع خريطة ليبيا تركت الحرب والخصومات عليها أثراً عليها، وكان على فرق المصالحة ملاحقتها ومداواة جراحها، من الأصابعة إلى الكفرة، ثم من طرابلس إلى القاهرة مروراً بتونس. يقول المبشر: «جلسنا مع المهجّرين والمهاجرين في مصر، رجال من طرابلس ومصراتة وبنغازي، أصواتهم كانت محمّلة بالاتهامات والحزن، بدأ الحوار حاداً ومتوتراً، أحد المهجّرين اتهم الوفد بالخيانة، لكننا تعلمنا أن نصغي أكثر مما نتحدث».

وتابع: «تدريجياً بدأ الحوار يلين؛ تحدثوا عن المدن التي تركوها، عن الأحياء التي فقدوها، وعن القادة الذين جعلوهم يفرون، وكل حكاية كانت تضيف ثقلاً نفسياً على الوفد، وتزيد شعورنا بالمسؤولية... لم تُحل المشاكل ولم تتوقف الحروب، لكننا كنا نحمل معنا فهماً أعمق، وإيماناً بأن المصالحة تبدأ بالحديث الصادق. عدنا إلى القاهرة نهاية 2018 عن طريق البر في وفد مكوَّن من 40 رجلاً، مررنا على مدن ليبية عدة عند الحدود. كانت دقات القلب تتصاعد وأوراق السفر بين أيدينا، فجأة ظهر رجال قبائل أولاد علي، يلوحون لنا من مسافة بعيدة يحملون الترحيب في أعينهم وأيديهم، تقدمهم عمدة السلوم وشيخها مرحباً: (أهلاً بكم، هنا داركم)».

لم ينس المبشِّر أن تحوي طيات كتابه تشريحاً للوطن والمواطن، مقدماً رؤية شارحة للشخصية الليبية، ومتسائلاً: «ما الذي يجعل الليبي ليبياً؟ هل هو الرمل الذي يحترق تحت قدميه، أم الملح الذي يخزنه جسده من بحر لم يشبع عطشه؟... هل هي القبيلة التي تعلمه الحذر؟ أم الغنيمة التي تجعله يتقن القنص ولو في زمن السلم؟ أم الدولة التي ما زال يراها شعاراً لا مؤسسة؟».

يلفت المبشِّر في كتابه «بين الرمال والملح» إلى أنه حين بدأت رائحة الدم تتسرب إلى أركان المدن، لم تتشكل لجان، ولم تُعقد مؤتمرات، بل كان هناك شيء آخر لا نستطيع وصفه بسهولة، إنه «الفزعة».

ينوه المبشر إلى أنه «حين يشعر الليبي بالخطر لا ينتظر دعوة، وحين يرى الدم لا يسأل عن تفاصيل، بل يتحرك بدافع أعمق من السياسة وأصدق من التحليل».

وينتهي المبشر قائلاً: «إن وجدت ميزان العدل، رأيت التنوع قوة، والشراكة ممكنة. وإن غاب أصبحت الصحراء محكمة والبنادق مُشرّعة، والقبيلة آخر دولة باقية».


مقالات ذات صلة

ليبيا: أزمة السيولة واحتياجات المواطنين تفجّران جدلاً حول «مشاريع التنمية»

شمال افريقيا الدبيبة خلال افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس الذي أثار انتقادات عدد كبير من الليبيين (رويترز)

ليبيا: أزمة السيولة واحتياجات المواطنين تفجّران جدلاً حول «مشاريع التنمية»

هيمنت أزمة نقص السيولة على المشهد الليبي؛ في ظل اصطفاف المواطنين أمام المصارف لساعات طويلة، إلى جانب نقاشات موسعة مع خبراء ومسؤولين حول سبل المعالجة.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا افتتاح «الحوار المهيكل» في ليبيا (أرشيفية - البعثة الأممية)

مصراتة تنتفض لـ«حل الأجسام المسيطرة» على المشهد الليبي

دافعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، مجدداً، عن «الحوار المهيكل» الذي ترعاه في العاصمة طرابلس، رغم الجدل المثار حول إمكانية نجاحه.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبي خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

«الوحدة» الليبية تتابع ملف الهيشري الموقوف لدى «الجنائية الدولية»

قالت سفارة ليبيا في هولندا إن «القسم القنصلي سينظم زيارات دورية للمحتجز الهيشري، ضمن اختصاصاته ومسؤولياته القنصلية تجاه المواطنين الليبيين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

تيتيه تتهم الزعماء الليبيين بـ«التقاعس» عن تنفيذ «خريطة الطريق»

اتهمت هانا تيتيه، أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين في ليبيا بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري أشاد بزيارته الأخيرة إلى الجزائر للمشاركة في أعمال الآلية الثلاثية حول ليبيا (إ.ب.أ)

الجزائر ومصر تؤكدان «دعمهما الكامل» لمسار الحل الليبي - الليبي

تبادل وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج بدر عبد العاطي مع نظيره الجزائري أحمد عطاف، الرؤى حول الأزمة الليبية، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

قوى مدنية سودانية تطالب بتصنيف الإسلاميين «جماعة إرهابية»

سودانيون يعملون على إصلاح مولد كهربائي بورشة عمل بالمنطقة الصناعية في بورتسودان يوم 19 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
سودانيون يعملون على إصلاح مولد كهربائي بورشة عمل بالمنطقة الصناعية في بورتسودان يوم 19 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

قوى مدنية سودانية تطالب بتصنيف الإسلاميين «جماعة إرهابية»

سودانيون يعملون على إصلاح مولد كهربائي بورشة عمل بالمنطقة الصناعية في بورتسودان يوم 19 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
سودانيون يعملون على إصلاح مولد كهربائي بورشة عمل بالمنطقة الصناعية في بورتسودان يوم 19 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

وزّعت قوى مدنية سودانية «خطابات عاجلة» على كبار المسؤولين الدوليين والإقليميين، طالبت فيها بتصنيف «الحركة الإسلامية (الإخوان)» وحزب «المؤتمر الوطني» وواجهاتهما «منظماتٍ إرهابية»، وكذلك «إعلان المبادئ السوداني لبناء وطن جديد» الذي توافقت عليه أخيراً.

في غضون ذلك، كثفت «قوات الدعم السريع» قصفها وحصارها كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان؛ مما دفع بالمنظمات الدولية والإنسانية لإجلاء رعاياها وموظفيها خارج المدينة.

وقالت القوى المدنية، في بيان الأحد، إنها وجهت خطاباً إلى كل من «وزراء خارجية دول (الآلية الرباعية)، و(الآلية الخماسية للمنظمات متعددة الأطراف)، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة (إيقاد)، وجامعة الدولة العربية، والاتحاد الأوروبي»، طالبتهم فيه بتصنيف «الحركة الإسلامية السودانية» وحزبها «المؤتمر الوطني» وواجهاتهما «جماعة إرهابية»، وأرفقت نص الإعلان الذي توافقت عليه في العاصمة الكينية نيروبي الأسبوع الماضي.

وجاء في الوثيقة، التي تحمل اسم «وثيقة تصنيف حزب (المؤتمر الوطني) و(الحركة الإسلامية السودانية) وواجهاتهما منظماتٍ إرهابية»، أنها تعكس الأدوار الموثقة لهذه الكيانات في استمرار العنف، وتقويض الانتقالي المدني الديمقراطي، وتهديد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

وقد أَرفقت مع الوثيقة «إعلان المبادئ السوداني لبناء وطن جديد»، وعدته «بداية لإطار عمل شامل لمستقبل السودان، يعالج جذور الحروب بالسودان، ويسهم في استعادة مسار الثورة السودانية نحو (الحرية والسلام والعدالة)».

«خطوة حيوية»

وشددت في البيان على أهمية «الوقف الفوري للأعمال العدائية»، والعمل على تحقيق حل سياسي شامل، وعدّته «ضرورة وجودية لا تحتمل التأجيل والتلكؤ»، وطالبت بدعم المجتمع الدولي للوثيقتين، بوصفهما «خطوة حيوية لملايين السودانيين، الذين ينتظرون فجراً جديداً، يعيد الحياة ويحقق السلام والعدالة».

وشهدت نيروبي، في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، توقيع كتل سياسية وحركات مسلحة وشخصيات وطنية ميثاقاً أطلقت عليه «إعلان المبادئ السوداني لبناء وطن جديد»؛ «لتوحيد الجبهة المدنية ضد النزاع المسلح، ورسم خريطة طريق تعزل الكيانات الإسلامية المتطرفة المرتبطة بالنظام السابق»، بجانب وثيقة تصنيف «الحركة الإسلامية» وحزب «المؤتمر الوطني» وواجهاتهما «تنظيمات إرهابية».

ووقع الوثيقتين كل من: رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وأحزاب: «الأمة القومي»، و«البعث العربي الاشتراكي»، و«المؤتمر السوداني»، و«حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد محمد نور، وممثلون عن لجان المقاومة، وتنظيمات مدنية أخرى وشخصيات وطنية.

نازحون يستقلون عربات تجرها حيوانات عقب هجمات من «الدعم السريع» على مخيم زمزم ببلدة طويلة شمال دارفور يوم 15 أبريل 2025 (أرشيفية - رويترز)

إجلاء عاملين في منظمات أممية

ميدانياً؛ تواصلت عمليات إجلاء العاملين في المنظمات الإنسانية والأممية من مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» بالاشتراك مع حليفتها «قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو».

وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن المنظمات الإنسانية العاملة في المدينة أجلت موظفيها والعاملين فيها من البلدة التي تهدد «قوات الدعم السريع» باجتياحها، وتواصل حصارها وقصفها بالمدفعية والطيران المسيّر.

كما ازداد نزوح كثير من المواطنين من المدينة إلى اتجاهات عدة، لكن الأعداد الكبيرة منهم نزحت إلى مناطق سيطرة «قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان»، التي تسيطر على منطقة كاودا الجبلية منذ عام 2011.

وكانت «بعثة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام في أبيي (يونيسيفا)» قد أعلنت، الجمعة، إخلاء قاعدتها اللوجيستية في كادوقلي، بعد الهجوم الجوي الذي شنته «قوات الدعم السريع» على مقرها، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر البعثة.

وقتل 6 أشخاص من قوات حفظ السلام من دولة بنغلاديش، وأصيب 8 آخرون، في هجوم من مسيّرات «الدعم السريع» استهدف مقر البعثة في 13 ديسمبر الحالي.

وتخضع مدينة كادوقلي منذ الأشهر الأولى للحرب لحصار مشدد من «قوات الدعم السريع» و«الحركة الشعبية»، وخلاله تعرضت المدينة لهجمات متكررة بالمدفعية والطائرات المسيرة. واستولت «قوات الدعم السريع»، الخميس، على بلدة برنو التي تبعد من المدينة نحو 30 كيلومتراً، وحشدت قوات كبيرة حول المدينة، ويتوقع حدوث مواجهات مع قوة الجيش الموجودة في «الفرقة 14 مشاة» بالمدينة.


توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان في هجليج

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان في هجليج

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

استبعدت «قوات الدعم السريع» وقوع أي اشتباكات مسلحة بينها وبين قوات دفاع جنوب السودان في منطقة هجليج النفطية بولاية جنوب كردفان، التي سيطرت عليها «الدعم السريع» مؤخراً بعد انسحاب الجيش السوداني منها باتجاه جنوب السودان. جاء ذلك ردّاً على ما نقلته صحيفة في جوبا عن وجود حالة توتر بين الجانبين حول السيطرة على الحقول النفطية.

ونقلت صحيفة «جوبا بوست» أن توتراً حادّاً حدث ليل السبت-الأحد بين القوات الجنوبية الموكل لها حماية حقول النفط في منطقة هجليج، باتفاق ثلاثي بين جوبا وبورتسودان ونيالا، و«قوات الدعم السريع» التي سيطرت على المنطقة، بعد انسحاب الجيش السوداني منها إلى الدولة الجارة.

وقالت الصحيفة، إن «قوات الدعم السريع» وجيش جنوب السودان (قوات دفاع جنوب السودان)، اختلفا على السيطرة على المنطقة، وحذّرت من احتمالات حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين.

ولم يصدر تصريح رسمي من جوبا، لكن «قوات الدعم السريع» نفت بشكل قاطع حدوث اشتباكات مسلحة مع جيش جنوب السودان في حقل هجليج، إثر نشر صحف موالية للجيش السوداني حدوث اشتباكات بين قوات الطرفين، ردّاً على محاولة «قوات الدعم السريع» إعادة انتشارها في الحقل النفطي.

وقال الباشا طبيق، مستشار قائد «قوات الدعم السريع» حميدتي، في تغريدة على صفحته الرسمية على منصة «فيسبوك»، إن ما تناولته صحف ووسائط سودانية موالية للجيش بشأن وقوع «اشتباكات في منطقة هجليج بين (قوات الدعم السريع) وقوات دفاع جنوب السودان (لا أساس له من الصحة على الإطلاق)». وأضاف أن «ما تم تداوله لا يتجاوز كونه أماني يُروّج لها أولئك المفطومون من ثدي النفط».

وطالب المسؤول الرفيع بـ«قوات الدعم السريع» وكالات الأنباء والقنوات الفضائية بتحري الدقة والمصداقية، والاعتماد على المصادر الموثوقة، حتى لا تقع في «فخ الروايات التي تبثها غرف إعلام الحركة الإسلامية المضللة»، حسب تعبيره.

وسيطرت «قوات الدعم السريع» في الثامن من الشهر الحالي على منطقة هجليج التي تضم أحد أكبر حقول النفط، ومحطة معالجة لنفط جنوب السودان، ومنها تبدأ أنابيب النفط البالغ طولها أكثر من 1500 كيلومتر، وتنقل خام نفط جنوب السودان إلى ميناء بشاير على البحر الأحمر قرب مدينة بورتسودان.

وانسحبت قوات الجيش السوداني في «اللواء 90» من المنطقة إلى دولة جنوب السودان المجاورة، لتُكمل «قوات الدعم السريع» سيطرتها على كامل ولاية جنوب كردفان، ولاحقاً جرى التوصل إلى اتفاق بين الرئيس سلفاكير ميارديت وقائد الجيش السوداني، وقائد «قوات الدعم السريع»، قضى بقيام قوات دفاع السودان بتأمين الحقول والمنشآت النفطية، مقابل رسم يتقاسمه الجيش و«قوات الدعم السريع».


روبيو يكثّف الدعوات لهدنة في السودان

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
TT

روبيو يكثّف الدعوات لهدنة في السودان

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

وضع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تضع فيها واشنطن مواقيتَ أمام طرفي النزاع، الجيش و«قوات الدعم السريع».

وذكر روبيو في تصريحات، الجمعة، أنَّ «هدف واشنطن الفوري وقف الأعمال القتالية في السودان قبل بداية العام الجديد»، في تكثيف للتحرك الأميركي من أجل الوصول إلى هدنة إنسانية.

وقال إنَّ بلاده منخرطة «بشكل مكثف» مع أطراف إقليمية عديدة، لافتاً إلى محادثات أجرتها واشنطن مع مسؤولين في السعودية والإمارات ومصر، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، للدفع نحو هدنة إنسانية تسمح بتوسيع عمليات الإغاثة.

وقال روبيو: «99 في المائة من تركيزنا ينصب على هذه الهدنة الإنسانية والتوصل إليها في أسرع وقت ممكن». وأضاف: «نعتقد أنَّ العام الجديد والأعياد المقبلة تُمثل فرصة عظيمة لكلا الجانبين للاتفاق على ذلك».