المغرب: أخنوش يعلن وفاة 3 خلال الاحتجاجات... ويؤكد تجاوب الحكومة مع المطالب المجتمعية

شدد على أن الحوار هو «السبيل الوحيد لمعالجة الإشكالات»

جانب من التعزيزات الأمنية في مدينة سلا لضبط الأمن (أ.ف.ب)
جانب من التعزيزات الأمنية في مدينة سلا لضبط الأمن (أ.ف.ب)
TT

المغرب: أخنوش يعلن وفاة 3 خلال الاحتجاجات... ويؤكد تجاوب الحكومة مع المطالب المجتمعية

جانب من التعزيزات الأمنية في مدينة سلا لضبط الأمن (أ.ف.ب)
جانب من التعزيزات الأمنية في مدينة سلا لضبط الأمن (أ.ف.ب)

قال رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، اليوم الخميس، إن ثلاثة أشخاص لقوا حتفهم خلال ما وصفها بالتطورات «المؤسفة»، التي شهدتها عدة مدن في المملكة خلال اليومين الماضيين.

وأكد أخنوش في كلمة بثها التلفزيون المغربي، «تجاوب» الحكومة مع المطالب المجتمعية، واستعدادها لإجراء حوار بشأنها، في إشارة إلى احتجاجات شبابية تطالب بإصلاحات اجتماعية، وتحولت إلى أعمال عنف.

وأضاف أخنوش أن اليومين الماضيين شهدا «تصعيداً خطيراً مسّ بالأمن والنظام العامين»، لافتاً إلى إصابة المئات من قوات الأمن، وإلحاق أضرار بالممتلكات العامة والخاصة.

دعوات للحوار لحل الإشكالات

شدد رئيس الحكومة المغربية على أن الحوار هو السبيل الوحيد لمعالجة «الإشكالات» التي تواجه البلاد، وتحقيق الطموح المشترك لجميع المواطنين. واندلعت الاحتجاجات، التي دعت إليها مجموعة تطلق على نفسها «جيل زد 212»، في مطلع الأسبوع مطالبة بتحسين التعليم والرعاية الصحية.

قوات الأمن تزيل بقايا سيارات تم إحراقها خلال الاحتجاجات التي شهدتها مدينة سلا (أ.ف.ب)

وتتعلق الوفيات، وفق وزارة الداخلية، بأعمال العنف والشغب، التي وقعت أمس الأربعاء بالقليعة بعمالة إنزكان أيت ملول (جنوب)، حيث حاولت مجموعة من الأشخاص الاستيلاء على الذخيرة، والعتاد والأسلحة الوظيفية بمركز للدرك الملكي، أسفرت عن تسجيل 3 وفيات.

ونوّه أخنوش، في تصريح تم تقديمه خلال بداية أشغال المجلس الحكومي، بالتدخلات النظامية لمختلف الهيئات الأمنية، التي تواصل أداء واجبها الدستوري في حماية الأمن والنظام العامين، وصون الحقوق والحريات الفردية والجماعية، مؤكداً أن «الحكومة، عبر مختلف الأحزاب المكونة لها، قامت بالتفاعل مع مطالب التعبيرات الشبابية».

جانب من أعمال التخريب التي عرفتها بعض أحياء مدينة سلا (أ.ف.ب)

كما شدد قائد الجهاز الحكومي على أن السلطة التنفيذية «تعلن تجاوبها مع هذه المطالب المجتمعية، واستعدادها للحوار والنقاش من داخل المؤسسات والفضاءات العامة»، مجدداً مرة أخرى التأكيد على أن «المقاربة المبنية على الحوار هي السبيل الوحيد لمعالجة مختلف الإشكالات التي تواجهها بلادنا، وتسريع وتيرة تفعيل سياسات العمومية، موضوع المطالب الاجتماعية، بما يساهم في تحقيق الطموح المشترك لجميع المغاربة».

من جهته، كشف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، اليوم الخميس، عن أن بعض الأشكال الاحتجاجية «اتخذت منحى تصعيدياً جسيماً بتحولها إلى تجمهرات مست بالأمن والنظام العامين، وتخللتها أعمال عنف وشغب خطيرة، انخرطت فيها بشكل مثير للاستغراب أعداد كبيرة من القاصرين، تعدت في المجمل نسبة 70 في المائة من مجموع المشاركين، وشهدت استخدام أسلحة بيضاء، والرشق بالحجارة، وتفجير قنينات للغاز وإضرام النيران في العجلات المطاطية».

وأضافت وزارة الداخلية أن المؤسف في أحداث العنف والشغب هذه أنها عرفت مشاركة نسب كبيرة من الأطفال والقاصرين، بلغت في أحيان متعددة نسبة 100 في المائة من المجموعات المشاركة.

وكشفت وزارة الداخلية عن أن أعمال العنف والشغب عرفت للأسف في مناطق متفرقة أبعاداً أشد جسامة وأكثر خطورة، بانخراط بعض المشاغبين في عمليات هجوم، باستعمال الأسلحة البيضاء، واقتحام واكتساح بنايات مملوكة للدولة ومقرات مصالح أمنية، كما وقع في القليعة بعمالة إنزكان أيت ملول، حيث حاولت مجموعة من الأشخاص الاستيلاء على الذخيرة والعتاد والأسلحة الوظيفية الموضوعة، رهن إشارة هذه المصالح؛ مما اضطرت معه عناصر الدرك الملكي إلى استعمال السلاح الوظيفي، في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، نتج عنه تسجيل 3 وفيات.

دعوات جديدة للمظاهرات

بالموازاة مع تصريحات رئيس الحكومة المغربية، دعت حركة «جيل زد 212» الشبابية، اليوم الخميس، إلى مظاهرات «سلمية» جديدة، للمطالبة بتحسين الخدمات العامة، بعد ليلة من الاحتجاجات تخللتها بعض أعمال العنف، أسفرت عن مقتل شخصين برصاص قوات الأمن.

عناصر قوات الأمن تعتقل شباناً شاركوا في الاحتجاجات بمدينة سلا (أ.ف.ب)

وهذا أخطر حادث منذ انطلاق الاحتجاجات السبت، بدعوة من هذه المجموعة الشبابية، التي ما زال أعضاؤها غير معروفين، والتي تصف نفسها بأنها «مساحة للنقاش» حول مسائل وقضايا جوهرية، مثل الصحة والتعليم ومكافحة الفساد. وقالت الحركة على موقع «ديسكورد» إن «مظاهرات سلمية» ستخرج الخميس لرفع المطالب نفسها.

وليل الأربعاء، قُتل شخصان برصاص قوات الأمن المغربية أثناء محاولتهما اقتحام ثكنة للدرك جنوبي المملكة المغربية خلال أعمال شغب غير مسبوقة، أعقبت دعوات التظاهر، رغم أنّ جُلّ هذه المظاهرات جرى بهدوء.

وحسب وسائل إعلام محلية، وقعت أعمال تخريب في منطقة قرب أغادير، حيث أضرم أشخاص النار في مكاتب البلدية. وأفادت مواقع إخبارية محلية بوقوع أعمال شغب في مدن صغيرة أخرى، لم تكن ضمن لائحة المناطق التي دعت الحركة للتظاهر فيها.

واجهة بنك تم إحراقه خلال الاحتجاجات التي شهدتها مدينة سلا (أ.ف.ب)

وفي الدعوة إلى التظاهر، شددت «جيل زد 212» على «المحافظة على السلمية». كما جدّدت الحركة التأكيد على مطالبها، وأبرزها «تعليم يليق بالإنسان ومن دون تفاوتات»، و«صحة لكل مواطن من دون استثناءات».

ويجمع اسم هذه الحركة بين «جيل زد»، أي الفئة العمرية التي ينتمي إليها أفرادها، وهم مواليد نهاية العقد الأخير من القرن الماضي وبداية العقد الأول من القرن الحالي، وبين الرقم 212، وهو مفتاح الاتصال الهاتفي الدولي بالمملكة المغربية.

مظاهرات لـ«تحقيق العدالة الاجتماعية»

منذ السبت والسلطات تمنع مظاهرات دعت إليها «جيل زد» في مدن عدّة. لكن للمرة الأولى، سمحت السلطات للحركة بتنظيم مظاهرات في مدن عدة، مساء الأربعاء، وقد جرت غالبية هذه الاحتجاجات بهدوء وفي أجواء اتسمت بالسلمية. وتجمّع بضع مئات من المتظاهرين، غالبيتهم من الشباب، في كل من الدار البيضاء وفاس وطنجة، وتطوان ووجدة، وأطلقوا شعارات تدعو إلى تحقيق «العدالة الاجتماعية»، و«إسقاط الفساد»، فيما دعا آخرون إلى «رحيل» رئيس الوزراء عزيز أخنوش، وفق فيديوهات مباشرة بثّتها وسائل إعلام محلية.

لكن مع تقدّم ساعات الليل اندلعت أعمال شغب في مدن أخرى، لم تكن ضمن المناطق التي دعت الحركة للتظاهر فيها، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية. ففي مدينة سلا قرب الرباط أضرم ملثّمون النار في سيارتين للشرطة، وكذلك أيضاً في محيط وكالة مصرفية، وفق ما أفاد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية»، لكن بعيداً عن الحي الذي دعت الحركة للتظاهر فيه. وأفادت مواقع إخبارية محلية بوقوع أعمال شغب في مدن صغيرة، لم تكن ضمن لائحة المناطق التي دعت الحركة للتظاهر فيها، ومن بينها سيدي بيبي، وتارودانت بضواحي أغادير (جنوب)، وقلعة مكونة (جنوب شرق)، وبثّت صوراً وفيديوهات تظهر تخريب سيارات، وآثار حجارة في بعض الشوارع.

وفي دعوتها إلى التظاهر، الأربعاء، شدّدت «جيل زد 212» على «المحافظة على السلمية». كما جدّدت الحركة التأكيد على مطالبها، وأبرزها «تعليم يليق بالإنسان ودون تفاوتات»، و«صحة لكل مواطن دون استثناءات». وبدأت أعمال الشغب والصدامات مع قوات الأمن منذ ليل الثلاثاء، حين شهدت بعض المظاهرات «تصعيداً خطيراً مسّ بالأمن والنظام العامين، بعدما تحولت إلى تجمهرات عنيفة، استعملت فيها مجموعة من الأشخاص أسلحة بيضاء، وزجاجات حارقة والرشق بالحجارة»، وفق ما أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، رشيد الخلفي، أمس الأربعاء.

وأوضح الخلفي أن هذا الأمر تسبّب، حتى ليل الثلاثاء، في «إصابة 263 عنصراً من القوات العمومية بجروح متفاوتة الخطورة، و23 شخصاً آخرين، من بينهم حالة استدعت الخضوع للمتابعة الطبية». كما تم وضع 409 أشخاص رهن الحراسة النظرية، وأطلق سراح متظاهرين آخرين بعد التحقق من هوياتهم، من دون تحديد عددهم.

«ضبط النفس»

أكّد الخلفي أنّ محتجّين «اقتحموا عدداً من الإدارات والمؤسسات والوكالات البنكية والمحلات التجارية، وقاموا بأعمال نهب وتخريب بداخلها»، في إنزكان وأيت عميرة وتيزنيت، ضواحي أغادير (جنوب). مشيراً إلى إضرام النار وإلحاق أضرار بـ142 عربة للقوات العمومية، و20 سيارة خصوصية. كما أوضح الخلفي أنّ السلطات ستواصل إجراءات حماية الأمن والنظام العامين، مع «ضبط النفس وعدم الانسياق وراء الاستفزازات»، مشدداً أيضاً على «التعامل بكل حزم وصرامة (...) مع كل الأشخاص، الذين يثبت ارتكابهم أفعالاً أو تصرفات تقع تحت طائلة القانون».

اعتقال أحد المشاركين في احتجاجات سلا (إ.ب.أ)

وفي وقت لاحق أفاد مسؤول برئاسة النيابة العامة، بأن النيابات العامة «ستتعامل بمنتهى الصرامة والحزم مع أعمال التخريب وإضرام النار والعنف»، مذكراً بأن «الأفعال المذكورة قد تصل عقوبتها إلى 20 سنة سجناً، وإذا اقترنت ببعض الظروف فقد تصل إلى السجن المؤبد».

والأربعاء، قرّرت النيابة العامة في الرباط ملاحقة مجموعة جديدة من 97 شخصاً، بينهم ثلاثة أوقفوا خلال مظاهرات الاثنين، بينما أخلي سبيل 26 آخرين، وفق ما أفادت محاميتهم، سعاد براهمة. ويضاف هؤلاء إلى 37 شخصاً قررت النيابة العامة نفسها ملاحقتهم الثلاثاء، بينهم ثلاثة قيد التوقيف، بسبب محاولتهم التظاهر الأحد.

ومجموعة «جيل زد 212» التي ظهرت مؤخراً على موقع «ديسكورد» تصف نفسها بأنها «فضاء للنقاش» حول «قضايا تهمّ كلّ المواطنين مثل الصحة، والتعليم، ومحاربة الفساد»، مؤكدة رفض «العنف» و«حب الوطن والملك».


مقالات ذات صلة

قضية الصحراء والهجرة تتصدران مباحثات رئيسي وزراء إسبانيا والمغرب

شمال افريقيا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مع نظيره المغربي خلال حفل توقيع اتفاقيات عدة بين البلدين (إ.ب.أ)

قضية الصحراء والهجرة تتصدران مباحثات رئيسي وزراء إسبانيا والمغرب

استضاف رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، نظيره المغربي عزيز أخنوش، في مدريد، الخميس، لتوقيع اتفاقيات عدة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
شمال افريقيا ولي العهد السعودي يرأس وفد بلاده في الدورة الـ46 للمجلس الخليجي الأعلى (واس)

المجلس الخليجي الأعلى يجدد التأكيد على مغربية الصحراء

جدد المجلس الخليجي الأعلى، خلال ختام دورته الـ46 المنعقدة في العاصمة البحرينية المنامة، التأكيد على مغربية الصحراء.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية افتتح منتخب المغرب مسيرته في بطولة كأس العرب لكرة القدم (رويترز)

المغرب يفتتح مشواره بكأس العرب بثلاثية في جزر القمر

افتتح منتخب المغرب مسيرته في بطولة كأس العرب لكرة القدم، المقامة حالياً في العاصمة القطرية الدوحة، على أفضل وجه.

«الشرق الأوسط» (الدوحة )
رياضة عربية جمال السلامي (الاتحاد الأردني)

قرعة مونديال 2026: مدرب الأردن يتمنى عدم مواجهة المغرب

كشف المدير الفني المغربي لمنتخب الأردن لكرة القدم جمال السلامي، عن أمنياته بعدم مواجهة منتخب بلاده في دور المجموعات في نهائيات كأس العالم، الصيف المقبل.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
شمال افريقيا مغني الراب الفرنسي المغربي وليد جورجي (أ.ف.ب)

بسبب محاولة اختطاف بالمغرب...السجن 7 أعوام لمغني راب فرنسي

قضت محكمة مغربية بالسجن النافذ 7 أعوام لمغني الراب الفرنسي المغربي وليد جورجي، المعروف باسمه الفني «مايس»، في قضية «تكوين عصابة إجرامية ومحاولة اختطاف».

«الشرق الأوسط» (الرباط)

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».


بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».