قمة كوبنهاغن وحضور الهاجس الروسي

تناقش إقامة «جدار مسيّرات» واستخدام أموال موسكو المجمدة لإقراض أوكرانيا

رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن (يمين) ترحّب برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كوبنهاغن 1 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن (يمين) ترحّب برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كوبنهاغن 1 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

قمة كوبنهاغن وحضور الهاجس الروسي

رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن (يمين) ترحّب برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كوبنهاغن 1 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن (يمين) ترحّب برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كوبنهاغن 1 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

ليس أوضح على حضور الهاجس الروسي على مائدة الاتحاد الأوروبي من التدابير الأمنية الاستثنائية التي اتخذتها الدنمارك لاستضافة القمة الأوروبية غير الرسمية المخصصة لمناقشة منظومة الدفاع المشتركة ومواصلة الدعم لأوكرانيا، وقمة المجموعة السياسية الأوروبية التي ستبحث في التهديدات الروسية الأخيرة وسبل مواجهتها. ولم يسبق في تاريخ القمم الأوروبية أن أرسلت عدة دول أعضاء، فرنسا وألمانيا والسويد وهولندا، تعزيزات عسكرية، جوية وبحرية، لحماية مثل هذه الاجتماعات التي تنعقد في عز أزمة أمنية تعيشها الدنمارك بعد هجوم المسيّرات الذي تعرّض له مجالها الجوي، وأجبرها على إغلاق ستة من مطاراتها.

رئيسة وزراء الدنمارك ميتيه فريدريكسون ترحب الأربعاء بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

قمتان تنعقدان في مرحلة حرجة بالنسبة للأوروبيين الذين يواجهون تصعيداً مطرداً للانتهاكات والاستفزازات الروسية، يقابله انكفاء أميركي عن التدخل في الحرب الأوكرانية ما زال قادة الاتحاد حائرين في تفسيره، رغم أن غالبيتهم تميل إلى الاعتقاد بأن واشنطن قررت أن تغسل يديها من التدخل المباشر في هذه الحرب بعد أن كانت سبّاقة، على عهد بايدن، إلى دفع الحلفاء الأوروبيين إلى الانخراط بقوة في الدعم المباشر لكييف لردع الهجوم الروسي.

الشرطة الدنماركية كثفت من حضورها لحماية المكان (أ.ف.ب)

السلطات الدنماركية من ناحيتها ما زالت تحقق في هجوم المسيّرات الكبيرة التي اخترقت مجالها الجوي وأجبرتها على إغلاق عدة مطارات، منها مطار العاصمة كوبنهاغن. لكن رئيسة الوزراء ميتيه فريدريكسون لم تتردد في توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى موسكو بقولها «إن روسيا هي التي تشكّل التهديد الرئيسي للأمن الأوروبي»، مضيفة قبيل افتتاح القمة: «فلاديمير بوتين يهدف إلى تفرقتنا، وسأبذل قصارى جهدي لمنعه من تحقيق هذا الهدف».

المجال الجوي فوق مطار آلبورغ الدنماركي أُغلق بعد رصد طائرات من دون طيار (إ.ب.أ)

ووضع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي منظومات الدفاع في حال الجهوزية القصوى، ونشرت عدة بلدان أجهزة رادار متطورة ودفاعات جوية وضد المسيّرات في العاصمة الدنماركية ومحيطه. كما أرسل حلف الأطلسي الفرقاطة الألمانية «هامبورغ» إلى كوبنهاغن لتحصين القمتين اللتين تشارك ثانيتهما أوكرانيا ومولدافيا فيها، حيث تلعب موسكو بورقة الحزب الموالي لها والأقلية العرقية الروسية هناك.

وقال مصدر في منظمة الدفاع الأطلسية إن التعزيزات العسكرية التي أرسلت إلى الدنمارك ستبقى هنا بعد انتهاء القمتين، لمؤازرة الحكومة الدنماركية والدول الاسكندنافية المجاورة التي كانت سارعت إلى دعم أوكرانيا في بداية الحرب، وأرسلت لها مقاتلات لصد الهجوم الروسي.

ستارمر مع روته (رويترز)

ولدى مناقشة الخطة الدفاعية التي وضعتها المفوضية، التي تحدد عام 2030 موعداً لإنجاز المنظومة الدفاعية المشتركة وإرساء قواعد المشاريع طويلة المدى للصناعات الحربية الأوروبية، كان اهتمام دول الشرق الأوروبي ظاهراً بوضوح، وطلب بعضها، بولندا وأستونيا، تسريع جهود بناء «جدار المسيّرات»، بتمويل أوروبي مشترك لتحصين الجبهة الشرقية في مواجهة انتهاكات موسكو.

وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن التكتل لن يسمح لروسيا بزرع «الشقاق والقلق في مجتمعاتنا». وقالت فون دير لاين للصحافيين: «لدينا مسيّرات في بولندا، واجهنا اختراقاً للمجال الجوي الإستوني»، مشددةً على أن روسيا تسعى إلى «اختبارنا» لكن «أيضاً إلى زرع الشقاق والقلق في مجتمعاتنا. لن نسمح بحصول ذلك». وأضافت فون دير لاين: «يجب على أوروبا أن تقدم رداً قوياً وموحداً على توغلات المسيّرات الروسية إلى حدودنا».

رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن ترحب بنظيرها المجري (أ.ف.ب)

وقال رئيس الوزراء الفنلندي بيتري أوربو: «ستستمر روسيا في ذلك، وعلينا أن نكون مستعدين، وعلينا أن نعزز استعدادنا»، معبراً عن دعمه لجدار الطائرات المسيرة، وهو شبكة من أجهزة الاستشعار والأسلحة لرصد الطائرات المسيرة وتعقبها وتحييدها.

نفت روسيا مسؤوليتها عن تحليق طائرات مسيرة فوق الدنمارك، ونفت كذلك أن تكون طائراتها المقاتلة دخلت المجال الجوي الإستوني، وقالت إنها لم تكن تنوي إرسال طائرات مسيرة إلى بولندا.

ووضعت المفوضية الأوروبية تحت تصرف الدول الأعضاء 150 مليار يورو في شكل قروض للمساعدة في إعادة التسلح في مواجهة روسيا.

وقد يكون هناك المزيد من التمويل لاحقاً، لكن الأمر الأهم في هذه المرحلة هو معرفة أفضل السبل للتنظيم، وفق ما أوضح دبلوماسي في بروكسل. وسيناقش القادة الأوروبيون هذه المسألة قبل أن تعود إليهم المفوضية الأوروبية في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) بخريطة طريق.

المستشار الألماني لدى وصوله إلى مكان القمة (أ.ف.ب)

وتنصّ الخطة التي وضعتها المفوضية، واستحوذت على القسط الأكبر من مناقشات القمة، على «إيلاء اهتمام خاص بمشروع جدار المسيّرات ومراقبة الجبهة الشرقية، والعمل على إنجازه بأقصى سرعة ممكنة». يضاف إلى ذلك أن الاتحاد بدأ يواجه صعوبة في تغطية تكاليف الدعم العسكري لأوكرانيا وحده، خصوصاً وأن المجر ما زالت تصرّ على ممارسة حق النقض في المجلس لمنع الموافقة على خطط تمويلية جديدة من الميزانية الأوروبية المشتركة.

وكانت المفوضية طرحت على القمة اقتراحاً، ما زال موضع جدل وتجاذب بين الدول الأعضاء، يقضي بمنح أوكرانيا قرضاً من غير فوائد بقيمة 140 مليار يورو، يقتطع من الأرصدة الروسية المجمدة في المصارف الأوروبية بموجب العقوبات المفروضة على موسكو. وينصّ الاقتراح على عدم استحقاق سداد القرض قبل أن تدفع روسيا تعويضات الحرب لأوكرانيا. لكن الضوء الأخضر الذي أعطته ألمانيا منذ أيام لاستخدام الأصول الروسية المجمدة بعد أن كانت الأكثر تحفظاً على هذا الموضوع بين الدول الأعضاء، مهّد الطريق أمام اقتراح المفوضية الذي سيعاد طرحه رسمياً في القمة المرتقبة نهاية الشهر الحالي في بروكسل.

رئيسة وزراء إيطاليا لدى وصولها مكان القمة (أ.ف.ب)

ووفقاً للمفوضية الأوروبية، تم تجميد أصول بقيمة 200 مليار يورو من البنك المركزي الروسي في الاتحاد الأوروبي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وقالت فون دير لاين: «هناك إجماع متزايد بيننا أنه لا يجب أن يدفع دافعو الضرائب الأوروبيون فقط مقابل دعم أوكرانيا، ولكن يجب محاسبة روسيا». وقالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس: «المبدأ الأساسي للقانون الدولي هو أنه يتعين أن تتحمل الأضرار التي تسببت فيها»، متحدثة عن المخاوف القانونية التي أثارها بعض أفراد الكتلة الأوروبية الـ27 دولة.

واقترحت المفوضية الأوروبية استخدام الاتحاد الأوروبي الأرصدة النقدية المجمدة لدى البنك المركزي الروسي لدعم كييف في عامي 2026 و2027، بعد اقتراب التمويل العسكري الأميركي لكييف من الانتهاء، وفي خضم الصعوبات المالية التي تواجه عدداً من حكومات التكتل.

رئيس وزراء بولندا (إ.ب.أ)

ولن تسدد أوكرانيا القرض إلا بعد أن تدفع روسيا تعويضات لها عما لحق بها من أضرار منذ غزوها عام 2022. ومن شأن هذا الاقتراح أن يسمح لكييف باستخدام الأموال الآن، بدلاً من انتظار سداد موسكو.

وقالت رئيسة الوزراء الدنماركية: «أعتقد أن فكرة استخدام الأصول المجمدة فكرة جيدة. بالطبع، هناك مسائل قانونية يتعين دراستها». وخشية حدوث اضطرابات في الأسواق، ترفض معظم الدول منها فرنسا السماح بوضع اليد على هذه الأموال، لكنها في الوقت نفسه لا تعارض استخدامها لتمويل قرض لأوكرانيا قدّرته المفوضية الأوروبية بـ140 مليار يورو.

الشرطة في قواربها المائية لحراسة المكان (أ.ف.ب)

ورحبّت القمة بالجهود الإصلاحية التي تبذلها أوكرانيا تمهيداً لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وتعهدت مواصلة تقديم الدعم العسكري والمالي والاقتصادي لها، مذكرةً بأن مجموع المساعدات الأوروبية إلى كييف منذ بداية الحرب تجاوز 177 مليار يورو. كما أعربت القمة عن دعمها لمولدافيا التي أكّدت في انتخاباتها الأخيرة منذ أيام خيارها الأوروبي.


مقالات ذات صلة

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

أوروبا عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب) play-circle

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

كشف «المركز الروسي لدراسات الرأي العام» لاستطلاعات الرأي، اليوم (الأربعاء)، أن غالبية الروس يتوقعون انتهاء الحرب في أوكرانيا عام 2026.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي في كييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

أكّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، استعداده لسحب القوات من منطقة دونباس إذا سحبت روسيا قواتها أيضاً، وإذا تحوّلت إلى «منطقة منزوعة السلاح».

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصدر مطلع اليوم (الأربعاء) أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)

قضاء العراق «يجرم» المتورطين في الحرب الروسية - الأوكرانية

توعد القضاء العراقي من أسماهم المتورطين في حرب أوكرانيا بالسجن، مشدداً على مكافحة تجنيدهم للقتال على أراضٍ أجنبية.

فاضل النشمي (بغداد)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي يكشف البنود الـ20 للخطة الأميركية - الأوكرانية لإنهاء الحرب مع روسيا

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تفاصيل بنود أحدث خطة تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة سعيا لإنهاء الحرب مع روسيا، وتمّ رفعها إلى موسكو لإبداء موقفها

«الشرق الأوسط» (كييف)

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
TT

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)
عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب)

كشف «المركز الروسي لدراسات الرأي العام» لاستطلاعات الرأي، اليوم (الأربعاء)، أن غالبية الروس يتوقعون انتهاء الحرب في أوكرانيا عام 2026، في إشارة إلى أن الكرملين ربما يجري اختباراً لقياس ردّ فعل الرأي العام على تسوية سلمية محتملة، مع تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، وفقاً لوكالة «رويترز».

وخلال عرض نهاية العام الذي قدّمه ‌المركز، قال ميخائيل ‌مامونوف، نائب رئيس المؤسسة، إن 70 في المائة ‌من ⁠المشاركين ​في الاستطلاع، ‌البالغ عددهم 1600 شخص، يرون أن عام 2026 سيكون «أكثر نجاحاً» لروسيا من هذا العام، بينما ربط 55 في المائة منهم هذا الأمل باحتمال نهاية ما تسميه روسيا «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا.

وقال مامونوف، في العرض التقديمي، إن «السبب الرئيسي للتفاؤل هو احتمال الانتهاء من العملية العسكرية الخاصة وتحقيق الأهداف المعلنة، بما يتماشى مع المصالح الوطنية التي حددها الرئيس».

وفي استطلاعات الرأي ⁠السابقة لنهاية العام، أكّد المركز على التفاف المجتمع الروسي حول الرئيس فلاديمير بوتين وأهدافه ‌العسكرية في أوكرانيا، لكنه لم يقدم أرقاماً لنسبة ‍السكان الذين يتوقعون انتهاء الحرب.

وتقترب الحرب ‍الأوكرانية، التي بدأت في فبراير (شباط) 2022، من دخول عامها الخامس، ‍لكن من الصعب قياس المستوى الحقيقي للضيق الشعبي بسبب الصراع نظراً للضوابط الصارمة التي تفرضها الدولة على المعارضة.

وأشار مامونوف إلى الهجوم المستمر للجيش الروسي في أوكرانيا، وتردد الولايات المتحدة في تمويل أوكرانيا، وعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على أن يحلّ ​محل الولايات المتحدة بالكامل مالياً وعسكرياً، باعتبارها عوامل رئيسية وراء احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام في نهاية المطاف.

وأضاف أن إعادة ⁠إدماج قدامى المحاربين الذين شاركوا في «العملية العسكرية الخاصة» في المجتمع وإعادة إعمار المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، وكذلك المناطق الحدودية الروسية، بعد انتهاء الأعمال العسكرية، تعتبر الأولويات الرئيسية.

ويؤيد نحو ثلثي الروس محادثات السلام، وهي أعلى نسبة منذ بداية الحرب، وفقاً لمؤسسة ليفادا المستقلة لاستطلاعات الرأي، التي توصف بأنها «عميل أجنبي» بموجب القانون الروسي خلال الصراع.

وقال الكرملين، اليوم (الأربعاء)، إنه تم إطلاع بوتين على الاتصالات التي أجراها مسؤولون روس مع مبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن المقترحات الأميركية لاتفاق سلام محتمل، وإن موسكو ستحدد موقفها الآن.

وأفاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في ‌22 ديسمبر (كانون الأول)، أن المفاوضات التي أجريت مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بهدف إنهاء الحرب مع روسيا «اقتربت جداً من نتيجة حقيقية».


زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)
عناصر إطفاء يحاولون إخماد حريق سببته ضربة جوية روسية على زابوريجيا يوم 24 ديسمبر 2025 (رويترز)

في تطوّر لافت على مسار مفاوضات إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، أكّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، استعداده لسحب القوات من منطقة دونباس؛ القلب الصناعي شرق البلاد، «إذا سحبت روسيا قواتها أيضاً»، وإذا تحوّلت المنطقة إلى «منطقة منزوعة السلاح» و«اقتصادية حرة» تخضع لرقابة قوات دولية. وأضاف، وفق وكالة «أسوشييتد برس» أن هذا المقترح، الذي من شأنه معالجة إحدى العقبات الرئيسية أمام إنهاء الحرب، يجب أن يُطرح أيضاً على استفتاء شعبي. كما ذكر زيلينسكي أن ترتيباً مشابهاً قد يكون ممكناً للمنطقة المحيطة بمحطة زابوريجيا النووية، الخاضعة حالياً للسيطرة الروسية.

وكان زيلينسكي يتحدث إلى الصحافيين، الثلاثاء، لشرح خطة شاملة من 20 نقطة صاغها مفاوضون من أوكرانيا والولايات المتحدة خلال الأيام الماضية بولاية فلوريدا، مشيراً إلى أن كثيراً من التفاصيل لا يزال قيد البحث.

وانخرط مفاوضون أميركيون في سلسلة محادثات منفصلة مع أوكرانيا وروسيا منذ أن قدّم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الشهر الماضي، خطة لإنهاء الحرب؛ في مبادرة عُدّت على نطاق واسع أنّها تصُبّ في مصلحة موسكو التي غزت جارتها قبل نحو 4 سنوات. ومنذ ذلك الحين، عملت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون على تعديل الخطة لتكون أقرب إلى موقف كييف.

ويُعدّ تقرير مصير إقليم دونباس الأوكراني، الذي استولت روسيا على غالبيته العظمى، إضافة إلى كيفية إدارة أكبر محطة نووية في أوروبا، من أشد النقاط تعقيداً في المفاوضات.

تأنٍّ روسي

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الأربعاء، وفق وكالة أنباء «إنترفاكس»، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اطّلع على نتائج المحادثات التي جرت بين المفاوضين الأميركيين والروس في ميامي نهاية الأسبوع الماضي. وقال بيسكوف إن روسيا تصوغ الآن موقفها بينما تظل على تواصل مع المسؤولين الأميركيين، مؤكداً أن موسكو لن تعلق علانية على الجوانب التي لم تُحلّ بعدُ من الخطة. وأضاف أن موقف روسيا معروف للولايات المتحدة منذ مدة طويلة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدّث في سان بطرسبرغ يوم 21 ديسمبر 2025 (رويترز)

من جهتها، ذكرت وكالة «بلومبرغ» نقلاً عن مصدر مطلع، الأربعاء، أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف. وقال المصدر المُقرّب من الكرملين إن روسيا تَعدّ خطة السلام الأميركية المؤلفة من 20 بنداً «نقطةَ انطلاق» فقط لمزيد من المفاوضات؛ وذلك لافتقارها إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية، وعدم إجابتها عن كثير من التساؤلات.

وأضاف: «في حين أن روسيا تنظر إلى الوثيقة الحالية على أنها خطة أوكرانية إلى حد كبير، فإنها ستدرسها بهدوء».

ولم تُبدِ روسيا أي إشارة إلى استعدادها للموافقة على سحب قواتها من الأراضي التي استولت عليها. بل تُصرّ موسكو على أن تتخلى أوكرانيا عمّا تبقى لديها من أراضٍ في إقليم دونباس، وهو ما ترفضه كييف. وقد سيطرت روسيا على معظم إقليم لوغانسك، ونحو 70 في المائة من إقليم دونيتسك، وهما الإقليمان اللذان يشكلان معاً منطقة دونباس.

وأقرّ زيلينسكي بأن مسألة السيطرة على المنطقة تُمثّل «أصعب نقطة» في المفاوضات، وقال إن هذه القضايا تنبغي مناقشتها على مستوى القادة. وإضافة إلى تأكيده ضرورة طرح الخطة على استفتاء شعبي، قال زيلينسكي إن نشر قوة دولية في المنطقة سيكون أمراً جوهرياً.

وبشأن محطة زابوريجيا النووية، فقد اقترحت الولايات المتحدة إنشاء «كونسورتيوم» يضم أوكرانيا وروسيا، بحيث يمتلك كل طرف حصة متساوية مع غيرها. وردّ زيلينسكي باقتراح مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، يكون للأميركيين فيه حق تقرير كيفية توزيع حصتهم، بما في ذلك منح جزء منها لروسيا. وأكّد زيلينسكي أن الولايات المتحدة لم توافق بعد على المقترحات الأوكرانية المضادة.

وقال: «لم نتوصل إلى توافق مع الجانب الأميركي بشأن أراضي منطقة دونيتسك ومحطة زابوريجيا النووية». وأضاف: «لكننا قرّبنا بشكل كبير معظم المواقف بعضها من بعض. ومن حيث المبدأ، تم التوصل إلى توافق بشأن جميع البنود الأخرى في هذا الاتفاق بيننا وبينهم».

المنطقة الاقتصادية الحرة

قال زيلينسكي إن إنشاء منطقة اقتصادية حرة في دونباس سيتطلب مناقشات صعبة بشأن مدى تراجع القوات وأماكن تمركز القوات الدولية. وأكد أن الاستفتاء ضروري؛ «لأن الناس عند ذلك يمكنهم أن يختاروا ما إذا كان ذلك يناسبهم أم لا». وأضاف أن إجراء مثل هذا التصويت سيستغرق 60 يوماً، وأنه يجب أن تتوقف خلالها الأعمال القتالية.

زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي في كييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ويقترح «مشروع الصيغة الأميركية - الأوكرانية» أيضاً انسحاب القوات الروسية من مناطق دنيبروبتروفيسك وميكولايف وسومي وخاركيف. ويتصور زيلينسكي أن تتمركز قوات دولية على خط التماس داخل المنطقة الاقتصادية الحرة لمراقبة تنفيذ الاتفاق. وقال: «نظراً إلى غياب الثقة بالروس، ولأنهم خرقوا وعودهم مراراً، فإن خط التماس الحالي يتحول عملياً إلى خط منطقة اقتصادية حرة، ويجب أن تكون فيها قوات دولية لضمان ألا يدخلها أحد تحت أي ذريعة؛ لا (الرجال الخضر الصغار) ولا جنود روس متنكرون في زي مدني».

إدارة محطة زابوريجيا

اقترحت أوكرانيا أن تكون مدينة إنرهودار المحتلة، وهي أقرب مدينة إلى محطة زابوريجيا النووية، منطقة اقتصادية حرة منزوعة السلاح، وفق زيلينسكي. وقال إن هذه النقطة تطلّبت 15 ساعة من المناقشات مع الولايات المتحدة، من دون التوصل إلى اتفاق.

وفي الوقت الراهن، تقترح الولايات المتحدة أن تُدار المحطة بشكل مشترك من أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا، بحيث يسيطر كل طرف على 33 في المائة من المشروع؛ وهي خطة وصفها زيلينسكي بأنها «غير واقعية تماماً». وقال متسائلاً: «كيف يمكن إقامة تجارة مشتركة مع الروس بعد كل ما حدث؟».

واقترحت أوكرانيا بدلاً من ذلك أن تُدار المحطة عبر مشروع مشترك مع الولايات المتحدة، يتمكن فيه الأميركيون من تحديد كيفية توزيع الطاقة الناتجة عن حصتهم البالغة 50 في المائة. وأضاف زيلينسكي أن تشغيل المحطة مجدداً يتطلب استثمارات بمليارات الدولارات، بما في ذلك إعادة تأهيل السد المجاور.

الضمانات الأمنية

تتضمن الصيغة قيد الإعداد تأكيد حصول أوكرانيا على «ضمانات أمنية قوية»، تُلزم شركاءها بالتحرك في حال تجدّد العدوان الروسي، بما يحاكي «المادة الخامسة» من «ميثاق حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، التي تنص على أن أي هجوم عسكري على أحد أعضاء الحلف يُعدّ هجوماً على الجميع.

جانب من لقاء جمع الرئيس ترمب بنظيره الأوكراني وقادة أوروبيين في البيت الأبيض يوم 18 أغسطس 2025 (أ.ب)

وقال زيلينسكي إن وثيقة منفصلة مع الولايات المتحدة ستُحدّد هذه الضمانات بشكل واضح، وستُفصّل الشروط التي سيوفَّر بموجبها الأمن، لا سيما في حال شنّ هجوم روسي جديد، كما ستُنشِئ آلية لمراقبة أي وقفٍ لإطلاق النار. وأوضح أن هذه الوثيقة ستُوقَّع بالتزامن مع الاتفاق الرئيسي لإنهاء الحرب.

وتتضمن المسودة بنوداً أخرى، من بينها الإبقاء على قوام الجيش الأوكراني عند 800 ألف جندي في زمن السلم، وأن تصبح أوكرانيا عضواً في «الاتحاد الأوروبي» بحلول تاريخ محدد. وتقليص حجم الجيش الأوكراني أحد المطالب الرئيسية لروسيا.

الانتخابات ودعم الاقتصاد

تقترح الوثيقة تسريع اتفاقية تجارة حرة بين أوكرانيا والولايات المتحدة، فيما ذكر زيلينسكي أن واشنطن تسعى إلى إبرام اتفاق مماثل مع روسيا.

وترغب أوكرانيا في الحصول على وصول تفضيلي قصير الأمد إلى السوق الأوروبية، إضافة إلى حزمة مساعدات تشمل إنشاء صندوق تنمية للاستثمار في قطاعات عدة؛ من بينها التكنولوجيا، ومراكز البيانات، والذكاء الاصطناعي، وكذلك قطاع الغاز.

مواطن أوكراني يتفقد نتائج ضربة روسية في زابوريجيا جنوب شرقي أوكرانيا يوم 19 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وتشمل بنود أخرى توفير أموال لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب عبر وسائل مختلفة، من بينها المنح والقروض وصناديق الاستثمار. وقال زيلينسكي: «ستتاح لأوكرانيا فرصة تحديد أولويات توزيع حصتها من الأموال في الأراضي الخاضعة لسيطرتها». وسيكون الهدف جذب 800 مليار دولار من خلال رؤوس الأموال والمنح والقروض ومساهمات القطاع الخاص.

كما تنص مسودة المقترح على أن تُجري أوكرانيا انتخابات بعد توقيع الاتفاق. وكان من المقرر أن تنتهي ولاية زيلينسكي الممتدة 5 سنوات في مايو (أيار) 2024، لكن الانتخابات أُجّلت بسبب الحرب الروسية. وقد استغل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذا الأمر للتشكيك في شرعية الحكومة الأوكرانية - رغم أن التأجيل كان قانونياً - كما أصبح ذلك مصدر توتر مع ترمب.

وتطالب أوكرانيا أيضاً بالإفراج الفوري عن جميع الأسرى المحتجزين منذ عام 2014، وإعادة المحتجزين المدنيين والسجناء السياسيين والأطفال إلى أوكرانيا.


تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
TT

تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصدر مطلع اليوم (الأربعاء)، أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض مزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف.

وقال المصدر المقرب من الكرملين، إن روسيا تعتبر خطة السلام الأميركية المؤلفة من 20 بنداً «نقطة انطلاق» فقط لمزيد من المفاوضات، وذلك لافتقارها إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية، وعدم إجابتها عن كثير من التساؤلات.

وأضاف: «في حين أن روسيا تنظر إلى الوثيقة الحالية على أنها خطة أوكرانية إلى حد كبير، فإنها ستدرسها بهدوء».

وفي وقت سابق اليوم، قال الكرملين إن موسكو ستواصل اتصالاتها مع واشنطن عبر القنوات القائمة قريباً بشأن التسوية الأوكرانية، فيما أوصى مجلس الاتحاد الروسي وزارة الخارجية بالعمل على إقامة حوار مع الولايات المتحدة.

ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن الكرملين قوله إن المبعوث الرئاسي الروسي كيريل دميترييف، قدّم تقريراً مفصلاً إلى الرئيس فلاديمير بوتين، حول نتائج محادثاته في الولايات المتحدة، مضيفاً أن موسكو ستصوغ موقفها بشأن التسوية بناء على المعلومات الواردة من دميترييف.

وكان مسؤولون أميركيون قد عقدوا مطلع هذا الأسبوع، اجتماعات في مدينة ميامي حول الشروط الممكن تنفيذها لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية التي اندلعت في فبراير (شباط) 2022. وضمت المحادثات مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين، وشملت عقد اجتماعات منفصلة مع دميترييف.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس (الثلاثاء)، إن محادثات ميامي تمخضت عن عدة مسودات وثائق «تتضمن على وجه الخصوص ضمانات أمنية لأوكرانيا، وخططاً للتعافي وإطار عمل أساسياً لإنهاء هذه الحرب».

وفي سياق متصل، أوصى مجلس الاتحاد الروسي وزارة الخارجية اليوم، بالعمل على استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة بالكامل «مع مراعاة المصالح الروسية».

وأفادت قناة «آر تي» التلفزيونية بأن المجلس أوصى «الخارجية» الروسية أيضاً «بالعمل على إقامة حوار مع الولايات المتحدة مع مراعاة أهمية التوصل إلى تسوية دائمة في أوكرانيا».