مناهج «داعش»: لياقة بدنية.. وغياب العلوم التطبيقية

{الشرق الأوسط} تخترق مدارس التنظيم.. والمعلمون: غارقون مع «أشبال الخلافة»

مناهج «داعش»: لياقة بدنية.. وغياب العلوم التطبيقية
TT

مناهج «داعش»: لياقة بدنية.. وغياب العلوم التطبيقية

مناهج «داعش»: لياقة بدنية.. وغياب العلوم التطبيقية

يجلس طلاب المدارس في مدينتي الرقة والموصل القابعتين تحت سيطرة «داعش» على ذات المقاعد الخشبية داخل صفوف كانت يوما تخرج أفواجا من الأطباء والمحامين والمهندسين. لكن هذه المؤسسات التعليمية أضحت اليوم بعدما استحوذ عليها التنظيم المتطرف، بؤرا لتخريج «أشبال الخلافة». الوصول إلى البؤر هذه تطلب محاولات عدة للتواصل والحوار مع مصادر موثوقة لنتلمس الحياة اليومية لمجتمع قابع تحت سيطرة التنظيم، وذلك للتمكن من دراسة حقيقة مناهج «داعش » في المؤسسات التعليمية التي يديرها بكل من الرقة والموصل. واستطاعت «الشرق الأوسط » التواصل مع من مدرسين وأولياء أمور الطلبة في تلك المدارس. ومن خلال شهادات عدة، نتعمق في تداعيات «التربية الداعشية» من ردود فعل وتمرد، لنستخلص الأسباب الحقيقية وراء تركيز التنظيم المتطرف على غسل أدمغة الطلاب. ومن خلال شهادات حية من صحافي من الرقة، وتوصيات متحدث عن حملة «الرقة تذبح بصمت»، نكشف مخاطر زرع آيديولوجيا التطرف في عقول الأطفال وكيفية إيقافها.
أصدر «داعش» العام الماضي تعميما في معاقله بسوريا والعراق ينص على إلغاء مناهج من المواد المقررة من قبل الحكومتين السورية والعراقية، وفرض مناهج خاصة به. وفي الوقت الذي يجبر الطلاب على اجتياز سنة دراسية ثانية تحت حكم التنظيم، تزداد التساؤلات حول تأثير تلك المناهج المعدلة على الأجيال اليانعة لتصبح التغيرات على نظام التعليم حقيقة، تلُح مخاطبة عواقبها. ويقول طاهر مقرش، المنسق العام لوكالة «قاسيون» للأنباء وهو سوري من الرقة ومقيم الآن في غازي عنتاب التركية وعلى تواصل دائم بأهالي الرقة إن «هنالك حالات كثيرة ناتجة عن ارتياد مدارس التنظيم آلت إلى تجنيد الطلبة»، إذ «حملوا السلاح والتحقوا بمعسكرات التنظيم». ويذكر مقرش جارا له التحق ابنه (11عاما) بصفوف التنظيم ولاقى حتفه. وآخر عمره 10 سنوات التحق وأصيب وهو الآن مصاب بعاهة دائمة بمنزل والده. ومن جانبهم، أكد مدرسو مناهج التنظيم وأولياء أمور الطلبة الذين أضحوا اليوم «أشبال الخلافة» في تصريحات لـ«الشرق الأوسط » على أن المواد تقود لغسل أدمغة الطلاب وتغيير سلوكهم. كما أشاروا إلى التشديدات والرقابة التي يفرضها التنظيم حرصا على منع تسريب مناهج أخرى وتعليمها للطلاب.
وكان جاء في البيان الصادر عن «ديوان التعليم» لدى التنظيم قرار إلغاء بعض المواد منها الموسيقى والفن والتربية الوطنية والعلوم التطبيقية، وإضافة مواد أخرى بدلا عنها كالفقه والتوحيد و«التربية الجهادية». وحمل التعميم بالإضافة إلى ختم التنظيم، توقيع كل من مسؤول المناهج «أبو رامي»، ومسؤول ديوان التعليم «ذو القرنين». وهو ألماني الجنسية من أصول مصرية غادر ألمانيا ملتحقًا بـ«داعش» ليشغل هذا المنصب بالذات. اتخذ ذو القرنين مقرا له في الموصل ويعد المشرف الأول على لجنة وضع المناهج.
استغرق إطلاق مناهج جديدة متكاملة وقتا طويلا. وفي بادئ الأمر، لم يكن من المتوقع أن يطرح التنظيم مناهج للمراحل الدراسية توافق فكر وطرح التنظيم الآيديولوجي، إلا أن ذلك سرعان ما تغير. وبعد انتظار دام أكثر من عام على وعود بتغيير المناهج بدأت تظهر تسريبات عن مناهج «داعش» وكان الأمر دون وقائع حتى بداية العام الدراسي الحالي، حيث لم يستطع التنظيم طباعة الكتب للطلاب، لذلك قام بطباعة الكتب على أقراص مدمجة وتوزيعها للطلبة وهم بدورهم يقومون بعملية الطباعة. خلقت هذه الخطوة حالة من الاستهجان في أوساط الطلبة، ولكنها كانت طريقة جيدة لتسريب المناهج إلى الخارج.
في كتاب مفصل بعنوان «الموصل بين احتلالين» تم نشره وتناقله عبر الإنترنت الشهر الماضي، تحدث أحد سكان المدينة التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش عن الحياة فيها منذ احتلالها على يد القوات الأميركية عام 2003 ووقوعها في قبضة التنظيم عام 2014. واستعرض الكتاب توجهات «داعش» في مجال التعليم في المدينة، إذ أورد تعليمات التنظيم الجديدة التي نشرت في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 التي شملت منع وضع أسئلة تتعلق بالوطنية أو بالمعاملات الربوية، والحوادث التاريخية المزيفة - حسب وصف «داعش» - والمواقع الجغرافية والحدود (المصطنعة)، كما اعتبرها. ويروي الكتاب عن الواقع التعليمي في مدينة الموصل، إذ تم تأسيس ديوان التعليم لإدارة العملية التعليمية في المدينة، الذي يرتبط به كل من جامعة الموصل، وكذلك مديرية تربية نينوى وتوابعها المسؤولة عن تعليم مئات الآلاف من التلاميذ والطلبة. ويحاول التنظيم جاهدا لتدريس مناهج جديدة تتضمن أفكاره.
قبل إعداد المناهج أصدر «داعش» تعليمات للمدارس والكادر التعليمي يفرض فيها دورات شرعية بغرض تثقيف المدرسين بما يطلبه التنظيم منهم في تعليم الطلاب في المدارس. وفي وقت لاحق، أعلن ديوان التعليم حاجته لموظفين بسبب إعفاء موظفين من مناصبهم وتعيين آخرين بدلاً عنهم من مدرسين يتم إخضاعهم لدورات سريعة قبل بدايتهم العمل في المدارس التي يسيطر عليها التنظيم. ولكن قبل ذلك يجب «استتابة» كل المعلمين على حدّ وصف مسؤول ديوان التعليم في إصدار تم توزيعه على المعلمين تحت اسم «التعليم في ظل الخلافة». وأشار الإصدار إلى أنه يمنع على أي معلم إعطاء دروس خاصة وإلا كانت عقوبته الإعدام، وفي حال اكتشف التنظيم وجود معهد يقوم بإعطاء دورات خاصة للطلاب، فإنه سيتم تغريمه بمبلغ قدره نصف مليون ليرة سورية.
وفي حديث أجرته «الشرق الأوسط» مع معلمين بمدارس «داعش» في مدينة الرقة السورية رفضوا الكشف عن هويتهم حماية لهم، أكدوا أن «تعاليم الشريعة المستوحاة من القرآن والتركيز على أهمية (الجهاد) هما محط تركيز مناهج التنظيم». وقالوا إن المواد التي يتم التركيز عليها في المدارس هي «اللغة العربية والفقه والتربية الإسلامية واللياقة البدنية»، مشيرين إلى أن «مادة الرياضيات باتت أقل أهمية مقارنة بالمواد المذكورة». وحول أهمية مادة اللياقة البدنية للتنظيم، يقول مقرش إنها «تعلم الأطفال فنون القتال واستعمال السلاح وتحاول إيجاد حالة ربط ما بين الطفل والسلاح والقتل».
وحول دقة وصحة معلومات المناهج، يقول المعلمون إن «الفقه والتربية الإسلامية منتقاة بعناية شديدة، حيث اختار التنظيم المواضيع التي تتناسب مع أفكار مؤسسيه ونبذ كثير من المواضيع التي تدين أعماله». كما كشفوا أنه يتم فصل الطلاب والطالبات لكل الفئات العمرية، وكذلك المعلمات على الإناث والمعلمين على الذكور ويمنع الاختلاط منعا باتا. وفي مدارس البنات التي لا يوجد فيها كادر من المعلمات كاف يكون هنالك حاجز وستار فاصل بين المعلم والطالبات.
وعند التحدث مع أهالي الطلبة بمدارس «داعش» في الرقة حول شعورهم إزاء المناهج الجديدة، قالوا لـ«الشرق الأوسط»، طالبين عدم الكشف عن هويتهم، إن «الغريق يتعلق بقشة، وإن يتعلم أبناؤنا شيئا قليلا خير من بقائهم يتخبطون بجهلهم، ولكن رغم ذلك فنحن نحاول نزع كثير من الأفكار من عقول أبنائنا». أما البعض الآخر فقال إن، «المناهج هي أبعد ما يكون عن التعليم، حتى مادة الرياضيات يتم تعليم الطفل الجمع خلالها عن طريق البنادق». واستطردوا موضحين أن، «العملية التعليمية للفتيات تكون من أجل تربية زوجات لمقاتلي التنظيم، حيث تعمل المعلمات على محاولة إقناع تلك الفتيات بالزواج من المقاتلين». وتتضمن الواجبات البيتية، بحسب أولياء الأمور، حفظ آيات من القرآن والأحاديث النبوية إلى جانب الكتيبات توزع أمام الجوامع، بالإضافة إلى خلق خاصية المجادلة لدى هؤلاء الأطفال حول مواضيع دينية معينة.
15 سنة كفيلة بأن يلتحق الطلاب بجامعات التنظيم، حيث أصدر تعليماته بتقليص سنوات الدراسة لتكون 9 سنوات بدل 12 سنة. وبحسب مراقبين، افتتح «داعش» كلية طب في مقر «نقابة المهندسين» بالرّقة، وتمكن من استقطاب عدد كبير من الشبان الذين تقدموا إلى امتحان القبول في كليتي الطب وفشلوا في تجاوزه، وأغلبهم ممن عملوا في المشافي الميدانية واكتسبوا خبرات في مجال الإسعافات الأولية ونقل الجرحى.
أكدت إحصائيات استخلصها موقع «الهافنغتون بوست» الأسبوع الماضي في مدينة الموصل والرقة أن مدرسة واحدة من بين 3 مدارس لا تزال تعمل. كما كشفت الإحصائيات أن نسبة المدارس التي يديرها التنظيم ولا تزال تعمل تصل إلى نحو 35 في المائة، وهذا يعكس حجم الإقبال الضعيف من الطلاب وعدم وجود كوادر تعليمية أيضًا، إضافة لعدم اعتراف العالم بشهادات تلك المدارس وضعف المادة العلمية، كما أن خوف الأهالي من تجنيد الأبناء دفعهم لمنعهم من الذهاب للمدارس.
ابتعد المعلمون بشكل عام عن التنظيم ومدارسه، لأن من يرغب بالتدريس أجرى له «داعش» دورة شرعية مطولة تم خلالها إفهام المعلمين فكره ونهجه. والذين ارتضوا التعليم بمدارسه أغلبهم بات متفقا مع تلك المناهج. وحول ذلك، يقول المدرسون الذين أجبروا على الالتحاق بمدارس التنظيم إنه لولا حاجتهم للراتب الذي يتقاضونه لإطعام أولادهم، لما اضطروا لتدريس مناهج «داعش» التي لا تتناسب مع قيمهم. وقال المدرسون إن الرقابة شديدة جدا على المدارس وداخل الصفوف؛ لأنها تدار من قبل مديرية التعليم التابعة بصورة مباشرة للتنظيم. والكادر الإداري من موجهين وجهاز إداري هم عناصر من التنظيم.
وبين المعلمين والأهالي، ليس هنالك حيز للمقاومة أو التمرد لأن «داعش» زرع الرعب في قلوب الجميع، والذبح عقوبة من يقف في وجهه. ويلحق عناصر التنظيم ومبايعوه أبناءهم بتلك المدارس. وتقتصر مشاهد التمرد في الرقة والموصل بين مناهضي «داعش» على إرسال الطلاب لمدارس بديلة في تركيا أو إلى تدريس الأطفال في المنزل سريا. ويوضح الصحافي والمخرج السوري طاهر مقرش بقوله: «في الوقت الراهن، حالة التمرد الوحيدة هي عدم إرسال الأطفال لمدارس التنظيم». ويضيف، «لكن التنظيم يمارس ضغوطا على العوائل التي تتلقى مساعدات منه ومن مقاتليه، وعلى الفقراء المسجلين بديوان الزكاة من أجل إرسال أولادهم للمدارس، مقابل ذلك».
يرى ناشطون في مجال التعليم وحقوق الطفل أن هناك بوادر كارثية مستقبلاً في التعليم في المدن التي تقبع تحت تنظيم داعش، وذلك لحجم التسرب من المدارس والضعف في المواد وعدم وجود محفزات لدفع الأهالي لإرسال أولادهم للمدارس خوفًا من التجنيد، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر حول حجم الأمية التي ستكون في بلدين بحجم العراق وسوريا. وحول تأثير التغيير في المناهج على الطلاب ونفسياتهم جراء التحاقهم بمدارس التنظيم، قال المعلمون إن «(داعش) يحاول إعداد ما يسميه بـ(أشبال الخلافة) ويبني جيلا متطرفا وفق معتقداته». فالطلاب الذين يدرسون بهذه المدارس يتأثرون كثيرًا بأسلوب التعليم الذي يجعل الطفل أحد عناصر التنظيم. فالمدارس هي مراكز دعوية ومراكز تجنيد لهؤلاء الطلاب بصورة مباشرة. والمنخرطون بها هم من الأهالي القريبين من التنظيم والمناصرين له. ويؤكد على ذلك أولياء أمور الطلبة؛ إذ ينوهون بتغيير في تفكير وسلوك أبنائهم وأنهم «أصبحوا يتمتعون بالعنف وأفكارهم بدأت تتلون بالسواد». كما يقول أحد الأهالي، «بت أخشى من ولدي بسبب موضوع عدم ذهابي إلى الصلاة في المسجد، ولم أعد أستطيع الضغط عليه أو التكلم أمامه عن التنظيم وفكره المنحرف، بل لم أعد قادرًا على منعه من الذهاب».
إلى ذلك، يشرح أبو محمد، أحد مؤسسي حملة «الرقة تُذبح بصمت» الخطوات التي اتخذتها الحملة لمقاومة مناهج «داعش» منذ بدء العام الدراسي بقوله: «حاولنا بشتى الطرق توعية الأهالي بخطورة هذه الخطوة، خصوصا أن الأطفال يتعلمون فقط منهج التكفير وقتل الشخص الآخر». ويستطرد بقوله: «قمنا بنشر منشورات توعوية وبعض الأعمال المدنية كالكتابة على الجدران لمحاولة إيصال الصورة الحقيقية لمناهج التنظيم، ونشرنا مجلة موجهة للأطفال تحتوي على رسوم كاريكاتورية للمحاولة لإيصال الفكرة للأطفال بطريقة تناسبهم». ويكشف أن الحملة قامت بدورها أيضا، «بشرح بعض المواد ومدى خطورتها، وطرحنا أمثلة كثيرة كان آخرها الأطفال السوريين الذين يفجرون أنفسهم في العراق، ومقتل عدد من الأطفال في أحد المعسكرات بعد قصف الطيران الحربي».
ويشدد أبو محمد أخيرا على أن تدريس هذه المواد سيكون له أثر خطير جدا على الطلبة لأن التنظيم يعمل بشكل جدي على تحويل جيل كامل إلى جيل إرهابي، ليكون مكملا لطريق التطرف في حال انتهى التنظيم. فالقضية بالأساس أن «داعش» والمجموعات المتطرفة الأخرى ليست عبارة عن مجموعة فقط، وإنما هي فكرة قد تدرس وتغذى بغسل الأدمغة، فالفكرة لا تموت بالسلاح والطيران فحسب، بل بالتوعية ومحاربة آيديولوجية التطرف.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.