بعد ساعات من إعلانه خطة موسعة من 20 بنداً لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وجَّه الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحذيراً لحركة «حماس» بأن أمامها مهلة من ثلاثة إلى أربعة أيام للموافقة عليها، وأن النهاية ستكون «محزنة للغاية» إن لم توافق.
وأشار ترمب قبل سفره إلى القاعدة العسكرية في ولاية فرجينيا، صباح الثلاثاء، إلى أن الحركة دفعت ثمناً باهظاً للحرب وعليها أن تقبل الخطة التي وافقت عليها الأطراف المختلفة، وأن تبدأ مرحلة جديدة في «غزة جديدة خالية من الإرهاب»، يجري تطويرها «لصالح سكانها».
وأضاف: «لقد دفعوا ثمناً باهظاً بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لقد قُتلت قياداتهم، كان الثمن باهظاً. ونأمل أن يحظوا بحياة بها وظائف طيبة، وإذا حدث ذلك فسوف يكون أحد أعظم الإنجازات التي تحققت على الإطلاق في مجال إحلال السلام الحقيقي في الشرق الأوسط».
وأكد ترمب: «كل الدول العربية وافقت. والدول الإسلامية كلها وافقت، وكذلك إسرائيل. نحن فقط ننتظر (حماس)».
وأضاف: «إما أن توافق (حماس) أو لا. وإذا لم توافق، ستكون نهاية محزنة للغاية».
ويتضمن الاقتراح وقفاً فورياً لإطلاق النار، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المتبقين لدى «حماس» مقابل الإفراج عن محتجزين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والانسحاب التدريجي للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، ونزع سلاح «حماس».
ويدعو الاقتراح أيضاً إلى خضوع قطاع غزة لإدارة انتقالية تضم مجموعة من التكنوقراط الفلسطينيين تحت إشراف هيئة دولية.
تعديلات على الخطة الأصلية
وفقاً لمصادر بالبيت الأبيض تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، أُدخلت تعديلات على الخطة الأصلية التي اقترحها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وكانت تطالب بانسحاب إسرائيلي كامل وفوري، ودور أكبر للسلطة الفلسطينية، ووجود مسؤولين من التكنوقراط تحت رئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في فترة الحكم الانتقالي المؤقت، مع ضمانات لدولة فلسطينية مستقبلية.
وصرحت المصادر بأن نتنياهو، الذي يواجه ضغوطاً داخلية من ائتلافه اليميني المتطرف، رفض هذه النقاط، معتبراً إياها «انتحاراً سياسياً» سيؤدي إلى انهيار حكومته.

وقالت المصادر، التي طلبت عدم نشر أسمائها، إن التعديلات الرئيسية شملت «انسحاباً مشروطاً» بدلاً من الانسحاب الكامل، بما يجعل انسحاب القوات الإسرائيلية مرتبطاً بـ«معايير ومعالم أمنية وإطارات زمنية» متفق عليها، مما يسمح ببقاء القوات في مناطق استراتيجية مثل ممر فيلادلفيا على الحدود مع مصر لشهور أو ربما لسنوات.
وأضافت أن نتنياهو أصر أيضاً على الحفاظ على «سلطة الجيش الإسرائيلي» في المناطق الحساسة داخل قطاع غزة، مع السماح لمقاولين أميركيين ودول حليفة بالإشراف، بدلاً من قوات عربية مستقلة.
ووفقاً للمصادر، أُضيف بند يمنح إسرائيل «حرية عمل عسكرية» إذا رفضت «حماس» الخطة؛ وهو ما يُعتبر «إشارة خضراء» لعمليات عسكرية مفتوحة.
تفاؤل حذر
وسادت أجواء من التفاؤل الحذر بعد إعلان البيت الأبيض نص الخطة الأميركية لإنهاء الحرب في غزة والمؤتمر الصحافي الخالي من أسئلة الصحافيين الذي أعلن فيه ترمب تجاوب رئيس الوزراء الإسرائيلي وموافقته على الخطة.
ولقي الإعلان تأييداً وتفاؤلاً من قبل الدول العربية والقوى الإقليمية والدولية، وأكد ترمب أن الخطة لن تسفر فقط عن السلام في غزة بل ستؤدي إلى إعادة هيكلة شاملة للعلاقات في منطقة الشرق الأوسط، مبشراً بسلام «أبدي».
وطرح الكثير من الخبراء تساؤلات حول موقف «حماس»، وما إذا كانت ستوافق على الخطة، والعقبات التي يمكن أن تعرقل التوصل للسلام.
ويتركز ذلك الحذر على إمكانية تدمير جميع أسلحة «حماس» وقبولها الصفقة، وهو ما يعني استسلامها، في حين أنه ليست أمامها خيارات كثيرة.
ويشير المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، في حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن خطة ترمب تقوم على استبعاد «حماس» وتنازلها عن السلاح، مما سيجعل قبول الخطة المطروحة صعباً عليها، خاصة أن عناصر بالحركة سبق وأن قالت مراراً إن تسليم السلاح «خط أحمر».
ويرى المدهون أنه يمكن لـ«حماس» قبول المقترح بصفته أساساً لمفاوضات إنهاء الحرب، والمطالبة بتفسيرات لبعض النقاط في الخطة التي تعتبرها «غامضة»، مما يعني أن الأمر سيتطلب الكثير من المحادثات المطولة.
ويشير خبراء إلى «غموض» التفاصيل المتعلقة بإنشاء لجنة فلسطينية انتقالية تتشكل من مسؤولين تكنوقراط يعملون على إدارة حياة السكان اليومية، وتشرف عليها لجنة سلام يديرها ترمب، وتضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وآخرين، ورؤساء دول، وهو ما سيكشف عنه النقاب قريباً، وفقاً للمسؤولين الأميركيين.
ويقول آرون ديفيد ميلر، الباحث المخضرم بمعهد كارنيغي، إنه لأمر مدهش أن يعتمد مقترح للسلام في الأساس على لجنة سلام يلعب ترمب بنفسه دوراً بارزاً فيها. وأضاف: «لقد وافق ترمب على أمر أعتقد أنه سيتطلب قدراً هائلاً من التدخل والمراقبة الأميركية، وقد جعل نفسه المراقب الرئيسي لتنفيذ الخطة».
وأشار المقال الافتتاحي لصحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن الخطة تمنح نتنياهو «قبلة حياة سياسية»، حيث تربط الانسحاب الإسرائيلي بمعايير أمنية «غامضة»، مما يسمح ببقاء القوات الإسرائيلية في مناطق استراتيجية في غزة.
«المهمة الجبارة»
ووصف الكاتب الصحافي توماس فريدمان خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة بـ«الخطة الذكية لتحويل قنبلة إلى منصة انطلاق للسلام». وقال في مقاله بصحيفة «نيويورك تايمز» إنها تضع أسساً جديدة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتوسيع خطط التطبيع بين إسرائيل ودول أخرى في المنطقة، متوقعاً أن تُحدث أيضاً تحولاً في إيران.
وبينما وجَّه الشكر لمهندسي الخطة الرئيسيين: غاريد كوشنر، وستيف ويتكوف، وتوني بلير، أشار إلى أنها «تأتي بعد عامين من القتال الأكثر ضراوة ودموية بما جعل تحقيق السلام أمراً مستحيلاً».
ويقول فريدمان إن عدد القتلى والجرحى الضخم بين صفوف الفلسطينيين أدى إلى انعدام الثقة وتجذر الكراهية، بما يجعل تنفيذ هذه الخطة المعقدة لوقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي التدريجي من غزة وإطلاق سراح الرهائن ثم إعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولة «مهمة جبارة، وسط مخاطر محاولات جميع أعداء الخطة عرقلتها يومياً»، مشيراً إلى أن هناك طرقاً عديدة يمكن لنتنياهو و«حماس» تخريبها بها.


