أعاد توجيه رئاسي صومالي بإنجاز مشروع الدستور، تساؤلات بشأن تأثيره على المشهد السياسي الذي تصاعدت فيه الخلافات، الآونة الأخيرة، بين الحكومة الفيدرالية ومنتدى الإنقاذ المعارض، الذي رفض تعديلات عليه قبل عام قادت لإجراء انتخابات مباشرة ستكون الأولى من 57 عاماً بالبلاد.
مشروع الدستور سيقر في نهاية الدورة البرلمانية التي انطلقت حالياً، وفق تأكيدات نيابية رسمية، غير أنه يثير قلقاً وتبايناً بشأن تأثيراته في ظل الأزمة السياسية بالبلاد، حسب خبير في الشؤون الأفريقية تحدث لـ«الشرق الأوسط».
ومر الصومال الذي شهد حروباً أهلية عديدة، بعدة دساتير أولها في 1960 وأقر شعبياً في 1961، بجانب وثيقة دستورية في 1979، قبل أن تنهار الدولة في سنة 1991، وتدخل الدولة في صراعات أهلية، أدت لظهور الميثاق الانتقالي عام 2000 والذي كان بمثابة لبنة لجمهورية ثالثة تلت الحكومات المدنية (بين 1960 و1969)، والعسكرية (بين 1969 و1991).
قبل أن يشهد الصومال ميثاقاً انتقالياً ثانياً في 2004 عقب مؤتمر مصالحة في كينيا، وتتجه البلاد إلى أول دستور فيدرالي عام 2012، والذي يعد أوسع الوثائق الصومالية، غير أنه لم تستكمل بنوده بعد، وسط أزمات سياسية وأمنية تشهدها البلاد في ظل تمدد وانحسار حركة الشباب الإرهابية المتواجدة في البلاد منذ نحو 15 عاماً.
وكان ذلك الدستور أحد أبرز خلافات متصاعدة بين الحكومة ومنتدى الإنقاذ المعارض، لا سيما العام الماضي، ورغم استمرار التوتر بينهما، دعا الرئيس شيخ محمود، الاثنين، خلال افتتاح الدورة السابعة لمجلسي الشعب والشيوخ (غرفتي البرلمان)، إلى استكمال مسودة الدستور «الذي تأخرت صياغته»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.
وشدد شيخ محمود على «التزامه بالحوار مع المسؤولين والمواطنين ذوي الآراء المختلفة لتحقيق الوحدة والتضامن الوطني».

وجاءت مطالبة شيخ محمود غداة عقد رئيس مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي، الشيخ آدم محمد نور مدوبي، لقاء مع تشارلز كينغ، سفير المملكة المتحدة لدى الصومال، مشيراً إلى أن «البرلمان الصومالي سيخصص دورته الحالية لمراجعة الدستور الوطني وإقراره نهائياً».
وأعرب السفير البريطاني خلال اللقاء عن «تقديره للتقدم المحرز في مراجعة الدستور وإصدار القوانين الأساسية»، وفق إعلام صومالي.
ويأتي هذا التوجيه الرئاسي والتأكيد النيابي بعد أيام من اشتباكات بين الشرطة والمعارضة أمام مركز شرطة منطقة «وارتا نبدا» نهاية الأسبوع، على خلفية إصلاحات عمرانية، وتأجيل مظاهرات دعا لها منتدى الإنقاذ بالعاصمة مقديشو لنحو 9 أيام، وفق ما نقله إعلام صومالي.
وحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، «يُعدّ ملف استكمال دستور الصومال إحدى أعقد القضايا السياسية التي تواجه البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن. فرغم إقراره بصيغته المؤقتة، ظلّ الدستور غير مكتمل، ما أبقى النظام السياسي الصومالي في حالة هشاشة قانونية ومؤسساتية»، لافتاً إلى أنه «مع اقتراب موعد الانتخابات المقرّرة عام 2026، يعود هذا الملف إلى واجهة المشهد السياسي بوصفه امتحاناً حاسماً لقدرة الحكومة الصومالية على تحقيق التوافق الوطني».
ومنذ وصول شيخ محمود إلى سدة الحكم في ولايته الثانية عام 2022، «جعل استكمال الدستور بنداً محورياً في برنامجه السياسي، وفور تسلّمه السلطة، بادر إلى تحريك الجمود الذي لازم هذا الملف سنوات طويلة، وطرح تعديلات على عدد من المواد الخلافية، وقد أقرّ البرلمان الصومالي هذه التعديلات بأغلبية واضحة في 2024 رغم ما شهدته جلساته من توترات وصخب، خاصة عند مناقشة البنود الأكثر حساسية»، وفق «كلني».
ويتطرق «كلني» لوجهتي النظر الحالية والتباينات التي تثيرها تلك الخطوة، قائلاً: «اعتبرت قوى المعارضة وبعض قادة الولايات أنّ المضي في تعديل الدستور دون توافق وطني يُعدّ تجاوزاً لصلاحيات الحكومة المركزية، ويقوّض مبدأ الفيدرالية، أما الرئيس حسن شيخ محمود وفريقه فيؤكدون أنّ استمرار الدستور في حالة مسودة يقوّض شرعية المؤسسات الدستورية، ويؤخر عملية بناء الدولة».
وبالفعل كانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012، الشرارة الأبرز لزيادة الخلافات بين الحكومة الفيدرالية مع ولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب ومنتدى المعارضة الذي يترأسه الرئيس الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد من جانب آخر؛ إذ رفض الجانبان تعديلات أجريت في مارس (آذار) 2024، مهدت لتغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي وإقرار الذهاب لإجراء الانتخابات المباشرة لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن بالبلاد وذلك في عام 2026، وشددا في بيانات وتصريحات آنذاك على أهمية استكمال الدستور وليس تعديله والعودة عن ذلك المسار.
ولم تشارك الولايتان في اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني قبل أشهر، وغاب عن اجتماع تأسيس حسن شيخ محمود في 13 مايو (أيار) الماضي حزب «العدالة والتضامن»، وتسميته مرشحاً له في الانتخابات المباشرة المقبلة، وكذلك لم يتواجد في حوارات كانت في شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) والتي شاركها في منتدى الإنقاذ دون الوصول لنتائج بشأن الخلافات، قبل أن يحدث انشقاق بالمنتدى أواخر أغسطس (آب) الماضي ويختار مسؤولون بارزون فيه تأسيس حزب جديد لخوض الانتخابات.
وفي ظل عودة ذلك الملف للعلن وسط الأزمات السياسية، يرى الدكتور علي محمود كلني أنه «تلوح في الأفق مخاطر حقيقية من أن تتحوّل الخلافات الدستورية إلى عقبة أمام الاستقرار السياسي المطلوب خلال المرحلة الانتقالية»، مؤكداً أن «غياب حوار شامل بين المركز والولايات يفاقم من حدة الانقسامات، ويهدد بعرقلة العملية الانتخابية المرتقبة مطلع 2026».
ويرجح أن «الرئيس شيخ محمود سيجد نفسه مضطراً في نهاية المطاف إلى فتح قنوات تفاوض أوسع مع القوى السياسية والولايات الفيدرالية لاحتواء التوترات وتفادي أزمة سياسية قد تعرقل مسار الانتخابات».
ويخلص إلى أن «نجاح الحكومة في إغلاق هذا الملف قبل الانتخابات سيعزز من شرعيتها، فيما قد يشكل أي فشل في تحقيق توافق وطني حوله تهديداً حقيقياً لمسار الانتقال السياسي في البلاد».







