مشروع الدستور الصومالي يثير تبايناً بشأن تأثيره على المشهد السياسي

شيخ محمود يستعجل صياغته

الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مشروع الدستور الصومالي يثير تبايناً بشأن تأثيره على المشهد السياسي

الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)

أعاد توجيه رئاسي صومالي بإنجاز مشروع الدستور، تساؤلات بشأن تأثيره على المشهد السياسي الذي تصاعدت فيه الخلافات، الآونة الأخيرة، بين الحكومة الفيدرالية ومنتدى الإنقاذ المعارض، الذي رفض تعديلات عليه قبل عام قادت لإجراء انتخابات مباشرة ستكون الأولى من 57 عاماً بالبلاد.

مشروع الدستور سيقر في نهاية الدورة البرلمانية التي انطلقت حالياً، وفق تأكيدات نيابية رسمية، غير أنه يثير قلقاً وتبايناً بشأن تأثيراته في ظل الأزمة السياسية بالبلاد، حسب خبير في الشؤون الأفريقية تحدث لـ«الشرق الأوسط».

ومر الصومال الذي شهد حروباً أهلية عديدة، بعدة دساتير أولها في 1960 وأقر شعبياً في 1961، بجانب وثيقة دستورية في 1979، قبل أن تنهار الدولة في سنة 1991، وتدخل الدولة في صراعات أهلية، أدت لظهور الميثاق الانتقالي عام 2000 والذي كان بمثابة لبنة لجمهورية ثالثة تلت الحكومات المدنية (بين 1960 و1969)، والعسكرية (بين 1969 و1991).

قبل أن يشهد الصومال ميثاقاً انتقالياً ثانياً في 2004 عقب مؤتمر مصالحة في كينيا، وتتجه البلاد إلى أول دستور فيدرالي عام 2012، والذي يعد أوسع الوثائق الصومالية، غير أنه لم تستكمل بنوده بعد، وسط أزمات سياسية وأمنية تشهدها البلاد في ظل تمدد وانحسار حركة الشباب الإرهابية المتواجدة في البلاد منذ نحو 15 عاماً.

وكان ذلك الدستور أحد أبرز خلافات متصاعدة بين الحكومة ومنتدى الإنقاذ المعارض، لا سيما العام الماضي، ورغم استمرار التوتر بينهما، دعا الرئيس شيخ محمود، الاثنين، خلال افتتاح الدورة السابعة لمجلسي الشعب والشيوخ (غرفتي البرلمان)، إلى استكمال مسودة الدستور «الذي تأخرت صياغته»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وشدد شيخ محمود على «التزامه بالحوار مع المسؤولين والمواطنين ذوي الآراء المختلفة لتحقيق الوحدة والتضامن الوطني».

جانب من نواب البرلمان الصومالي (وكالة الأنباء الصومالية)

وجاءت مطالبة شيخ محمود غداة عقد رئيس مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي، الشيخ آدم محمد نور مدوبي، لقاء مع تشارلز كينغ، سفير المملكة المتحدة لدى الصومال، مشيراً إلى أن «البرلمان الصومالي سيخصص دورته الحالية لمراجعة الدستور الوطني وإقراره نهائياً».

وأعرب السفير البريطاني خلال اللقاء عن «تقديره للتقدم المحرز في مراجعة الدستور وإصدار القوانين الأساسية»، وفق إعلام صومالي.

ويأتي هذا التوجيه الرئاسي والتأكيد النيابي بعد أيام من اشتباكات بين الشرطة والمعارضة أمام مركز شرطة منطقة «وارتا نبدا» نهاية الأسبوع، على خلفية إصلاحات عمرانية، وتأجيل مظاهرات دعا لها منتدى الإنقاذ بالعاصمة مقديشو لنحو 9 أيام، وفق ما نقله إعلام صومالي.

وحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، «يُعدّ ملف استكمال دستور الصومال إحدى أعقد القضايا السياسية التي تواجه البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن. فرغم إقراره بصيغته المؤقتة، ظلّ الدستور غير مكتمل، ما أبقى النظام السياسي الصومالي في حالة هشاشة قانونية ومؤسساتية»، لافتاً إلى أنه «مع اقتراب موعد الانتخابات المقرّرة عام 2026، يعود هذا الملف إلى واجهة المشهد السياسي بوصفه امتحاناً حاسماً لقدرة الحكومة الصومالية على تحقيق التوافق الوطني».

ومنذ وصول شيخ محمود إلى سدة الحكم في ولايته الثانية عام 2022، «جعل استكمال الدستور بنداً محورياً في برنامجه السياسي، وفور تسلّمه السلطة، بادر إلى تحريك الجمود الذي لازم هذا الملف سنوات طويلة، وطرح تعديلات على عدد من المواد الخلافية، وقد أقرّ البرلمان الصومالي هذه التعديلات بأغلبية واضحة في 2024 رغم ما شهدته جلساته من توترات وصخب، خاصة عند مناقشة البنود الأكثر حساسية»، وفق «كلني».

ويتطرق «كلني» لوجهتي النظر الحالية والتباينات التي تثيرها تلك الخطوة، قائلاً: «اعتبرت قوى المعارضة وبعض قادة الولايات أنّ المضي في تعديل الدستور دون توافق وطني يُعدّ تجاوزاً لصلاحيات الحكومة المركزية، ويقوّض مبدأ الفيدرالية، أما الرئيس حسن شيخ محمود وفريقه فيؤكدون أنّ استمرار الدستور في حالة مسودة يقوّض شرعية المؤسسات الدستورية، ويؤخر عملية بناء الدولة».

وبالفعل كانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012، الشرارة الأبرز لزيادة الخلافات بين الحكومة الفيدرالية مع ولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب ومنتدى المعارضة الذي يترأسه الرئيس الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد من جانب آخر؛ إذ رفض الجانبان تعديلات أجريت في مارس (آذار) 2024، مهدت لتغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي وإقرار الذهاب لإجراء الانتخابات المباشرة لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن بالبلاد وذلك في عام 2026، وشددا في بيانات وتصريحات آنذاك على أهمية استكمال الدستور وليس تعديله والعودة عن ذلك المسار.

ولم تشارك الولايتان في اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني قبل أشهر، وغاب عن اجتماع تأسيس حسن شيخ محمود في 13 مايو (أيار) الماضي حزب «العدالة والتضامن»، وتسميته مرشحاً له في الانتخابات المباشرة المقبلة، وكذلك لم يتواجد في حوارات كانت في شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) والتي شاركها في منتدى الإنقاذ دون الوصول لنتائج بشأن الخلافات، قبل أن يحدث انشقاق بالمنتدى أواخر أغسطس (آب) الماضي ويختار مسؤولون بارزون فيه تأسيس حزب جديد لخوض الانتخابات.

وفي ظل عودة ذلك الملف للعلن وسط الأزمات السياسية، يرى الدكتور علي محمود كلني أنه «تلوح في الأفق مخاطر حقيقية من أن تتحوّل الخلافات الدستورية إلى عقبة أمام الاستقرار السياسي المطلوب خلال المرحلة الانتقالية»، مؤكداً أن «غياب حوار شامل بين المركز والولايات يفاقم من حدة الانقسامات، ويهدد بعرقلة العملية الانتخابية المرتقبة مطلع 2026».

ويرجح أن «الرئيس شيخ محمود سيجد نفسه مضطراً في نهاية المطاف إلى فتح قنوات تفاوض أوسع مع القوى السياسية والولايات الفيدرالية لاحتواء التوترات وتفادي أزمة سياسية قد تعرقل مسار الانتخابات».

ويخلص إلى أن «نجاح الحكومة في إغلاق هذا الملف قبل الانتخابات سيعزز من شرعيتها، فيما قد يشكل أي فشل في تحقيق توافق وطني حوله تهديداً حقيقياً لمسار الانتقال السياسي في البلاد».


مقالات ذات صلة

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

شمال افريقيا مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

زخم وترتيبات كبيرة تشهدها أول انتخابات مباشرة في الصومال منذ نحو 6 عقود، وذلك بعقد اقتراع المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

محمد محمود (القاهرة )
العالم العربي قائد قوات الشرطة الوطنية بالصومال العميد أسد عثمان عبد الله (وكالة الأنباء الصومالية)

الصومال يتأهب أمنياً لأول انتخابات مباشرة منذ 6 عقود

وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة تقترب أول انتخابات مباشرة في الصومال منذ عقود، من خطوة التصويت الشعبي، الخميس المقبل، وسط خلافات بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة.

محمد محمود (القاهرة)
أفريقيا صورة أطفال نشرها المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية صنداي داري (إكس)

نيجيريا: الجيش يعلن القضاء على 21 «داعشياً»

أعلن الجيش النيجيري القضاء على 21 من عناصر تنظيم «داعش في غرب أفريقيا»، خلال عملية عسكرية لمحاربة الإرهاب بولاية بورنو، أقصى شمال شرقي البلاد.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جدد مجلس الأمن الدولي ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026.

محمد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا آبي أحمد خلال استقبال الرئيس الصومالي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

محادثات «شيخ محمود - آبي أحمد»... هل تلقي بـ«ظلال إيجابية» على الصومال؟

تأتي محادثات بين رئيس الصومال حسن شيخ محمود، ورئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في توقيت مهم لمقديشو، إذ تتواصل لقاءات للمعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند

محمد محمود (القاهرة )

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».


وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».