مشروع الدستور الصومالي يثير تبايناً بشأن تأثيره على المشهد السياسي

شيخ محمود يستعجل صياغته

الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مشروع الدستور الصومالي يثير تبايناً بشأن تأثيره على المشهد السياسي

الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال افتتاح الدورة السابعة للبرلمان الأسبوع الجاري (وكالة الأنباء الصومالية)

أعاد توجيه رئاسي صومالي بإنجاز مشروع الدستور، تساؤلات بشأن تأثيره على المشهد السياسي الذي تصاعدت فيه الخلافات، الآونة الأخيرة، بين الحكومة الفيدرالية ومنتدى الإنقاذ المعارض، الذي رفض تعديلات عليه قبل عام قادت لإجراء انتخابات مباشرة ستكون الأولى من 57 عاماً بالبلاد.

مشروع الدستور سيقر في نهاية الدورة البرلمانية التي انطلقت حالياً، وفق تأكيدات نيابية رسمية، غير أنه يثير قلقاً وتبايناً بشأن تأثيراته في ظل الأزمة السياسية بالبلاد، حسب خبير في الشؤون الأفريقية تحدث لـ«الشرق الأوسط».

ومر الصومال الذي شهد حروباً أهلية عديدة، بعدة دساتير أولها في 1960 وأقر شعبياً في 1961، بجانب وثيقة دستورية في 1979، قبل أن تنهار الدولة في سنة 1991، وتدخل الدولة في صراعات أهلية، أدت لظهور الميثاق الانتقالي عام 2000 والذي كان بمثابة لبنة لجمهورية ثالثة تلت الحكومات المدنية (بين 1960 و1969)، والعسكرية (بين 1969 و1991).

قبل أن يشهد الصومال ميثاقاً انتقالياً ثانياً في 2004 عقب مؤتمر مصالحة في كينيا، وتتجه البلاد إلى أول دستور فيدرالي عام 2012، والذي يعد أوسع الوثائق الصومالية، غير أنه لم تستكمل بنوده بعد، وسط أزمات سياسية وأمنية تشهدها البلاد في ظل تمدد وانحسار حركة الشباب الإرهابية المتواجدة في البلاد منذ نحو 15 عاماً.

وكان ذلك الدستور أحد أبرز خلافات متصاعدة بين الحكومة ومنتدى الإنقاذ المعارض، لا سيما العام الماضي، ورغم استمرار التوتر بينهما، دعا الرئيس شيخ محمود، الاثنين، خلال افتتاح الدورة السابعة لمجلسي الشعب والشيوخ (غرفتي البرلمان)، إلى استكمال مسودة الدستور «الذي تأخرت صياغته»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وشدد شيخ محمود على «التزامه بالحوار مع المسؤولين والمواطنين ذوي الآراء المختلفة لتحقيق الوحدة والتضامن الوطني».

جانب من نواب البرلمان الصومالي (وكالة الأنباء الصومالية)

وجاءت مطالبة شيخ محمود غداة عقد رئيس مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي، الشيخ آدم محمد نور مدوبي، لقاء مع تشارلز كينغ، سفير المملكة المتحدة لدى الصومال، مشيراً إلى أن «البرلمان الصومالي سيخصص دورته الحالية لمراجعة الدستور الوطني وإقراره نهائياً».

وأعرب السفير البريطاني خلال اللقاء عن «تقديره للتقدم المحرز في مراجعة الدستور وإصدار القوانين الأساسية»، وفق إعلام صومالي.

ويأتي هذا التوجيه الرئاسي والتأكيد النيابي بعد أيام من اشتباكات بين الشرطة والمعارضة أمام مركز شرطة منطقة «وارتا نبدا» نهاية الأسبوع، على خلفية إصلاحات عمرانية، وتأجيل مظاهرات دعا لها منتدى الإنقاذ بالعاصمة مقديشو لنحو 9 أيام، وفق ما نقله إعلام صومالي.

وحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، «يُعدّ ملف استكمال دستور الصومال إحدى أعقد القضايا السياسية التي تواجه البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن. فرغم إقراره بصيغته المؤقتة، ظلّ الدستور غير مكتمل، ما أبقى النظام السياسي الصومالي في حالة هشاشة قانونية ومؤسساتية»، لافتاً إلى أنه «مع اقتراب موعد الانتخابات المقرّرة عام 2026، يعود هذا الملف إلى واجهة المشهد السياسي بوصفه امتحاناً حاسماً لقدرة الحكومة الصومالية على تحقيق التوافق الوطني».

ومنذ وصول شيخ محمود إلى سدة الحكم في ولايته الثانية عام 2022، «جعل استكمال الدستور بنداً محورياً في برنامجه السياسي، وفور تسلّمه السلطة، بادر إلى تحريك الجمود الذي لازم هذا الملف سنوات طويلة، وطرح تعديلات على عدد من المواد الخلافية، وقد أقرّ البرلمان الصومالي هذه التعديلات بأغلبية واضحة في 2024 رغم ما شهدته جلساته من توترات وصخب، خاصة عند مناقشة البنود الأكثر حساسية»، وفق «كلني».

ويتطرق «كلني» لوجهتي النظر الحالية والتباينات التي تثيرها تلك الخطوة، قائلاً: «اعتبرت قوى المعارضة وبعض قادة الولايات أنّ المضي في تعديل الدستور دون توافق وطني يُعدّ تجاوزاً لصلاحيات الحكومة المركزية، ويقوّض مبدأ الفيدرالية، أما الرئيس حسن شيخ محمود وفريقه فيؤكدون أنّ استمرار الدستور في حالة مسودة يقوّض شرعية المؤسسات الدستورية، ويؤخر عملية بناء الدولة».

وبالفعل كانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012، الشرارة الأبرز لزيادة الخلافات بين الحكومة الفيدرالية مع ولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب ومنتدى المعارضة الذي يترأسه الرئيس الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد من جانب آخر؛ إذ رفض الجانبان تعديلات أجريت في مارس (آذار) 2024، مهدت لتغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي وإقرار الذهاب لإجراء الانتخابات المباشرة لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن بالبلاد وذلك في عام 2026، وشددا في بيانات وتصريحات آنذاك على أهمية استكمال الدستور وليس تعديله والعودة عن ذلك المسار.

ولم تشارك الولايتان في اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني قبل أشهر، وغاب عن اجتماع تأسيس حسن شيخ محمود في 13 مايو (أيار) الماضي حزب «العدالة والتضامن»، وتسميته مرشحاً له في الانتخابات المباشرة المقبلة، وكذلك لم يتواجد في حوارات كانت في شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) والتي شاركها في منتدى الإنقاذ دون الوصول لنتائج بشأن الخلافات، قبل أن يحدث انشقاق بالمنتدى أواخر أغسطس (آب) الماضي ويختار مسؤولون بارزون فيه تأسيس حزب جديد لخوض الانتخابات.

وفي ظل عودة ذلك الملف للعلن وسط الأزمات السياسية، يرى الدكتور علي محمود كلني أنه «تلوح في الأفق مخاطر حقيقية من أن تتحوّل الخلافات الدستورية إلى عقبة أمام الاستقرار السياسي المطلوب خلال المرحلة الانتقالية»، مؤكداً أن «غياب حوار شامل بين المركز والولايات يفاقم من حدة الانقسامات، ويهدد بعرقلة العملية الانتخابية المرتقبة مطلع 2026».

ويرجح أن «الرئيس شيخ محمود سيجد نفسه مضطراً في نهاية المطاف إلى فتح قنوات تفاوض أوسع مع القوى السياسية والولايات الفيدرالية لاحتواء التوترات وتفادي أزمة سياسية قد تعرقل مسار الانتخابات».

ويخلص إلى أن «نجاح الحكومة في إغلاق هذا الملف قبل الانتخابات سيعزز من شرعيتها، فيما قد يشكل أي فشل في تحقيق توافق وطني حوله تهديداً حقيقياً لمسار الانتقال السياسي في البلاد».


مقالات ذات صلة

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

شمال افريقيا جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جدد مجلس الأمن الدولي ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026.

محمد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا آبي أحمد خلال استقبال الرئيس الصومالي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

محادثات «شيخ محمود - آبي أحمد»... هل تلقي بـ«ظلال إيجابية» على الصومال؟

تأتي محادثات بين رئيس الصومال حسن شيخ محمود، ورئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في توقيت مهم لمقديشو، إذ تتواصل لقاءات للمعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند

محمد محمود (القاهرة )
أفريقيا الجيش النيجيري خلال تمشيط منطقة تنشط فيها مجموعات إرهابية (إعلام محلي)

نيجيريا: مقتل قيادي «إرهابي» في عملية للجيش

أعلن الجيش النيجيري مقتل قائد إرهابي ومصوّره وعدد من العناصر الإرهابية الأخرى، ضمن المهام التي تنفذها قوات عملية «هادين كاي» العسكرية، في ولاية بورنو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
العالم العربي الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة بسبب الانتخابات والدستور.

محمد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا خلال انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة بين مصر وأنغولا (الخارجية المصرية)

مصر تؤكد رفض أي «إجراءات أحادية» تُصعّد التوتر في القرن الأفريقي

أكدت مصر رفض «أي تدخلات خارجية في شؤون القارة الأفريقية»، ورفض أي إجراءات أحادية في منطقتَي القرن الأفريقي والبحر الأحمر قد تُسهم في زيادة التوتر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

وأضاف عبد العاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية جنوب السودان مونداي سيمايا كومبا أن مصر ليست لديها أي مشكلات مع دول حوض النيل «باستثناء دولة واحدة في حوض النيل الشرقي»، في إشارة إلى إثيوبيا.

وافتتحت إثيوبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي «سد النهضة» الضخم على نهر النيل الذي بدأت تشييده في 2011، وهو مشروع بلغت تكلفته مليارات الدولارات، وتعدّه مصر تهديداً لحقوقها التاريخية في مياه أطول أنهار أفريقيا.

من جانب آخر، قال وزير الخارجية المصري إنه ناقش مع نظيره في جنوب السودان أهمية الوصول إلى تهدئة في السودان، والتوصل لهدنة إنسانية وإطلاق عملية سياسية شاملة.

ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023 أشعلها صراع على السلطة خلال مرحلة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً)، بنسبة زيادة 42.8 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2024، وبينما تحتفي الحكومة والبنك المركزي، بزيادة التحويلات التي تعدّ أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، يرى خبراء أنها «تظل غير كافية لسد احتياجات الدولة من النقد الأجنبي».

ووجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحكومة والبنك المركزي إلى زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، خلال اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، الأحد.

ووفق عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب محمود الصعيدي، فإن «أي زيادة في تحويلات المصريين بالخارج تعني زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، ما يمكِّنها من زيادة احتياطاتها من النقد الأجنبي، الذي وصل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 50.215 مليار دولار».

وأشار الصعيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر النقد الأجنبي الأخرى وهي السياحة، وقناة السويس، والاستثمار، والتصدير تشهد تحسناً هي الأخرى».

مؤتمر مصري يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج... أغسطس الماضي (وزارة الخارجية المصرية)

ووفق البنك المركزي، حقَّقت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «تدفقات قياسية خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2025، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، لتسجِّل نحو 33.9 مليار دولار، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق».

وأضاف البنك المركزي، في بيان الأحد، «على المستوى الشهري، ارتفعت التحويلات خلال شهر أكتوبر 2025 بمعدل 26.2 في المائة، لتسجل نحو 3.7 مليار دولار، مقابل نحو 2.9 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2024».

وبينما يعدّ النائب البرلماني زيادة تحويلات المغتربين إنجازاً يُحسب للحكومة، التي «استطاعت القضاء على السوق السوداء، وأصبحت تحويلات المصريين بالخارج تتدفق عبر القنوات الرسمية»، يشكك خبيرا الاقتصاد خالد الشافعي ووائل النحاس في «قدرة هذه التحويلات على سد احتياجات الدولة من العملة الصعبة».

واتخذت الحكومة في مارس (آذار) 2024، قراراً بتعويم الجنيه، ارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى 50 جنيهاً بعدما كان يسجل نحو 30 جنيهاً، وانعكس ذلك على تحجيم السوق السوداء للعملة الصعبة.

ويرى الشافعي أن زيادة تحويلات المصريين تظل دون المأمول، وغير قادرة هي أو المصادر الأخرى للدولار على سد احتياجات مصر من العملة الصعبة، «ما دام هناك دين على الدولة، وعجز في الموازنة العامة، فذلك يعني أن الأزمة ما زالت قائمة».

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الرُّبع الثاني من العام، أي يونيو (حزيران) الماضي، وفق بيانات رسمية.

وزير العمل المصري يلتقي الجالية المصرية في إيطاليا خلال زيارته... ديسمبر 2025 (وزارة العمل المصرية)

يتفق معه الخبير الاقتصادي وائل النحاس، قائلاً إن «تحويلات المصريين في الخارج تحقق نوعاً من الوفرة في المعروض النقدي بالسوق المصرية، تكفي لسد فوائد الدين، لكن لا تكفي لسد أصل الدين، أو تقلل حجم الأزمة الاقتصادية، التي تحتاج إلى زيادة موارد الدولة الدولارية التي تقوم بالأساس على نشاط خاص بها مثل عوائد قناة السويس، أو تصدير معادن وغيرها، أو نتاج صناعة وطنية».

وعدّ النحاس أن «البيانات الرسمية مرة تتحدث عن التحويلات بالسنة المالية، وأخرى بالسنة الميلادية، في محاولة للتركيز على هذه الزيادات بوصفها إنجازاً».

ويتساءل النحاس: «بالنظر إلى عدد المصريين العاملين في الخارج لو قدرناه بـ10 ملايين مصري، فيعني أن متوسط التحويل من كل مصري شهرياً نحو 300 دولار، والتي يحولها عادة لأهله في الداخل، فأين ادخارات هؤلاء؟»، مشيراً إلى أن «حجم التحويلات مقارنة بأعداد المصريين يكشف عن أن جزءاً منهم ما زال يفضِّل قنوات أخرى لادخار أمواله».

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء.

أما الشافعي، فيرى أن الحكومة تحتاج إلى العناية بملف المغتربين بصورة أكبر، سواء من خلال طرح أوعية ادخارية واستثمارية لاجتذابهم بعوائد مرتفعة، أو تقديم تسهيلات على الاستثمار وفتح مشروعات متوسطة وصغيرة، بالإضافة إلى العمل على زيادة أعدادهم ومعها زيادة الموارد الدولارية.

وظهرت توجهات حكومية لافتة خلال الشهور الماضية لفتح أسواق عمل للعمالة المصرية، حيث زار وزير العمل المصري محمد جبران قبل يومين إيطاليا «لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التشغيل، والتدريب المهني، ونقل العمالة»، وفق بيان للوزارة. ويرى الشافعي أن هذا التوجه «جاء متأخراً».

وزير الخارجية المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (وزارة الخارجية)

ويقول الشافعي: «غالبية المصريين في الخارج سافروا بجهودهم الشخصية، ولم تعمل الحكومة سابقاً بشكل فعال في هذا الملف»، مطالباً بإنشاء مراكز تأهيل للمصريين الذين يرغبون في العمل بالخارج بداية من العامل، وحتى رئيس مجلس الإدارة، والعلماء، وفتح أسواق لهذه العمالة. وعلق: «وقتها ستقفز التحويلات إلى 100 مليار دولار وأكثر وليس فقط 39».

ويتخوف النحاس من أن «زيادة تحويلات المغتربين وموارد السياحة وكلها موارد رغم أهميتها في تحقيق وفرة دولارية في السوق، لكنها تظل غير متينة، وقابلة لأن تشهد هزات في أي وقت، ومعها عودة أزمة العملة الصعبة».

بالتزامن، وجَّه الرئيس المصري الحكومة، الأحد، إلى «تسريع مسار الاستدامة المالية، وتعزيز الانضباط المالي، وتحسين هيكل المديونية، والتركيز على زيادة مستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي».


«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
TT

«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)

ودّع مجلس النواب المصري مقره التاريخي في قلب القاهرة نهائياً، بعد أن ظل على مدى نحو 160 عاماً شاهداً على تحولات سياسية وتاريخية مفصلية في مصر. وانتقل المجلس بكامل موظفيه إلى مقرّه الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، ليُسجل مرحلة جديدة من عمر الحياة البرلمانية المصرية، بحسب مراقبين.

وبدأت أمانة مجلس النواب وكامل الموظفين مباشرة أعمالهم في مقرهم الجديد، الأحد، بعد أن غادر آخر موظف المبنى القديم يوم الخميس الماضي، في حين أشار المستشار أحمد عزت مناع، الأمين العام لمجلس النواب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تخصيص أصول المبنى القديم لمجلس النواب متروك للدولة المصرية واستراتيجيتها في هذا الشأن، ولم يتم الإعلان عنه بعد».

وكان مجلس النواب عقد أولى جلساته التجريبية بمقره الجديد في أبريل (نيسان) 2024، ألقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة خلال مراسم أداء اليمين الدستورية لرئاسته لفترة جديدة. في حين لا يزال مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) يواصل انعقاده داخل المبنى التاريخي بوسط القاهرة، وفق مناع.

السيسي يلقي كلمة بمقر مجلس النواب الجديد في أبريل 2024 (الرئاسة المصرية)

وتقول الحكومة المصرية إن «هذا الانتقال تتويج لجهود استمرت عقوداً لتحديث البنية البرلمانية في مصر وتوفير بيئة عمل متكاملة تتواكب مع التطور العمراني للعاصمة الجديدة».

ومع ذلك تبقى أنظار مصريين معلقة بالمبنى القديم لمجلس النواب، الذي يصفه الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، بأنه «شاهد عيان وسجل تاريخي حيّ».

ويبرز عفيفي لـ«الشرق الأوسط» ارتباط هذا المبنى بـ«تطور الحياة البرلمانية في مصر منذ عهد الأسرة العلوية، ونشأة مجلس شورى النواب كأول برلمان مصري عام 1866، مروراً بمجلس النواب، ثم مجلس الأمة بعد ثورة يوليو (تموز)، وصولاً إلى مجلس الشعب في عهدَي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، ثم مجلس النواب بصيغته الحالية».

ويضيف: «المبنى لم يكن مجرد مقر إداري، بل عاصر تحولات تاريخية وسياسية وتشريعية كبرى، وشكّل محطة مهمة في رسم ملامح النظام النيابي عبر عقود متتالية».

ويقع المبنى التاريخي في «شارع قصر العيني» بوسط القاهرة، وكان مخصصاً في البداية لنظارة الأشغال العمومية، واستضاف أول اجتماع رسمي لمجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1881.

ويعد مبنى مجلس النواب بالعاصمة الإدارية الجديدة من أكبر مقار البرلمانات في الشرق الأوسط؛ إذ أقيم على مساحة 26 فداناً (109 آلاف م²). وتتسع القاعة الرئيسية لـ1000 عضو، وتعلوه قبة بارتفاع 65 متراً وقطر 55 متراً.

ويتكون المبنى من ثلاثة أجنحة رئيسية، ويضم قاعات استماع، ومركزاً إعلامياً، ومركز معلومات وتدريب، ومباني خدمية تشمل مركزاً طبياً وشرطة ومسجداً وإطفاء.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال جلسة تأدية اليمين الدستورية بمقر مجلس النواب الجديد في أبريل 2024 (الرئاسة المصرية)

ويتزامن الانتقال مع قرب إسدال الستار على أطول وأكثر انتخابات نيابية جدلاً في تاريخ مصر الحديث؛ إذ تستعد الهيئة الوطنية للانتخابات لإجراء إعادة لانتخابات 49 دائرة، سبق أن جرى إلغاء نتائجها بسبب أحكام قضائية أو قرار من الهيئة الوطنية للانتخابات نتيجة «مخالفات وشبهات تزوير»، في حين يُنتظر إعلان النتائج النهائية يوم 10 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وتُجرى جولة الإعادة لـ30 دائرة سبقت إعادة الانتخابات فيها عقب إلغائها في المرحلة الأولى، على أن تُجرى خارج مصر يومَي 31 ديسمبر الحالي و1 يناير المقبل، في حين ستُجرى داخل البلاد يومَي 3 و4 يناير.

أما بالنسبة لـ19 دائرة سبق أن أعيد الاقتراع فيها بعد إلغاء نتائجها، فهي موزعة على 7 محافظات، وتتنافس على 35 مقعداً برلمانياً، وستُجرى انتخاباتها خارج مصر يومَي 24 و25 ديسمبر، وداخل البلاد يومَي 27 و28 ديسمبر.

كما يترقب مرشحون برلمانيون خاسرون وأنصارهم قرار المحكمة الإدارية العليا بجلسة الاثنين، للفصل في 32 طعناً على نتائج 30 دائرة انتخابية أعيد التصويت فيها بعد إلغاء نتائجها ضمن المرحلة الأولى من الانتخابات.