تحبس العاصمة الأميركية واشنطن أنفاسها ترقباً لإغلاق حكومي محتمل منتصف ليل الثلاثاء، وتعيش ساعات حاسمة يتخبط خلالها المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون في دوامة خلافاتهم التي حالت حتى الساعة دون التوصل إلى تسوية تُمهّد لتمويل المرافق الحكومية.
فالاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض مساء الاثنين، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب فشل في تحقيق مساعيه وتقريب وجهات النظر بين الطرفين لإقرار مشروع قانون يمول الحكومة الفيدرالية.
وأتى منشور لترمب بعد الاجتماع يسخر فيه من القيادات الديمقراطية، ليصب النار على زيت الانقسامات، وليضمحل معها أمل الديمقراطيين في الحصول على تنازلات تضمن إقرار التمويل.
اتهامات متبادلة

فترمب مُصرٌّ على أنه لن يتحمل مسؤولية أي إغلاق، ويوجه أصابع الاتهام إلى الديمقراطيين «المضطربين»، على حد وصفه.
من ناحيتهم، يسعى الديمقراطيون جاهدين إلى لوم الجمهوريين وترمب، مصرين على موقفهم الداعي لتمديد بعض الإعفاءات المرتبطة بالرعاية الصحية (أوباما كير)، وهو أمر رفضه ترمب رفضاً باتاً، إذ إنه يعدّ أن هذه الإعفاءات ستنطبق على المهاجرين غير الشرعيين، متهماً الديمقراطيين بـ«تدمير الرعاية الصحية في أميركا عبر توفيرها للملايين من المهاجرين غير الشرعيين».
وبغض النظر عن تفاصيل الجدل العلني، فما هو مؤكد أن حظوظ التوصل إلى تسويات تتضاءل تدريجياً، ما يعني أن الحل الوحيد لإبقاء أبواب الحكومة الأميركية مفتوحة هو تنازل الديمقراطيين عن مطالبهم، وهو ما فعله زعيمهم في الشيوخ تشاك شومر في السابق، عندما ساعد الجمهوريين في مارس (آذار) من هذا العام في إقرار التمويل الحكومي خشية تأثيره على حظوظ الديمقراطيين بالفوز في الانتخابات التشريعية.
فالإغلاق سلاح حزبي قوي يوظفه الطرفان لتوجيه اللوم وانتزاع دعم الناخبين، لكن التجربة أثبتت أن أسلوب الجمهوريين بشكل عام، وترمب بشكل خاص، في التواصل مع الناخب أقوى بكثير من أسلوب الديمقراطيين، وهذا ما تخشاه القيادات الديمقراطية.
الضحية هم الموظفون الفيدراليون

وواقع الحال أن مَن سيدفع ثمن هذه المواجهة المفتوحة آلاف الموظفين الفيدراليين الذين قد يستيقظون صباح الأربعاء من دون وظيفة يتوجهون إليها. إذ ستتوقف رواتبهم حتى إقرار مشروع التمويل. بعضهم سيضطر إلى الذهاب إلى عمله إذا ما وقع تحت خانة «الأعمال الضرورية» (وزارة الدفاع مثلاً)، وبعضهم الآخر لن يكون أمامه خيار سوى الانتظار أملاً في التوصل إلى تسوية.
وتتزامن هذه الأزمة مع أزمة أخرى يعيشها الموظفون، إذ شهدت البلاد يوم الثلاثاء موجة من الاستقالات الجماعية للموظفين الفيدراليين الذين وافقوا على عروض تقاعد مبكر قدمتها لهم إدارة ترمب، وصل عددهم إلى أكثر من 150 ألف موظف، في أكبر موجة استقالات جماعية لموظفي الخدمة المدنية في عام واحد منذ نحو الثمانين عاماً. وتُعَدّ هذه العروض حجر الزاوية في مساعي الرئيس دونالد ترمب لتقليص حجم القوة العاملة الفيدرالية وتوفير الأموال.
إغلاقات سابقة

إشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تعيش فيها البلاد إغلاقاً حكومياً، فعهد ترمب الأول شهد أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة امتد 35 يوماً بسبب الجدل حول تمويل بناء الجدار الحدودي، ما تسبب في اضطرابات كبرى للموظفين الفيدراليين والخدمات الحكومية.
كما شهد عام 2013 إغلاقاً استمر 16 يوماً في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بسبب محاولات الجمهوريين إلغاء أو تعديل قانون الرعاية الصحية (أوباما كير).
عهد كلينتون شهد إغلاقين حكوميين في عامي 1995 و1996، أحدهما استمر 5 أيام والآخر 21 يوماً، إثر خلافات بشأن الميزانية مع رئيس مجلس النواب الجمهوري نيوت غينغريتش.
وقد شهدت الثمانينات إغلاقات قصيرة الأمد، لبضعة أيام أو أقل، مرتبطة بخلافات على التمويل أو نزاعات سياسية.


